أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - رسالة إلى البنفسج الى رباح















المزيد.....


رسالة إلى البنفسج الى رباح


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 776 - 2004 / 3 / 17 - 09:22
المحور: الادب والفن
    


كانت الساعة منتصف الاختناق، والريح تصفر في الداخل والخارج، والقلب يضرب كغزال طعن فجأة من الخلف بخنجر مسموم، وهو يرتعش من أعلى رأسه حتى الحافة الأخيرة للأفق والخليج والأبدية، وكل شيء في الغرفة يرتعش، الكراسي والمطر والستائر واللوحات وخيول الحيطان والضوء والثياب المرمية بإهمال على سجادة لها لون البحر، حتى فنجان القهوة كان يصهل كجواد يحتضر في برية موحشة، حين جاء صوتك  للغار، كأنه في منام، بأن أخرج من موتك أيها الطفل!

وتوقف كل شيء فجأة، الزمن، والموت، ورعشة الخيول والفنجان حتى لون السجادة تبدل ومعه البحر، وذهلت الريح التي لا تأتي في أوقاتها، ورعشة الكراسي، وبدت الغرفة حديقة عشب ونبتت وردة بيضاء على شفتي اليابسة كجزيرة انسحب منها البحر وغادرها المطر والأعشاش.

 ـ أخرج من موت لكي أقع في آخر. هذا الصوت أعرفه منذ  مئات السنوات الضوئية ولكني ضيعته يوما في حرب، في حلم، في شتاء قديم، في محطة سفر.

ـ أخرج من موتك أيها الطفل، أقول لكَ!

 ـ لا، قلت لكِ لا، لا أريد، كي لا أقع في موت  جديد، لقد انتهى كل شيء، وبلغت الرحلة غاياتها، والسفينة رفعت الحبل، والميناء خاو، وكل شيء مهجور حتى الحدائق والليل والرصيف والزمن.

ـ قلت لكَ أخرج من موتك!
أخرك من منامك!
أخرج من جحيمك، أو أغتالك في داخلي!
اخرج!

 ـ هذا انقاذ ام هلاك اخر؟ صوت أم سفر؟ واذا خرجت فإلى اين، ايتها المراة المجهولة؟ والبراري موحشة، والزمن عاطل، والمحطات فارغة، والمطر بدو وخناجر، والرحلة وصلت غايتها، فارفعي يدك من الغريق، كي اسافر هذه المرة الى الوضوح المعتم، واتلاشى مع حبات القمح فربما اولد في ربيع قادم في ارض أخرى لم تتكون بعد!

 ـ قلت لكَ أخرج من موتك، من احتضارك، من جنونك، من هذا الحزن الساكن فيك كالاعصار، والا حرضت عليك الشمس كي لا تشرق في روحك، والقمر كي لا يزورك، وسأغتابك أمام الموج والنجوم وزهور الرصيف. قلت لكَ أخرج!

 ـ هل انتِ الهاوية؟ أم الريح؟ هل انت المطر أم الخنجر؟ هل انت الموت الذي لا يرى أم البنفسج المخفي؟ القدر أم الضحك؟ حكاية اللوح المحفوظ؟ أم  رعشة الكراسي؟ واذا خرجت تنتظرني هجرة اخرى، والغيوم كلاب وخناجر وعواء وانا رجل أعزل، جريح معركة، تركه أهله على حافة صحراء وتركوا له قطرات الماء وخبز الليلة وسجادة صلاة، وربابة قديمة قد تكون منقذا من ذئاب الليل. ما أكثر الذئاب!

 ـ قلت لكَ أخرج من هلاكك!
فأنت لستَ وحدك في هذا الغمر
لست ملك نفسك في هذه الحرب
ونحن هنا تتركنا في قلب المعركة وتنهزم كملك خاف من لمعان السيوف وعاف جنده. لا تسلمنا، أرجوك، سبايا لمطر وحشي، وقصر ملك آخر مسعور، وخيلك وجندك يتراكضون  على هذا المدى المفتوح للنسيان والأمل والموت، وتهرب من جحيمك إلى جحيمك!

لا تستسلم!
اعرف أن الجسد خرمته الطلقات، حتى صرنا نرى العالم من ثقوب نزيفك، لكن المطر الاخر، والعشب المنسي في الجذور، وخاصة المعركة لم تبدأ بعد!

انهض من احتضارك!

كف هذا عن النحيب، ارجوك، قبل أن اغتالكَ في داخلي واعلن هزيمة ملكي قبل أن تبدأ المعركة الكبرى المخبوءة في لحاء الشجر، وفي نار الصاعقة!

 أخرج من سريرك، من حمّاك، من نبضكَ المتسارع. وأوقف هذا النشيد المر. أنتَ منذور لموت  آخر على حافة جحيم بهي مثل لون عينيك، مثل جيادك المرتعشة على حيطانك،  ودعنا نوقف  صهيل الفنجان، ورعشة الخيول، ونحيب الورد!
 قلت لكَ أخرج!

رن هاتفي فجاة وقال لي صديق يقف على الحافة الاخرى من الأمل واليأس والحب والخوف: أقول لكَ  أني سمعت بأنك مت منذ الاسبوع الماضي؟ هل انت حي؟ أعني هل خبر موتك كذبة جديدة في زمن لا شيء فيه واضحا عدا الجريمة؟! حتى الموتى صاروا مهرجين وممثلين؟ هل انت في السرير أم في المعركة؟ في المستشفى أم في الهاوية؟ على حافة قمر أو على حافة منام جديد؟ قل لي ارجوك!

 ـ لا، لا، أنا أصلي على حافة هذه الصحراء الثلجية  بين حرب واخرى، بين موت واخر، بين أمل وأمل، بين محطة ضاعت، واخرى في الطريق، بين شتاء في صورة، وشتاء معتق في حكاية. أنا باختصار أعد وليمة موتي، وربما أحرق هذه المدينة كلها وارحل مثل جارلس برونسون في فيلم خيول مالديز بعد أن قتلوا قلبه الطفل، فأطلق خيول البرية، وأحرق المنزل، وأهدى جوادا لصبي مساعد، وأحرق المدينة كلها، دون أن يلتفت سوى مرة واحدة وضاع بين الجبال والزمن والمشهد والعتمة.

هي نفس المعركة، ايها الصديق، تتكرر، ما عدا ان الساحة هذه المرة هي القلب. واذا خرجت من موتي سأذهب إلى الانتقام الشامل المبدع الخلاق الذي هو صلاة  اخيرة لجريح عافته القبيلة على حافة صحراء ولم يعد له في اليوم الثاني غير ربابة تنوح كحمامة على ضريح مهجور من المطر والزيارة والحناء!

صوت البنفسج مرة أخرى:
 ـ قلت لكَ أخرج من موتك واذهب الى  مكان اخر حتى لو إلى انتقامك. كل الساحات معارك وانتَ لست وحدك. واذا احرقت مدينة نبتت أخرى وستكون خاسرا في حفل التأبين لأنك قد تقتل طفلا أو وردة أو تحرق ستارة عاشق دون أن تعني ذلك قطعا وتعطل بريد منتظر!
 أخرج من موتك الى قلبي!


 ـ قلبكِ؟ يا للرعب!
مرة أخرى؟!
هذا يجب أن لا يحدث ثانية ابدا!. قد نفترق فجاة بخيبة اخرى وحزن جديد. لم يعد في القلب بقايا لجرح نظيف أو وسخ!.
أنتِ إذن لم تقرئي "الأعزل" الذي ودع قلبه على حافة رصاصة في الليل، وقرر أن يحاكم الجميع في الحكاية بما فيهم الليل والمطر والجنون والسكين. هذا زمن يعتبر العاشق إرهابيا، والشاذ بطلا. لا، أبعدي عني قبل أن أصلي لنجمة المساء كي تسقط فوقك الليلة وتعانقك حتى الإغماء!

أخرجي من دمي، أرجوك، قبل أن أطلق عليك القبلات وأحرقك بأمل صاعق، واغتال صورة زوجك في داخلك، لكي نعيد الحكاية نفسها، على جرف منسي، وفي متاهة أخرى. قلت لك أن هذا يجب أن لا يحدث ثانية. ألا تفهمين؟

 ـ لن أخرج من جحيمك  لأنه بذرة السر المشتهاة ووردة الأمل التي تتفتح، سرا، عند جدران بيتك في الليل، وتحولكَ إلى طفل جديد . هل تعرف ماذا كتبت روزا لكسمبورك الى حبيبها كارل لبخنت: اليوم رايت العشب يزهو خلف نافذة الزنزانة. إن الزمن لم يتوقف. يا للفرح!

 ـ لن أخرج من جحيمي إلى جحيمك!
وماذا يحدث لو هزمت مرة واحدة في معركة لست مؤهلا لها لأن الأعداء هنا في حجم رأس الدبوس، حتى أني لا أرى في هذا المدى المطرز بالاعداء غير السراب والهتاف والدم؟! أين هؤلاء. أين هم؟ لا اسمع غير لمعان السيوف بأذني، وصوت الريح يصفر على جليدي كقطار انتحر سائقه على المقود لأنه شعر بعبثية الرحل ولا معقولية الركاب ونفاق السكة!

لن أخرج من جحيمي إلى جحيمك. سابقا كنت أقاتل على مليون جبهة وساحة وعدو، واليوم، هذه المرة ساحرق كل شيء بما في ذلك صوتك في داخلي، فصوتك ليس دعوة للحب بل دعوة لموت طقسي على حافة نهار مختل، وانا لا احب الموت في نهار صريح لانه يكشف جسدي أمام طفل وأخجل. أنت ربما لا تعلمين بأنني لا أتعرى حتى في الظلام، إلا بعد أن أطفئ القمر وأغلق المزلاج كما في حكاية حب أسطورية.

أخرجي من دمي، من صوتي، من تنفسي، من كلماتي، لأني لا أطيق صورة امراة مثلك، نادرة، استثنائية، غير قابلة للتحديد، مثلي، فهدة متوحشة، وقلب بري، نظيف، لا أطيق مثل هذا الصوت ولو جاءني من وراء القبر. أخرجي أنت إلى سريرك.

لا أتحمل ظلم انسان في حكاية ولا اتحمل مشهد طفل يتعذب في فليم كارتون، وأصاب بالرعب من صوت امراة ينهار عليها المسرح ويهرب الجمهور وتظل  عارية امام النار!

قلت لكِ ان هذا حدث للأعزل مرة واحدة في شتاء قديم، وانه يجب أن لا يحدث ثانية، حتى لو كانت يدكِ اليوم هي حبل النجاة من خيانة القارب والبحر والطعام والريح والموج!

 ـ قلت لكَ اخرج من جحيمك الى جنوني!
لا تكن مثل ملك عاف جنده والا سأطلق النار على جوادك وانصب نفسي قائدا لجندك وادخل معك في معركة وهذا هلاك فلست أنت العدو، بل انتَ الوعد!

 أنا لا أحبكَ، لا تقع في خطأ الأطفال الكبار، أنا أحارب معك، تحت رايتك، وحين تنتهي هذه المعركة، وستنتهي يوما، سيذهب كل واحد منا في طريق، وقد تجمعنا الأقدار ذات يوم في تلك المحطة الشتوية القديمة التي ضيعتني فيها، مكرا مني، لكي أظل  ابحث عنكَ، وتبحث عني، وهذا هو الأمل وليس الحب أيها الطفل  المنحور من الوريد إلى الوريد، إلى الخليج، إلى البحر، إلى السرير، على الرمل، والورق، والصالة، في زمن التشابه والتداخل والازدحام. أخرج انتَ من جحيمك إلى وريدي، لكي تنتهي هذه المعركة فقط، ولكي لا تموت أنت على صورة حائط، وتتوقف ساعتي، ويموت نبضي على سجادة بحرك!

دع كراسيك تقف كجياد الصف الأول. أوقف صهيل دمك وفنجانك بعض الوقت ودع الريح تمر وخذ حصتكَ من الوليمة، كما قلت عن كازنتزاكي، واخرج من الحفل، والحياة، واذهب الى الموت(منتصب القامة، كملك اخذ حصته من  الوليمة ولم يلتفت واجتاز العتبة)* و إلا سأغتالكَ في داخلي لكي لا ارى هزيمتك الوحيدة، فضيحتنا المشتركة، ولكي نموت معنا ويصبح جسدنا المشترك مزقا تحت سنابك خيول لست خيول معارك بل خيول سيرك!

 ـ قلت لكِ مرات انني اخاف منك أكثر من خوفي من هزيمة وحيدة. كل الهزائم تصلّح، ونعود مرة اخرى نحارب، لكن صوتك يجتاحني كما تجتاح الدمعة عيون خيول السباق( التي تركض باكية، وتنزف من الاعياء والموت والاحتضار، والجمهور يصفق، ويزعق، دون ان يرى دموع الخيل ولا أحزانها)*

ـ كيف كنتَ تكتب لي بفرح، وتخرج للناس كل يوم، بهذه القامة السروة، تدعو للثورة، والعصيان، وتعد لانتفاضة، وانتَ خلف الستائر تنوح حزنك الخاص مثل جواد مطعون على ضفاف الفرات يحتضر وهو يتأمل البرية؟ اين كنت تخبئ أحزانك؟ وكيف كنت ترتدي كل يوم ثياب التمرد، وحين يخرج القراء فرحين، وقد تبدلت مصائر بعضهم، تجلس  أنت

وحيدا تراقب رعشة الفنجان، وتبدل لون                              البحر في السجادة تبكي موت خيول الحائط.

لذلك قلت لكَ مرة : أنت عظيم بما يجعل موتي تحت رايتك حلما اخيرا. لا تخذلني وتهرب. لا تحرق شيئا ولا تقتل خائنا. الزمن يداوي. وانت على الصليب سالحس دمك لكن لا تشغل نفسك مع اللص جنبك، ولا مع الخائن، فهؤلاء مزابل، فكيف تقبل أن تدخل شرفة في صراع مع الحاوية؟كيف؟!

 ـ لكني اخاف منكِ أكثر من كل الحروب. في المرة الأولى هربتُ حين ضاقت بي الأرض، لأن الهرب من الحرب، بعد موت البنفسج، بطولة، وقبلي فعلها همنغواي في" وداعا أيها السلاح" بعد أن خطف الموت قلبه لكني هذه المرة سأقع في موتكِ واترك المعركة الكبرى والأخيرة وهذه الحدود الأخيرة؟ إلى أين اهرب بعد؟!

اخرجي من دمي إلى البرية، وهناك ستجدين موسى الجديد يقود الحفاة نحو فراعنة يتكاثرون على الورق والمدافن وخضراء الدمن. لا أخشى، قلت لك مرات، من اختراق السيف في بقايا الجسد، لكني اخاف من حريق صوتك في دمي. وعندها ستعود الحكاية نفسها:
( نفس الحاكم
نفس المعركة!)*

 ـ حيرتَ قلبي معاك!
قل ماذا تريد وسأفعل!
أخرج الان من الصحراء الى ثلجك؟
انتحر معك على جرف حكاياتك؟
وانت أدمنت قتل النساء في حكاياتك كأنهن ينجون من هذا الموت إلى النسيان. لماذا انت متهم بقتل النساء؟!

 ـ لأن نساء الورد، لا  نساء الحاوية، خارج الحكاية يخفن من السيف على حيطان المنزل، والخيمة، والجورب الأزرق الذي يشبه جوربك، لكنهن في حكاياتي  يملكن كل الحرية. ما ذنبي إذا اخترن الموت؟ كأن هذا الطقس هو البطولة الوحيدة، الانتقام الوحيد، من ضحايا أردن أن يقلن للرجال ان شرف الموت الواقف ليس حكرا عليكم، بل نحن نستطيع أن نموت واقفات كالزهور، كالأشجار، كالقبلات في محطات السفر، بدون خيانة أحد، بدون خسة، بدون خطف طفل، بدون جبن!

ـ قلت لكَ أخرج.
 ـ لكني إذا خرجتُ فإلى أين؟

تضحك، أحسها، عبر الكلمات ـ : لا تدري إلى أين؟ إلى وضوح البنفسج، لأنك تخاف الأزرق الكحلي. وحين تنتهي المعركة الأخيرة سوف نموت معا ضاحكين مثل فراشاتك. أجّل انتقامك الآن فقط بعض الوقت ولا تحرق غير موتك .

  ـ اسمعي بعوضة قلبي!:
قد نتورط في حب مهلك.
نتزحلق نحو الهاوية كطفلين صغيرين اندفعا في لعبة تزحلق بدأت بريئة أول الأمر ثم لم يتوقف بهما  السلم الصغير إلا عند هاوية!

كل البراءات تبدأ هكذا، صغيرة، عفوية، طفولية، ثم يندلع الحريق على غير توقع. قد تكونين قادرة بعض الوقت أو كله على ضبط ايقاع القلب، ولكني أملك طفلا يحبو عند الجانب الايسر من الصدر مثل عصفور انتشى من شرب الماء وأكل العنب وثمل ورقص فرحا لكي يقع في النار!

 ـ اقترح حلا بين أن تخون جندك، أو تموت، واقفا، في معركتنا الأخيرة؟ أنتَ بين خيارين، وهاويتين، وموتين: بين أن تموت كفرس مزقتها النبال، ولم تدع فارسها إلا حين ترجل لكي تنهار، وبين أن أطلق عليكَ النار وتموت، مهزوما، من غضب البنفسج؟!

 ـ هذا ليس خيارا،إنما جحيم. قلت لكِ مرات أنني خارج من نزيف قديم إلى نزيفك. أخافكِ أكثر من كل خيول التاريخ وكلاب البرية والسوق والحفل والمهرجان. لماذا يجب أن أخرج إلى الناس كل يوم معطرا، منشقا، واقفا، وتنسون أنني مثل أية فراشة أو سروة أو غيمة أو فرس أو قلب، قابل للاشتعال من ألم البنفسج؟ لماذا ترون فيّ الكاتب ولا ترون الوردة التي تذبل في العتمة؟!

 ـ نريد منكَ الملك وخذ لوحدكَ حصتك من الحزن والمطر والعاصفة. هذا حدث في كل التاريخ. كان ملوك وطنك القديم ( تكرر هذه الأيام أنك بلا وطن!) يعودون من معارك التاريخ الكبرى منتصرين أو مهزومين، لكنهم في الغرف الخاصة يجلسون كما تجلس أو ينامون كما تنام ويبكون بسرية الرجال الكبار،وهذا ليس ضعفا، بل بطولة أخرى لأن المحارب من أجل الحرية هو أيضا عاشق. العشق والحرية أمران لا ينفصلان أبدا. بعد ذلك كما تردد دائما: القلب الزجاج سينكسران يوما!

 ـ لماذا ترون فيَّ وجه المحارب والسيف والدرع والجواد وأمر  المعركة، ولا ترون الطفل، والعاشق، والدمع، والفراشة؟ كتبتِ لي أن الأول ملكنا، والآخر لك. لكن أين أضعك أنت؟ في الدرع أم في الجفن؟ فوق الجواد؟ أم في القلب؟ وانتِ تلمعين في ذاكرتي كماسة تحت رمل مشمس، كجرح قديم مفتوح؟ أرجوك اخرجي من دمي!

 ـ واذا خرجت أنا، فمن يقودنا في هذا الليل؟ إلى أين أذهب؟ وماذا سيقول جندك؟وماذا ستقول انتَ لو انطلقت خيولك الى البرية وظل جوادك مثل راية ترتعش من الذهول والخجل؟ قلت لكَ أخرج من حزنك بعض الوقت إلى فرح خيول البرية في الربيع،وأترك انتقامك إلى انتقامي. قلتَ لي ان البابيون( الفراشة) دمر كل شيء وقف في طريقه حتى القتل تقطيعا، لكن هذا البابيون رجل وحيد حارب من اجل حريته هو، وانتقم لخيانته هو من الجميع، وهذه ليست حربك وحدك، ولا هو جسدك، نحن ننبض فيك، فلا تمت الآن أرجوك، وتوقف ساعة حائطي!

 ـ إذن، رباح، أنا أنهض الآن من احتضاري، إلى شعرك الصحراوي، وأعدي لي جوادي، فالفنجان هدأ، وعاد لون البحر على سجادتي، لكني لن أترك انتقامي إلى انتقامك، والريح في الخارج تقف على حافة النافذة تنظر نحوي كخيول السباق، وتجهز نفسها لموتها الكحلي، والجمهور يجهز نفسه للربح والضحك والسمر والفرجة والتصفيق أو الشتيمة!
الله يحرق جوربك الأزرق!
الله يحرق بنطلونك المخفي تحت عباءة غجرية!

 ـ إذن أنا في انتظاركَ الليلة على المائدة والهاتف
حيث الشموع جاهزة
والعشاء جاهز
وهذا قلبي محطة سفرنا القديمة المستعادة
تمدد فيه قبل أن تنطلق خيول البرية
ليس لحرق المدينة الآن، فهذه مدن محروقة لأنها تخون العاشق والطفل والبرئ، وتنتصر للجبان واللص والخاطف، والكذاب!
بل لكي يكون العالم أجمل
وسيكون عندك بدل طفلة واحدة
ملايين الاطفال في الترائب الآن.
وعندها نكتب، لأول مرة، تاريخ الورد
هل ستأتي الليلة؟

 ـ نعم، لكن بشرط:
اغلقي الأبواب والنوافذ
كي تنتشر العتمة القرمزية
وعندها فقط ساراك في الظلام مشعة
كوردة حمراء تتفتح تحت ندف الثلج سرا
وبعدها نخرج معا الى البرية
لتبدأ المعركة الكبرى
وسأخاف عليك من النبال لأن موتك يعني:
معركة أخرى، في مكان آخر، وكراسي ترتعش، وفنجان يصهل، وريح تعوي، وستائر  مصابة بحمى، وسجادة لون بحرها أحمر كالدم.
روائي عراقي
www.hamza.ws



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فَتح الباب من دون أن يلتفت واجتاز العتبة
- إذا مت فدعوا الشرفة مفتوحة
- في انتظار جمهورية السراب
- التنظير لدولة غائبة
- قديم يتفسخ وجديد لا يولد
- صورة كارثية قادمة للمجتمع المستشفى
- صلوا على أرواح موتانا وموتاهم
- باتريك سيل والشجاعة الملهمة
- الأسباب الخفية في الحملة على الحركة الإسلامية
- مساوئ الغرف المغلقة
- ماذا يعني ان تكون كاتبا في الوطن العربي؟
- خطاب الاجتثاث
- احتفالية ثانية بالشاعر رعد عبد القادر: سفر إلى أقاصي الجرح ف ...
- أوهام القبض على الدكتاتور( الأخيرة) ثلاثة قوانين للموت
- أوهام القبض على الدكتاتور14 مثقف التزوير، كريم عبد نموذجا
- أوهام القبض على الدكتاتور13 عقلية المافيا الثورية
- أوهام القبض على الدكتاتور 12 عفريت الفتنة
- أوهام القبض على الدكتاتور 11 المثققف المختلف، سعدي يوسف نموذ ...
- أوهام القبض على الدكتاتور 10 تفكيك فكر العاهة
- أوهام القبض على الدكتاتور9 النجاسات الثلاث


المزيد.....




- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - رسالة إلى البنفسج الى رباح