أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - توفيق أبو شومر - غزة التي أدمنت الدمار














المزيد.....

غزة التي أدمنت الدمار


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 2527 - 2009 / 1 / 15 - 08:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اعذروني ... أكتب هذه الحروف ، وأنا لا أعلم هل سأكون أنا الهدف العسكري القادم ، باعتبار جسدي يقع في وسط المسافة بين إصبع الجندي فوق الزناد ، وبين هدفٍ يُهدد أمن إسرائيل ،
فقد أصبحت نافذتي المهشمة تُطل على بحري الملغوم بسفن الحرب والقتال ، وأصبح شباك غرفة نومي يُطل على ركام المزارع والبيوت والطرق وبقايا أسلاك الكهرباء ، ولم أعد أشتم في الهواء سوى رائحة بارود الموت التي تنبعث من الجدران والأفق .
لأول مرة أحس بأنني أنتزع الحروف قسرا من ركام أفكاري ، فلم تعد أفكاري سوى بقايا رصاص وسط حطام لم ينفجر .ولم أعد أعثرُ على الكلمات التي يمكنها أن تُقرِّبني من وصف ما يحدث حولي ، فقد شعرتُ لأول مرة بندرة الأكسجين اللازم للغوص في أعماق لغتي ، وفقدتُ حاسةَ استنشاق روائح الجمل والمفردات فليس في الهواءِ هواءٌ، بعد أن لوّثته قنابلُ الموت والدمار.
ولأول مرة أشعر بأنني عاجزٌ عن نسجِ كنزة صوفية واحدة من خيوط الحروف والجملٍ والتعبيرات والآراء والحكم والفلسفات التي أحفظها لحفيدي الصغير ،كنزةٍ تُعوضه عن ملابسه التي ابتلعها الركام ، تقيه البرد القارس ، كنزةٍ قد تحميه من شظية طائشة تنزع من بين شفتيه بسمه الأمل بالغد الآتي.
ولأول مرة أشعرُ بأن مصير أحفادي يقع بالضبط في المسافة بين إصبعِ الجنديٍٍ الطائر المتدثَّر بغطاء حديدي،وبين الزناد .
اعذروني بعد أن فقدتُ ملجأً آمنا لحروفي ، فقد أصبحت حروفي تسير عارية بين الحطام ، تبحث عن جندي لم يُدمن القتل،أو بيتا لم تَنتهكْ حرماتِه قنابلُ الإبادة والموتُ الزؤام.
لأول مرة أمثلُ أمام صفحات التاريخ عاريا رافعا الراية البيضاء، فلم أعد أرَى فيه سوى صور الطغاةٍ المجرمين، ولم يعد المفكرون ودعاةُ السلام والفلاسفة والمبدعون وسط هذا الدمار والرعب والخوف، سوى بقعٍ باهتة على أطراف صفحات التاريخ ، لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة .
ولأول مرة أيضا أخشى أن أزيل من أمام عتبة بيتي بقايا قطع الإسمنت خشية أن أرى فيها بقية جسد غض لطفلٍ تنبعث منه رائحةُ حليب الأم . أو أن أرى ما رأيتُ ؛كفَّ يدٍ غضةً مغطاةً بدم ظلتْ تلتصقُ بدميتها. اعذروني فحروفي المدببة هذه المرة منزوعةٌ من ركام بيتي ، وبقايا شظايا الرعب الليلي .
أصبحتْ النجاةُ في مدينتي لنصف لحظةٍ أو أقل استثناءً أو بمحض الصدفة ، أما الموتُ في مدينتي فهو القاعدة.
اعذروني لأنني سأوجه الشكر للطاغية والجلاد الذي جعلني أرى غزة على حقيقتها ، فلم تعد غزة مدينة صغيرة تعيش على الصدقات والإحسان ،وتشكو عدالة قضيتها إلى العالم صباح مساء ، ولم تعد غزة مدينة تضيق بقاطنيها بسبب تصلب شرايينها بعد أن لزمتْ بيتها منذ زمن طويل حين فقدت أسنانها وأطرافها ولم تعد أيضا تعاني من الربو وضيق التنفس بسبب غازات الموت، ولم تعد كذلك تُعاني من عجز بحرها عن تنقية رئتها ، بل صارت بعد الدمار إمبراطورية كبرى تحكم العالم ، وتحدِّد مصيره .
ولم تعد غزة أيضا بقعةً شائهة على صفحات التاريخ ، بل أصبحت غزة هي أيوبَ المدن معجزةَ القرن ،تتوكأ على بقاياها ، وتنهض من تحت أنقاضها ، تمشط شعرها بأمشاط من بقايا الشظايا ، وتغسل وجهها بدموع أطفالها ، تسافر كل يوم إلى كل أنحاء العالم ، وهي تنفض عنها بقايا الركام، غير عابئة بالموت والدمار والحصار،
فهل تتمكن غزةُ التي أدمنتْ الدمارَ أن تنسجَ من ركامها بساطا تفرشه في صفحات التاريخ ،بساطا يشهد على عبقرية نيرون الثاني ، الذي جعل من غزة روما الجديدة ؟
فقد أصبحتْ غزةُ وطائر الفينيق توأمين ، تنهض دائما من رمادها لتعود من جديد محلقة في سماء العالمين لتشهد على تفاهة الطغاة حين يظنون بأنهم حين يهدمون المدن أو يحرقونها ،فهم يهزمونها ، فالمدن العظيمة تستعصي دائما على الهزيمة ؟!.
غزة 13/1/2009م





#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسرائيل وعقدة شمشون في غزة
- آخر صلوات بوش أمام الشمعدان
- قمع المرأة للمرأة
- قصتان من غزة بمناسبة العيد السعيد
- الحوار المتمدن شعلة الحرية
- ظرفاء الإنترنت ومقامات بديع الزمان
- أولمرت وموسم السياحة الحزبية في إسرائيل
- إدمان الولاء للحاكم
- مصطلحات إعلامية إسرائيلية ساحرة !
- مسكين باراك أوباما
- مجزرة الأسهم في قلعة النيكي والنازداك
- فاتنات السياسة
- تجارة الرقيق في الألفية الثالثة
- مرتبات القطط السمينة والأزمة المالية العالمية
- تسفي ليفني في الدين اليهودي
- أسمهان ونابليون الحكيم
- مزايا وأفضال الهاتف الجوّال
- هل يُسجن أولمرت كما سُجن أرييه درعي ؟
- أنواع أقلام الكُتَّاب
- الرقابة الذاتية عند الصحفيين الفلسطينيين


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - توفيق أبو شومر - غزة التي أدمنت الدمار