أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - الاسلمة.. والأمركة (1)















المزيد.....



الاسلمة.. والأمركة (1)


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2533 - 2009 / 1 / 21 - 00:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


البحث عن عدو جديد!..

مع سقوط الاتحاد السوفيتي توفر الباحثون على موضوعات جديدة للتداول والاستهلاك، حاولت المؤسسة الاعلامية والسياسة الغربية بسطها أمام الفرد الأوربي بدافع تنبيهه الى المخاطر والتهديدات التي يمكن أن تطال حياته واستقرار بلاده الاقتصادي. على رأس هذه الموضوعات جاءت النزعة القومية في الجمهوريات الروسية المنحلة، ثم تركز الاهتمام على تلك التي تضم أغلبية مسلمة واحتمالات إدارة دفة البلاد لتحقيق نهضة اسلامية جديدة تولد من وسط آسيا هذه المرة. ومخاطر هذه النهضة ووقوعها على حدود جمهورية ايران الاسلامية. وصادف تبادل زيارات مسؤولين كبار بين هذه الدول وكل من ايران وتركيا مع اختلاف النوايا.

وهكذا أصبحت كلمة “إسلام” مدار بحث واجتهاد وتأويل من قبل العقل ودوائر السياسة الغربيين. وذلك في جهد غير معلن لإنجاز الإطار الأيديولوجي للسياسة الأمريكية الجديدة. ولم يعن للعرب والمسلمين تقديم جهود جديرة في هذا الشأن تقدم أرضية ثابتة للإسلام الحقيقي المعتدل دون اجتهادات مذهبية أو انحياز لجهة ما ضد غيرها. أما مشاركة بعض العرب والمسلمين المقيمين في الغرب فحاولت اعتماد نفس المنطلقات الغربية أو على الأقل عدم تفنيدها ومناقشتها في رسم الصورة الجديدة. ان تبعية الباحثين الى مؤسسات غربية أو تبعية الأبحاث لها حرمها من امكانية تقديم طرح موضوعي مستقل. وفي أفضل الأحوال جاءت هذه الجهود لتأكيد المخاوف الغربية من صورة الاسلام. وهو ما نجحت مصادر القرار الغربية زرعه في نفوس مواطنيها قبل البدء بأية اجراءات أو سياسات في المستويات العليا.

هنا ينبغي توضيح ان مبدأ المعيار المزدوج ليس جديداً في القاموس الغربي وانما هو قديم قدم المركزية الغربية التي تمنح نفسها أحقية القيادة والتخطيط والأولوية في كل شيء. وأن التنشئة الأوربية تعمد الى تلقين ذلك منذ سنوات المبكرة في شبكة متداخلة من القيم المادية والبراغماتية والسرعة. وثمة فهي تتعامل مع المفردة الأوربية بشكل ودي وايجابي، بينما تتعامل مع أية مفردة خارج أوربية بشكل سلبي وعدائي. ومثال ذلك ان مناقشة قضية النازية أو العنصرية تعتمد الميل للتبرئة وتقليل المخاطر وتحجيم الموضوع أو تعليقه على شماعة التأريخ. بينما تتم المبالغة في الحديث عن معدلات الاجرام عند الأجانب (المهاجرين) أو مخاطر امتلاك العرب والمسلمين للقنبلة الذرية. وتبدو الصورة أكثر ميلودرامية عند الحديث عن الممارسات الاسرائيلية والفلسطينية، حيث يتم تقليل أهمية نسف الدبابات الاسرائيلية للمدن الفلسطينية وضرب مصادر البنية التحتية للمواطنين مقابل المبالغة في خطورة مواجهة الاحتلال بالحجارة أو تضخيم صورة طفل فلسطيني بالبدلة العسكرية على أنه تهديد لمستقبل اسرائيل.

لكن هذا ليس الجانب الوحيد في سوء فهم الاسلام، الجوانب الاخرى ممثلة في موقف الحضارة الأوربية من مسألة الدين عموماً والكنيسة خاصة؛ مبدأ العلمانية؛ المركزية الأوربية والموقف من الأجانب؛ أثر التراكمات التاريخية عن الاسلام سواء من خلال التهديد العثماني في أواسط أوربا أو ما سبقه من التوسع العربي والحروب الصليبية التي تؤكد على الخطر الذي يمثله الاسلام إذا تهيأت له دولة قوية عسكريا واقتصاديا؛ المظاهر والشعارات المنعكسة من بعض الدول والحركات التي تتسمى وتتظاهربالاسلام، الآثار السلبية لسلوك الأفراد والجماعات الاسلامية في الغرب، الطبيعة المادية للعقلية الغربية التي تنطلق وتحتكم للمادي العياني الملموس وليس للعاطفة والغيبيات. كل هذه وما يتفرع عنها تمنح المؤلف ومصدر القرار الغربي بناء موقف سلبي من الاسلام كمنظومة أو نص.

واضافة الى أنه لا يمكن فصل هذه السياسة عن التأريخ والتراث الغربي الاستعماري منذ اكتشاف البخار؛ فالسياسة الأميركية الجديدة تمثل تنغيماً آخر على المقولة التقليدية الغربية نفسها مع تحريف بسيط” دع الأميركي يعمل، دع الأميركي يمر.. وإلاّ فأنت إرهابي”. أما البدهية التي لا يرقى اليها الخطاب السياسي العربي؛ إذا توفر هكذا خطاب حقا؛ فهو ” متى كانت السياسة الغربية عموماً، والأميركية سياسة صديقة حتى نستغرب اليوم من حرب معلنة تشنها الولايات المتحدة وأذنابها على رؤوس الملأ؟”.

* * *

ان أي محاولة لفهم الحاضر، وتحليل كوارث العهد الجديد، لا تتيسّر دون العودة والنبش في تربة القرن العشرين. هذا القرن الذي مثّل فاصلة حضارية مهمة ونقلة في التأريخ السياسي للبشرية، نقل الشعوب من حالة البداوة الى قمة المجتمع المدني ومن حالة الرعي الى حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي، أما العرب فقد انتقلوا من الاستعمار العثماني التقليدي الى الاستعمار الحديث، وقد ارتضوا بهذا وصفقوا وهللوا له كما فعلوا لسابقه، وتحول العرب من أنظمة عشائرية قبائلية تمارس الكر والفر على بعضها، الى أنظمة ودول عشائرية وقبلية تمارس حرب الطوائف ضد بعضها وتفتخر بسجل انتصاراتها المضمخة بدماء الأخوة وذل الأمة ومهانة العرق. فأي خطاب قومي أو سياسي أو معرفي يمكن توقعه في ظل عروبة يؤسسها رجال المخابرات الانجليزية وقومية ينظر لها أتراك مستعربون دفعهم السقوط التركي للارتزاق على أبواب البلاطات الجديدة. وما يزال باب الاجتهاد مسدوداً والسؤال ممنوعاً والتشكيك خيانة وكفراً!..

ما نحن بحاجة اليه هو الحرية، هو الجرأة والصدق والشفافية.. وليس تكنولوجيا متقدمة من أسواق الاعلانات المشبوهة ولا قنابل ذرية ضحاياها شعوبنا وبلادنا ومستقبلنا. ما نحن بحاجة اليه هو الجرأة في رؤية أنفسنا خارج مدافع النفخ الاعلامي ونفاق البلاغة السياسية التي أشبعتنا كذباً وذلاً وقهراً. على السياسيين العرب حكاماً ومسؤولين أن يجربوا العيش في درابين ومقاهي أوربا بدون بدلاتهم الرسمية وأساطيل الحماية وأجنحة الفنادق المترفة.. ليعرفوا حقيقة النظرة الغربية لكل ما هو عربي أو مسلم. عليهم أن يجربوا المهانة التي تلاحق أي مهاجر عربي أو عربية تمارس العهر لكي تقوت نفسها بينما خيرات بلادها تسمن الاقتصادات الغربية وتمول الماكنة العسكرية الاسرائيلية وبرامج الفضاء الاميركية مقابل ابتسامة لئيمة من راعي بقر ووعد رخيص بضمان العرش. ان أول سؤال يوجهه الأوربي للعربي المهاجر وهو يبحث عن عمل رخيص أو سكن رخيص أو معونة اجتماعية..[Sheikh Oil ha, viel Oel]، شيخ أويل هذه التي يطلقها الاوربي بكل حنق وغيظ واحتقار تزيده إصراراً على مهانة العربي.. وتزيده مجاملات حكامنا ورقابهم المائلة وهم الأقصرون دائماً على شاشات التلفاز.. وتزيدنا شعوراً بالمهانة!!

لماذا لم يقدم العرب خطاباً معرفياً معاصراً، يسهل عملية الاتصال بالآخر وفق ثوابت ومبادئ استراتيجية قومية ووطنية واسلامية، تفرض على الآخر احترامها في التعامل مع مفرداتنا دون الاساءة الينا ولتراثنا. هذا الخطاب المفقود هو الذي أتاح للغرب التحدث بالنيابة عنا، ليس في أسواق السياسة الدولية منذ سان ريمو وسايكس بيكو فقط وانما في صياغة العروبة والوطنية والاسلام. وأتساءل هنا بكل براءة.. إذا كان ثمة بلد عربي واحد، سوف يرفض المناهج التعليمية والتثقيفية التي تفرضها ادارة البيت الأبيض لتعليم ابناء العرب المبادئ الصحيحة عن العرب والوطن والاسلام، أسوة بما تم في كردستان العراقية ويتم في أفغانستان من مناهج مدرسية جديدة تناسب الذوق الأميركي وبأسماء دكاترة محليين معروفين!!..

وأخيراً.. ان المسؤول عن تشويه العروبة والاسلام هم العرب أنفسهم بما يمثلونه من مؤسسات غير جديرة. ومجموعة السلوكيات والسياسات التي انتهجها النظام العربي طيلة القرن الماضي حتى اليوم.. ما نحتاجه هو الجرأة والشجاعة للاعتراف ان شارون وسياساته افراز عربي سياسي وبوش وحربه على العروبة والاسلام افراز عربي.. ولد ونشأ في أحضان عربية دافئة. علينا ان نتوقع ما هو أمر وأدهى طالما استمر النظام العربي بنفس المفاهيم والأسس والسياسات التي لم ولن تعود على العرب بغير الكوارث والويلات والدجل الاعلامي.

* * *

زواج الدين والدولة..

لقد تعامل النظام العربي السياسي دائماً مع الاسلام كأحد دعائمه، وأعاد صياغة مبادئه وجوهره بما يخدم أغراضه السياسية الضيقة. واذا كان النظام العربي يستند أو يدعي ويبرر سياساته بالتراث الاسلامي، فان الانحراف والتشويه في الاسلام هو أقدم من ذلك بكثير ولا نريد تحديد ذلك بالعهد الأموي مثلاً. وكان على الخطاب المعرفي المفقود والعقل الاسلامي اعادة دراسة الفكر والفقه والتأريخ الاسلامي والتحلي بالحرية والجرأة التي تؤهله لإعادة تقييم مسألة تناوب السلطة الاسلامية مثلاً، والصياغات الفقهية التي أرادها بنو العباس ضامنة لهم، ونبش كل التفاصيل لرفع الغبن واللبس حتى لو اقتضى ذلك إدانة مراحل وحكام وسياسات يحاول النظام العربي وصفها بالقدسية والحصانة، لضمان حصانته الذاتية من النقد والانتقاد. تحديد موقف واضح ومسؤول من الانسان وبناء المجتمع الانساني المنسجم مع روح الحياة، دون مغالاة أو رياء اجتماعي وفكري. أما الاصرار على الرفض والجمود وتوزيع الاتهامات فهو إصرار على ترك الأمة تذهب الى الجحيم آخذة معها تاريخها بقضه وقضيضه.

المثقف العربي المستقل.. وحده القادر على فك خيوط الاشتباك ورفع الغمامات عن ملابسات القرن العشرين وما قبله وبعده في محاولة ذاتية جادة للتقييم والتقويم والمحاكمة لكل التفاصيل الصغيرة التي أثرت نهر ضياعنا وبسطت أمامنا صحراء التيه.

* * *

ليست الكآبة فقط.. وانما الخيبة والاحباط هي مذهب العصر الجديد الذي تؤشره الألفية الجديدة. المحبة والانسانية هما أول المستهدفين من سياسات فتل العضلات التي أحالت العالم الى قرية همجية تكنولوجية بقيادة الصلف والغرور والعمى التام. بالتأكيد ثمة جماعات غير قليلة أعلنت عصيانها على نشرات الأخبار. والاهتمام غير العادي الذي يشهده الدوري العالمي لكرة القدم أبرز شهادة على العبث واللامبالاة والهروب من الجدية للنجاة بالبقية الباقية من خيوط الأعصاب والنخاع الشوكي. لا بدّ ان بعض المثقفين والسياسيين عبروا عن احتجاجهم أيضاً من خلال الاعتزال أو الانتحار أو الزواج أو العمل في التجارة، وربما التنازل عن المواقف الصلبة لصالح المرونة والميوعة والبراغماتية.

سقوط الاتحاد السوفيتي لم يكن مجرد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة أو تحول الروس من أول قوة دولية الى دولة من العالم الثالث، وانما سقوطنا نحن جميعاً!! نعم نحن.. بما فينا الذين كانوا ضد الشيوعية والاشتراكية والدم الأصفر وحكايات الدببة. أوربا الغربية أول من أكتشف ذلك كالعادة، عندما أصبحت تحت الضرس الأمامي للابن الذي أخصى أباه، وحاولوا تلافي الأمر باختزال خطوات الاتحاد والتداعي لتوحيد الشرائع والاليات والجيش والبوليس. أوربا الشرقية أرادت أيضاً اختصار الطريق فتوسلت دخول الناتو لضمان قبولها في الاتحاد الأوربي. ايران انتهزت اللحظة الأخيرة ووثقت علائقها مع الجار الملحد أو الكافر. اما العرب فلم يصلهم خبر السقوط العالي هذا، فبقي أصدقاء الروس أصدقاء الروس.. يتوسطونهم للضغط على أميركا، وأصدقاء أميركا بقوا أصدقاء أميركا يتوسلون حمايتها من المعارضة والمارقين العرب.

ولم يدر بذهن كبير الحكماء والشطار أن يبتسم الأسد الأميركي ذات يوم فيريهم (نيوبه)، وتتحول الحرب الباردة من الشيوعيين الى الاسلاميين. غرورهم خيل لهم إمكانية مسحها بلحية بن لادن كما حاولوا من قبل مسحها بلحية غيره. ولكن الصديق المستأسد لم يقبل بجزء من الفريسة وأرادها كلها؛ فعادوا ليجمعوا صفوفهم على مضض ويشطبوا العراق من قائمة العداوة التأريخية والاختراع أم الحاجة.. والقدر ما تزال على النار!!.

القدر على النار.. والدخان يعمي عيون العالم.. والحجر بارد.. الحجر بارد.

طريق العرب ليست مسدودة أبداً.. المزيد من التنازلات والتراجعات والانحناءات وعلى عينك..! المهم ان أميركا صارت تخاف من العرب والاسلام والذين صدقوا هذه الترهات. ولأن باب الاجتهاد مسدود والسؤال ممنوع والتشكيك خيانة. يدفن العربي همه في بطنه ويدعو الله نجاة الأمة من هذه الغمة، والقدر تغلي.

*

على جدار الأسئلة..!

هل يتضمن الاسلام نصاً أو ديناً تهديداً للحياة؟ هل نشوء الدولة الاسلامية عنصر تهديد؟ هل اتحاد المسلمين على غرار الاتحاد الأوربي أو الأميركي أو الأفريقي أو الكومنولث أو الفرانكوفونية تهديد للأمن والاقتصاد العالمي؟ هل امتلاك المسلمين لحلقات التكنولوجيا المتقدمة أو القنبلة الذرية جريمة ضد الانسانية؟

هل يمثل العرب تهديداً للعالم؟ هل تمثل العروبة نظرية أو استراتيجية على غرار النظرية الصهيونية أو النظرية الاستعمارية أو المركزية الغربية أو العنصرية أو النازية أو الاستراتيجية الامبريالية وطروحات الهيمنة والعولمة؟؟!!!! هل اتحاد/ وحدة العرب خطورة على الانسانية؟ هل امتلاك العرب لذاتهم وأدوات قرارهم جريمة؟ هل حصول العرب على حلقات التكنولوجيا المتقدمة أو القنبلة الذرية يندرج في جرائم ضد الانسانية؟؟!!

هناك أكثر من مليار انسان مسلم ومسلمة، وقرابة ثلاثمائة مليون عربي وعربية.. أين موقعهم في المواثيق الانسانية الدولية ولوائح حقوق الانسان (حقوق الحياة والاعتقاد والرأي والتعبير والحركة والعمل..)؟

كان العرب والمسلمون، بلداناً وشعوباً ضحية لعمليات القرصنة الدولية والنهب والابتزاز والاستعمار منذ القرن السادس عشر حتى اليوم.. عمل الغرب خلالها على حشد الامكانات المادية والتعبئة العسكرية والسياسية والفكرية لتمرير وتبرير سياساته وممارساته ضد الشعوب الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية!! ومع دخول السياسة الدولية مرحلة جديدة وظهور الدول القومية بين الحربين العظميين، قامت الدول الغربية بصياغة مقاسات الدول العربية والاسلامية والخطوط الاساسية في السياسة والاقتصاد والادارة والجيش؛ ونجحت في تهميش وتحجيم كل محاولات النهوض والتقدم والتنمية والدمقراطية. فأين هي عناصر الخطورة والتهديد عند العرب والاسلام بعد كل هذا؟؟

يتوفر العرب والمسلمون على إمكانات مادية طبيعية وبشرية لا مثيل لها، ومع ذلك فهم أكثر الشعوب تخلفاً وفقراً ومن أكثر المناطق الدافعة للهجرة التي تنعدم فيها الشروط الأساسية البسيطة والبنى التحتية للحياة الانسانية، وينعدم فيها الاستقرار وامكانيات التواصل مع أنماط الحياة العصرية. ما هو أثر السياسات الغربية الطويلة الأمد وملحقاتها في معاناة الانسان العربي والانسان المسلم؟؟

أين هي مصادر الخطورة والتهديد في العالمين العربي والاسلامي وقد كان الغرب وما يزال في/ ووراء التنظيمات والحركات السياسية والفكرية عند العرب والمسلمين بدء من الدولة وليس انتهاء بالأحزاب السياسية والتيارات الفكرية والاجتماعية والدينية؟ كيف يكون امتلاك العرب والمسلمين للتكنولوجيا المتقدمة والأسلحة الحديثة خطراً، ومفاتيح هذه التكنولوجيا والأسلحة والأجيال المتقدمة منها بيد الغرب نفسه؟؟ كيف يمثل العرب والمسلمون تهديداً للعالم/ المصالح الغربية وبلادهم تحرسها القواعد العسكرية وأجهزة التجسس والمخابرات والأقمار الصناعية؟ لماذا تتوزع هذه القواعد العسكرية والتجسسية بالشكل الذي يحاصر البلاد العربية والاسلامية من الجوانب والعمق، مع علمهم وأثرهم بتخلف العرب والمسلمين وعجزهم عن تحقيق أي تقدم علمي أو اقتصادي أو سياسي أو عسكري؟؟

لقد اخترقت السياسة الغربية المنظومة العربية والاسلامية بالجواسيس والعملاء المزدوجين الذين خدموها في مراحل دقيقة وحساسة، فإذا ما تغيرت ملامح المرحلة لزمها تجريد امكانياتهم أو تصفيتهم مكبدة البلدان والشعوب كوارث حروب وأزمات مختلفة!!.

أليس طريفاً.. أن تتقدم بلدان أميركا اللاتينية وأقريقيا ويبقى العرب والمسلمون على المقاعد الخلفية للمتفرجين والمستهلكين السذج؟؟ لقد استلب الغرب فرص العرب والمسلمين التاريخية في النهوض والتقدم طيلة قرون ويريد اليوم القضاء على مستقبلهم!! ألم يكن لهذه الشعوب أدنى حق في الحياة الحرة بدون التدخل والقرصنة؟ ولماذا يهرب الغرب اليوم للأمام من تساؤلات الأجيال العربية والاسلامية الجديدة بوضعهم في مواجهة حرب استراتيجية جديدة للقضاء النهائي على آخر بذرة قومية أو دينية عند العرب والمسلمين؟؟ الى متى يحرم العرب من التصرف بامكاناتهم المادية والذاتية وصنع حياتهم ومستقبلهم بحرية؟ هل سياسات الهيمنة الاقتصادية كافية لتبرير احتلال وتدمير البلدان والشعوب وإشاعة اليأس والاحباط والكآبة في صفوف العرب والمسلمين؟؟!!!!

هل استفراد الولايات المتحدة بأوهام القوة يعطيها الحق في تعطيل القوانين الدولية واللوائح الانسانية ومعاملة المجتمع الانساني معاملة الابقار أو الشؤون الداخلية الأميركية، بحيث تصبح حركة جندي في الخليج العربي تهديداً للأمن القومي الأميركي؟؟ وأين هو الأمن القومي العربي في ظل القواعد الأميركية وطائرات الأواكس التي تحاصر الخليجين العربي والهندي من الداخل والخارج؟؟

لماذا لا تقوم المدنية الغربية والأميركية المتقدمة(!!) بالاستماع للرأي والعقل العربي والاسلامي المستقل وتقدم إجاباتها بعيداً عن أساليب العنف والتهديد والاتهام؟. لماذا لا يتم النظر لحقوق الانسان العربي والمسلم أسوة بحقوق الانسان الأوربي والأميركي؟ لماذا يمنع العرب مما يحق لغيرهم من الشعوب والبلدان؟ لماذا لا تتبع أميركا اسلوب الاحترام والتكافؤ في التعامل مع العرب، الى اسلوب الحوار والتفاهم الاقتصادي للحصول على النفط العربي مقابل تأمين المصالح الاقتصادية للعرب واحترام حياتهم وحقهم في التقدم والتنمية؟ وكيف تنسجم أساليب القوة والعنف مع ادعاءات التطور وتجاوز المرحلة البربرية تأريخياً؟

الى متى تبقى الأمم المتحدة والمجتمع الأوربي والدولي في موقف الفرجة واللامبالاة، منتظرة حصة من الغنائم الأميركية.. هل صدق العالم خرافة نهاية التأريخ لإنزال الستار على كل ما مضى لمجرد انهيار المعسكر الشرقي واستفراد الولايات المتحدة بدور الشرطي العالمي؟

ان الحديث عن السلام والأمن ينبغي ان يستند الى السلام والأمن الداخلي، ولا سلام مع العنف ولا أمن مع العدوان.

*

الاسلام: البديل الثالث

انقسم المتحاورون العرب في شأن تحديد الطريق العربي للمستقبل الى قسمين رئيسين: تيار يؤيد اتباع النموذج الغربي، تيار سلفي للاستمرار على النهج العثماني وما سبقه. وأزاء تطرف كلا التيارين وصعوبة التقائهما وعمق آثار التقاليد العربية المتوراثة، فلقد ظهر تيار ثالث استطاع تثبيت قوائمه على ارضية القرن العشرين. وبالتالي فأن حسم السجال الفكري حول مستقبل العرب لم يتحقق من خلال الحوار وحلقات المناقشة والبحث وانما من خلال العسكر (العنف) مجسّداً في حركة 23 يوليو 1952 والتي وضعت -كالعادة- اللبنات والمقومات الرئيسية الأولى التي اتبعتها حركات البلدان العربية الأخرى بالتوالي في قليل أو كثير.

لكن ذلك لم يكن إلا جانباً أو صورة من صور الخلل أو الإشكالية الوجودية التي يعاني منها العرب؛ الجانب الآخر الذي لم يحظ بالبحث والمناقشة وبقي معلقاً وقد يبقى لأمد طويل، هو البت في مسألة العروبة والاسلام. وهي الثيمة التي بقيت أرضاً محرمة ومنطقة ألغام، لم تتوفر أية أرضية عربية لرفعها لمستوى المناقشة وبالتالي، فأن عدم حسمها سوف يبقي العرب في خانة الانتظار وفي مرحلة ما دون القرار بينما تندفع شعوب المعمورة بقوة صاروخية نحو المستقبل، ولا نتساءل بعدها، أين تكون مكانة العرب، سواء توصلوا الى قرار بشأن الإشكاليات المعلقة – بعد فوات الأوان- أم لا.

عندما بدأت عمليات الثورة الصناعية في العالم بقي العرب في مرحلة البداوة والزراعة التقليدية في ظل الحكم العثماني (أجنبي)، وعندما توفرت فرصة بناء الأنظمة الوطنية القومية انتظر العرب القرار من الخارج، ليرسم لهم البريطانيون والفرنسيون أشكال الأدارة والعسكر والسياسة، ومع انقسام العالم الى معسكرين استسهلوا الانضمام الى أحدهما أو التنقل التكتيكي بينهما بينما كان العملاقان يمسكان بالأوراق الرئيسية وينقلانها من يد إلى يد (لعبة الكبار والصغار). ولم تتكشف حيرة النظام العربي إلا بسقوط المعسكر الاشتراكي وظهور أنياب الأمبريالية الأميركية بكل وقاحتها، ولم يكن عندها ثمة من خيار ثانٍ أو ثالث أو فرصة للتكتيك بالمفهوم العربي. ولكن تجرع الخيار الاجباري هذه المرة أصعب من السمّ. والأميركان لا يكتفون بضمان مصالحهم الاستراتيجية والعسكرية وانما أكثر من ذلك، مسخ الكيان والهوية. ولا غرابة أن تبدر أصوات المعارضة والاحتجاج من أنظمة كانت على الدوام في ظل الرعاية الغربية ربيبة مطيعة وديعة. وأنظمة حاولت ان تبدو بمظهر الوسيط المعتدل العقلاني ترفع عقيرتها بين آونة وأخرى منددة بالصلف الأميركي.

الأمر الغائب أو الذي يتعامى عنه البعض أن قواعد العلاقات الدولية المطبقة في العالم لا تنطبق في الاطار العربي، وان الأقطاب الغربية بقيت تعامل مستعمراتها ومحمياتها السابقة من منظور الوصاية أو الأخ الكبير في أفضل الأحوال (Big Brother)، وبالتالي فأن الغرب ليس مستعداً لسماع الصوت العربي ولو سمعه فلن يأخذ به جوهرياً وهو غير ممكن التراجع عن سياساته المعلنة منذ مئات السنين. وإذا كانت السياسة العربية تعتمد المجاملة والابتسامات قواعد لها فبنية العقل الغربي مختلفة تماماً وفيها تتكشف صورة الخلاف بين الشرق العاطفي والغرب العقلي.

ان حالة العجز والتخبط التي تسكن الجسد العربي أمام مفترق طرق المستقبل انعكست في صورة التشاؤم واليأس التي تداهم الشاب والجيل العربي الصاعد الذي لا يجد الكثير من الوقت أو الأمكانيات لاستعادة الجدل القديم قبل مائة عام حول الطريق الشرقي أو الغربي. ان حالة الجمود واليأس والتخبط هيأت أرضية خصبة لتنشيط بذور حركات وتيارات حسب البعض أن تم القضاء عليها منذ زمان، متناسين القوى والمصالح المتخفية والساكنة والمستفيدة من تأجيجها بين الفينة والأخرى وبالشكل المطلق الذي اتيح لها في السنوات الأخيرة. ان مكانزم الدين تقوم على حالة من السكينة الداخلية والقناعة النفسية والفكرية والتسليم المطلق، الذي لا يجد المرء فيها حاجة للتفكر في حياته والأوضاع العامة.

الطريق الغربي الذي نهجته أنظمة –إلى حد ما- مثل تونس ولبنان انتهى للانقضاض أثر إقالة بورقيبة ونتائج الحرب اللبنانية (1974-1991). والطريق المختلط الذي تمثله عبد الناصر وأنظمة عربية عديدة انتهى بشكل أو آخر لصالح الانفتاح والتخبط بعد ذلك. وقد صوّر ذلك للمحافظين والسلفيين فشل تلك النماذج ولصالح تعميم النموذج السلفي كوصفة إجبارية على الجميع؛ قافزين بذلك على عديد الحقائق، منها:

ان استمرار نظام معين وبدون هزات سياسية كبيرة لا يعني صلاحية تلك الوصفة وسلامتها من المآخذ. ان معايير الصلاحية أكبر من ذلك بكثير وهي تتعلق بتحقيق مشاريع التنمية الوطنية واستكمال مستلزمات البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة،وتلك لم تتحقق في أي البلاد العربية بعد مضي حوالي القرن على ظهور الدول الحديثة.
ان التغيرات السياسية التي اعترت البلدان المختلفة حصلت من الخارج ولم تكن أفرازاً محلياً أو تطوراً داخلياً للحركة الاجتماعية، ومهما ادعت وسائل الاعلام غير ذلك؛ وذلك لتشابك المصالح الغربية بوجود تلك الأنظمة.
ويمكن الاستدلال على ذلك بأنظمة غير عربية استمرت على ما هي عليه مثل النظام الأتاتوركي المتفرنج في تركيا . ان معيار تغير نظام معين قد يكون تطوراً محليا كما في ايران (!!) أو مرتبطاً بتقاطعات المصالح الغربية كما في بلاد عربية والباكستان وأميركا اللاتينية، وأخيراً أوربا الشرقية.
ان ضمانة استمرار أنظمة معينة ومنها سلفية (السعودية) أو مختلطة (الأردن) هي انسجام سياساتها مع خارطة السياسات الدولية، وينسب للأمير حسن ولي العهد الأردني السابق قوله: أن بلاده من البلدان العربية القليلة التي فيها نظام مستقر سياسيا منذ سبعين أو ثمانين عاماً.
ان معظم قرارات العرب التاريخية اتخذت في مراحل الضعف والتبعية، وحال العرب اليوم ليس بأفضل منه في ظل المغول أو العثمانيين أو الانجليز والفرنسيين، فما الذي يدفع طائفة اليوم لفرض خطابها وتعميمه على الجميع وهو الذي لم يحقق نتائج تذكر في بلد المنشأ.
ان عشوائية التدرج التاريخي الذي يحلو للبعض اعتماده في مراجعة برامج التنمية/ النهضة العربية من القومية العلمانية الى الوطنية المختلطة الى السلفية الجاهزة لا يمكن أن تقدم حلاً لإشكالية المستقبل العربي. ومن الأفضل اعتماد مبدأ الحوار الدمقراطي والبحث العلمي العقلاني وعدم حصر الحوار والقرار في حلقات نخبوية مختارة ومحددة، لأن مستقبل الأمة مسؤولية الجميع وسوف تقع تبعاته وفواتيره على حساب الجميع، وكما يجتر العرب اليوم تبعات سياسات أنظمة وحكام تجاهلوا مصالح شعوبهم فكان الضياع والخسائر الشمولية والاحتلال مصير بلادهم، لا يجوز التهاون في حرمة البلاد والعباد بقرارات فردية وعشوائية غير نابعة من مصالح الجماهير ومستجيبة لتطلعاتها الثقافية والسياسية.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روبنسن كرويز في تل حرمز
- نظرة نحو الخلف...
- من داود بن يسي
- المريض العراقي
- أنا الخطاب.. أنا الآخر - في آلية الحوار-
- مات إله الشياطين
- رسالة لم تصل إلى جلجامش
- ابحث عن رصيف يحتمل موتي..
- أنسى..
- مدينة الحوار المتمدن
- الموت.. دورة المطلق الحميمة
- سيرة و مكان
- قراءة في مجموعة [إمرأة سيئة السمعة]
- الطائر الذي يغني من داخل القفص
- العنف.. ثمرة ثقافة سيئة
- الاشتراكية..تحرير الفكرة من العصبية والدولة
- وأذكر أني عراقيُّ.. فأبكي!..
- العنف الاجتماعي بين الهمجية والمرض النفسي
- (غداً..!)
- أشعياء بن آموص


المزيد.....




- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - الاسلمة.. والأمركة (1)