أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد حاشوش - الوجهاء














المزيد.....

الوجهاء


سعيد حاشوش

الحوار المتمدن-العدد: 2538 - 2009 / 1 / 26 - 05:50
المحور: الادب والفن
    


إلى قريتي أبو حلوة
فزاعات الطير تنوء بحمل بنادق غير محشوة بالرصاص ، تصطف كأعمدة الكهرباء على الطريق .. سيارات الحماية تعوي ككلاب سائبة مهجنة ببنات آوى .. تعثرت قدماي بجذور خرقاء متفرعة على اللاشيء .. أتأرجح بثقل عشرات الأكياس من جبس الذرة وهي تنحدر من كتفي كأعذاق خلال أصفر لنخلة مترعة بالماء .. ثمة نمو أرعن وصبياني للخوف .. تصطادني مصابيح سيارات الشرطة كسمكة
محاصرة في نهر جف فيه الماء ... الأفعى السوداء المضطربة تلتف بأكوام الحجر والنفايات ، تنفخ ريحا نتنة .. حين اصطادني الضوء كنت مختفيا تحت العذوق الصفر ورأسي وحده يدور في الفراغ .. رأس أشعث ولحية نافرة فيما اصطف وجهاء القرية بدوائر غير مكتملة ومازال بعضهم ينبجس من الظلمة المحيطة بالأفعى .. حزمة ضوء من مصباح يدوي تكشف الأقدام الحافية للوجهاء وهم يرفسون الأرض على نغمات دف يطبل في الدماغ .. انسل مسؤول الفرقة الحزبية من بين عصبة تحمل المسدسات تحت الآباط المشعرة ، ينفجر لباسه الزيتوني بضوء براق حين أقعى للأرض وقوس ظهره وبرزت عجيزته منتفخة كمؤخرة القرد . كان المسؤول يهز بعجيزته كمن له ذيل طويل .. غارت عيون الوجهاء في تجاويف مظلمة .. أراهم الآن .. أحدهم ينظر بوجه الآخر ولا يراه .. تكشف المصابيح الصارخة كبنات آوى وجوههم العابسة ... أسمع المسؤول يأمرهم بصوت بارد ... هكذا يجب أن تكون الهوسة لاستقبال السيد المحافظ .. ظل الوجهاء يتدربون على حركات وإيقاعات دخيلة لم يألفوها بعد .. ثمة تطور خفي في انحناءات الأجساد .. تتقولب بمؤخرة كلب يهز ذيله وتارة تتجسد بمؤخرات قردة هزمت في الحرب .. المسؤول الحزبي وحده يمتلك إليتين ممتلئتين بشحوم على وشك الانفجار كإليات القردة .. تنوشان يدا القرد الأشواك وأكوام الحجر ، يقفز بغريزة ذكورية وينشر ظلاله السود على وجوه أعيان القرية .. تتطاول الظلال وتنداح بعيدا على أكوام النساء المتلفعات بعباءات سود ككائنات لا تمت بصلة للبشر . وتصدح حنجرة المغني .. هلا بالزين ولد الزين ... والله حلوة أخباره ... تكتمل دوائر الوجهاء وتسقط للأرض تيجانهم السود التي تؤطر كوفيات مرقطة تنسدل بخذلان على الكتفين ... يكشف المصباح شيخا أشيب تعثر بذيل عباءته وكبا على الأرض . توقف الضوء على عجيزة الشيخ المكونة من عظام ناتئة منحوتة من سوء تغذية يعود لعشرات السنين . ثمة هلاهل انبثقت من تلك الكائنات الشبيهة بالبشر ... امتزجت الهلاهل بطقوس القرية من دخان تنانيرها ونافورات البق التي تسبح في الضوء بدوائر حلزونية . وبغتة اصطادني الضوء المنبعث من سيارة بنت آوى .. أأتلق بوهج انعكس من أكياس الجبس الأصفر وقبالتي ينتصب أحد رجال الجيش الشعبي يحثني على الرقص.. نحن نعرف أن السيد المحافظ لن يأتي بل ولم يات في الليل أبدا .. ومن يدري .. من المحتمل أن يأتي .. انظر فوج الحماية يجب أن نكون على أتم الاستعداد لاستقباله قلت له : أنا بائع جبس فقير ولست من السادة الوجهاء .. متعب .. امرأتي تنتظر والأطفال ، اشتريت لهم الباقلاء للعشاء .. متى تطبخها ..؟
لا أعرف بالضبط ما الذي جعله ينفجر بغضب مكبوت .. أي وجهاء .. انهم يعتقدون بأنهم ذوو سطوة ومحترمون .. كل فطر في أقدامهم بطول الإصبع .. أنت وهؤلاء العمال الذين خلفك .. قفوا .. بالنظام .. في دائرة .. ياألله .. قفوا بسرعة... وسمعت صليل سحب أقسام البندقية ، وقفت في دائرة للعمال المتعبين .. رجل الجيش يقف في مركز الدائرة .. ويردح كدمية آلية .. هو يقول :
هي مجرد هوسة لكني أشعر بأني أرقص تحت تهديد السلاح ، ونافورة للبق تصعد كلولب للأعالي .. كإعصار صغير من طيور بالغة الصغر تطن بصوت أليف ، تغدق من الضوء المؤتلق لأصابع الجبس .. ترافقني الكائنات في تلك الرقصة .. لأول مرة في حياتي أرقص على لحن جماعي تتساوق خطواتنا وترفس الأرض .. يتطاير التراب ونسحق الجذور المتفرعة فوق الأرض بعد أن يئست من الأعماق المظلمة .. أشعر أن يديّ تحت الأكياس أشبه بجناحي طائر يريد أن ينطلق لكنه مازال محبوسا في قفص .. أشعر بأني نغمة .. مجرد نغمة في لحن جماعي أو كقطرة من ماء النهر العذب .. لكن الظلام يداهمني كلما أرنو للنهر وأكمات النخيل والرائحة المشبعة بكائنات ميتة . الليل الطويل .. الطويل والتراب الثقيل بالبعوض ودخان التنانير والسعف المتدلي كأجنحة غربان ميتة .. أشعر ان تلك الجذور .. العثرة .. تبحث عن ماء .. النهر الذي يزبد منذ فجر الخليقة صار حوضا للمجاري بعد ان غص بلعومه بالقمامة والأحجار وثمة بقرة طافية .. شبعت موتا .. لا سيل يبعدها .. الريح نائمة في ذلك الليل الصيفي الرطب .. الريح مشبعة بالموتى .. القردة وحدها ترقص من الخوف .. يرتجف القرد كطير على وشك أن يسقط في فم قطة .. يدور الوجهاء في رقصة شعبية حول عدو معلوم ومستهدف . يطلقون نارا وهمية من العصي والمساحي .. تتزامن الطلقات مع إيقاع الدف الناقر في الدماغ .. العدو المجهول المعلوم . ولم يدرك المسؤول ان الوجهاء عادوا وجهاء من تساوق الإيقاع في رقصة الحرب ، وحده ظل يرقص بغريزة القرد .. أنا الآخر .. المتعب والمجهد أرقص بلحن جماعي وأطير عاليا .. ذاكرتي وحدها تضخ صورا تومض مسرعة للحاج طعمة وهو يتسلق النخلة العالية ويؤذن بلحن شجي .. وسعف أخضر كثيف وعروق النخل تخط في المياه .. الأمواه تسيح في الجداول والشاخات .. الماء في كل مكان .. كالبلور الشفيف أرى فيه الأسماك تعوم خلل الطحالب .. فوق القاع ... ذلك الماء.......



#سعيد_حاشوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوس قزح أبيض...قصة قصيرة
- نحن الحطب بعد شتاء أكلتنا الأرضة
- اليحامير


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد حاشوش - الوجهاء