|
في حاجة النشر الإلكتروني إلى الأقلام العربية المتنورة
إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي
(Driss Jandari)
الحوار المتمدن-العدد: 2519 - 2009 / 1 / 7 - 07:18
المحور:
الصحافة والاعلام
يعتبر الانترنت من الوسائط – بتعبير الأستاذ سعيد يقطين- الحديثة ؛ التي تساهم في نشر الثقافة ؛ بين شريحة واسعة من القراء ؛ بأسهل الطرق و أنجعها كذلك . فهو يوفر إمكانيات كبيرة أمام الباحث ؛ لكتابة و نشر أفكاره و تداولها بين شريحة واسعة من القراء ؛ في جميع أقطار العالم . لكن المتابع للنشر الإلكتروني العربي ؛ يخرج بخلاصة أساسية مفادها ؛ أن المثقف العربي التنويري ؛ ما زال إلى حدود الساعة لم يدرك خطورة هذه الوسيلة ؛ و بالتالي فهو لا يستعملها لنشر أفكاره ؛ إما تعاليا منه و ميله إلى الطابع الأكاديمي ؛ عبر نشر كتب و مقالات في مجلات و صحف ؛ و إما اعتبارا منه أن أفكاره تتجاوز قدرة المتلقي العادي ؛ الذي يشكل نسبة مرتفعة من التلقي الإلكتروني . لكن هذه الأسباب مجتمعة رغم صحتها؛ لا يمكن أن تبرر ترك المثقف التنويري –الذي يتميز في الثقافة العربية بتكوينه المعرفي المتين و شهاداته العليا- المكان شاغرا ؛ للجهلاء و المتطرفين كي يعيثوا في الثقافة العربية فسادا و جهلا ؛ و يرسموا صورة العربي على طريقتهم الخاصة ؛ باعتباره كائنا جنسيا ؛ يهفو وراء نزواته الحيوانية ؛ أو كائنا إرهابيا ؛ يستخدم مفاهيم دينية لتبرير القتل و الإجرام . و لعل هذه الصورة ليست بالخيالية ؛ بل تؤكدها إحصاءات كوكل ؛ التي أكدت أن العرب حققوا رقما قياسيا في البحث عن كلمتي جنس و جهاد على محرك البحث . لكن ألا يعد المثقف العربي التنويري مسؤولا عن هذه الوضعية ؛ لأنه ترك الساحة الإلكترونية فارغة للجهلة ينشرون جهلهم على الملأ بحرية كاملة . و النتيجة أن أصبح النشر الإلكتروني باللغة العربية ؛ لا يشفي غليل نخبة من القراء ؛ تبحث عن التنوير الفكري ؛ و لذلك فهي إما تنزوي بنفسها عن متابعة ما ينشر إلكترونيا؛ أو تساير أمواج التجهيل و التطرف ؛ و تصبح عنصرا فاعلا فيها . و ما توالد المواقع الإلكترونية المتطرفة كالفطر إلا ملمح من ملامح هذا التردي السائد ؛ بحيث أصبحت فتاوى التكفير و التحليل و التحريم ؛ تمثل أعلى النسب على الشبكة ؛ و أصبح بلادن و الظواهري ؛ و أمثالهما من المجرمين و الإرهابيين ؛ يسيطرون على الشبكة بنسب تتجاوز ما ينشر في المعارف العلمية مجتمعة . ناهيك عن صنف آخر من (الكتبة) ؛ الذين لا يمتلكون أبسط شروط الكتابة ؛ التي تدرس في مادة التعبير و الإنشاء ؛ فما بالك بالكتابة الفكرية ؛ التي تتطلب تكوينا معرفيا رصينا ؛ و رؤية فكرية واضحة . كل هؤلاء مجتمعين هم الذين يستغلون مساحة واسعة على شبكة الأنترنت ؛ و يدمرون ما بقي في الفكر العربي من روح تنويرية ؛ مستغلين في ذلك غياب الفكر النقدي المرتبط بالعلوم الإنسانية الحديثة عن المنظومة التربوية العربية ؛ لذلك فهم يحققون انتشارهم بين فئة من القراء بسيطة التكوين ؛ و يوجهونها بطريقتهم الخاصة ؛ عبر الوعظ الديني تارة ؛ و عبر سب و شتم المختلف – في شكل مقال – تارة أخرى ؛ و عبر الوعد بنعيم الجنة ؛ و الوعيد بنار جهنم في أغلب الحالات . و قد يستعملون الخرافات و الشعوذة ؛ إن أعوزتهم الحيلة ؛ و جمد فكرهم ؛ و عجز عن الإبداع و الخلق . في ظل هذا الواقع الثقافي المتأزم ؛ هل يمكن للمثقف العربي التنويري أن يظل متعاليا عن مجتمعه ؛ بدعوى غياب التلقي ؛ أم إنه من الأفيد له و لمجتمعه أن يخوض المعركة ؛ متسلحا بفكر متنور؛ و قدرة على التفكير و الخلق و الإبداع ؛ مستلهما في ذلك نماذج ثقافية رائدة ؛ من جرامشي ؛ الذي دافع عن المثقف العضوي ؛ الذي يخوض المعارك الفكرية و السياسية و الدينية ؛ متسلحا بمعرفته دفاعا عن القيم الإنسانية الراقية ؛ و هجوما على جميع أشكال التردي و الجهل الممنهج . إلى بيير بورديو ؛ الذي كان يعتبر المتخصص في العلوم الإنسانية؛ ومن بينها السوسيولوجيا ؛ محاربا في معركة شرسة ؛ سلاحه الوحيد فيها هو تكوينه المعرفي الرصين ؛ و إيمانه بالقيم الإنسانية؛ و دفاعه عن الحق في الاختلاف و التعددية الثقافية و الدينية .
#إدريس_جنداري (هاشتاغ)
Driss_Jandari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نموذج التدين المغربي سلاح لمواجهة التطرف الديني الوهابي
-
أحداث غزة و فشل استراتيجية الإعجاز و الجهاد المقدس
-
في مساءلة التراجع الحضاري للأمتنا العربية : هل سببه تخليها ع
...
-
في حاجة الفكر العربي المعاصر إلى استلهام روح التنوير النهضوي
...
-
من الشورى إلى المستبد العادل : الفكر الديني و تكريس دولة الا
...
-
الحلاج .. في صلبه المباغت
-
الديمقراطية بناء ثقافي و ليست فقط صناديق اقتراع .
-
العلمانية و الدولة المدنية في الثقافة العربية : المشروعية ال
...
-
تأويل النص الديني و تكريس الرجعية في الثقافة العربية
المزيد.....
-
مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا
...
-
تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل
...
-
السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة
...
-
بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي
...
-
وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب
...
-
مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث
...
-
-أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3
...
-
-تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي
...
-
إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
-
البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|