أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كريم الثوري - عين الحلوة، أمير الدراجي، لعبة الموت














المزيد.....

عين الحلوة، أمير الدراجي، لعبة الموت


كريم الثوري

الحوار المتمدن-العدد: 2538 - 2009 / 1 / 26 - 06:29
المحور: سيرة ذاتية
    


عين الحلوة، أمير الدراجي، لعبة الموت!

لا شيء أنا
ولا أسعى أن أكون شيئا!
فالشيء وهم
والتشيُّء خيانةٌ كبرى.
وما بين الوهم والخيانة
يَقبع على استحياء صمتُ الحقيقة
كذبةً أُخرى.
ما أسخفها مِن لُعبة!
بل ما أسخفنا مِن لُعبة!
كم أنا ثملٌ الآن
لدرجة الإرتباك العميق
بين الوهم
والخيانة
والمنفى!


كلماتٌ كَتبتُها في لبنان مُنتصف التسعينيات أراها تنطبق تماماً على أمير الدراجي. يومها كنت أسكن صيدا، على مقربةٍ من أمير الدراجي في منفاه الاختياري، الاضطراري. ولم أكن أعلم عنه شيئاً سوى كتاباته غير المُنتظمة في صحيفة الكفاح العربي. يومها أخبرني المخرج المسرحي باسم قهار أنّ أمير الدراجي على مقربة من منفاي، وعلى مسافة عدة كيلومترات في مُخيم عين الحلوة الفلسطيني تحديداً.
إضطَربَتْ أوصالي:
في عين الحلوة؟! كررتها مرتين!
نعم! وبقهقهة موجعة قال باسم قهار: كُل مَن في عينِ الحلوةِ يعرِفهُ مختصراً سؤالي عن العنوان.
تبدو (عين الحلوة) لِمن لا يعرِفُها مُنتجعا من أنوثةِ التسميةِ ولِمن يعرفها فهي تتجاوز كل التوصيفات المعروفة وغير المعروفة (ميليشيات، سلاح خفيف ومتوسط وثقيل، أكواخ وبيوت بُنيَت كيفما اتفق. وهي قبل كل ذلك كانت مرتعاً للهاربين من القانون ومافيات لا يُعرف لها أصل ولا فصل).
كل هذه المتناقضات يُسيجها جدار عازل يصعب تجاوزه وبوابة للجيش اللبناني المنفذ الوحيد للدخول والخروج.
ركبتُ سيارتي برفقة عائلتي بعد أن قرأت المعوذتين واتجهت الى (عين الحلوة). وحينما دخلتها بسلام وجدتها مدينة مزدحمة بالسكان حتى شارعها الرئيسي يصعب مرور عجلتان فيه في الوقت نفسه. ركنت السيارة جانباُ ببالغ الصعوبة وعند السؤال اهتديت الى داره في منعطفٍ يتسع للمارة فقط. طرقت الباب فخرج أولاده الصغار . كانوا خمسة على ما أظن. أولاد باعمارٍ متقاربة. خرج أمير الدراجي إليّ شاحب الوجه، ضعيف البُنية يتعكز على رجل واحدة. رحّب بي وأدخلني بيته المتواضع وعرّفني على زوجتهِ الفلسطينية الشابة قياساً بعمره.
مُنذ الساعة الاولى استدليتُ على حجم الحصار الذي كان يعانيه. فالبيت الذي يسكنهُ لم يكن سوى غرفتين صغيرتين لا يتسع لكاتب متمرد، ناهيك عن ضجيج الأطفال المتواصل. أما عن زوجتهِ فقد تكفلت باعالة العائلة عن طريق العمل في أحد المتاجر. فأمير لا يقوى على الحراك. وهو يعيش على ما يرده من كتابة المقالات غير المستقرة مع راتب رمزي من مُنظمة فلسطينية معروفة كان يوما أحد فدائييها على مستوى الكلمة والقتال.

تكلمنا في أمورٍ كثيرة تخص الشأنين العراقي واللبناني. وكان يصغي اكثر مما يتكلم ويوجز في الحديث من جزع ومرارة ومخاضات لم تُثمر. لذلك كان يبدو لي لُغزاً بمواجهة مأساة اكتشفها بعد فوات الاوان وهو على مقربةٍ من تشرذم الفصائل الفلسطينية وبيروقرطيتها التي بترت ساقه في حربٍ كان يَعتقد إنها مُشرّفة.

إذن فالحقيقة تقول: لقد مات أمير الدراجي في لبنان ولم يمت في النروج!
مات وهو يُقاتل ما كان يجزم بأنه الشرف الرفيع!
مات بعدما تداخلَت في جسدهِ المنخور المنافي: فهو منفيّ في الوطن، ومنفيّ في لبنان، ومنفيّ في عين الحلوة. وغريب نكرة وإن كان مُعَرّفاً في تاريخ النضال الفلسطيني فصار معطوب البدن والساق واللسان (عراقي- فلسطيني- لبناني !) بعد اختياره لعين الحلوة ملاذاً.
كان يستعجل الخروج من لبنان بعد أن أصابهُ الملل والعجز وهو الباحث عن الحرية، لكن (الامم المتحدة) أماتتهُ هي الاخرى ولم تُعجل في سفرهِ لدولة مانحة للجوء لأسباب يقف في المقدمة منها كونهُ قد عمل سنوات مع الفصائل الفلسطينية وهذا ما تخشاه الدول المانحة. اضافة لكون زوجتهُ فلسطينية لها مستقر شبه دائم في لبنان حسب القوانين الدولية واللبنانية.
هذا ما اخبرني به أمير الدراجي في زيارةٍ لم تتكرر لأسباب يقف في المقدمة منها إنه يسكن عين الحلوة فالداخل اليها مفقود والخارج منها مولود كما يُقال.
كاد الدراجي أن يطوي صفحة حياته في لبنان، كما طواها المتمرد المُكابر والشاعر الغريب آدم حاتم الذي دفن في مقبرة صيدا بعدما وجَدوهُ ميتاً في الطريق وبالقرب منهُ قنينة عرق توما فارغة فدفنتهُ بلدية صور!
هكذا انطوت صفحة الدراجي بحروفها المنفية ما بين العراق ولبنان والنروج ليستقر جسده في المنفى النرويجي القاسي أخيرا.
هكذا انتهت اللعبة : لعبة الغربة والعجز والضعف قاسيةً حد اللعنة!
الأمر سيّان فالغربة واحدة وهو سليلها، ولعبة الموت تجيد الانتصار على الجميع!



#كريم_الثوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسراب الدموع تنزفُ كلمات
- ثلاث ومضات
- ما يقولهُ التاج للهُدهد*
- كان لي وطن
- كما لو كان لي وطن
- - هلاهل للوقت الضائع-
- قراءة في قصيدة (الزائر الأخير) للشاعر أديب كمال الدين
- أصوليّ
- مُعلمي
- أضغاث أحلام
- إطلالة على كتاب:- مسبحة من خرز الكلمات - ل - يحيى السماوي - ...
- آخر الوصايا
- إطلالة على كتاب ... -ألإنتظار في ماريون - ديوان في قصيدة
- إطلالة على كتاب
- محدقاً في الفراغ
- برد اجنبي
- فئران العراق
- لقد غادرني العراق
- اعترافات من طرف واحد
- المشاعيون......( الى هادي العلوي .... الغائب الحاضر )


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كريم الثوري - عين الحلوة، أمير الدراجي، لعبة الموت