أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - كسر حالة اللابديل... فلسطينياً وعربياً















المزيد.....

كسر حالة اللابديل... فلسطينياً وعربياً


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2528 - 2009 / 1 / 16 - 09:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في موقعة غزة الجارية الآن، يتكشف، ربما أكثر مما في أية مناسبة دامية سابقة، الجوهر "الرجعي" لإسرائيل. الكلمة ليست مرضية تماما، لكن لا منافس لها في توحيد مدركات ثلاث، يبدو لي أنها تطبع بعمق حرب إسرائيل الأخيرة.
1. غطرسة القوة وجنونها، ما يطلق عليه في الغرب اسما منافقا: اللاتناسب أو الاستخدام المفرط للقوة، وما يتأسس على حق للأقوى لا يمكن القبول به للضعيف.
2. ما ينبئ به ذلك من ترتيب للمجتمعين والإنسانيين الإسرائيلي والفلسطيني في مرتبتين أو طبقتين، طبقة السادة الذين يحظون في آن بالقوة والحصانة والتفوق الأخلاقي، وطبقة التابعين المكشوفة والتي ينبغي أن تبقى في حالة انكشاف، بلا حماية ولا حصانة، ولا حتى جدارة بالتعاطف.
3. ما يتحصل من ذلك كله من فارق نوعي بين الإسرائيلي والفلسطيني، بين حياتيهما وقوتيهما والجدارة الإنسانية كل منهما. العنصرية هي الكلمة المناسبة لوصف الإنكار الجوهري للمساواة بين الناس.
يمكن تأسيس مناهضة إسرائيل ومقاومتها بصورة كافية جدا على طابعها الرجعي واللاإنساني العميق، الذي لم تكن حرب غزة هذه غير مناسبة لانكشافه بصورة تتكثف فيها الفوارق الثقافية (عنصرية) والسياسية (استعمارية) والطبقية (أسياد مقابل أتباع). وبقدر ما يعمل العرب وينجحون في طرح صراعهم مع إسرائيل على هذه الأرضية، فإنهم يجعلون من قضيتهم قضية التقدم والإنسانية، القضية التي يخونها الغرب بطريقة تذكر بجرائم عصر الاستعمار. والطابع الديني للالتزام الغربي بإسرائيل (وهذه نقطة قلما نراها أو نتبين أهميتها) يرفع خيانته للعدالة والإنسانية إلى مرتبة مبدأ ثابت غير قابل للتصحيح. فإن لم تكن القيم هذه جاذبة لنا في ذاتها، فينبغي أن نحرص عليها من باب ملء الفراغ القيمي الذي يتركه الغرب. (يلزم فقط التوضيح أن الطابع الديني للعلاقة الغربية الإسرائيلية مرتبط بالهولوكوست، أي بجريمة كبرى ارتكبت بحق اليهود، لا بالديانة اليهودية).
غير أن الفلسطينيين والعرب قلما فكروا في ذلك أو اهتموا به. الواقع أن سياسات حماس ووجهة تفكيرها الدينية العامة تخصم من حساب القضية الفلسطينية ولا تضيف إليه. النموذج الحمساوي غير جاذب، كيلا نقول إنه منفر، فوق أنه أخرق سياسيا. لا ينبغي لأي شيء أن يحول دون قول ذلك. ولا حتى تعرض غزة لعدوان من قبل قوة متعجرفة وعنصرية ورجعية. إذ لا يبرهن كون المرء معتدى عليه إلا على كونه صاحب حق، دون أن يعني ذلك أنه على حق في كل ما يفعل. وهذا لا يمس بحال التضامن مع شعب غزة، ومع حماس نفسها، في معركة مواجهة العدوان. فالشيء الوحيد الصحيح حين تتعرض لعدوان هو أن تدافع عن نفسك وعن شعبك، دون قيد أو شرط.
لكن العدوان سينتهي عاجلا أو آجلا. فهل سنشهد أي نوع من كشف الحساب، تقدمه حماس الحاكمة في غزة لأهل القطاع وللشعب الفلسطيني، ولعموم المتضامنين مع غزة وحماس؟ أم أن "صوت المعركة" سيثابر على خنق أية أصوات نقدية قد تعلو هنا أو هناك؟
وليس في نقد نموذج حماس وسياساتها ما يشهد لنموذج فتح. هذا نموذج منحل، يجمع بين فساد جامح وبين فقد الإرادة المستقلة، ولعله أيضا مخترق أميركيا، وربما إسرائيليا، على أعلى مستوى فيه.
يتوحد النموذجان في تبديد المضمون التقدمي والتحرري لقضية فلسطين. وتتوحد صيغ التفاعل العربي في إهدار المضمون التقدمي لمواجهة المشروع الإسرائيلي الرجعي، إن لم نقل في إنها تتوحد في طابعها الرجعي هي ذاتها. إذ لا يقترح معسكر الاعتدال من مخرج غير العودة إلى الأوضاع السابقة، ويبدو ميالا إلى تحميل حماس المسؤولية عن الوضع الراهن، كأن كل شيء بدأ بانتهاء الهدنة، أو بتفرد حماس في غزة قبل عام ونصف، أو حتى بفوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية قبل 3 سنوات. ومن المفهوم وفق هذه الرؤية "المعتدلة" أن تكون فتح عباس هي الحل. بالمقابل، يبدو أن مواجهة مفتوحة ودائمة من قبل الشعب الفلسطيني كله للمحتلين هي الحل من وجهة نظر أهل الممانعة الذين يجودون على فلسطين وأهلها بدفق من العواطف الإعلامية، بينما يثابرون على الحجر على مجتمعاتهم بكل الصور.
أوسع من ذلك، ومن وجهة نظر تاريخية، كان العالم العربي انزلق بعد حرب حزيران 1967 إلى مواقع محافظة ورجعية على مختلف الصعد. إن الاستبداد والأصولية الدينية، وتبعية سياسية واسعة للقوى الغربية، وضرب من حداثية ثقافية غير نقدية حيال الغرب، تتقاسم صيغ تنظيمنا الذاتي وتفاعلنا مع العالم. والعالم العربي يسهم، منذ أربعين عاما، في تثقيل كفة كل ما هو محافظ ورجعي واستبدادي في العالم ككل، وضد العرب قبل غيرهم. ويجري تثبيت هذه الأوضاع وإضفاء طابع قدري عليها بنكران وجود أي بديل ممكن عن طرفي الاستقطاب القائم. بلى، ثمة بديل عن "الاعتدال" (والتعبير كاذب وأورويلي، ومضمونه الحقيقي التطرف في الخضوع للأميركيين)، لكن أهل الممانعة الذين يعلنون هذا البديل لا يحيلون إلا على أنفسهم تجسيدا له. وبلى، ثمة بديل أيضا عن الممانعة، (والتعبير كاذب وأورويلي بدوره، ومضمونه استخدام القضايا الوطنية لتثبيت سلطات استبدادية فاسدة)، لكن لا يحال إلا المعتدلين تمثيلا عليه. وبالطبع لا يرى أي من الطرفين بديلا عن نفسه، فهو الصح وهو الحل. وعلى هذا النحو تنغلق الدائرة، فلا بديل عن حماس غير عباس؟، ولا بديل عن عباس غير حماس. في المحصلة "لا بديل"، الشعار الذي كانت مارغريت تاتشر سوغت به سياساتها الاقتصادية والاجتماعية النيوليبرالية والمحافظة قبل نحو 30 عاما.
وفي عالم اللابديل نعيش نحن منذ عقود. نتعفن ونختنق، ويحصل أن ننشر بعض تعفننا في أقطار العالم. وما غلبة إسرائيل المادية والمعنية علينا إلا تحصيل حاصل لهذا الوضع التعيس.
فإن كان هذا صحيحا، فإن ما تقتضيه مواجهة ناجحة للمشروع الإسرائيلي الرجعي والعنصري، هو ذاته ما يوجب الانتفاض على مسار التعفن الذي طال قبوعنا فيه ساكنين.
والمسألة في أساسها ثقافية وروحية وسيكولوجية، تمرد العقل والإرادة على أوضاعنا الراهنة، والتفلت من ما تفرضه من قيود على التفكير والتخيل والإرادة، تجعل منها أطرا ثابتة ونهائية لكل معرفة وعمل. من شأن خلق البدائل في أذهاننا أن يمهد لتخلقها في الواقع، فيكون خطوة نحو كسر حالة اللابديل الخانقة اليوم.





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- .. لكن أين يوجد -العرب-؟!
- بلى، هناك بديل فلسطيني!
- قضية عدالة جوهرية، لا تتقادم ولا تستلب
- مشروع لقتل الناس جميعا!
- حماس وعبّاس والشيطان
- في الطائفية والهيمنة والمعرفة السياسية
- الثقافة والطائفية: شروط إمكان دراسة نقدية
- الزيدي وبوش والحذاء...سخرية في بطن سخرية!
- إصلاح النظام أم استعادة الجولان؟
- في نقد تصور الوطنية القومي العربي
- بصدد -الأخلاقوية- و-الحضاروية- و.. السياسة
- ضد إدراج حقوق الإنسان في أجندة العلاقات بين الدول
- وجهان لدينامية الصراع العربي الإسرائيلي
- لا حل إسلاميا للمشكلة الطائفية
- أي نقد للقومية العربية؟
- في العروبة والوطنية السورية: المحصلة الصفرية ليست محتومة
- القرضاوي وخصومه: من الأمة الدينية إلى الأمة السياسية
- في الرأسمالية والأزمة.. والديمقراطية
- رئيس أسود في البيت الأبيض..!
- عن الممانعة والسلبية والعداء للغرب


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - كسر حالة اللابديل... فلسطينياً وعربياً