أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - بلى، هناك بديل فلسطيني!















المزيد.....

بلى، هناك بديل فلسطيني!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2523 - 2009 / 1 / 11 - 09:50
المحور: القضية الفلسطينية
    


من غير المرجح أن تجد الدعوة إلى تفادي الفلسطينيين للعنف في مواجهة إسرائيل استجابة إن بقيت دعوة سلبية، تسوغ نفسها (على نحو ما كان فعل كاتب هذه السطور غير مرة) بكون إسرائيل تجوز أفضلية كبرى في مجال السيطرة على وسائل العنف. ما تدافع عنه هذه المقالة هو أن الدعوة إلى تجنب العنف في مواجهة إسرائيل يمكن أن تكون أساس مشروع إيجابي يهدف إلى تمكين الشعب الفلسطيني وتحرير قواه وطاقاته الإبداعية في مواجهة المحتلين. التمكين المقصود متعدد المستويات يبدأ من تحسين فرض التعليم والعمل والاستشفاء.. ولا ينتهي عند التنظيم المستقل والحريات العامة وإطلاق المبادرات الذاتية للجمهور الفلسطيني، فضلا عن توحيد المجتمع وتوثيق الروابط بين فئات الشعب الثلاثة: فلسطينيو الشتات، فلسطينيو الضفة والقطاع (وهم اليوم فئتان) و"عرب 1948". والرؤية العامة التي توجه هذه الرؤية هي ترقية تمرس الشعب الفلسطيني الموحد بأوضاعه البالغة التعقيد، وتوجيه طاقاته نحو الفوز بالمعركة الأخلاقية والثقافة، وتاليا السياسية. هذا ليس لأن الفوز بالمعركة العسكرية متعذر فقط، وإنما لأن من الحيوي والملح استعادة الجوهر التحرري لقضية فلسطين، أعني الربط بين تحرير الوطن وتحرر الشعب، اجتماعيا وسياسيا وروحيا. فلا سبيل إلى التحرر من الاحتلال بينما يستخدم المجتمع الفلسطيني أداة في سياسات غير تحررية، تتوسل المواجهة مع العدو تكتيكا لمزيد من تشويش مداركه وإحكام القبضة عليه. إن تمكين الأكثرية الفلسطينية من السيطرة على شروط حياتها هو ما يضع الأكثرية هذه في موقع أفضل في صراعها الشاق والمديد مع الاحتلال، ويسهّل نزع أقنعته الأخلاقية الزائفة.
ومن شأن بلورة استراتيجية تمكين أن تقطع الطريق لا على نكبات متجددة تلحق بالشعب الفلسطيني على نحو ما يجري الآن في غزة، بل وأن تجنبه السير في صفقات عقيمة لا أفق لها، تفتت قضيته وتزجها في بازار مساومات إقليمية ودولية تتناقض كليا مع مضمونها التحرري. فالغرض هو انتزاع القضية الفلسطينية من أيدي مجموعات ومحاور ومتاجرين من كل نوع، وضعها بين أيدي أهلها الأمناء عليها.
ليس هذا بديلا سهلا. لكنه يبقى دوما أقل كلفة إنسانية من الانجرار إلى مواجهات مسدودة الأفق، يستفيد منها المحتل (يوحد مجتمعه تحت قيادة القوى الأكثر عدوانية ويمينية) وزعامات فلسطينية معنية بسلطتها ونفوذها أكثر مما بحرية شعبها.
من هذا المنظور ليس الانجرار إلى مواجهة عنيفة مكلفة وغير متكافئة مع إسرائيل خطأ مؤسفا يتعين تفاديه، بل هو سلوك غير مسؤول وسياسة رجعية بكل معنى الكلمة (فئوية، غير أخلاقية، وعقيمة لا يمكن أن تنتصر)، هدفها التلاعب بالشعب الفلسطيني وقضيته لأغراض سلطوية وأنانية، تدفع نحوها عقائد وإيديولوجيات عدمية سياسيا (الإسلامية بشتى تنويعاتها، الجهادية بخاصة)، وتحركها من وراء الستار محاور خارجية. وللمحاور هذه سياسات عدمية في فلسطين، تتوحد في استخدامها أداتيا (كورقة)، ولها مصلحة ثابتة في أن تبقى بؤرة تفجر وعنف ودمار، كي تعزز مواقعها وأدوارها الإقليمية. إن تجنب العنف، تاليا، ليس خيارا "عقلانيا"، بل هو الخيار التقدمي والوطني، وإن شئت الثوري، للشعب الفلسطيني؛ وذلك بقدر ما يكون تجنب الانجرار إلى المواجهات العنيفة إطارا لإعادة بناء المجتمع الفلسطيني كمجتمع مبادر وحي، والهوية الفلسطينية كمشروع تحرري، مفتوح على قيم العدالة والمساواة والحرية.
لا تحول دون التفكير في هذا الاتجاه مصالح نخب فلسطينية في فتح وحماس.. فقط، وإنما أولا ثقافة سياسية فلسطينية وعربية خرقاء وسلطوية، تعلي من شأن "القوة الخشنة" بينما هي المرشح الدائم للخسارة في ميادينها. ومن أساسيات هذه الثقافة السياسية ما ندعوه وثنية المقاومة، أي تقديسها ومنع نقدها، وقصرها فوق ذلك على الفعل العضلي. هذا ذروة الخذلان الذاتي: الضعيف المهزول يقصر مواجهة خصومه الأقوياء على العضلات! وهذه سمة مقاوماتنا اليوم أكثر من أي وقت مضى، رغم أن الجانب العضلي كان متصدرا مقاوماتنا أيضا في الأوقات الماضية. (تنفرد مقاومات اليوم الإسلامية بأنها معادية للتحرر الاجتماعي والسياسي والعقلي، رادة التحرر الوطني إلى تجريد أجوف، أو جاعلة منه مشروع سلطة فحسب).
وتقرر الثقافة السياسية تلك أن الكلام على الحرب والمقاومة والعنف وطني وتحرري وتقدمي. ليس كذلك بحال. إنه خدمة مجانية نقدمها المرة تلو المرة للعدو القوي. بالمقابل يواجه كل كلام يدعو إلى استراتيجية بناء مدنية وتمكين الشعب الواقع تحت الاحتلال بالتشكيك، أو حتى بالتخوين الصريح. وهذه كارثة عقلية لا تقل سوءا عن كارثة غزة الجارية أمام أعيننا، والتي لا تعدو كونها حلقة متجددة من استخدام الشعب الفلسطيني درعا لسلطة فئوية ولأولياء أمرها الإقليميين. وما كان لأحد أن يلخص استراتيجية حماس العدمية أحسن مما لخصها السيد اسماعيل هنية بقوله إننا لن نستسلم ولو أبادوا غزة! فكأن غزة ملك شخصي له أو لحركته!
ويظهر تصريح هنية سمة جوهرية للسياسات والثقافة السياسية الفلسطينية والعربية: الهوس بفكرة الاستسلام، والمثابرة على تهنئة النفس بأننا لم نستسلم. لكن حصر الخيارات بين مقاومة عضلية إما يفوز فيها العدو أو يدمر مجتمعنا وحياة وجهود مئات ألوف الناس منا، وبين
"عملية سلام" ممزقة للشعب ومفتتة للقضية الوطنية، استسلامية حقا، هو الاستسلام الحقيقي.
آن أن تنتهي هذه السياسة التعيسة التي لطالما كانت مدمرة للشعب الفلسطيني ومشوشة لوعيه الوطني وممزقة لتاريخ حركته الوطنية. آن أن نكف عن استخدام العدو ذريعة للمحافظة على تنظيمات فكرية وسياسية واجتماعية استبدادية وفاسدة، مفتتة لمجتمعاتنا ومخربة لوعيها الوطني والإنساني.
لا تعدو الحصيلة الواقعية لهذه السياسات، في فلسطين وغيرها، أن تكون تواطؤا موضوعيا بين العدو وبين النخب السياسية المحلية على تقييد الشعب والتحكم به والمتاجرة بقضيته، بل وبلقمة عيشه، في الساحات الدولية والإقليمية.
ولا يجوز أن يدفعنا إلى السكوت عن ذلك إرهاب التخوين ولا بازار المزايدات ولا نفاق محترفي النفاق، هذا الذي ينافس السلطات الاستبدادية على تعويق التفكير الحر والمتجدد، ومنعه من الوصول إلى الشعب.
غير صحيح أنه ليس ثمة بديل فلسطيني عن حماس وسلطة عباس. بلى، ثمة بديل. المدرسة وفرص العمل والإدارة الكفؤة والمحترمة وقول الحقيقة للشعب والاعتناء بالثقافة الوطنية وبالفضائل المدنية واحترام النساء اللاتي تلوعهن الحرب وتدمر حياتهن أكثر من الرجال... كل ذلك بديل مشرف وعظيم و.. تقدمي.
ولعل أول ما يلزم من أجل ذلك جهد فكري وثقافي، يتوجه إلى شباب فلسطين (وغير فلسطين، فـ"الحال من بعضه")، بهدف كسب القطاع الأكثر نشاطا وديناميكية لصالح رؤية تحررية جديدة وثقافة سياسية جديدة، لا يتعالى الوطن فيها على المواطنين وطاقاتهم الحرة.
خلال سنوات قليلة من جهود دؤوبة ومنظمة في هذا الاتجاه يمكن أن تظهر بوادر تحرر فكري وروحي من المطلقات والمتاجرات (وكل مطلق هو مشروع تجارة ممكنة، واستبداد محقق) التي تقوض القضية الفلسطينية من الداخل. وخلال جيل واحد ربما تتحقق قفزة اجتماعية وأخلاقية كبرى تؤسس لهزيمة المحتل الأخلاقية، على طريق تحجيم المشروع الإسرائيلي وهزيمته.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية عدالة جوهرية، لا تتقادم ولا تستلب
- مشروع لقتل الناس جميعا!
- حماس وعبّاس والشيطان
- في الطائفية والهيمنة والمعرفة السياسية
- الثقافة والطائفية: شروط إمكان دراسة نقدية
- الزيدي وبوش والحذاء...سخرية في بطن سخرية!
- إصلاح النظام أم استعادة الجولان؟
- في نقد تصور الوطنية القومي العربي
- بصدد -الأخلاقوية- و-الحضاروية- و.. السياسة
- ضد إدراج حقوق الإنسان في أجندة العلاقات بين الدول
- وجهان لدينامية الصراع العربي الإسرائيلي
- لا حل إسلاميا للمشكلة الطائفية
- أي نقد للقومية العربية؟
- في العروبة والوطنية السورية: المحصلة الصفرية ليست محتومة
- القرضاوي وخصومه: من الأمة الدينية إلى الأمة السياسية
- في الرأسمالية والأزمة.. والديمقراطية
- رئيس أسود في البيت الأبيض..!
- عن الممانعة والسلبية والعداء للغرب
- فرصة لتوسيع الديمقراطية العالمية!
- أغزوٌ شيعي لمجتمعات سُنيّة؟!


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - بلى، هناك بديل فلسطيني!