|
البقاء لمن يعرف متى و أين يقف ، على حماس أن تتنحى
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2528 - 2009 / 1 / 16 - 05:36
المحور:
القضية الفلسطينية
نعم أشجب و أدين ، نعم أندد بقتل المدنيين ، و لكن إن إكتفيت بذلك فما هي قيمة الكتابة و الحديث ، إذا كان الحديث مجرد ترديد لنفس المقطوعات القديمة التي أدمنتها أجيال الشرق الأوسط ؟ الدمار في غزة ، و الدماء التي تسيل ، لا يجب أن تحجب عقولنا عن صوت المنطق و الحق . نعم مصري ، نعم شرق أوسطي ، و لكني لست من مدرسة لا تتنحى ، تلك المدرسة التي تقوم على التمسك بكل صاحب كارثة في منصبه ، و ترسم له في مخيلتها صورة بطولية ، لمجرد أنه واجه طرف أجنبي . طريقي هو طريق الميزان الشخصي ، طريق العقل ، الذي كرم الله به بني أدم ، و بسببه أمر الله ، عز وجل ، الملائكة أن تسجد لأبينا الأول . لهذا لم أعجب و لم أتعاطف يوما مع عرابي و عبد الناصر ، و لم أبك أو أحزن على صدام ، و أكتب اليوم لأدين حماس . مشكلة عبد الناصر ، و من قبل عرابي ، و من بعدهما صدام و حماس ، أنهم لم يعلموا متى و أين يقفوا ، فكان ذلك الجهل ، أو الغباء ، سبب في دمارهم ، نهائيا أو جزئيا ، و دفع شعوبهم لأثمان باهظة . فإذا كان البعض يردد : في الطبيعة البقاء للأصلح ، فإنني أقول : في عالم السياسة و الواقع الإنساني البقاء لمن يعرف متى و أين يقف . عرابي لم يكتف بأن يصبح وزير للحربية أو حتى رئيس للوزراء ، و جاهر بإمكانية خلع توفيق من عرشه ، و لم يعرف و هو يثير المشاعر الوطنية المصرية أن عليه أيضا أن يكبح جماحها قبل أن تصل إلى حد خطير ، فكان أن طلب توفيق التدخل البريطاني رسميا ، و كانت حوادث الأسكندرية الدموية ضد الأجانب ، فتوافر لبريطانيا الغطاء الشرعي و المبرر العملي لإنزال قواتها لتحتل مصر إثنين و سبعين عاما . و أحمد الله أن الأجيال المصرية التي عاشت في العقد الأول من القرن العشرين لم تكن كمثيلتها في ستينيات القرن العشرين و أوائل القرن الحادي و العشرين ، فكانوا يحملون عرابي تبعة كارثة الإحتلال ، نجد ذلك في شعر أمير الشعراء أحمد شوقي ، و في سلوك المارة الذين كانوا يبصقون على الأرض و ينهالون بالتقريع على عرابي عند مرورهم على المقهى الذي كان يجلس عليه عرابي بعد عودته من المنفى ، لقد كان أجدادنا يتمتعون بميزة الحكم المتزن . على نفس جادة عرابي الخائبة سار عبد الناصر ، فقد كان بإمكان عبد الناصر أن يكتفي بما حقق من مكانة عالية بجراءته في التوقيع على معاهدة الجلاء التي تردد النحاس في قبولها ، و خلص بتوقيعها مصر من الإحتلال . كان بإمكان عبد الناصر بعد هذا النجاح المدوي ، أن يوجه همته و حيويته و شعبيته التي لا نجادل فيهم ، لإنهاض الشعب المصري ، بخلق صحوة جديدة تستأصل للأبد الأمية و الفقر و الأمراض التي أنهكت الجسد المصري ، و لازالت تنهكه لليوم . كان بإمكان عبد الناصر أن يستفيد من متانة الإقتصاد المصري في الخمسينيات و عدم تأثر مصر بالحرب العالمية الثانية تأثر يقارن بالذي عانته أوروبا و شرق أسيا ، و يحول مصر إلى قاعدة صناعية هائلة ، كما إستفادت السويد من نفس الظروف ، دون التخلي عن أفكاره الإشتراكية كما لم تتخل عنها السويد آنذاك . حماس كان بإمكانها أن تكبح جماح المتطرفين بها ، فتحول قطاع غزة إلى مثال للرفاهية و العدالة الإجتماعية و حكم القانون ، فتكسب شعبها و العالم لصفها ، و يكون حكمها أفضل دعاية للتيار السياسي الذي تمثله ، و تكون بالتالي مصدر للمتاعب للأنظمة العربية التي تريد خنقها و خنق ذلك التيار ، دون أن تراق قطرة دماء واحدة أو يهدم حائط واحد . على النقيض من تلك الأمثلة السيئة هناك أمثلة أخرى لأشخاص موهوبين كانوا مثال لمبدأ معرفة متى و أين نقف . محمد علي الكبير عرف متى و أين يقف ، فكان أن حفظ لمصر إستقلالها ، و للشعب نهضته ، و لذريته الحكم . فريدريك الكبير ، ملك بروسيا ، مثال أخر للعقلاء ، فقد إكتفى في الميدان العسكري بهدف واحد هو ضم سيليزيا ، بل قال في أحد المواقف ، و برغم عبقريته العسكرية الجبارة : لن أحارب بعد اليوم بطة . لقد إكتفى بما حقق ، و لم يشطح في حلم توحيد ألمانيا ، و ترك البقية للأجيال التي تأتي بعده ، و وجه عنايته بعد إنتهاء الحرب لتحسين نوعية الحياة لشعبه . غاندي و نهرو و مانديلا أمثلة أخرى حديثة لهذه النوعية من الموهوبين ، الذين يعرفون إمكاناتهم ، و يحسنون قراءة خريطة الطقس السياسي العالمي و الإقليمي و المحلي ، فيعرفون متى و أين يقفون ، فيحولون طاقاتهم الهائلة ، مستفيدين بمواهبهم ، إلى طرق أخرى نافعة لشعوبهم . البقاء للأذكياء ، و الدمار للأغبياء ، و للأسف الخراب و المعاناة للشعوب التي تتبع الأغبياء أو تتركهم في مواقع القيادة . نعم أشجب و أدين ما تفعله إسرائيل بالمدنيين في غزة ، و لكن أيضا أشجب و أدين الذين يديرون غزة ، و ساقوا شعبهم للتهلكة ، و حطموا أمله في حكومة قوية نظيفة عادلة تسهر لأجل رفاهيته ، تلك التهلكة التي ساقنا من قبل لها عبد الناصر و عرابي ، و كما فعل من قبل نابليون و هتلر بشعبيهما . على حماس بعد أن تنتهي الحرب أن تتنحى ، ليس لعباس و عصبته ، و لكن لمن يختاره الشعب .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أثر أحداث غزة على مصر ، الإخوان أكبر الفائزين و آل مبارك أكب
...
-
لماذا لا يتصالح اليساريون و الليبراليون العرب مع الدين ؟ لما
...
-
إلى غزة قدمنا العرض الأسخى ، و الأكثر واقعية و ديمومة
-
الإنقلاب الغيني بروفة للإنقلاب المصري ، و لكن أين نقف نحن ؟
-
آل مبارك الأسرة الثانية و الثلاثين الفرعونية ، بدعة المواطنة
...
-
الإمساك بالبرادع ، لن يأت بالحكم القوي لحكومة متمدنة
-
اللوم في غير مكانه ، لن يأت بالحكم القوي لحكومة متمدنة
-
ذئابنا ليس بينهم ذئبة روميولوس
-
شريحة ضخمة من صغار المستثمرين ستأتي بالرفاهية ثم الحرية
-
شريحة ضخمة من صغار أصحاب الأعمال ستأتي بالرفاهية ثم الحرية
-
القفز فوق المرحلة القبطية ، فصام في الشخصية المصرية
-
ماذا سيتبقى لنا من القرآن على زمن آل مبارك ؟
-
إلى المضطهدين : تذكروا أن الذي نجح هو أوباما المندمج ، و ليس
...
-
الجمالة و العمال المصريين ، ظلموا مرتين ، قصة المعهد التذكار
...
-
أس مأساتنا زيارات تسول البترودولار السعودي
-
قبل فرض أي رقابة حوارية ، ما هو اليسار أولاً ؟
-
أوباما المصري قبطي أو نوبي ، و أوباما الخليجي من أصل أفريقي
-
نموذجنا هو ثورة التأسيس 1805 ، لا ثورة التأكيد 1919 ، لأن مص
...
-
خروج الشعب للثورة هو إستفتاء يمنح الشرعية للثورة ، و يسبغ ال
...
-
السطو السعودي على التسامح الأندلسي ، و سكوتنا المخزي
المزيد.....
-
روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال
...
-
وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض
...
-
الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
-
-ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
-
-عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق
...
-
قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ
...
-
تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
-
أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا
...
-
شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل
...
المزيد.....
-
المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق
...
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية
/ جوزيف ظاهر
-
الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية-
/ ماهر الشريف
-
اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا
/ طلال الربيعي
-
المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين
/ عادل العمري
-
«طوفان الأقصى»، وما بعده..
/ فهد سليمان
-
رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث
...
/ مرزوق الحلالي
-
غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة
/ أحمد جردات
-
حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق
...
/ غازي الصوراني
-
التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|