أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - العنكبوت















المزيد.....



العنكبوت


شاكر خصباك

الحوار المتمدن-العدد: 2538 - 2009 / 1 / 26 - 05:50
المحور: الادب والفن
    


مسرحية في ثلاثة مشاهد
شخصيات المسرحية :
منيرة – الزوجة : تقارب الخمسين
جابر – الزوج : في الخمسين .
عاصمة- الابنة الوسطى : في الخامسة والعشرين .
باهر- الابن الأصغر : يقارب العشرين .
كريم – العم : يقارب الستين .
ثامر – زميل باهرة : يقارب الثلاثين .
خادم


المشهد الأول
صباحاً
( ردهة فسيحة باذخة الرياش)
باهر : ( يتحدث في التلفون وهو مستلق على الأريكة ) أهّة .. أهّة .. وأنت
ماذا قلت لها ؟ أهّه .. أهّه .. وهي ماذا قالت لك ؟ كذاب .. كذاب .. اسمع .. اسمع .. بشرفك صحيح ؟ أنا أعرفك تضرب الواحد بعشرة .
( تدخل باهرة وتجلس على مقربة من باهر)
باهر ( مواصلاً حديثه في التلفون دون أن يلتفت إليها ) اسمع لؤي .. عندك
أخبار عن فرقد ؟! رأيته ؟ متى ؟ أمس ؟ أين ؟ (وهو يطلق ضحكة صاخبة) خر بشرفه.
باهرة : باهر .. أرجوك .. اختصر .. أريد أن أخابر .
باهر : ( مستمراً في حديثه دون أن يكترث لها ) هذا شيء ليس غريباً عليه ..
ياما أخبرتكم أنه يلعب عليكم فلم تصدقوني .. أهّه .. أهّه ( يطلق ضحكة صاخبة) الآن حصحص الحق كما قال معلم العربي .
باهرة : ( في نفاد صبر) باهر .. عندي مخابرة مهمة .. أرجوك .
باهر : ( يشاور بيديه في احتجاج وهو مستمر في حديثه ) اسمع .. اسمع لؤي
.. هل ستأتي عصراً للنادي ؟ عندنا طبخة ممتازة .. لا أستطيع أن أحدثك عنها الآن فالأرض محظورة .. لا والله .. اسمع .. تعال عصراً لتعرف كل شيء .. اتفقنا ؟ إلى اللقاء أبو الشباب .. See You .. باي باي .. ( يضع التلفون ويلتفت إلى باهرة حانقاً ) أمن الضروري أن تقاطعيني كلما رأيتني أخابر ؟
باهرة : التلفون ليس لك وحدك حتى تشغله بالثرثرة الفارغة .
باهر : ليس كل الناس كلامهم فلسفة مثلك .
باهرة : إذا كان ليس لدى البعض سوى الثرثرة فليختصروها على الأقل ،
فالتلفون لم يخترع من أجل الكلام الفارغ .
باهر : ولم يخترع أيضاً من أجل أن يتحدث الناس فيه فلسفة ( يرن التلفون
فتحاول باهرة رفعه لكن باهر يسبقها إليه )
باهر : ألو ؟ ( في صيحة انبهار) هشام ؟! أين كنت كل هذه المدة ؟ أسبوع غائب عن النادي ؟ خر بشرفك .. لا تتحجج بالامتحان .. متى كنّا نهتم بالامتحان ؟ كل الربع يسألون عنك .. لماذا لا تأتي اليوم ؟ اسمع .. اسمع .. أنا سأكون عصراً في النادي .. كل الربع سيأتون .. قبل قليل كنت أخابر لؤي وتواعدت معه عصراً .
باهرة : ( في صوت غاضب) عندي مخابرة مهمة .. ألا تفهم ؟
( تدخل منيرة)
منيرة : هل تتعاركان على التلفون أيضاً ؟
باهرة : منذ ربع ساعة وهو يحجز التلفون في ثرثرة فارغة .
باهر : ( مستعجلاً في الحديث) حاول أن تأتي عصراً .. ربما خابرتك فيما بعد
أنا مضطر لقطع المكالمة .. إلى اللقاء أبو الشباب .. See Yoou .. باي باي . ( يلقى السماعة بعنف ويلتفت إلى منيرة غاضباً ) شوفي لي حلاً مع باهرة يا أمي .. لا يمكن أن تراني أخابر ما لم تنغص عليّ المخابرة .
منيرة : إلى متى ستظلان تتعاركان على التلفون ؟
باهرة : (في احتجاج) وإلى متى يظل يحجز التلفون يا ماما ؟
باهر : (لباهرة) وهل تريدينني أن أقاطع أصدقائي ؟
باهرة : ألا يتقن أصدقاؤك غير الثرثرة في التلفون ؟
باهر : مالك أنت وأصدقائي ؟ أصدقائي من أحسن الشباب .
باهرة : ( في تهكم) طبعاً فأحسن الشباب لا شغل ولا مشغلة لهم سوى الثرثرة في التلفون وقتل الوقت في النوادي والرسوب في الامتحانات .
باهرة : لا أنا ولا أصدقائي تلاميذ في مدرستك حتى تحاسبينا على رسوبنا .
باهرة : ( مستمرة بلهجتها المتهكمة) وأحسن الشباب هم الذين يقضون وقتهم
في مطاردة بنات الناس .
منيرة : خذي التلفون يا باهرة ولا لزوم لهذا الكلام .
باهر : ( في هزء) وهل صرت محامية عن بنات الناس؟ هل زوّدوك بوكالة
رسمية ؟
باهرة : انتبه يا باهر00 إنني أحذر صديقك للمرة الأخيرة ألاّ يتعرض للست سعاد وإلاّ فلا يلم إلاّ نفسه ، وقد أعذر من أنذر . ( تخرج وهي تحمل التلفون).
باهر : ( صائحاً وراءها) بل حذّريها أنت من التعرّض له وإلاّ فذنبها على جنبها .
منيرة : ( بعد لحظة ) أختك شكت لي مراراً من صديقك هذا يا باهر . فلماذا لا
تنصحه بعدم التعرض للست سعاد ؟
باهر : وهل صدقتيها يا أمي ؟ أصدقائي لا يتنازلون ويتعرضون للبنات .. هنْ
اللواتي يتعرضن لهم .
منيرة : أختك باهرة لا تكذب .
باهر : أنا لا أقول إنها تكذب لكن صديقاتها يكذبن ( وهو ينظر إلى أمّه ضاحكاً) وسأطلعك على سر من أسرار الشباب يا أمي فالست سعاد هذه تريد أن توصل عن طريقي رسالة إلى صديقي ماهر الذي يتعمد تجاهلها ، هذا كل ما في القضية ( يطلق ضحكة صاخبة) .
منيرة : ( وهي تهز رأسها مبتسمة) بنات اليوم ما كرات !
باهر : ( وهو يهم بالخروج) بالمناسبة .. أنا في حاجة إلى مبلغ تحت الحساب
يا أمي .
منيرة : ( مبتسمة ) وهل صرفت " أسبوعيتك" كلها يا باهر ؟
باهر : (في احتجاج ) وهل " أسبوعيتي" هذه فلوساً يا أمي ؟! اعلمي يا أمي أن أصدقائي يلعبون بالفلوس لعب .. أما أنا فأبدو بينهم كالشحاذ .
منيرة : لا يا باهر .. لا تقل هذا .. أنت لست أقل منهم مستوى .. وأنا قلت لك
مراراً أن أي مبلغ تحتاجه أخبرني ولا تجعل نفسك دون مستواهم .
( يدخل جابر)
جابر : هل بدأت يومك بمناقرة أختك يا باهر ؟
باهر : إنها هي التي تناقرني يا أبي ، كلما رأتني أتحدث في التلفون تعمدت قطع مكالمتي .
جابر : معها حق ! ما حيلتها إذا كنت تشغل وقتك كلّه في حجز التلفون واللغو مع أصدقائك ؟
باهر : ( في احتجاج) ألا يحق لي إذن أن أخابر أصدقائي أو يخابروني ؟
جابر : ( متهكما) وهل المفروض أن تقضوا وقتكم كلّه في المخابرات ؟ ولكن
معكم حق فهذه هي نتيجة الفراغ والتبطل .
باهر : ليس لأصدقائي وقت فراغ يا أبي .. هم مشغولون دائماً .
جابر : ( وهو يضحك متهكماً) معك حق في ذلك ولهذا يبقون في كل صف عامين أو ثلاثة .
باهر : ومن قال إن النجاح في الدراسة هو الكل في الكل في الحياة يا أبي ؟
أصدقائي جميعهم من الناجحين في الحياة العملية .
جابر : ( متهكماً) صدقت يا باهر .. لا شك أنهم ناجحون في حياة اللهو والعبث!
باهر : ( لمنيرة) أرأيت يا أمي ؟ أبي دائماً يتجنى على أصدقائي .
منيرة : لا لزوم للتجني على أصدقائه يا جابر .
جابر : ألم يقل أنهم ناجحون في الحياة العملية ؟ فأي نوع من الحياة العملية
يمكن أن ينجح فيها مثل أولئك الأصدقاء ؟!
باهر : كلهم يعمل في التجارة يا أبي وقد حققوا نجاحاً خرافياً ، والبعض منهم صار يلعب بالفلوس لعب .
جابر : ( بلهجة جدية) لا بد أنهم يقومون بصفقات مشبوهة إذن أو يتاجرون في الممنوعات أو يستغلون نفوذ آبائهم .
باهر : أنت فقط لا تساعدني يا أبي ، ولو فتحت لي مكتباً تجارياً لرأيت كيف أنجح ، جربني وسترى كيف سألعب بالفلوس لعب .
جابر : ( في سخرية) انجح في الدراسة أولا قبل أن تنجح في التجارة وتلعب
بالفلوس لعب .
منيرة : سنفتح لك مكتباً تجارياً حالما تنال شهادة الكلية يا باهر .
باهر : ( في صيحة ساخرة) مبروك !! ( وهو يرمي أمّه بنظرة متهكمة ) هل
سأنتظر كل هذه السنوات لتفتحوا لي هذا المكتب ؟ سيصبح أصدقائي مليونيرية أثناء ذلك وأنا مازلت حافياً .
جابر : بدلاً من أن تشغل نفسك بهذه الأحلام الفارغة أدرس بجد وانجح .
باهر : (في استياء) أنا الوحيد بين أصدقائي الذي يعامله أهله مثل هذه المعاملة الظالمة ، كل أصدقائي يستجيب أهلهم لرغباتهم .. أنا الوحيد بين أصدقائي الذي ليس لديه سيارة خاصة .. هذا ظلم ( يخرج غاضباً)
منيرة : ( بعد لحظة) الحق معه إن تظلّم يا جابر .. هو الوحيد بين أصدقائه الذي ليس لديه سيارة خاصة فعلاً
جابر :وهل نسيت يا منيرة أنه حطّم قبل أشهر السيارة الثانية وكاد يودي بحياته؟
منيرة : كل أصدقائه عملوا حوادث لكن ذلك لم يمنع أهاليهم من شراء سيارات
أخرى لهم .
جابر : ولماذا يجب أن يكون له سيارة خاصة مادام يسوق بهذا التهور ؟ الله
يرحم أيام زمان حينما كنّا نقطع المسافات الطويلة إلى المدرسة مشياً على الأقدام .
منيرة : وهل تريد من أبنائنا أن يعيشوا كما عشنا وأن يقاسوا ما قاسينا ؟ ما فائدة غنانا إذن ؟
جابر : ليس فائدته أن نفسد أبناءنا يا منيرة وأنا أحذرك من مغبة ذلك .
منيرة : لا يا جابر لا .. نحن نقسو عليه .
جابر : ( بسخرية خفيفة) ومن تقصدين بـ (نحن) ؟
منيرة : أقصدك أنت وباهرة على الخصوص . أما يكفيه ذلك ؟
( تدخل باهرة وهي تحمل التلفون )
باهرة : ( باحتجاج ) وماذا فعلت يا ماما لأكون قاسية عليه ؟
منيرة : أنت دائماً تنتقدينه وتنتقدين أصدقاءه .
باهرة : أليس من واجبي أن أنتقد أصدقاءه إذا كانوا من السفهاء؟
منيرة : لا . لا .. أنتما تقسوان عليه .
( تدخل عاصمة)
منيرة : ( لعاصمة) تعالي يا عاصمة واحكمي بيننا .. تعالي أيتها الحكمية .
عاصمة : اتركيني خارج قوس يا أمي .
جابر : ( وهو يضحك) أنسيت يا منيرة أن عاصمة دولة محايدة؟
منيرة : ليت باهرة تكون مثل عاصمة وتكف عن محاسبة باهر والتدخل في شئونه.
باهرة : أنا لست مثل عاصمة سلبية تجاه الحياة من حولي يا أمي .
منيرة : ولماذا سلبية ؟ هل المفروض أنها مسؤولة عن إصلاح الكون ؟! أنت وحدك التي تفكر هكذا ، وكل ذلك نتيجة للكتب التي ستعمين عينيك بقراءتها0
باهرة : الكتب هي أثمن شيء للإنسان يا ماما .. هي التي تكبرّ عقله وهي التي
تفتح عينيه على حقائق الدنيا ، ومن لا يتعامل مع الكتب يخسر أعظم متعة في الحياة .
منيرة : ( بسخرية ) وماذا نفعتك الكتب سوى أنها لوت رأسك ؟
عاصمة : ( بلهجتها نصف الجدية) هناك متعة أعظم منها يا باهرة .
باهرة : وما هي ؟
عاصمة : متعة النوم !
باهرة : وهل هناك متعة في النوم يا عاصمة ؟ النائم كالميت ، فما الداعي لأن
يستعجل الإنسان موته ؟
منيرة : فأل الله ولا فألك ، مالك تتفاولين لنا بالموت في هذا الصباح ؟
باهرة : ( لعاصمة) من المؤسف أنك تحرمين نفسك من القراءة يا عاصمة ولو
عودت نفسك عليها ما فضلت شيئاً عليها .
جابر : ( وهو يهز رأسه ) عين العقل ما تقولين يا باهرة ، وللأسف أن عملي
يلتهم كل وقتي حتى أجدني عاجزاً عن قراءة كتاب واحد في العام .
باهرة : من الغريب يا بابا أنك لم تعتد هذه العادة يوم كنت تعيش مع عمي ، ومن الطبيعي ألاّ يسمح لك وقتك الآن بالقراءة ما دمت تجهد نفسك بالعمل هذا الإجهاد ، ( وهي تضحك) أنت تركض يا بابا من أجل الكسب دون أن تتوقف وتلتقط أنفاسك .
جابر : ( يهز رأسه) معك حق يا باهرة ( وكأنه يخاطب نفسه) ويبدو أنه ليس هناك نهاية لهذا الركض .
منيرة : ( لباهرة بتهكم) وكيف كنت ستعيشين في هذا الغنى لو لم يركض أبوك ؟ كان حالنا سيكون حال عمك .
ياهرة : وما العيب في حال عمي ؟ إنه يعيش في أحسن حال يا ماما .
منيرة : ( ساخرة) في أحسن حال وهو يعيش عيشة الكفاف ؟
باهرة : نعم يا ماما .. إنه يعيش أسعد من أي غني من الأغنياء .
منيرة : أنت تقولين ذلك لأنك تعيشين في عز الغنى منذ كنت طفلة ولا تعرفين
شيئاً عن ذل الفقر ( وهي تهز رأسها كالمخاطبة نفيها) اسأليني أنا عن ذلّ ومرارة الفقر .
جابر : ( لمنيرة) أنا أيضاً يا منيرة كنت أعيش سعيداً حينما كنت في كفالة أخي 0
برغم عسر أحوالنا المادية .
منيرة : لا تكابر يا جابر .
باهرة : ولماذا يكابر يا ماما ؟ هذه هي الحقيقة . فأنا كلما زرت عمي أحسست
كأن السعادة طير يرفرف في سماء البيت .
منيرة : ( وهي تهز رأسها استخفافا) هذه نتائج قراءتك للكتب ومخالطتك
للمعلمين !
باهرة : ( بعد لحظة بلهجة مترددة وهي تبتسم ) بمناسبة مخالطتي للمعلمين بودّي أن أعرّفكم بواحد من زملائي .
منيرة : لسنا بحاجة لمعرفة أي واحد من زملائك المعلمين ( وهي تهز رأسها استخفافاً ) أنا شخصياً يكفيني معرفة واحد منهم .
باهرة : ( وهي تنظر إلى أبيها وعاصمة )هو شخصية مثقفة جداً وأنا واثقة أنكم ستسرون جميعاً بمعرفته .
منيرة : (بتهكم ) وماذا تهمنا ثقافته ؟ يكفينا ما تكسبين أنت من ثقافة .
جابر : ومن هذا الزميل يا باهرة ؟
باهرة : إنه الأستاذ ثامر مدرس اللغة العربية .
منيرة : (في تهكم ) ما شاء الله ! لم يبق لنا إلا أن نستقبل رجالاً غرباء في بيتنا لا لشيء إلاّ لكونهم مثقفين .
باهرة : ولكنه ليس غريباً يا ماما .. إنه زميلي في المدرسة .
منيرة : وإذا كان زميلك في المدرسة ، أليس هو غريباً بالنسبة لنا أو حتى لك؟
باهرة : ( لعاصمة في رجاء ) ما رأيك يا عاصمة ؟ ألا تودين معرفة هذا الشاب المثقف ؟
عاصمة : (بلهجتها نصف الجدية ) أنت تعلمين أنني لست من هواة الثقافة يا باهرة .
باهرة : ( بلهجتها المتوسلة ) ولكنك لن تخسري شيئاً بمعرفته يا عاصمة .
عاصمة : (تتأمل باهرة لحظة ثم تهز رأسها ) مادام الأمر يهمك فلا مانع عندي.
باهرة : (بفرح ) شكراً يا عاصمة .
( يدخل باهر ويقف مصغياً للآخرين )
منيرة : ولكن أنا عندي مانع .
باهرة : ( في رجاء ) ولماذا يا ماما ؟ لماذا ؟
منيرة : لم نعتد استقبال الرجال الغرباء في بيتنا 0
باهرة : لكنه زميلي يا ماما (بلهجة متوسلة) ويهمني أن تتعرفوا عليه0
باهر 0 : (يضحك ضحكة صاخبة ويصفق بيديه) أهّه00 الآن حصحص الحق كما قال معلم العربي 00صرنا نستقبل الرجال الغرباء في بيتا0
جابر :لا تتدخل فيما لا يعنيك يا باهر0
باهر :وكيف لا يعنيني يا أبي؟ نستقبل الرجال الغرباء في بيتنا ولا يعنيني؟
0جابر : ( بلهجة ساخرة ) اهتم بدراستك قبل أن تهتم بشؤون الآخرين (متلفتا إلى منيرة ) لماذا تحرميننا من هذه الفرصة يا منيرة ؟!
منيرة : لسنا معتادين على استقبال رجالاً غرباء في بيتنا .
جابر : ما دامت باهرة تراه كل يوم في المدرسة فهو ليس غريباً يا منيرة .
منيرة : وإذا كانت تراه في المدرسة00 ما شأننا به ؟ ( وكأنها تحدث نفسها ) هذا ما نابنا من المدارس المختلطة .
باهرة : ( في توسل ) ماما .. أرجوك .. أريدكم أن تعرفوا هذا الشاب .
باهر : ( وهو يتشمم الهواء بطريقة كوميدية ) اهّه00 أشم رائحة زنخة في الهواء .
منيرة : يكفينا معرفة معلم واحد في العائلة .
باهرة : ماما .. أرجوك .. لا تكوني متعسفة إلى هذا الحد .
منيرة : أمن الواجب عليّ معرفة أناس غرباء أو أكون متعسفة ؟
عاصمة : لا ضرر من معرفته يا أمي ما دامت هذه رغبة باهرة .
منيرة : ( وهي تتأمل الوجوه من حولها ) ولماذا هذا الإصرار على معرفته ؟! من يكون ؟!
عاصمة :( بلهجة جادة ) شخص يحظى باهتمام باهرة يا أمي .
باهر :(وهو يصفق بيديه في صخب ) أهّه00 الآن حصحص الحق كما قال معلم العربي0 .
منيرة :هذا ما نابنا من المدارس المختلطة .
جابر : ( لمنيرة ) أنا أرى أنه لا ضرر من معرفة هذا الشاب يا منيرة .
باهرة :0(وهي ترنو إلى أبيها في امتنان)شكرا يا بابا0
عاصمة :وأنا أرى نفس الرأي أيضا0
باهرة : شكراً يا عاصمة .
منيرة : ( ملتفتة إلى عاصمة ) وما علاقتنا به يا عاصمة حتى نستقبله في بيتنا؟
عاصمة : إنه زميل باهرة يا أمي .
باهر : ( باحتجاج ) وأنا ؟ أليس لي رأي في القضية ؟
جابر : ( لباهر ) أنت تحسن صنعاً لو اهتممت بدراستك ولا أظننا بحاجة لمشورتك .
باهر : هكذا إذن ؟! ( يصفق بيديه بشدة ) أهه00 الآن حصحص الحق كما قال معلم العربي . (يهتف بسخرية وهو يلتفت إلى باهرة ) مبروك !
عاصمة : ( لباهر ) أظننا سمعنا منك هذه العبارة عشرات المرات يا باهر .
باهرة : أنت تدرين يا عاصمة انه ليس بارعاً إلا بالثرثرة الفارغة .
باهر : أنا على الأقل إنسان صريح أقول وأفعل ما أعتقد به وليس مثل غيري ممن يقدم النصائح للآخرين ويعمل خلافها .
جابر : (هازئا) ولماذا لا تقدم لنا نصائحك الغالية في هذا الموضوع ؟ لعل تجاربك الغنية في الحياة تنفعنا .
باهر : تجاربي في الحياة مهما تكن هي تجارب عملية مستمدة من الواقع يا أبي وستدهشون يوماً لما سيكون لهذه التجارب من قيمة خرافية .
جابر : (بلهجته الساخرة ) أنعم وأكرم !!
منيرة : ( وقد بدا على وجهها الاستسلام ) أنا أعلم أنك عنيدة ولا فائدة من الجدل معك يا باهرة .
باهرة : ( وهي ترنو إلى منيرة برجاء) هل يمكن ان يحضر عصر اليوم يا ماما؟
منيرة : ( في انزعاج ) ماذا تقولين ؟! عصر اليوم ؟ ولم العجلة ؟! لماذا لا يكون في الأسبوع القادم او الذي يليه أو أي يوم نكون فيه مستعدين فيه للقائه؟!
باهرة : ( لمنيرة بنظرات متوسلة ) لأنني اتفقت معه على هذا الموعد يا ماما.
منيرة : (مستاءة ) ما شاء الله ! ما شاء الله ! أرأيتم ؟! كل شيء متفق عليه !
جابر : وما الذي يمنع من لقائه اليوم يا منيرة ما دمنا وافقنا على ذلك ؟
عاصمة : فعلاً يا ماما ، مادمت وافقت على لقائه فلماذا لا يأتي اليوم ؟
منيرة : لكننا لسنا مستعدين للقائه .
جابر : ( ضاحكاً ) خير البر عاجله يا منيرة .
باهرة : ( وهي ترمق منيرة بتوسل )أرجوك يا ماما وافقي .
منيرة : (وهي تتأمل الوجوه بنظرات ساخطة ثم تهز رأسها ) أمري إلى الله.
باهرة : ( يهتف بلهجة ساخرة مبروك ! ) وهو يقفز في الهواء ويطلق ضحكته الصاخبة ويصفق بيديه ) الآن حصحص الحق كما قال معلم العربي.
- ستار -

المشهد الثاني
عصراً
( حركة نشطة في الردهة ، الخادمة تنتقل من مكان إلى أخر تبدل في وضع الأثاث حسب
توجيهات منيرة ، تدخل باهرة)
باهرة : ( وهي تتأمل المكان حواليها ) لماذا يا ماما كل هذه التغييرات ؟
منيرة : " الصالة " تحتاج إلى تجديد . من مدة لم نغيّر في وضع الأثاث ولم نخرج التحف الجديدة .
باهرة : ولكن لماذا هذه التغييرات اليوم بالذات يا ماما ؟
منيرة : ( في تحد ) ولماذا ليس اليوم ؟
باهرة : " الصالة " من الفخامة بحيث لا تحتاج إلى إضافة فخامة جديدة لها.
منيرة : ( في تهكم ) اطمئني فلست اعتبر زيارة معلمك مناسبة هامة او ذات مستوى رفيع .
باهرة : ( في تودد ) ماما أرجوك لا تقفي من ثامر هذا الموقف المتحيز ، كيف سيكون حكمك عليه حياديا وأنت تتخذين منه هذا الموقف المعادي ؟
منيرة : أنا لا يهمني أمره حتى أتخذ منه موقفاً معادياً .
باهرة : " في استعطاف " أرجوك يا ماما أن تستقبلي ثامر استقبالا حسناً.
منيرة : " وهي تدمدم " هذا ما نابنا من المدارس المختلطة ، نستقبل الرجال الغرباء في بيتنا !
جابر : المدارس المختلطة أثبتت نجاحها يا منيرة فلا تتجني عليها.
باهرة : فعلاً يا بابا ، ومن حسن حظي أنني عيّنت في مدرسة مختلطة ، فأنا أشعر بالمتعة في الحديث مع زملائي المدرسين ، أما زميلاتي المدرسات فلا حديث لهن إلاّ عن الملابس والحلي وأنواع الأكلات ومشاكل الأطفال .
جابر : ( وهو يضحك ) مع أننا الرجال نمثل الجنس الخشن كما تقولون عنا .
منيرة : ( لباهرة ) كان يجب أن تخلقي رجلاً لا امرأة فأخلاقك أقرب إلى أخلاق الرجال .
جابر : لكل ظروفه وللظروف حكمها يا أستاذ ثامر .
ثامر : هذا صحيح يا سيدي العم ، ولكن هناك من يقهر الظروف (وهو يرنو إلى باهرة ) خذ مثلاً الآنسة باهرة ، فهناك جوانب كثيرة في خلقها تناقض ظروفها .
جابر : ( وهو يبتسم ) وما هي تلك الجوانب يا أستاذ ثامر ؟
ثامر : الجانب الأول تميزّها بهذه المشاركة الوجدانية العميقة للناس في همومهم الحياتية مع أن ظروفها المادية قد تجعلها أبعد زميلاتها أو زملائها عن مثل هذه المشاركة .
جابر : ( وهو يبتسم) الناس لبعضها كما يقول المثل يا أستاذ ثامر .
ثامر : بالطبع هذا ما ينبغي أن يكون يا سيدي العم ، ولكن كم واحداً منا يفكر على هذا النحو خصوصاً إذا كانت ظروفه مريحة ولا يشكو هموماً مادية ؟
منيرة : ( في سخرية مبطنة) طول عمر باهرة وهي تشغل نفسها بشؤون غيرها.
ثامر : أنا لا أقصد هذا المعنى يا سيدتي العمة ، أنا أقصد أنها تشارك الآخرين وجدانياً .
منيرة : ولكن أليس من الأفضل أن يهتم كل واحد بشؤونه ؟
ثامر : للأسف هذا ما يفعله أغلب الناس يا سيدتي العمة فلا يعنون إلاّ بأمورهم الذاتية ( وهو يبتسم) لكن تقاليدنا وتعاليم ديننا تحثنا على غير ذلك ونبيّنا قد أوصانا بسابع جار .
منيرة : النبي أوصانا بسابع جار ولكنه لم يوص بمن نعرفه ولا نعرفه ولم يوص بأن نحمل هموم الآخرين .
( تقبل الخادمة وهي تدفع عربة محملة بمعدات الشاي ، ينشغل الموجودون في تناول الشاي )
جابر : ( بعد دقائق لثامر وهو يبتسم ) أنت ذكرت الجانب الأول عن باهرة يا أستاذ ثامر ، فهل هناك جانب ثاني ؟
ثامر : بالطبع هناك جانب ثان يا سيدي العم وربما كان أهم من الأول وهو الثقافة الواسعة العميقة التي تتميز بها الآنسة باهرة 0 ويخيل إليّ أن هذه الثقافة قد لا تتوفر لأية شابة في سنّها بل ربما حتى لشاب في سنهّا ، مع أن ظروف شابة مثلها قد تنأى بها عن الثقافة تماما .
باهرة : ( وهي تضحك خجلة) لا تبالغ يا ثامر .
جابر : هذا طبيعي فباهرة تمضي كل وقتها في القراءة ( وهو يضحك ) إنها حوّلت غرفة نومها إلى مكتبة !
ثامر : كم لدينا من مثيلاتها اليوم يا سيدي العم ؟ حتى الشباب لا يفعلون ذلك ( وهو يبتسم ) بل إن الكثيرين منهم يفضلون متابعة مباريات كرة القدم على قراءة كتاب .
منيرة : ( بتهكم خفيف ) وما فائدة هذه القراءة لها؟ ستظل معلمة مهما قرأت ولن توصلها القراءة إلى شيء .
( يدخل باهر ويسلم على ثامر بأدب متكلف ويجلس قريباً منه)
باهرة : أنا لا أريد أن أكون شيئاً آخر غير معلمة يا ماما .
منيرة : لو دخلت كلية الطب بدلاً من كلية الفقراء لصرت طبيبة محترمة .
باهرة : لكنني أحب مهنة التعليم يا ماما وأعتقد أنها أشرف مهنة في الحياة .
منيرة : ( بتهكم ) لا أدري كيف يمكن أن تكون مهنة التعليم أشرف مهنة في الحياة !
باهر : ( بلهجة احتفالية ) كيف تقولين ذلك يا أمي ؟ ألم تسمعي بقول الشاعر عن المعلم ؟ (يلقي بيت الشعر بلهجة كوميدية ):
قم للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
جابر : ( وهو يهز رأسه) فعلاً كاد المعلم أن يكون رسولا.
ثامر : بالطبع فالمعلم هو مربي الأجيال وهو الذي ينير العقول المظلمة.
منيرة : التعليم مهنة سهلة يختارها من لا طموح له ،والمعلمون يقتلون الجوع بالراحة .
عاصمة : ( بلهجة نصف جدية) الحقيقة يا أستاذ ثامر أن مهنتكم مهنة سهلة وأنتم تقضون نصف العام بالإجازات . أما نحن الموظفين فإجازتنا شهر واحد وقد لا نحصل عليها إلا بالشافعات .
باهر : لماذا تحسدين المعلمين على الأجازات يا عاصمة ؟ أما يكفينا نحن التلاميذ أن نداوم نصف شهور السنة ؟
جابر : ( وهو يرميه بنظرات ساخرة) هذا إذا كنت تداوم حقاً !
ثامر : اسمحوا لي أن أقول أنكم تبخسون قيمة مهنة التعليم ، مع أن من المتفق عليه أن التعليم يعتبر استثمارا في التقدم الاجتماعي و الاقتصادي وهو ثروة عظيمة للبلاد0 فهو الذي يصقل مقدرات البشر وهو الذي يمكنهم من تطوير حياتهم وبلدانهم .
جابر : عين العقل ما تقوله يا أستاذ ثامر .
باهر : ( يهتف بلهجة احتفالية) أهّه00 نحن التلاميذ إذن ثروة للبلاد دون أن ندري ، وكلما زاد عدد الراسبين إذن زاد عدد التلاميذ وزادت بذلك ثروة البلاد .. مبروك !! ( ملتفتا إلى باهرة) أرأيت يا باهرة ؟! الآن حصحص الحق كما قال معلم العربي .
باهرة : ( وهي تنظر إلى باهر شزرا ) ولكن ليس أمثالك من التلاميذ هم المقصودين بهذا الكلام .
منيرة : ( وهي تهز رأسها ) مهما قلتم عن العليم فإن أصحاب جميع المهن يمكن أن يثروا إلاّ المعلمين .
ثامر : وهذا ما يشرّف المعلم يا سيدتي العّمة 0فهو لا يمكن أن يثري على حساب غيره ( وهو يبتسم ابتسامة عريضة) وصدق الإمام علي حين قال (ما جاع فقير إلاّ بما متع به غني) !
منيرة : ( في استياء) ماذا تعني ؟ هل تعنى أن على الأغنياء إذن أن يتنازلوا عن ثرواتهم التي كسبوها بعرق جبينهم للفقراء الذين يقتلون الجوع بالراحة؟
ثامر : ( وهو يبتسم) ولكن ليس كل الأغنياء قد كسبوا ثرواتهم بالتعب وعرق الجبين يا سيدتي العمة كما أنه ليس جميع الفقراء صاروا فقراء بسبب ميلهم إلى الراحة .
باهر : ( بلهجته الكوميدية) الأستاذ ثامر يقصد يا أمي أن من واجب الحكومة أن تنهب الأموال التي يجمعها الأغنياء بشطارتهم وتوزعها على الفقراء الخاملين .. يعني أن الشاطرين يتعبون والخاملين يأكلون .. ( في صيحة ساخرة) مبروك !
جابر : ( لباهر بسخرية ) ما دمت تدافع عن الشاطرين .. أما كان الأجدر بك أن تصير منهم وتنجح في دراستك ؟
باهر : ومن قال إن النجاح في الدروس معناه شطارة ؟ كم من التلاميذ ينجحون في دروسهم لا بسبب شطارتهم بل لمجرد أنهم يحفظون دروسهم حفظ البلابل .. ( وهو يضحك في استهزاء) هذا غير الذين يغشّون في الامتحانات . البسطاء هم الذين يتصورون أن الشاطر هو من ينجح في دروسه .
باهرة : ( لباهر ساخرة) فكيف تكون الشطارة إذن؟
باهر : ( لباهرة) سأريك كيف تكون الشطارة حينما أعمل في التجارة00 سأحقق نجاحاً خرافياً وسألعب بالفلوس لعب .
جابر : ( وهو يهز رأسه ساخرا ) أنعم وأكرم !!
ثامر : ( وهو يبتسم) ليس معنى النجاح في التجارة شطارة يا أخي باهر0 فالكثيرون ممن حصلوا على الأموال الطائلة من التجارة لجؤا إلى وسائل الغش والتدليس والابتزاز والأساليب غير المشروعة .
باهر : ( وهو يضحك في هزء) الذي لا يطول العنب يقول حامض يا أستاذ .
منيرة : ( في استياء) هذا النوع من الكلام لا يقوله إلاّ من لا يريد للناس أن يصيروا أغنياء والذي يتمسك بالفقر وذلّه .
ثامر :( وهو يبتسم ) ليس شرطاً أن يرتبط الفقر بالذل يا سيدتي العمة بل على العكس قد يكون دليلاً على عزة النفس و التمسك بالقيم .. وهناك من الأغنياء من يتوجب عليهم أن يخجلوا من غناهم .
عاصمة : ( بلهجتها نصف الجدية وهي تبتسم) أنت وباهرة تتحدثان نفس اللغة يا أستاذ ثامر ولا ندري من منكم الأستاذ ومن منكم التلميذ !
ثامر : الثقافة المتبصرة تقود الناس إلى نتائج متماثلة يا آنسة عاصمة من دون أن يتتلمذ أحدهم على الآخر .
جابر : ( وهو يهز رأسه) عين العقل ما تقوله يا أستاذ ثامر .
منيرة : ( بعصبية) إذا كان الفقراء يريدون أن يظلوا فقراء فذلك يدل على قلة عقلهم .
ثامر : ( مبتسماً) ولكن اسمحي لي يا سيدتي العمة أن أسال : ما علاقة الفقر بقلة العقل ؟
منيرة : طبعاً لأنهم لا يحاولون أن يحسنوا ظروفهم وهم يقتلون الجوع بالراحة ويرتضون بالتعاسة .
ثامر : ولكن اسمحي لي أيضاً أن أقول يا سيدتي العمة أن الفقر لا يعني التعاسة دائماً وهناك الكثيرون من الأغنياء ممن يعيشون تعساء .
منيرة : ( لثامر بلهجة ثائرة) بل إن الفقراء تعساء وأسوأ من تعساء ، وإذا كنت مقتنعا بحياة الفقر فليس من حقك أن تحاول إقناع الآخرين بها . وأنا أعرف الغرض من أقوالك هذه . فمنذ حضرت وأنت تدافع عن الفقر لتقنعنا به .
ثامر : ( مأخوذا ) أنا لا أحاول إقناع أحد بشيء يا سيدتي العمة .
منيرة : ( بلهجتها الثائرة) بل أنت تحاول ذلك بشتّى الطرق منذ حضرت ، وبالقلم العريض أنا لا أوافق تحت أي ظرف من الظروف أن تعيش ابنتي حياة الفقر .
باهرة : ( في انفعال) ماما .. أرجوك0 لم يقل ثامر شيئاً يستدعي كلامك هذا .
منيرة : ( في حدة) بل أنا أفهم جيداً ما يقصده من أقواله0 وإذا كان لعب بعقلك فهو لا يستطيع أن يلعب بعقلي ( وهي تنظر إلى ثامر بتحد) ويجب أن تفهم يا أستاذ أنه لا بد لمن يفكر في الزواج من بناتي أن يهيّء لهن المستوى الذي أعتدنا عليه .
ثامر : ( مأخوذا) ولكن من الذي تحدث عن الزواج يا سيدتي العمة ؟! كل ما هنالك أنني كنت أعبرّ عن أفكاري ومعتقداتي .
منيرة : ونحن لسنا في حاجة إلى أفكارك ومعتقداتك .
ثامر : ( مصدوما ) أنا آسف .. آسف جداً .
جابر : ( بلهجة محرجة وهو يبتسم ) أم باهرة لا تعني ما تقول يا أستاذ ثامر وإنما 00
منيرة : ( مقاطعة بصرامة) بل أعني كل ما قلت .
باهر : ( لمنيرة) لا تستغربي من أقوال الأستاذ ثامر يا أمي فكثير من المعلمين يلقون علينا مثل هذه المحاضرات !
جابر : ( في صرامة) كفاك سخافة يا باهر .
عاصمة : ( لمنيرة) لا موجب لغضبك يا أمي .
منيرة : بل هناك كل موجب لغضبي ، وأنا لا يمكن أن أرى الآخرين يلعبون بعقل بناتي وأظل ساكتة 0 يجب أن يفكر كل شخص بمستواه وألاّ يحاول استغلال الظروف .
باهرة : ( بغضب مكبوت ) ولكنني لست طفلة يا ماما حتى يلعب أحد بعقلي .
منيرة : ( بلهجتها الحادة) يجب أن يفهم الآخرون أن بنات العوائل لا يتزوجن إلاّ من أبناء العوائل ممن هم في مستواهن ليكونوا قادرين على توفير السعادة لهن0 ويجب أن تعلم أن اللعب بعقولهن لا ينفعهم في شيء .
ثامر : ( بلهجة المصدومة) ليس من مبادئي يا سيدتي العمة أن ألعب بعقل أحد ( في أنفة) كما أنني لا أعتبر أبناء العوائل من الأغنياء أفضل مني بل قد أكون أنا أفضل منهم .
منيرة : ( بغضب وتهكم) ومن أجبرك على تشريفنا بزيارتك مادمت تعتقد أنك أفضل من غيرك ؟
باهرة : ( والدموع في عينيها) ماما .. أرجوك .. أرجوك .
ثامر : ( في خيبة أمل مريرة وهو ينظر إلى باهرة ) من الواضح أنني كنت مخطئاً في تصوراتي .. كنت أتصور أن الآنسة باهرة قد تربت في جو آخر وإن كان أهلها من الأغنياء ( وهو ينظر حواليه في احتقار )واعذروني فأنا تربيت على الاعتقاد بأن قيمة الإنسان لا توزن بالثروة الباذخة و الأثاث المترف والقصر الفخم وأمثال هذه المظاهر الزائفة .
منيرة : 0 (في حدة ) احترم البيت الذي رضي باستقبالك .
باهرة : 0(وهي تتطلع إلى منيرة في غصّة ) ماما .. ماما .. أرجوك .
ثامر : ( يقف ويتلفت حواليه بكبرياء ) أنا آسف على كل حال .. آسف جداً.
باهرة : 0( تقف ) سأرافقك يا ثامر .
ثامر : (0ببرود ) أنا أعرف طريقي إلى الباب .
( يخرج ثامر ، تتهاوى باهرة على أريكة بجوارها وتنفجر بالبكاء . يسود صمت يشوبه التوتر ) .
جابر : ( ينهض ويجلس بجوار باهرة ويربّت على كتفها بحنان ) كفى يا باهرة ، كفى .. لا موجب لبكائك .. كل ما هنالك أن الأستاذ ثامر كان حساساً أكثر من اللزوم00
باهرة : ( هاتفة وهي تغطي وجهها بيديها وتندفع في بكائها الحاد ) وكيف يمكنه ألاّ يكون حساساً وقد وجهت إليه كل هذه الإهانات ؟ شخص مثله يهان 00 وأنا السبب .. أنا التي سببت له هذه الإهانات 00 كيف أغفر لنفسي ذلك ؟! الشاب الذي أشعر نحوه بالاحترام والتقدير يهان هكذا .. وأنا السبب في ذلك .
منيرة : ولماذا تنزعجين؟ ألأننا كشفناه على حقيقته ؟
" تستمر باهرة في بكائها الهستيري "
باهر ;(بلهجة ساخرة ) أية إهانات ؟! ما سمعه " زلاطة" بالقياس لما يسمعه من التلاميذ وهو يلقي عليهم أمثال هذه المحاضرات .
باهرة : (0ترفع رأسها وتصرخ في وجه باهر ) أسكت يا بليد ، أنت وأصدقاؤك من أبناء العوائل .. يا ديدان حقيرة .
باهر :( 0ملتفتاً إلى أبيه في غضب ) أرأيت كيف تهينني يا أبي ؟
جابر : 0(بصرامة ) تستأهل !
منيرة : ( بعد لحظة ) كفاك بكاء واشكري الله على أننا حميناك من ألاعيبه.
باهرة : ( في هياج من خلال دموعها ) ومن طلب منكم حمايتي ؟ ( وهي تتأمل أمها بنظرات غاضبة ) من طلب منك حمايتي ؟
منيرة : من واجبي حمايتك فأنا أمك وأعرف مصلحتك .
باهرة : أنت لا تعرفين مصلحتي وأنا لن أغفر لك ما فعلت أبداً ( تهب واقفة وترمي أمها بنظرات حانقة ثم تندفع خارجة) .
منيرة : ( وهي تتلفت حواليها في احتجاج ) أسمعتم ما قالت ؟ هذه نتيجة حرصي على مصلحتها .
جابر : ما كان يليق بنا أن نتحدث مع الأستاذ ثامر هكذا يا منيرة.
منيرة : ( بتهكم ) وكيف كان يجب علينا أن نتحدث معه ؟
عاصمة : ( وهي تهز رأسها ) يجب أن تعترفي أننا أهنّاه يا أمي مع أنه كان في غاية الأدب .
منيرة : ( باستنكار) ولماذا أهنّاه ؟
باهر : ( وهو يضحك مستهزئاً ) إنه أخذ يحاضر علينا وكأننا تلاميذ في صفّه0
جابر : ( يلتفت إلى باهر في استنكار) ألا تستطيع أبدا أن تغلق فمك ؟!
أمن الضروري أن تكشف عن سخافتك بتعليقاتك الكسيفة في كل الظروف؟
باهر : ( في انزعاج ) لماذا تستخف بي هكذا يا أبي ؟! أنا لم أعد صغيراً .. أنا راشد ولي شخصيتي .
جابر : لو كنت راشداً حقاً لدرست ونجحت .
باهر : ( ينتفض غاضباً) الدراسة .. الدراسة .. ليس لديكم من حديث سوى الدراسة0 وأنا سئمت هذا الحديث00 ولتعلموا جميعاً أنني قررت ألاّ أواصل الدراسة وأن أتصرف بطريقتي الخاصة مادام لا أحد يريد معاونتي0 وسأريكم كيف سألعب بالفلوس لعب ( يخرج غاضباً).
جابر : ( يلتفت إلى منيرة ويقول بلهجة ساخرة مرة) أبشري يا أمّ باهر 0 ستجدين ابنك يوماً في السجن وتحصدين ثمار ما زرعت .

( ستار)



المشهد الثالث
مساء اليوم التالي

( نفس المنظر السابق)
منيرة : إلى متى تظل باهرة تحبس نفسها يا عاصمة ؟
عاصمة : إنها حزينة يا أمي .
منيرة : ( بعد لحظة) ألا تذهبين إليها يا عاصمة وتقنعيها لعلها تستمع إليك ؟
عاصمة : حاولت يا أمي .. حاولت مراراً كما تعلمين فلم أفلح ، إنها ترفض أن تفتح لي الباب ، وكلما تقوله لي " أرجوك يا عاصمة اتركيني في حالي"0
منيرة : أما أنا فلا ترد عليّ .
عاصمة : ( وهي تهز رأسها ) يبدو أن قلبها انكسر يا أمي .
منيرة : ( باستنكار) وهل يستحق الأمر كل ذلك ؟
عاصمة : ( وهي تهز رأسها ) أنت لا تدركين الأمر يا أمي .
منيرة : بل أدركه تماماً ، فهكذا هي باهرة 00 تتصرف بلا حكمة دائماً . والآن تريد أن ترمي نفسها على أول طارق يطرق بابها ، لماذا لا تتصرف مثلك ؟ أنت رفضت كل شخص تقدم إليك ليس من مستواك .
عاصمة : ( وهي تبتسم في تهكم خفيف) إنني بدأت أشكّ أنني تصرفت بحكمة يا أمي .
منيرة : بل تصرفت بحكمة وعقل كبير .
عاصمة : ( بابتسامة شبه متهكمة) إذن فهل من الحكمة أن أحكم على نفسي بالعنوسة يا أمي ؟
منيرة : ( باستنكار ) ولماذا العنوسة يا عاصمة ؟
عاصمة : بالطبع فلم يعد أحد يتقدم لخطبتي بعد أن رفضت كل من تقدم إليّ بحجة أنه ليس من مستواي ... ( وهي تبتسم بشيء من المرارة) المستوى الذي رسمناه معاً يا أمي .
منيرة : سيتقدم إليك يوماً الشخص الذي من مستواك يا باهرة .
عاصمة : على كل حال لم يعد يهمني الأمر كثيراً فانا اعتدت حياتي الراكدة هذه وما هي إلاّ سنوات نقضيها .
منيرة : لا يا عاصمة لا تقولي ذلك .. أنت حكيمة ولست مثل باهرة .. أنظري ماذا فعلت بنفسها .
عاصمة : ( وهي تهز رأسها) مسكينة باهرة 00(بعد لحظة) أرجو أن تخرج من أزمتها بسلام ، وآمل أن ينجح عمي في وساطته .
منيرة : (بصرامة) نعم .. عليه أن ينجح فهذه مسؤوليته 0 إنه هو الذي أوصلها إلى هذه الحال .
عاصمة : وما دخله في هذه القضية يا أمي ؟
منيرة : ( بلهجتها الحانقة) إنه هو الذي أدخل في رأسها هذه الأفكار السخيفة .
عاصمة : باهرة راشدة وهي الوحيدة المسؤولة عن أفكارها يا أمي .
منيرة : لكنها تلقت هذه الأفكار عنه ( وكأنها تحدث نفسها ) وكم تطيّرت من ترددها عليه ، وكم كنت محقة في خوفي من تدخلّه في شؤوننا .
عاصمة : ومتى تدخل في شؤوننا يا أمي ؟ إنه لا يزورنا لا هو ولا عمّاتي .
منيرة : ( باستنكار) وهل كنت تريدينني أن أفسح له المجال لزيارتنا ؟ لو فعلت ذلك يا عاصمة لتدخل في شؤوننا وجعل حالنا مثل حاله .. شخص فاشل غاوي فقر . وها أنت ترين ما صارت إليه حال باهرة نتيجة ترددها عليه .
عاصمة : ( وهي تهز رأسها ) على كل حال هم في حالهم ونحن في حالنا يا أمي0
( يسمع صوت جابر خارج المسرح ثم يظهر هو وكريم . يتبادل كريم التحيات مع منيرة وعاصمة في شيء من الفتور ) .
جابر : ( وهو يضحك) ها قد أحضرت معي حمامة السلام .
كريم : ( في دعابة) كل شيء يمكن أن أوصف به يا جابر إلاّ أن أكون حمامة .. قل غراب السلام ؟
عاصمة : ( بلطف ) لا يا عميّ00 لا يمكن أن تكن غراباً ، فالغراب يحمل الشؤم وأنت تحمل الخير .
كريم : أرجو أن يكون الأمر كذلك . وعلى كل حال انا مسرور أن أسمع منك ذلك يا عاصمة .
منيرة : ( في برود) حمامة أم غراب .. المهم أن تعود باهرة إلى عقلها .
كريم : باهرة لا يمكن أن تخرج عن جادة العقل يا أم عاصمة 0باهرة من أعقل البنات .
جابر : صدقت يا أخي كريم .
منيرة : لو كانت كذلك ما تصرفت هكذا .
كريم : اعذريها يا أم عاصمة فلعل كرامتها قد جرحت . وأنا أعرف باهرة فهي لا تتساهل فيما يخصّ أفكارها التي تعتبرها جزءا من كرامتها .
منيرة : هذا ما نابنا من المدارس المختلطة .
جابر : (لكريم) على كل حال أنت يا أخي الوحيد الذي يستطيع أن يخرجها من حزنها . فحتى لو أننا أخطأنا في حقها فلا يمكن أن تقاطعنا بهذا الشكل .
منيرة : ( بلهجتها الباردة) لم يخطيء أحد بحقها .. هي التي أخطأت بحق نفسها .
كريم : (وهو ينهض ) باهرة عاقلة وستستجيب لصوت العقل .. أين غرفتها؟
جابر : ( وهو يرافقه ) تعال معي يا أخي لأدلك على غرفتها . (يخرجان) .
( تمضي دقائق في صمت ثم يعود جابر إلى الظهور )
جابر : من حسن حظنا أن أخي كريم وافق على الحضور معي بالرغم من أنه استنكر موقفنا من الأستاذ ثامر . ولولا حبّه لباهرة ما وافق على الحضور.
منيرة : ( في تهكم ) طبعاً استنكر موقفنا من الأستاذ ثامر فهو يريدنا ان نستقبله بالأحضان ! ولا عجب في ذلك ، أليس هو الذي أدخل في رأس باهرة تلك الأفكار ؟
جابر : أنت تعرفين باهرة وتعلمين أنها ليست من النوع الذي يدخل أحد أفكارا في رأسها .
منيرة : بل هو المسئول عن تلك الأفكار السخيفة وكم حذرتك من كثرة ترددها على بيته فلم تهتم بتحذيراتي .
جابر : وهل كان يجب عليّ أن امنعها من زيارة عمها ؟ ( في تهكم ومرارة وكأنه يخاطب نفسه ) أما يكفيني أنني أكاد أكون شبه مقاطع له ولأخواتي حتى لكأنهم غرباء عني ؟
منيرة : " في استنكار " وما دخلي أنا في ذلك ؟ صحيح أنني لا أحب زيارتهم ، ولكن هل منعتك يوماً من ذلك ؟ كل ما هنالك أنك لا تجد وقتاً لمثل هذه الزيارات .
عاصمة : لا يصح مثل هذا الجدل بينكما وعمي يبذل مساعيه في مساعدتنا . قد يسمع كلامكما .
منيرة : فليسمع من يسمع . أنا لا أخشى قول الحق .
جابر : ( في لهجة شبه متهكمة) وأين الحق فيما تقولين ؟
عاصمة : ( لجابر ) أبي .. لماذا لا تؤجل هذا الجدل إلى وقت آخر ؟
جابر : لست أنا الذي أثار هذا الجدل .
( يرين على الحاضرين صمت يشوبه التوتر ، يظهر كريم ثانية )
عاصمة : ( وهي تبتسم ) بشرّ يا عمي .. هل نجحت في مهمة السلام ؟
كريم : نعم .. الم أقل لكم أن باهرة عاقلة وأنها ستستمع إلى صوت العقل ؟
جابر : الحمد لله .
منيرة : ( بسخرية خفيفة ) عاقلة وتتصرف كما يتصرف الأطفال !
كريم : الأمر ليس بالبساطة التي تتخيلين يا أم عاصمة فهو يتعلق بكرامتها. وأنتم كما يبدو جرحتم كرامتها !
منيرة : ( بغضب مكبوت ) ماذا تعني إننا جرحنا كرامتها ؟
كريم : ( وهو يبتسم ابتسامة وادعة ) أنتم أهنتم ضيفها كما يبدو .
منيرة : ( في شئ من الحدة ) إنه هو الذي أهاننا .
كريم : ( في دهشة ) لكن الأستاذ ثامر شاب مهذب ولا يمكن أن يصدر عنه تصرف معيب . إنه زارني بصحبة باهرة قبل أسبوع فوجدته شخصاً في غاية الدماثة والأدب .
منيرة : ( في استنكار ) ما شاء الله ! ما شاء الله ! وبأي صفة تدور به على البيوت ؟! وتقولون عنها إنها عاقلة!
عاصمة : وماذا في ذلك يا أمي ؟ أليس هو زميلها في المدرسة ؟
منيرة : زميلها في المدرسة .. أي نعم ، لكن ليس خارج المدرسة .
جابر : إنها لم تدر به على البيوت .. إنها صحبته إلى بيت عمها .
كريم : لا تخافي على باهرة يا أم عاصمة فهي بنت ممتازة ولا يمكن أن تقوم بتصرف معيب .
منيرة : ( تضحك متهكمة ) لا عجب أن تفعل ذلك إذا كان هناك من يشجعها على سلوكها .
جابر : باهرة فتاة عاقلة وراشدة ولا تحتاج إلى من يعلمها السلوك .
منيرة : لو كانت كذلك لاقتدت بأختها عاصمة وأحسنت التصرف .
عاصمة : ومن قال إنني أحسنت التصرف يا أمي ؟
منيرة : طبعاً أنت مثال الحكمة في كل شيء ولا تخالفين أهلك .. باهرة هي الوحيدة التي خرجت عن طوعنا .
جابر : ( في تهكم خفيف ) تقصدين عن طوعك .
منيرة : طوعي أو طوعك .. الأمر واحد .
عاصمة : ( تهز رأسها وكأنها تحدث نفسها ) أنت تزيدينني استصغاراً لنفسي يا أمي .
كريم : ( لعاصمة بلطف ) لا تقولي ذلك يا عاصمة ، وأنا لا أصدق ما تقولينه .
عاصمة : شكراً لك يا عمي .
منيرة : ( بعد لحظة في شبه تهكم ) إذا كانت استجابت لوساطتك فلماذا لم تأت وتجلس معنا ؟
كريم : إنها استجابت لوساطتي فعلاً يا أم عاصمة .. ( في تردد ) ولكن كان لديها شرط لقبول وساطتي وأنا قبلت هذا الشرط .
منيرة :(في استنكار) شرط ؟ أي شرط ؟ وكيف قبلته من دون أن تستشيرنا؟
كريم : لا تنزعجي يا أم عاصمة فليس هو بالشرط السيّء وأنا قبلته بسرور0
جابر : لا يمكن أن يكون شرطا سيئا وتقبله أنت يا أخي كريم0
منيرة : ولكن كان يجب أن تستشيرنا أولا00( بتهكم لاذع) وما هو هذا الشرط الخطير؟
كريم : إنها اشترطت عليّ أن أقبل ضيافتها بعض الوقت0
منيرة : ( بلهجة متنمرة) تعني أنها تريد أن تهجر بيتها وتذهب عندك؟ مستحيل00أنا لا أوافق على هذا الشرط0
جابر : وماذا في ذلك؟ ما المانع في قضاء أيام في بيت عمها؟
منيرة :( وهي تهز رأسها في تصميم ) مستحيل .. مستحيل .
عاصمة : ولماذا مستحيل يا أمي ؟ أليس من حق باهرة أن تمضي أياماً في بيت عمها ؟
كريم : (مبتسماً ) لماذا تخشين عليها من ذلك يا أم عاصمة ؟
منيرة : ( وهي تخزر كريم متنمرة ) يكفينا ما وضعت في رأسها من أفكار سخيفة والآن تريد أن تضيّعها من أيدينا نهائياً .
كريم : ( مبتسماً في وداعة ) أنا أضع في رأسها أفكاراً يا أم عاصمة !
إنها هي التي تمدني بالأفكار العظيمة 0 فباهرة على جانب عظيم من الثقافة .
منيرة : ( في تنمر ) بل أنت الذي أدخلت في رأسها ذلك النوع من الأفكار السخيفة.
كريم : (بلهجته الوادعة وهو يبتسم ) وأي نوع من الأفكار السخيفة تلك التي أدخلتها في رأسها يا أم عاصمة ؟
منيرة : ( في تهكم ) أفكاراً من النوع الذي دمرت بها حياتك .. وتريد أن تدمر بها حياة ابنتي .
جابر : ( في صرامة ) لا داعي لمثل هذا الكلام يا منيرة .
كريم : ( بلهجته الوادعة وهو يبتسم ) لكنني لم أدمر حياتي يا أم عاصمة . أنت مخطئة في ذلك .. فلا يمكنني أن أحلم بحياة أفضل من تلك التي أعيشها .
منيرة : ( في ازدراء ) وهل تسمي حياتك حياة ؟!
كريم : ( وهو يبتسم ) نعم فأنا سعيد بها .
منيرة : ( بلهجتها المتهكمة ) سعيد وأنت تعيش عيشة الكفاف بلا أسرة ولا أبناء ؟
كريم : لا يا أم عاصمة ، في هذا أنت مخطئة أيضاً ، أنا لم أكن في يوم من الأيام بلا أسرة . إنني رعيت أسرة صالحة .. رعيتها خير رعاية .
جابر : ( وهو يهز رأسه في تأثر ) أنعم وأكرم .. لولاك يا أخي ما كناّ شيئاً أنا وأخواتي . فأنت الذي ربيتنا .
كريم : ( مستمراً بلهجته الوادعة ) أما عن مسألة الأبناء يا أم عاصمة فأبنائي كثيرون .. أكثر من أن يحصيهم العدْ .. ( وهو يضحك ضحكة خفيفة) إنهم بالآلاف يا أم عاصمة .
منيرة : (ساخرة ) تقصد تلاميذ الصف الأول الابتدائي ؟
جابر : ( في فخار) لعلمك يا منيرة إن الأطفال الصغار يحبونه أكثر مما يحبّون آباءهم . وهم يظلون مقيمين على حبه حتى بعد أن يكبروا ويتولّوا أرفع الوظائف .
كريم : ( وهو يهز رأسه ) إنهم بمثابة أبنائي فعلاً .
منيرة : ( بلهجتها المتهكمة ) ولكن اسمح لي أن أسألك: أي تفكير حصيف هذا الذي يجعل الشخص يتمسك بالتدريس في الصف الأول الابتدائي ويرفض وظيفة " مفتش " كما فعلت؟
كريم : قد لا تدركين يا أم عاصمة حصافة هذا التفكير ولكن تأكدي انه لو رجع بي الزمان إلى الوراء وخيّرت بين وظيفتي هذه وأرقى وظيفة ما ارتضيت عنها بديلاً . فهي تمكنني من أن أغرس في نفوس الأطفال وهم ما زالوا صفحات بيض مبادئ الخلق القويم . ومثل هذا الوظيفة التي تيسر لي ذلك هي عندي أرقى من أية وظيفة في الدنيا .
عاصمة : ( وهي ترمق كريم بإعجاب) عمي .. إنني لشديدة الأسف لأن الظروف لم تسمح لي من قبل أن أعرفك حق المعرفة .
كريم : ( لعاصمة ) شكراً لك يا عاصمة على عواطفك .
منيرة : ( لكريم في تنمّر ) لعلك تريد أن تدير رأس عاصمة أيضاً بأفكارك هذه كما أدرت رأس باهرة .. ولكن افهم إنني لن اسمح لك بذلك . لن أسمح لك أن تدمر بيتنا الذي بنيناه بالجهد والعرق .
جابر : ( في صرامة ) ليس مثل أخي كريم الذي يدمر البيوت يا منيرة . إنه هو الذي يبني البيوت الصالحة .
كريم : ( بلهجته الوادعة وهو يبتسم ) وكيف لي أن أدمر بيتكم يا أم عاصمة؟
منيرة : تدخل أفكاراً في رؤوس أبنائي وتجعلهم يهوون الفقر مثلك .. تجعلهم يتنكرون للمستوى الذي وصلنا إليه .
جابر : ( وهو يرمق منيرة في غضب مكبوت ) والله قتلتينا بهذا المستوى !
كريم : (وهو يبتسم بهدوء ) اطمئني يا أم عاصمة 00ليس هناك من يهوى الفقر في الدنيا 0 وكل ما هنالك أن على الإنسان أن يكسب رزقه بأمانة ونزاهة وألاّ يحاول استغلال غيره بهدف جمع المال أو اللجوء إلى وسائل السرقة والغش والاحتيال .
منيرة : ( وهي تزداد حدة ) أنت تتعمد ذلك بالتأكيد .. أنت لم يرق لك يوما أن يصير أخوك غنّياً . كنت دائماً تريده أن يظل فقيراً ولولا تأثيري عليه لجعلته فقيراً مثلك .
كريم : أنا لم أشعر إنني فقير في يوم من الأيام يا أم عاصمة ولم أمد يوماً يدي إلى أحد .
جابر : ( لمنيرة ) لعلمك إن أخي كريم كان دائماً ينفق من مرتبه على تلاميذه الفقراء .
منيرة : (لكريم مندفعة في ثورتها ) أنت لم يهن عليك يوماً أن ترى أخاك غنياً.
كريم :( بلهجته الهادئة ) أنت واهمة في تصوراتك يا أم عاصمة .. كل ما هناك أنني أردته ألاّ يجمع ثروته بوسائل غير مشروعة ، ومن واجبي أن أنصحه فهو بمقام ابني وليس أخي فحسب .
جابر : ( في تأثر ) أنعم وأكرم يا أخي كريم .
( تظهر باهرة وهي تحمل حقيبتها )
باهرة : ( لكريم ) أنا جاهزة يا عمي .
منيرة : ( وهي تنظر إلى باهرة في تنمر ) إلى أين ؟
باهرة : سأعيش في بيت عمي إلى أن أرتب حياتي .
منيرة : ( بلهجتها المتنمرة ) تعيشين في بيت عمك ؟! تفضلين ذلك الجحر على بيتك هذا ؟! ( بلهجة متهكمة ) لماذا ؟ ألا يوفّر لك هذا البيت راحتك ؟
باهرة : لا .. لم أعد أجد فيه راحتي .
عاصمة : اتركيها تذهب يا أمي .
منيرة : ( في حنق وإصرار ) لا00 أنا لا أطمئن عليها هناك .
كريم : كوني مطمئنة عليها يا أم عاصمة .
جابر : ( وهو يضغط على الحروف ويرمي منيرة بنظرات حانقة ) إنها ذاهبة إلى بيت عمها يا منيرة فاتركيها وشأنها .
باهرة : ( بلهجة باردة ) أنا لست في حاجة إلى رخصة من احد لأعيش في بيت عمي . أنا الآن راشدة .
منيرة : ( ثائرة وهي تدير عينيها في وجهي جابر وعاصمة ) أرأيتما ؟! هذا ما توقعته .. لا ينوبنا من وراء تدخله في شؤونا سوى المصائب .. ابنتي تكلمني بهذه اللهجة ( وهي تلتفت إلى كريم في تنمر ) كم كنت غلطانة إذ وافقت على أن تقحم نفسك في شؤوننا .. إنك أنت الذي وضعت هذه الفكرة في رأسها .
باهرة : أرجوك يا ماما .. أنا لست صغيرة حتى يضع أحد أفكارا في رأسي .
كريم : ( بلهجته الوادعة ) أنا آسف يا أم عاصمة إن كنت أقحمت نفسي عليكم وتأكدي انه لولا حبي لباهرة ما فعلت ذلك .
منيرة : ( وهي تزداد حدة وضراوة ) أنا كنت واثقة أننا لن نجني من وراء تدخله في شؤوننا سوى الخراب ( بتهكم مرير لكريم ) وكنت صادقاً إذ أسميت نفسك " غراباً " .. أنت كنت غراب البين ولم تكن حمامة السلام .
جابر : ( صارخاً في غضب شديد ) منيرة .. كفاية لغوة !
كريم : ( ملتفتاً إلى جابر بلهجته الوادعة ) لا عليك يا جابر .. إنها متأثرة والحق معها .
باهرة : ( لكريم ) فلنذهب يا عمي لئلا تسمع المزيد من مثل هذا الكلام .
جابر : ( وهو ينهض ) سأصبحكما .
( يخرج الثلاثة )
منيرة : ( وهي تدور في الغرفة كالنمرة الحبيسة ) أرأيت يا عاصمة ؟! هذا ما توقعته من عمك غراب البين .. كنت دائما أتوقع المصائب على يديه .. وها قد حصل ما توقعته .
عاصمة : ( في تأثر ) لا تقولي ذلك عن عمي يا أمي.. إنه لم يفعل شيئاً يضرنا.
منيرة : ( بلهجتها الثائرة ) لم يفعل شيئاً يضرنا ؟ يحرّض ابنتي ضدي وتقولين إنه لم يفعل شيئاً يضرنا ؟! يحرّضها على هجر بيتها وتقولين انه لم يفعل شيئاً يضرنا ؟
عاصمة : ( بلهجة باردة ) إنه ليس المسؤول عن ذلك يا أمي .
منيرة : ( بلهجتها الثائرة ) فمن المسؤول إذن ؟ قولي لي من المسؤول إن لم يكن هو ؟ من الذي وضع هذه الفكرة في رأسها ؟
عاصمة :إنها هي المسؤولة عن تصرفاتها و أفكارها يا أمي0
منيرة : ( وهي تتطلع إلى عاصمة بتهكم مرير ) الآن صرت أنت أيضا تدافعين عنه .
عاصمة : ( في تأثر ) عمي شخص ممتاز وهو لا يمكن أن يسبب ضرراً لأحد .. وما كان يجوز لك أن تخاطبيه بتلك اللهجة .
منيرة : ( في تهكم مرير ) هل جعلك تنقلبين علىّ أنت أيضاً يا عاصمة مع انك لم تستمعي إليه سوى مرة واحدة ؟ وأنا التي تقول عنك انك الحكيمة .
عاصمة : ( بلهجة باردة متهكمة ) أنا أدركت الآن أنني لم أكن حكيمة في يوم من الأيام يا أمي .. لم أكن حكيمة إذ استمعت إليك .
منيرة : ( وهي ترمق عاصمة في ذعر واندهاش ) أنت تقولين ذلك يا عاصمة ؟! أنت تقولين ذلك ؟!
عاصمة : ( بلهجتها الباردة القاسية ) نعم يا أمي أنا أقول ذلك ، وليت أي واحد منا لم يستمع إليك .
منيرة : ( وهي تتطلع إلى عاصمة بهلع ) هكذا يا عاصمة ؟! هكذا ؟! من مرة واحدة يلعب عمك المشؤوم بعقلك ؟!( وهي تتطلع حواليها بتيه) تقولين هذا الكلام عن من كرست حياتها لتبلغ بكم هذا المستوى ؟! لو لم يستمع إليّ أبوك يا عاصمة لظل مهندساً في الحكومة شأنه شأن آلاف المهندسين الآخرين .
عاصمة : (وهي ترمق منيرة بنظراتها الباردة القاسية ) ليت أبي لم يستمع إليك.
منيرة :0( بتهكم مرير ) ليت أبوك لم يستمع إليّ ؟! وماذا كان سيكون حاله لو لم يستمع إليّ ؟! كان حاله سيكون حال أخيه .. لولاي يا عاصمة ما صار أبوك من أكبر مقاولي البلد .. أنا التي أقنعته بالاستقالة من وظيفته والاتجاه إلى العمل الحّر .. لو لم يستمع أبوك إليّ يا عاصمة ما تمتعتم بهذا المستوى ( تنظر حواليها بتيه ) .
عاصمة : ( تقف متباطئة وتلقي على منيرة نظرة حزينة ) أنت أفسدت كل شيء يا أمي 00 كل شيء0
( تهز رأسها وتخرج بخطى متثاقلة )
منيرة : ( وهي تنظر إلى الجهة التي خرجت منها عاصمة في ارتياع ) أنا أفسدت كل شيء يا عاصمة ؟ أنا ؟! أنا ؟!
- ستار الختام -



#شاكر_خصباك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخاطئة
- رسائل حميمة
- انطوان تشيخوف -دراسة نقدية-
- الرجل الذى فقد النطق
- امرأة ضائعة
- صراع -مجموعة قصصية-
- بيت الزوجية -مسرحية-
- ذكريات ادبية
- القهقهة ومسرحيات اخرى
- الطائر
- كتابات مبكرة
- مسرحية -الغرباء-
- عالم مليكة
- البهلوان ومسرحيات اخرى
- هيلة
- مسرحية-القضية-
- اوراق رئيس
- مسرحية -الدكتاتور-
- الهوية
- الاصدقاء الثلاثة


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - العنكبوت