أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ماري تيريز كرياكي - غزة في القلب














المزيد.....

غزة في القلب


ماري تيريز كرياكي

الحوار المتمدن-العدد: 2524 - 2009 / 1 / 12 - 02:47
المحور: حقوق الانسان
    


تقرر ذهابنا إلى غزة لتدريب زملائنا الفلسطينيين على القيام بالوظائف التي كنا نقوم بها. كان عدد أفراد مجموعتنا يقارب المائة شخص من جنسيات متعددة، ثلثهم عرب يحملون جنسيات أجنبية.
وكان عدد كبير من زملائنا بعيد عن القضية الفلسطينية ولا تعنيه، والباقي كانوا متعاطفون مع الإسرائيليين.
وصلنا المطار وركبنا الحافلات إلى غزة، وبين المطار وغزة، أحسسنا بانتقالنا من عالم متقدم إلى عالم ثالث رغم أن المسافة لا تزيد عن الساعة والنصف. في المنطقة الأولى، الخدمات متوفرة وكأننا في أوروبا، وفي المنطقة الثانية الخدمات غير متوفرة بكل بساطة، بدءاً من الشوارع المحفرة المليئة بالأوساخ والمجاري التي يمكنك السباحة فيها إلى الكهرباء إلى المياه إلى الطعام والشراب الخ. في المنطقة الأولى الكهرباء تنير حتى الطرقات ما بين المدن والقرى، في المنطقة الثانية تصل الكهرباء لمناطق بعينها ولساعات محددة. أما المشكلة الكبرى فهي شح المياه وتلوثها في المنطقة الثانية، التي قال عنها الأطباء أنها غير صالحة حتى لشرب الحيوانات، في حين أن المستوطنات الإسرائيلية تحصل على المياه التي هي أصلا من قطاع غزة وأخذت مباشرة من منابعها وتحول مجراها خارج غزة، فضلا عن أن كل بيت في المستوطنات لديه مسبح خاص مملوء بالمياه الصالحة للشرب!.
الجولة الأولى لنا كانت في مخيمات غزة، أصيب الجميع بالصدمة، فقر وبطالة وخرائب يعيش فيها أناس مصرون على الحياة. شوارع المخيمات ضيقة لدرجة أن بعض الأماكن لا مجال فيها لدخول أي نوع من الحافلات. وقد تسنى لي سؤال سيدة إن كانت قد خرجت من المخيم لزيارة أي مكان، أو حتى إن كانت تحلم بالخروج، صمتت للحظات ثم قالت: "بتعرفي بالمخيم ما بتشوفي إلا حيطان، حتى الميتين منطلعهم من نوافذ البيوت حتى نوصلهم للشارع الرئيسي، يعني اللي بدي قولو إنو أفكاري كمان بتحدها هالحيطان، يعني بعمري ما قدرت فكر أبعد من حيطان المخيم".
وبعد اسبوع تمكنت من استئجار منزل، وكنت بحاجة لمساعدة للقيام بتنظيفه. وبمعونة أصحاب المنزل جاءتني سيدة في الثلاثينيات لمساعدتي. نزعت السيدة معطفها الأسود الطويل وغطاء رأسها، وفوجئت بها تقوم بنزع رباط طويل من القماش كانت قد لفته حول معدتها وبطنها، طوله أكثر من خمسة أمتار. وتجرأت وسألتها لماذا تلف معدتها؟ أجابتني هامسة: "مش أحسن ما حس بالجوع؟ ولادي محتاجين الأكل أكثر مني".
وبدأت المعاناة عند المعابر، وخصوصاً معبر ايريتز، حيث كان يقوم على حراسة المعبر شابان في العشرينات، يتعاملان بفوقية مع العابرين ومن ضمنهم الموظفين الأممين. مع مرور الوقت اعتدنا على رؤيتهما. ولم يمض شهر حتى جرى ما يجري دائما، لم يسمح للعمال الفلسطينيين بمغادرة المعبر للعمل خارج غزة، وذلك بعد أكثر من سبعة شهور على حبسهم في معتقلهم الكبير غزة. مما جعلهم يتمردون ويتدافعون لاقتحام المعبر.
بدأ الحراس الاسرائيليون بإطلاق النار وتجمهر الفلسطينيون من حولهم بالحجارة للدفاع عن أنفسهم. لم يتمالك زميل ايطالي نفسه من الذهاب إلى المعبر لتصوير ما يحدث، نهاراً كاملاً، أدى إلى قتل وجرح الكثير من الفلسطينيين وكذلك جرح العديد من الإسرائيليين. رجع زميلنا في آخر النهار ودخل مباشرة إلى مكتبه، رافضا التكلم معنا، غير منتبه للخوف الذي تبدى على وجوهنا لرؤيته، فقد كان ملطخا بالدماء من رأسه إلى قدميه جراء مساعدته في نقل الأطفال المصابين إلى عربات الاسعاف. دخل مكتبه وأغلق بابه وبدأ بالبكاء ولم يستطع أحداً منا اللحاق به، وكأننا اتفقنا أن ندعه يعبر عن حزنه بطريقته.
بعد أن هدأت الأمور، وسمح لنا بعد اسبوعين بالعبور، انتابني قلق وبدأت أفكر بالمجندين وتمنيت أن لا يكونا قد أصيبا بالقتال، وعجبت لأفكاري، كيف لي أن أحس بالخوف عليهما، أليسا من المعسكر الآخر، ألم يتورطا بقتل أو جرح أطفالنا؟ ولكني فكرت وقلت لنفسي هم أيضا شباب يافع، والمفروض أننا إخوة في الانسانية، وأنا مقتنعة تماماً أن أخطاء المحتلين لا تبرر خوفي من أحاسيسي.
كل هذا الواقع المتردي والفقر المدقع والمعاناة اليومية إلا أننا لم نجد من يستجدي أو يشحذ، كبرياء وأنفة وإحساس بالكرامة عال. حتى لما قام بعض الزملاء بعرض المساعدة، رفضت المساعدة بكثير من الأدب الذي جعلنا نخجل من عدم قدرتنا على تغيير واقعهم المؤلم.
وجاء يوم رحيلنا، وودعنا أهلنا، وقبلناهم وقبلنا أيدي أمهاتنا الصابرات. ووصلنا إلى المعبر للمرة الأخيرة، وجاء ضابط رفيع المستوى لوداعنا وللاعتذار عن كل المضايقات التي تعرضنا لها، وأراد السلام علينا، لكن الجميع رفضوا مصافحته، وتقدمت سيدة كبيرة من أصدقائنا وقالت له: "سيدي، قبل مجئنا إلى غزة كنا إما بعضنا متعاطفاً معكم أو بعض لا يهتم بهذا الصراع، لكن بعد مجيئنا وعيشنا مع الفلسطينيين ورؤيتنا لمعاناتهم اليومية، لم يعد بإمكاننا إلا التعاطف معهم، ولن نسكت بعد الآن، وسننقل صورة الواقع إلى العالم، بعد أن أصبحنا جمعياً مهتمين، فرجاء وفر سلامك لنفسك، ونحن محظوظين لأننا لا نعيش بينكم".



#ماري_تيريز_كرياكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ترباية مرا-
- هل مات الحب في قلوبنا؟
- الخوف ثقافة سائدة
- الزمن الجميل
- شروق
- سوريالية
- المضحك المبكي
- الجنود الأطفال.. أدوات للقتل!
- قراءة في كتاب -طوق الحمامة- لابن حزم الاندلسي
- ناظم حكمت شاعر عظيم لأمة تنكرت له
- الاتجار بالبشر - أكبر مظاهر العبودية في العالم
- معذرة .. سيدتي هدى الشعراوي ..!
- ورقة عمل لمؤتمر الأقليات في العالم العربي، زوريخ، 24 إلى 26 ...
- خالتي أم بشار
- صوت العقل
- الاستبداد وثقافة القطيع
- المنطقة الرماديّة
- الضيف الجديد
- الصورة
- نساء لبنانيات


المزيد.....




- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ماري تيريز كرياكي - غزة في القلب