أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاني عواد - -الحراك الاجتماعي- والمرأة الجميلة في زقاق المدق















المزيد.....

-الحراك الاجتماعي- والمرأة الجميلة في زقاق المدق


هاني عواد

الحوار المتمدن-العدد: 2533 - 2009 / 1 / 21 - 09:39
المحور: الادب والفن
    


إذا ما أردنا أن نحوّل رواية "زقاق المدق" إلى كتابٍ علمي فسنقترح عنوانه: ما نوعية الحراك الاجتماعي الذي حمله الاحتلال البريطاني لمصر إبان الحرب العالمية الثانية؟ فليعذرني نبي الرواية العربية نجيب محفوظ إذا ما كان هذا السؤال، منزوع الجمال، حضر تعليقاً على هذا العمل الراقي! ولكن ما حيلتنا والمرء حينما يتسكع بين أعمال هذا العظيم يعثر، إضافةً إلى الأدب، على الفكر وعلم الاجتماع والسلوك وعلم الأديان!... ما ذنبنا؟!
في الرواية نجد بريطانيا الخائفة من شبح هتلر قد أنشأت معسكراتٍ لخدمة الجيش الإنجليزي وظفت في خدمتها عشرات الآلاف من العمال المصريين بأجورٍ مرتفعة نسبةً إلى معدل الأجور، بل ويبدو لنا أن الأقليات اليهودية والأرمنية قد أخذت مجدها أيضاً، فالحرب كانت مربحةً جداً للقطاع التجاري والأيدي العاملة، ويظهر الأمر كأنما إفادة لمصر، أو على الأقل هكذا يبدو، فالمدق ههنا سيكون نموذجاً ممتازاً لرسم الصورة السلوكية لشعبٍ دخل من نافذة بيته مصدرٌ مريح للمال قلب الأخلاق وأفسد العلاقات الاجتماعية القائمة.
"حميدة" الشخصية الأبرز في الرواية ستنظر إلى الفتيات الأرمنيات واليهوديات اللواتي لبسن أجمل الثياب، وهي التي تضاهيهن جمالاً، لا تحوز إلا جَلَبايةً وجيشاً من القمل يسكن شعرها الفحمي الساحر؛ فتبحث حولها عن فارس الأحلام الغني الذي يريد أن يرفعها إلى الحالة التي تعتقد أنها تستحق.
هنا سنلاقي صورةً سلوكية بديعة لتلك الفتاة التي تحوّل جمالها إلى رأسمالٍ اجتماعي؛ يتقدم لها الرجال؛ فتتلاعب بهم لتختار الأفضل، تضع "عباس الحلو"، الذي يقرر الرحيل للعمل في معسكرات الإنجليز ليرضيها، تضعه على الرف الاحتياطي بقراءة الفاتحة، ثم تنزل إلى حواري الزقاق تقلّب الرجال الآخرين، لعلها تحصل على من هو أفضل من المسافر.
سنجدها متسلحةٌ بجمالها، فحينما يتبعها رجل، تجده مناسبٌ لطموحها، تنسج قوانين معركتها:"فلتواصل السير دون أن تلتفت إلى الوراء، حذار من الالتفات، فالتفاتة واحدة شرٌ من الهزيمة"، تعرف متى تبتسم، وكيف تجعل من بسمتها مثيرة، أو هازئة أو حتى رافضة، بل كيف تخوض المعارك الصامتة مع الشبان فتقهرهم حيناً، وتهرب منهم أحياناً أخرى، إنها تلك الفتاة التي توظف سحرها، تبخترها، التفاتتها، نداً للمال من أجل السعي للوصول إلى مستوى اجتماعي أفضل.
ولا ريب أن تلكم الفتاة التي تساوي بين المركز الاجتماعي وقيمة الجمال أي تجعل الأخير "شيئاً" ، فتنتصر في معركتها السهلة مع عباس الحلو الذي يسارع للعمل في معسكرات الحرب لأجلها، ستقابل من بعده فتىً يتعامل مع الجمال كـ"شيء"، سيصارحها "فرج إبراهيم" وسيقول لها تعالي، واحصلي على المركز الاجتماعي الذي تحلمين به، ولكن هاتي ما عندك! ولأنها رأت عند هذا الأخير (الذي يرفه عن الضباط الإنجليز) ذلك المستوى الذي لم تحلم به قط، فإنها ستترك "عباس"، وتتحول بكامل إرادتها، من "حميدة" ابنة "أم حميدة" الخاطبة، إلى العاهرة "تيتي".
والحق أن "حميدة" ليست إلا نقطة من منظومةٍ مشوهة شكلها ذلك المال الذي جلبته الرياح، فغير بشكلٍ سريع وغير طبيعي التفاوت الاجتماعي، فرُفع من انتهز الفرص، وتُرك من تباطأ على ما كان عليه، الأمر الذي شوه المنظومة الأخلاقية السائدة، وفكك العلاقات العائلية والأسرية المترابطة.
سنجد طبيب الأسنان "بلوشي" يغزو القبور من أجل انتزاع أسنان الميتين ليبيعها أطقماً جاهزة، سيعمل "زيطة" صانعاً لعاهات يسترزق من وراءها الشحاذين! وسنلمح حسين كرشة يرحل عن أهله للترزق من المعسكرات فيتزوج دون علم والديه وعندما ينتهي عمله هناك لا يقدر على الرجوع للعمل في قهوة والده، أما "كرشة" –والد حسين- سيقيم علاقة شاذة مع شاب بعمر ابنه شعر بظلمٍ اجتماعي مجهول المصدر!
وفي رأيي أن "مجهول المصدر" هذي هي لب المسألة، فالجميع في هذه الرواية باستثناء الشيخ رضوان الحسيني القانع بحياته والمتواضع في طموحاته والمتشبث بقيم زقاق المدق الأصلية، الجميع يشعرون بظلمٍ لا يعرفون مصدره، فليس من عجيب أن تسمع "رفيق المعلم كرشة" يقول له عند باب محله:"أجل ما أكثر المظلومين، ومعنى هذا بالحرف الواحد ما أكثر الظالمين"، فمم يشكو هذا الرفيق وهو يبيع ويشتري ويفتح ويغلق دكانه... ما الذي دفعه إلى قبول دعوة المعلم كرشة الشاذة وهو الشاب في مقتبل العمر؟
إجابة حاسمة من الاقتصادي الكبير جلال أمين كفيلة بأن تفسر لنا السبب؛ إنه الحراك الاجتماعي، ونظرة الناس إلى بعضهم البعض عندما يطرأ تغيرٌ لا عقلاني في المستويات الاقتصادية، فينشأ التطرف وينتشر سوء الخلق وترتفع قيم المال واللهو على قيم التماسك والتكافل، فيؤدي ذلك إلى ضربِ المنظومة الفكرية للمجتمع، فلا يصبح للسياسة أي معنى.
وعلى ذكر السياسة؛ يرصد المدق أيضاً نظرة الناس إليها والعمل الوطني في هذه الفترة، ويعبر عن ذلك المعلم كرشة خير تعبير فهو بعد أن كان مشهوراً في شبابه بالالتحاق بصفوف الوفد ومشاركتهم ثوراتهم وانتفاضاتهم، وبعد أن كان الإنجليز يمثلون له "آخراً" وعدواً لدوداً يناضل ضده، إلا أنه بعد أن انفرجت السماء عن أموالٍ خلخلت المجتمع، كما أسلفنا، طرأ التحول الكبير على "كرشة" الذي "لم يبق في روحه من الثورة القديمة إلا ذكرى غامضة وربما كرَّ إليها الخيال فأشاد بها متباهياً في بعض ساعات الصفاء حول المجمرة، ولكنه نبذ جميع قيم الحياة الشريفة، ولم يعد يعبأ بشيء من بعد ذلك إلا (الكيف) و(الهوى)، وما عدا ذلك (اردم) على حدِّ قوله. لم يعد يكره أحداً لا اليهود ولا الأرمن ولا الإنجليز أنفسهم، ولم يعد يحب أحداً كذلك" بل وأعجب بهتلر لأنه كان يعده "شيخ فتوات القوة" وليس لحربه ضد بريطانيا، هكذا أصبح صاحب القهوة يرصد الانتخابات كما "يرصد الأسواق النافقة"، و"انقلب نصيراً لمن (يدفع أكثر). وجعل يعتذر عن مروقه بما طرأ على الحياة السياسية من فساد، قائلاً: أنه إذا كان المال غاية المتنابذين في ميدان الحكم فلا ضير أن يكون كذلك غاية الناخبين المساكين!"
"التشيؤ" هو المصطلح الأنسب-وإن كان في غير موضعه العلمي- لوصف انحطاط القيم واستعمالها كـ"أشياء"، فالحب الذي تشتاقه حميدة عندما تتحول إلى "تيتي"، لا يعني أي شيء عند فرج إبراهيم "الحب لعب ونحن جادون!"، تفكرّ حميدة:"أقبح بكلمة الحب إذا ندت عن فمٍ مملول، كالبصقة!". أي نعم؛ ستحصل حميدة في نهاية المطاف على حياةٍ مسخ، فمن جهة تزدري عيشة زقاق المدق "من حمل وولادة وإرضاعٌ على الأرصفة"، وفي الجانب الآخر؛ تختنق في حياة يحي شكلها بالرخاء ويفرغ جوفها من المعاني!
تختتم الرواية بمقتلِ "عباس الحلو" في محاولةٍ يائسة منه في الدفاع عن قيم الشرف الأصلية، حياة زقاق المدق المحاذي للأزهر... يسافر أو يهرب "رضوان الحسيني" حاجاً إلى مكة بعد طولِ تأجيل... بينما تختتم صفحات الرواية بتنهدٍ للشيخ درويش:"يا ست الستات.. يا قاضية الحاجات.. الرحمة..الرحمة يا آل البيت، والله لأصبرنَّ ما حييت، أليس لكل شيء نهاية؟! بلى لكل شيءٍ نهاية...
... ومعناها بالإنجليزية end وتهجيتها E.N.D...".



#هاني_عواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما لا يبقى في الوادي إلا حجارته ... قراءة في رواية -اللاز ...
- عندما يتحدث ابن خلدون عن التجريد... فكر الحداثة العربية: من ...


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاني عواد - -الحراك الاجتماعي- والمرأة الجميلة في زقاق المدق