أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - ما وراء -كي الوعي- وما تحت الوعي المكوي















المزيد.....

ما وراء -كي الوعي- وما تحت الوعي المكوي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2538 - 2009 / 1 / 26 - 06:41
المحور: القضية الفلسطينية
    


بفتكهم الرهيب بغزة، لا يقوض الإسرائيليون المجتمع الغزاوي ولا يضعفون حركة حماس، بقدر ما ينهكون الطبقة العقلانية الأحدث من الوعي الفلسطيني والعربي. منذ الآن، بل وخلال العدوان ذاته، لم يعد أحد مستعدا لسماع شيء عن العقلانية. وخلال المقتلة ذاتها تصدر الصراخ الانفعالي والتهييج والتحريض كمقياس لحرارة الوطنية وسلامة الشعور القومي.
وقد أمكن لسياسيين محليين ومراقبين خارجيين أن يتكلموا أثناء العدوان ذاته على خدمة لقوى التطرف والتيارات الإرهابية تبرع بها العدوان الإسرائيلي.
وليس في إنهاك الطبقة الأحدث من تفكير قطاع واسع من الفلسطينيين والعرب أي سر خفي. فإذ تشن إسرائيل، مسنودة من الغرب الحداثي والعقلاني، "حربا مطلقة" على غزة، حرب إفناء سياسي ومعنوي منفتلة من أية ضوابط ومحرمات، فإنها لا تترك للغزاويين والفلسطينيين، ولجمهور عربي كبير متماثل معهم، فرصة للتماسك دون استنفار مطلقاتهم، بخاصة المطلق الديني الذي يضفي نسبية تامة على أية حلقة من حلقات صراع إسلامي يهودي. والمسرح الزمني لهذا الصراع هو الأبد الذي لا ينتهي إلا بيوم القيامة حيث يتحقق نصرنا ونفوز بنعيم الآخرة معا. قد لا تكون هذه الصورة حاضرة بصورة مباشرة في وعي أكثرنا، وقد لا تظهر آثار الاستنفار الديني بصورة مباشرة أيضا، لكن ما يقارب يقينا دينيا بالنصر النهائي في معركة فاصلة أو حرب مطلقة، حاضر بكثافة في الوعي العام، وعند القوميين كما عند الإسلاميين.
المشكلة في هذه الرؤية أنها تجعل كل معركة راهنة، مهما تكن كارثية علينا، موقعة عابرة في مخطط تاريخي أو فوق تاريخي ينتهي بنصرنا النهائي. ولهذا المخطط وحده قيمة مطلقة، فيما لكل ما يحصل قبل النهاية قيمة عابرة ونسبية، لا يكاد يكون لها شأن.
فمهما يكن عدد قتلانا فإنهم شهداء، شيء يضاف إلى رصيدنا ولا يخصم منه؛ ومهما يكن دمار مجتمعاتنا فإنه ثمن طبيعي للنصر. هذا غير إنساني، وغير عقلاني في العمق. ويبدو أن الإخفاقات التاريخية تغذي، بدل أن تضعف، هذا اليقين المتعالي على التاريخ بالنصر الأخير في نهاية الزمن.
***
كان موشيه يعالون، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي عام الفتك بجنين 2002 قد تكلم على "كيّ الوعي" الفلسطيني بالعنف المهول. التعبير نازي بامتياز، يذكر بالتجارب العلمية التي كانت تجري في معسكرات النازية على "شعب" معسكرات الاعتقال، اليهود قبل غيرهم. فكأن التنكيل بالفلسطينيين تجربة علمية تجرى على وعيهم، ضرب من علاج سلوكي بغرض تصنيع منعكسات شرطية مناسبة، تجعل الفلسطيني خروفا أو كائنا مسلوب الإرادة. وفي اعتباره الوعي الفلسطيني موضوعا يكوى، أو يحمص أو يشوى (الشوا في العبرية هي الهولوكست) بالقوة الإسرائيلية، ما يشير إلى تكوين فاشي مستبطن، مبني على لا مساواة جوهرية بين الكاوي والمكوي. بل على ضرب من علاقة ذات فاعلة وحرة بموضوع سلبي. فإذا كانت "الشوا"، شي اليهود في معسكرات الاعتقال النازية، وكيّ وعي الناجين منهم وأجيالهم اللاحقة، أثمرت تكوينا فاشيا اسمه إسرائيل يتعبد له الغربيون، فلماذا ينبغي لنتائج "كي الوعي" الفلسطيني والعربي أن تكون مختلفة؟ وإن دون عبادة من أحد، لعلها تقتضي أضحية مليونية.
والحال، ربما يستطيع الإسرائيليون أن يكووا وعي جمهور فلسطيني وعربي واسع، لكن فقط من أجل أن يتعاملوا مع لاوعينا السياسي. وما من سند للاوعي السياسي غير الدين على ما أبان ريجيس دوبريه في "نقد العقل السياسي". كان "الوعي" يقيد الأشباح والغيلان القديمة، فإذا انكوى، لم يعد ثمة ما يحجز الأشباح والغيلان هذه عن محاولة قض مضجع الإسرائيليين المحصنين ومن ورائهم. ومن أمامهم أيضا، أي أولئك الذين لم ينكو وعيهم كفاية منا. وهذا بالضبط ما يجري منذ عقدين على الأقل. تجوس غيلان لاوعينا السياسي العالم بين نيويورك وقندهار، مرورا بما بين الدار البيضاء وبغداد، ملحقة من الأذى أقله بإسبارطة الإسرائيلية قياسا إلى الأذى الذي تسببت به هي.
****
لكن ما كان للحرب الإسرائيلية المطلقة في غزة وقبلها في لبنان وقبلها في الضفة..، حتى لو كانت كاوية، أن تطلق الغيلان المقيدة وتدفع إلى استنفار مطلقاتنا، لولا أن ظهورنا في الأصل تكاد تكون ملتصقة بالجدار. إن مجتمعات مفقرة، محجورا عليها سياسيا، حظيت بتعليم متدن وحرمت من الثقافة والنقاش الحر، وفيها طبقات وسطى بالغة الهشاشة، مجتمعات محرومة بعدُ من التماسك الذاتي وتطوير بنية ذاتية، مجتمعات كهذه مرشحة للتصرف بطريقة منفعلة، تقارب رد الفعل الفيزيائي بالضبط لأنها غير متبنينة، لا تتوسط بنية متماسكة ذاتيا بين ضغوط وتنبيهات محيطها، ولو كانت كاوية، وبين عضويتها الحية المكشوفة. هذا يجعلها أسيرة رد الفعل، غير مؤهلة لتطوير سياسات ومناهج أكثر تعقيدا لاحتواء الواقعة الإسرائيلية وتحجميها.
كيف يمكن كسر هذه الدائرة المغلقة من الفعل ورد الفعل المباشر؟
نفترض أن الأولوية لتشكّل مجتمعاتنا في صورة تمكن أكثرية سكانها من مستويات أفضل من الحياة المادية والتعليم والمبادرة السياسية والحيوية الاجتماعية. ليس قدرا أننا، السوريين والمصريين والأردنيين والعراقيين واللبنانيين..، نعيش كما نعيش؛ ليس لأن إسرائيل جبارة ومعتدية أوضاعنا تعيسة، إسرائيل معتدية وجبارة لأن أوضاعنا تعيسة، هذا حتى لو سلمنا أنه ليس بالإمكان أن تكون أوضاع الفلسطينيين أحسن مما هي اليوم بسبب إسرائيل، وهو أمر لا نسلم به بحال.
تغيير الأوضاع هذه لا يجعلنا أكثر حرية ودراية بمعنى الحرية، بل قد ينشط الطبقة الأحدث، الأكثر عقلانية وإنسانية من وعينا، فيجعلها أمنع على الكي. هذا ما يتعين على أية حال أن نعمل من أجله. على أن استرجاع مسارات التاريخ يدفع إلى التشاؤم. إن ألمانيا، وقد كانت أكثر استنارة منا وحداثة حين تعرضت لإذلال معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى، قد سلمت روحها للنازية بعد عقد ونصف من نهاية الحرب. وسرعان ما اندفعت تحطم أوربا بعد سنوات قلائل، شاوية في دربها ستة ملايين يهودي. هنا أيضا، لماذا نتوقع أن يكون أمر إذلال العرب مختلفا؟
المستقبل طويل ولا أحد يعرف ما يخبئ. وقد يكون كل ما رأينا شيئا طفيفا مما سيرى العالم يوما.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد لبنان.. خواطر في شأن بيروت والثقافة والحرية
- أنهاية الردعية الإسرائيلية؟!
- كسر حالة اللابديل... فلسطينياً وعربياً
- .. لكن أين يوجد -العرب-؟!
- بلى، هناك بديل فلسطيني!
- قضية عدالة جوهرية، لا تتقادم ولا تستلب
- مشروع لقتل الناس جميعا!
- حماس وعبّاس والشيطان
- في الطائفية والهيمنة والمعرفة السياسية
- الثقافة والطائفية: شروط إمكان دراسة نقدية
- الزيدي وبوش والحذاء...سخرية في بطن سخرية!
- إصلاح النظام أم استعادة الجولان؟
- في نقد تصور الوطنية القومي العربي
- بصدد -الأخلاقوية- و-الحضاروية- و.. السياسة
- ضد إدراج حقوق الإنسان في أجندة العلاقات بين الدول
- وجهان لدينامية الصراع العربي الإسرائيلي
- لا حل إسلاميا للمشكلة الطائفية
- أي نقد للقومية العربية؟
- في العروبة والوطنية السورية: المحصلة الصفرية ليست محتومة
- القرضاوي وخصومه: من الأمة الدينية إلى الأمة السياسية


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - ما وراء -كي الوعي- وما تحت الوعي المكوي