أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين - اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع عشر















المزيد.....



اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع عشر


جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين

الحوار المتمدن-العدد: 2519 - 2009 / 1 / 7 - 09:43
المحور: الارشيف الماركسي
    


نضال الطبقات قبل الرأسمالية
عرضنا لقانون الترابط الضروري بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج. ونعلم من جهة ثانية أن علاقات الإنتاج، حين تعتمد على الملكية الخاصة، تمتاز بالاستغلال الطبقي، أي بالنضال الطبقي. على هذا الشكل يظهر عمل الناس في التاريخ بصورة تلقائية.
ويجب الآن أن نبتعد عن خطأين: الاعتماد أنه، لما كان هناك قانون ضروري مشترك بين جميع المجتمعات، فإن عمل الناس لا فائدة منه ولا تأثير له في التاريخ، وفي تغير الأساس الاقتصادي للمجتمعات – أو الاعتقاد، عكس ذلك، أن النضال الطبقي يمكن أن يقوم بكل شيء وفي كل زمان.
تريد الطبقات المستغلة أن تقضي على الاستغلال. ولا يمكن هذا إلا في مستوى معين لنمو قوى الإنتاج. ولهذا لم يفض نضال الطبقات المضطهدة، حتى عهد الثورة البروليتارية، إلا إلى تغيير نظام الملكية الخاصة، وإحلال صورة للاستغلال محل صورة أخرى. يعكس نضال الطبقات التناقض الأساسي الموجود في علاقات الإنتاج بين المستغلين و المستغلين، ولكن لا يمكن لهذه النتائج أن تتخطى ما يسمح به قانون الترابط الضروري بين علاقات الإنتاج وبين قوى الإنتاج في وقت معين.
غير أن نضال الطبقات يتخذ أهمية كبرى حين يوجد الاستغلال كمنهج لتطبيق قانون الترابط الضروري. وبهذا المعنى فقط يصبح محرك التاريخ.
وسوف ندرس في هذا الدرس هذه الجدلية في مراحل نمو المجتمعات الكبرى.

1 – أصول المجتمع
ليس هناك ما هو أشد اختلاطاً واضطرابا من تفاسير المثاليين فيما يتعلق بالتقنيات الاجتماعية الأولية. وإذا ما ضربنا صحفاً على أسطورة آدم وحواء فإن أكثر النظريات شيوعاً تلك التي تعتبر العائلة كأنها خلية بدائية للمجتمع. بينما العائلة في الحقيقة، هي مؤسسة اجتماعية يتعلق نموذجها بعلاقات الإنتاج السائدة، أما علماء الاجتماع البرجوازيون فهم لا يهتمون بسوى التقنيات والمعتقدات البدائية فإذا بهم موزعون بين النزعة المادية الميكانيكية وبين النزعة المثالية. يضاف إلى ذلك أنهم ينظرون للنمو الاجتماعي من خلال امتداد "حجم"المجتمع. فهم يرون في ذلك انتقالاً "من القبائل إلى الإمبراطوريات".
والماركسية وحدها تعطينا تعريفاً علمياً للمجتمعات البدائية حين تدلل على أن لها أساساً ككل مجتمع.
فلقد كانت قوى الإنتاج، في ذلك العصر، ضعيفة في نموها. ولم تكن الآلات الحجرية والوتر والقوس، التي ظهرت فيها بعد وأصبحت السلاح القاطع، قوية بالقدر الذي يسمح للإنسان بالنضال لوحدة ضد قوى الطبيعة والحيوانات المفترسة فحاول الناس. إذن، مجابهة هذا الوضع بتوحيد قواهم..
كان على الناس. كي يجنوا الثمار في الغابات، ويصطادوا السمك. ويبنوا المسكن أن يعملوا سوية، إذا لم يريدوا الموت جوعاً، أو أن يصبحوا فريسة للحيوانات المفترسة أو القبائل المجاورة .
وكانت نتيجة هذه الحالة أن أصبحت ملكية وسائل الإنتاج وأراضي الصيد، مثلا، وكذلك ملكية المنتوجات، مشتركة أيضاً بين جميع أفراد المجتمع، ولم يبق سوى بعض آلات الإنتاج، التي هي في نفس الوقت أسلحة للدفاع ضد الحيوانات المفترسة، ملكية فردية للذين صنعوها.
وهكذا تتعلق ملكية وسائل الإنتاج الجماعية بطابع قوى الإنتاج وتكون الأساس الاقتصادي لهذا البناء الاجتماعي الذي يسمى بالكومون البدائي.
يؤكد هذا الأساس الاقتصادي بدوره خواص فكرية مهمة: فإن الشعور بالملكية الفردية بها لم يوجدا بعد. كما أن الحقد الطبقي غير موجود لعد وجود الطبقات والاستغلال الطبقي، نرى، إذن، أنه على عكس ما يقوله المثاليون فأن الشعور عواطف أبدية خالدة في طبيعة الإنسانية، بل هي منتوجات تاريخية تتولد من الملكية الخاصة. ويمتاز الإنسان البدائي بالأخلاص لمصالح القبيلة، والوفاء والثقة نحو سائر أعضاء القبيلة، ومن عنا نشأت خرافة "الفردوس المفقود". ولكن هذه "الفضائل" لم تكن نتيجة للطبيعة" الغزيرة على نفس روسو بل كانت تعكس الأساس الاقتصادي، كما كانت شرطاً ضروريا للانتصار على القوى المعادية التي كانت تجاور القبيلة. وكان الإنسان البدائي يعيش، في نفس الوقت، فريسة الرعب والجهل لهذه القوى المعادية، ولهذا كان يعيش في جو من الخرافات.
ومن خصائص الشيوعية الأولية اعترافها بدور المرآة الكبيرة، ولم يكن عدم المساواة بين الرجل والمرآة ألا في تقسيم العمل بينهما، ولم يكن يعترف ألا بنسل المرآة لوحدها. فكانت المرآة تشرف على التربية كما كانت نصائح الجدة نافذة. ذلك كان عهد سيطرة الأم.

2 – ظهور الطبقات
فما الذي أدى إلى انحطاط الكومون البدائي، وظهور الطبقات؟ ليست هي طبيعة الإنسان الشرير كما تدعي النزعة المثالية بل هو نمو قوى الإنتاج كما تقول الماركسية.
الواقع أنه يجب على المجتمع أن يمتلك من الخيرات المادية أكثر مما كانت الكومون البدائية تمتلك من مصادر ضئيلة كي يستطيع الإنسان الحصول على هذه الخيرات بصورة خاصة فلقد كانت المصادر الضئيلة لا تكاد تسمح للمجتمع بالعيش. ولهذا كان الاحتكار، في مثل هذه الظروف، حكماً على الآخرين بالموت. لم يكن ذلك في مصلحة أحد لأن النضال المشترك وحده يساعد على مواجهة الأخطار المتعددة. ولكي توجد إمكانية الاحتكار فأنه يجب أن يكون لدى أعضاء المجتمع ما يقتاتون منه وأن يوجد لديهم فائض، أي أن تكون قوى الإنتاج قد تقدمت.
ولقد تم تقدم قوى الإنتاج (راجع الدرس الخامس عشر). (المسألة 2، أ) داخل الكومون البدائية، التي كانت تسهل آنذاك، إلى أقصى حد، النضال ضد الطبيعة. وكانت المراحل الأساسية هي: تأليف الحيوانات بفضل القوس والسهام وتقسيم العمل بين الرعاة والصيادين البدائيين، ثم الانتقال إلى الزراعة بفضل الآلات المعدنية كفأس الحديد وسكة المحراث ثم التفريق بين المهن والزراعة، يضاف إلى ذلك أن صناعة الخزف كانت تساعد على الاحتفاظ بالمؤن.
كان لهذا التقدم نتائج عظيمة. فلقد وفرت تربية الحيوانات والزراعة مصادر أكثر انتظاماً وغزارة مما يوفره الصيد البري، كما أن تأليف الحيوانان جعل للإنسان وضعاً اقتصادياً مفضلاً. فاستطاع أن يقلب القانون الوراثي وأن يقيم النسب الأبوي.
كان قانون سيطرة الأم أكبر انهزام تاريخي للجنس الأنثوي. فاستولى الرجل على السلطة حتى في البيت، وتخلت المرآة عن مكانتها واستعبدت حتى أصبحت أسيرة الرجل ومجرد وسيلة للتناسل. هذا الوضع الشائن للمرأة كما يظهر لا سيما عند اليونان في عصر البطولة وفي العصر الكلاسيكي، بالرغم من جميع المحاولات لاخفائه أو التقليل من حدته، لم يقض عليه قط .
ولقد حفظت لنا خرافة الأما زون ذكرى ألوان من النضال البطولي قامت به قبائل تخضع لسيطرة الأم وقد نجحت في كبت الجماح ضد قبائل يسيطر عليها الرجال.
ولم يعد العمل، بعد ظهور تربية الحيوانات والزراعة، للحاجة المباشرة بل أصبح ينتج فائضاً: فيصبح التبادل ضرورياً وممكنا كما تتوفر إمكانية تجميع الثروات.
يملك الناس الآن بدلا من الآلات الحجرية، آلات معدنية، وأخيراً نرى ظهور تربية الحيوانات والزراعة، والمهن، وتقسيم العمل بين مختلف فروع الإنتاج عوضاً عن اقتصاد لا يتعدى الصيد البري البدائي، ولا يعرف تربية الحيوانات أو الزراعة. كما ظهرت إمكانية تبادل المنتوجات بين الأفراد والجماعات وإمكانية تجميع الثروات في أيدي فئة قليلة .
أصبح العمل الإنساني فائضاً عن الاستهلاك الأدنى، ولهذا أصبح من المصلحة ضم قوى جديدة للعمل. كان أسرى الحرب، في العصر السابق، أفواها غير مجدية، لأن العمل لم يكن يكاد يوفر قوت صاحبه. ولهذا لم يكن من المصلحة الاستيلاء على أسرى حرب بل القضاء على القضاء على القبيلة المعادية التي تحتل أرض الصيد. أما الآن فإن عمل الأسير يمكنه أن يوفر فائضاً، فكان من الطبيعي استخدامه، فأصبح الأسير رقيقاً.
جعل نمو الإنتاج، في جميع الفروع – كتربية المواشي، والزراعة، والصناعة البيتية – لقوة العمل الإنسانية المقدرة على إنتاج أكثر مما يلزم لمعيشتها، كما أنه زاد، في نفس الوقت، مقدار العمل اليومي الواجب على كل عضو من العائلة البطريركية أو الجماعة البيتية أو العائلة الزواجية. ولهذا أصبح من المستحسن الإستعانة بقوى جديدة للإنتاج. وجاءت الحرب بهذه القوى الجديدة: إذ تحول أسرى الحرب إلى أرقاء.
ولقد أدى التقسيم الأول الكبير للعمل، في ظروف التاريخية، بزيادته لإنتاج العمل، أي للثروة، وتوسيعه لميدان الإنتاج، إلى الرق حتما. فنشأ عن التقسيم الأول الكبير للمجتمع إلى طبقتين: الأسياد والعبيد، المستغلين والمستغلين.
وصلنا الآن إلى عتبة المدينة... لم يكن الناس، في الدرج الأسفل، ينتجون إلا مباشرة من أجل حاجاتهم الشخصية.وكان التبادل، الذي يجري بالمناسبة، منعزلا ولا يتعلق إلا بالفائض الذي يزيد صدفة .
وقد أصبح إنتاج الفائض، من ثم منظما. وأصبح بعض الأرقاء ملكا جماعياً للذين أسروهم، كما أصبح بعضهم ملكا خاصاً. ولم يكن الأرقاء على كل حال، يملكون شيئاً: فظهرت الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، ومن ثم إنقسهم المجتمع إلى طبقات، وزالت الشيوعية البدائية، كما تغير أساس المجتمع الاقتصادي، تم كل ذلك حسب متطلبات قوى الإنتاج الجديدة، وتحسين التقنيات داخل الكومون البدائية بدون إرادة الناس.
حينما أخذ بعض أعضاء الكومون البدائية بالانتقال تدريجياً من الآلات الحجرية إلى الآلات الحديدية، كانوا يجهلون النتائج الاجتماعية التي يفضي إليها هذا التجديد. ولم يكونوا يفكرون بذلك.
ولم يعوا ذلك، ولم يكونوا يدركون أن استعمال الآلات المعدنية يعني ثورة في الإنتاج، وأنه سيؤدي بالنهاية إلى نظام الرق. لم يكونوا يريدون سوى مجرد جعل عملهم أسهل، وأن يحصلوا على فائدة مباشرة محسوسة، فكان نشاطهم الواعي ضمن نطاق هذه الفائدة الشخصية اليومية الضيق
تركت نهاية العصر البدائي ومطلع عصر الرق آثاراً عميقة في مخيلة الناس. ولما كانوا لا يدركون ضرورتها الموضوعية، رأوا فيها انتقاما إلهيا، وفقداناً "للبراءة" الولية، وثمرة "للشر" و "الكبرياء"، والشيطان. وهكذا صيغت "الفضائل" القديمة في أفكار، تولد عنها العديد من الموضوعات الأخلاقية. فاستمرت ذكرى وجود المرآة القديم في أسطورة سيبيل آلهة الخصب. كما نعى الإنجيل "سقوط" الإنسان، وتغني الشعراء القدامى أمثال هزيود وأوفيد "بالجيل الذهبي"الذي تنبأ المأثور بعودته المحتومة.
وذا كان العصر البدائي لم يعرف ضروب النضال الطبقي، التي مزقت المجتمع في العصر التالي، فلقد عرف حالة الإنسانية البائسة، التي كانت فريسة للأخطار الطبيعية المتعددة. وأنه لمن السخرية أن لا نعترف بأن الرق، الذي ظهر على أساس نمو قوى الإنتاج، قد انتزع القبائل المتأخرة من الحالة التي كانت تتخبط فيها، فكان بذلك خطوة إلى الأمام.
يجب، إذن أن لا نجعل من العصر البدائي العصر المثالي. لأنه كان لا بد من ظهور الطبقات الذي يجعل نمو الإنتاج ممكنا. ومع ذلك لا يجب أن ننسى أنه يفتتح هذا العصر الفريد من تاريخ الإنسانية حيث نجد، حسب قول انجلز، أن كل خطوة إلى الأمام ينتج عنها خطوة إلى الوراء. لأن كل ازدياد في الإنتاج والرفاهية والمدينة عند فريق من المجتمع يشترط ازدياد استغلال سائر أعضاء المجتمع وازدياد شقانهم.
ولقد غير مجتمع الطبقات نفسية الإنسان تغييرا قويا، ولهذا لم يكن روسو مخطئا حينما جعل "المجتمع مسؤولا" عن "فساد الطبيعة الإنسانية" إذ أن نتيجة استغلال الإنسان للإنسان حرمان المستغل من الحصول على ثمرة عمله. وهكذا يفصل الإنسان عن عمله. ويحرمه المستغل من عمله ويستولي على هذا العمل. فإذا ما فصل الإنسان عن عمله، فصل بذلك عن نفسه، لأن النشاط الإنتاجي والمبادرة المبدعة أنما هما من خصائص الإنسان التي تجعله إنساناً وتميزه عن الحيوان. وبينما يحرم المستغل مما أنتجه يستولي المستغل على ما لم ينتجه. وهكذا ينفصل الوعي نفسه، لأنه يمكنه تحقيق غاياته بحرية، كما أن وعي المستغل ينفصل عن نفسه، لأن الكذب قد حل فيه، ولأنه لا يمكنه الاعتراف بغاياته بحرية. وكل من هذين الوعيين يعكس الاستغلال بطريقته. هذا الانقسام في الوعي على نفسه، هو ما يسمى بفقد "البراءة البدائية"أو ما سماه هيجل:"مصيبة الوعي".وهكذا ينعكس ظهور الطبقات، والاستغلال، وانقسام الإنسانية إلى جماعات متناقضة، في هذا الانقسام العميق الأساسي للوعي الإنساني الذي يتوزع من تلقاء نفسه إلى نزعات تتناقض بشدة وبدلا من أن يكون الإنسان نفسه غاية نشاطه المنتج، فإننا نجد على العكس أن الغاية و الوسيلة منفصل كل منهما عن الأخر و ذلك لأن الفئة التي تكون وسيلة الإنتاج (و هي الأكثرية)ليست غايةهذا الإنتاج بل إن غايةهذا الإنتاج (وهي الأقلية)ليست وسيلة.
يفسر هذا تناقض انحطاط الطبقات المستغلة الأخلاقي متى ما لم يعد نظامها الاستغلالي يتفق وحاجات نمو قوى الإنتاج وكلما ازداد الاستغلال زاد التفسخ في عالم المستغلين. فيظهر عندئذ، بوضوح أشد، طابع مجتمع الطبقات المفسد وضرورة الإصلاح.
ومثال ذلك أن الفلاسفة، في نهاية النظام القديم – وليس روسو وحده – قد قابلوا بمجموعهم " الفضيلة" بعيون الأستقراطية الزائلة. وصرح روبسبيير أنه يستعمل الرعب في سبيل خدمة الفضيلة. كما توخى كوندرسيه وغيره من الثورة تجديد الجنس البشري. فلم يعتم النظام الإداري أولا (Le Directoire ) ومن بعده النظام البرجوازي، أن خيبا الأمل مما ساعد على ظهور نزعة فورييه الخيالية.
وكان على ماركس وحده أن يدلل على أن الأحياء لا يمكن أن يأتي من الدعاية الأخلاقية أو فلسفة، ولا من تشريع اسبارطيء ولا من ثورة عامة، بل من إزالة الاستغلال الطبقي. ذلك لأن نهاية النضال الطبقي، وانقسام الإنسانية على نفسها، يستطيع إعادة الانسجام إلى الإنسان وحلول عهد الوعي السعيد. غير إن إزالةالنضال الطبقي لا يمكن أن تتم إلا بالاستمرار في النضال الطبقي حتى النهاية. ذلك لأن الثورة البروليتارية، ولا شيء غيرها، هي التي تعيد إلى الإنسانية وحدتها التي تتمثل في البروليتاريا والجماهير الشعبية، إذ يستعيد البروليتاريون وحلفاؤهم، في نضالهم الظافر ضد ظلم الطبقات المستغلة وانحطاطها، الإنسانية من أجلهم، ويحققون بذلك غاية الإنسان. و هكذا تصبح الوسيلة مماثلة للغاية . يمكن الأمل في عمل الجماهير الشعبية للأحياء لأن النضال وحده هو الذي يحول المناضلين.
ولهذا فإنا ثورة الاشتراكية هي فجر الإنسانية الحقة، لأنها من عمل رجال جعلهم النضال الثوري يبلغون ذروة الإنسانية. أما التعارض الميتافيزيقي، الذي يحاول المفكرون البرجوازيون إقامتة غاية الثورة ووسائلها، فهو مجرد سفسطة. لأن عملية تحويل. المجتمع الثوري هي عملية واحدة في جميع مراحلها. وتنمحي، في ظروف نضال الجماهير الثوري معالم سلب الإنسان (alienation) ومعالم الوعي الموزع، والإنسانية المفسودة، كما تتأكد في، ظروف هذا النضال، معالم إنسان المستقبل، الذي تظهر من عيوب مجتمع الطبقات والدليل الحي على ذلك تضحية الثوريين.
3 – مجتمعات الرقيق والإقطاع
دللنا، في درسنا لأصل استغلال الإنسان، بصورة بديهية، على طبيعة هذا الاستغلال: أن يستولي صاحب وسائل الإنتاج على الفائض، الذي يمكن أن تنتجه قوى الإنتاج، بالنسبة للحد الأدنى الفردي لحياة العامل، الذي حرم من ملكية وسائل الإنتاج متى بلغت قوى الإنتاج مستوى معيناً في نموها:
يعرف التاريخ ثلاث صورة لاستغلال الإنسان للإنسان: استغلال الرقيق الاستغلال الإقطاعي والاستغلال الرأسمالي. وسوف نتحدث بسرعة عن خصائص الضربين الأولين. وسنخصص الدرس المقبل للحديث عن خصائص الضرب الثالث.
التناقض الخاص بعلاقات الإنتاج في استغلال الرقيق هو التناقض بين طبقة الأسياد، مالكي الرقيق، وبين طبقة الأرقاء. وليس نظام الرق، الذي أوجده النضال والحرب، من أجل حصول على الأرقاء، سوى تسخير أسرى الحرب، ولهذا كان هذا النظام، منذ بدايته حتى النهاية، مسرح نضال طبقي مرير.
وملكية سيد الأرقاء لوسائل الإنتاج وللعمل هي أساس علاقات الإنتاج، وهي تتفق مع حالة قوى الإنتاج. إذ يمكن للرقيق، وهو أسير الحرب القديم، أن يشتري ويباع ويقتل كالحيوان، فتتكدس وسائل الإنتاج بين يدي أقلية ضئيلة. انتهى بذلك عهد العمل المشترك الحر، ولم يبق سوى تسخير الأرقاء من جهة، وبطالة الأسياد الذين لا يهتمون بالإنتاج ولا يرون وسيلة لزيادة الإنتاج إلا في زيادة عدد الأرقاء. فسيد الأرقاء هو المالك الأول الرئيسي والمالك المطلق.
يشعر الرقيق بالاستغلال شعوراً قوياً: فهو يرى أن كل ثمرة عمليه يستولي عليها سيده، فلا يبقى له سوى جزء ضئيل يناله في صورة غذائه. غير أن صور نضال الأرقاء بدائية: كالسلبية أمام التسخير، وهجر مكان السيد، وتنظيم عصابات قطاع الطرق وأخيراً الثروات الجماعية.
وقد نشأت داخل مجتمع الرقيق طبقات أخرى. فقد ظهرت طبقة العمال اليدويين حينما انفصلت المهن عن الزراعة، ثم ولد ازدياد التبادل تبادل السلع.
ومن هنا نشأت تناقضات جديدة. ولما كانت طبقة التجار وسيطاً لا غنى عنه بين منتجين، فقد جمعت بسرعة ثروات ضخمة، وأصبح لها تأثير اجتماعي يناسب هذه الثروات. وأخذت تنافس الملاكين لتوجيه السياسة حسب مصالحها الطبقية (كنضال "الديمقراطيين" ضد "الأرستقراطيين" في اليونان (ونضال (plebeins) ضد (patriciens) في روما).
غير أن هذه التناقضات الثانوية لا يجب أن تخفي التناقض الأساسي: ذلك لأن الرق يساعد على زيادة الثروات، والإنتاج الذي تعيش منه التجارة. وتزيد زيادة الإنتاج قيمة قوة العمل الإنساني فيصبح من الصعب الاستغناء عن الرق الذي يصبح عنصراً أساسياً في النظام الاجتماعي.
لم يكن تناقض المصالح بين الأسياد والأرقاء ليهدد نظام الرق طالما أن تقدم التقنيات فيه يجعل له أفضلية على القبائل المتأخرة التي كان يردها إلى الرق. ولقد أصبحت علاقات الإنتاج في نظام الرق، بعد أن كانت القوة الرئيسية لنمو قوى الإنتاج، عوائق لقوى الإنتاج. مثال ذلك أن هيرون السكندري إكتشف في القرن الثاني بعد المسيح، مبدأ الآلة البخارية. ولكن لم يكن لهذا الاكتشاف نتائج عملية لأنه كان من الأفضل الحصول على أرقاء جدد بدلا من إدخال التقنيات الجديدة التي يجعلها عمل السخرة لا فائدة منها. وأخيراً حل محل الأفضلية التقنية جمود التقنيات وتقهقرها.
كما أن الحصول على الأرقاء كان يتطلب الحرب الدائمة، وإلا كان لا بد من تربية أطفال الأرقاء للحصول على أقاء جدد وأخيراً انهارت دولة الرق القديم والإمبراطورية الرومانية، تحت ضربات البرابرة، بعد فترة طويلة من النزع، تشابكت فيها التناقضات الموضوعية وضروب النضال الديني والسياسي. إنهارت الإمبراطورية في الوقت الذي لم يعد نقصها التقني وتناقضاتها الداخلية من اقتصادية و سياسية يسمحان لها بالإنتصار على البرابرة، والحصول بذلك على أرقاء جدد. لأن نضال البرابرة ضد الدولة الرومانية لم يكن سوى نضال ضد استعبادهم. ولهذا كانت الإمبراطورية الرومانية بفعل منطق نظامها، تحتل مركز المعتدي الدائم.
وهكذا أفضى تناقض نظام الرق بهذا النظام إلى الدمار، حينما أصبح هذا النظام نفسه مناقضاً لطابع قوى الإنتاج. فكان لابد من علاقات إنتاج جديدة لبناء الاقتصاد من جديد: فنمت هذه العلاقات الجديدة على أنقاض عهد الرق، وكان النظام الإقطاعي.
يمثل النظام الإقطاعي تطوراً في الملكية الخاصة. وأساسه الاقتصادي هو ملكية السيد القطاعي لوسائل الإنتاج، وكذلك ملكيته المحدوة للعامل القين لم يعد بامكان الاقطاعي أن يقتله و إن كان يمكنه أن يبيعه أو يشتريه. ولا يملك القين، سواء كان فلاحاً أو عاملاً يدوياً، شخصياً ألا آلاته وما اقتصده على أساسي العمل الشخصي، وهكذا يمكنه أن يكون عائلة، ولهذا فإن الحصول على الاقيان يتم بوراثة الرق. وتتفق علاقات الإنتاج هذه مع حالة قوى الإنتاج.
يقوم جوهر الاستغلال هنا أيضاً على أن السيد الإقطاعي يستولى بصفة خاصة على فائض إنتاج القين. كأن يعمل اليقين، مثلا، ثلاثة أيام لنفسه و ثلاثة أيام للسيد.و لا يكاد الإستغلال يقل بالنسبة لعصر الرق، كما أن كلمة "قين"نفسها مشتقة من لفظ لا تيني يعني "الرقيق" ويتمتع السيد بجميع الحقوق. لأن السيد ينهب قيونه طالباً إليهم تقديم تضحيات ضخمة، زاعماً أنه "يحميهم" من غزو الأسياد المجاورين. وتظل صور نضال القيون بدائية: كالهرب من منطقة السيد، وتنظيم العصابات في الغابات، والقيام بالثورات لمحاولة القضاء على السجلات التي سجل عليها السيد ما يتوجب عليه.
وينزل الاضطهاد بالقيون ، ويستمر النضال الطبقي بين الملاك الإقطاعيين والقيون – وهو انعكاس للتناقض الخاص بعلاقات الإنتاج القطاعية – من بداية النظام حتى نهايته. يضاف إلى ذلك أن هذا التناقض ينمو في صورة جديدة تكون بداية منازعات جديدة: إذ تولد فئة القيون التي مارست الصناعة اليدوية ومن ثم التجارة، طبقة جديدة. ويزداد تناقض المصالح بين هؤلاء "البرجوازيين" إذ يجب على هذه البرجوازية الفتية أن تنمي قوى الإنتاج، وأن تكون قوة اقتصادية جديدة. وتصبح علاقات الإنتاج، الإقطاعية، التي كانت في البدء مطابقة لطابع قوى الإنتاج، عامل تأخر، فتتحول إلى عوائق لهذه القوى. ويبدو التناقض بين البرجوازية والأقطاعية، بعد أن كان ثانويا، قد تولد عن نمو قوى الإنتاج داخل نظام الرق، فيظهر على المسرح ليقوم في النهاية بالدور الرئيسي.
ذلك لأن نضال القيون القرويين يفضي إلى بعض التحسن في مصيرهم لخوف الأقطاعيين من أن تجد البرجوازية فيهم حلفاء لها. ولكن هذا النضال لا يستطيع بنفسه أن يؤدي إلى تصفية علاقات الإنتاج، لأن قوى الإنتاج الجديدة لم تكن تنمو في القرية بل في المدينة. ولقد قضت الثورة الديمقراطية البرجوازية على نظام القين. ولم يختف التناقض الخاص بعلاقات الإنتاج الإقطاعية إلا متى تناقضت هذه العلاقات نفسها تناقضاً شديداً مع طابع قوى الإنتاج الجديد. ذلك لأن النمو الاقتصادي الجديد بحاجة لعلاقات إنتاج جديدة، فإرتفع بناء الرأسمالية على أنقاض النظام الإقطاعي.

4 – تطور البرجوازية
نستطيع أن نلاحظ بأن قوى الإنتاج الجديدة، التي ستؤدي إلى علاقات إنتاج إنتاج جديدة، لا تظهر خارج النظام القديم بعد زواله بل هي تظهر، على العكس، داخل هذا النظام. إذ يعمل كل جيل في الواقع، لتحسين التقنيات الموجودة التي تفيده مباشرة، وذلك لأنه يجب عليه أن يتلاءم مع ظروف الإنتاج الموجودة التي أبدعها عمل الأجيال السابقة. يضاف إلى ذلك أن كل جيل لا يعي النتائج الاجتماعية التي يمكن أن يؤدي إليها تحسين قوى الإنتاج على مر الأيام، فهو لا يفكر إلا بمصالحه اليومية. ولا تدرك الطبقات الحاكمة الخطر إلا بعد مضي فترة من زمن، فتوقف تقدم قوى الإنتاج. وهكذا يندفع كل جيل في سلسلة من الأسباب والنتائج التي لا يسيطر عليها. وليست علاقات الإنتاج الجديدة نتيجة عمل واع يقوم به الناس بل هي تنبعث على العكس من تلقاء نفسها مستقلة عن وعي الناس وإرادتهم. وهي ليست اعتباطية، بل تنبعث ضرورتها من ظروف النظام القديمة التقنية والاقتصادية. وتلك خاصية مهمة لجدلية طرق الإنتاج. إذ أن ما يحدد طريقة الإنتاج إنما هي علاقات الإنتاج المسيطرة. ولنمعن النظر في تطور البرجوازية التي عاشت سبعة قرون داخل نظام الإقطاعي.
كان الإنتاج، في البداية، ضعيفاً، وكان يستهلك محلياً وكان التبادل قليلاً، وكنا نشعر بسيطرة القرية على المدينة الخاضعة للإقطاعيين، ثم ظهرت في المدن، حوالي القرن الثاني عشر، بفضل تقدم المهن الذي يسره نظام القين نفسه، ظواهر جديدة: إذ ظهر فائض الإنتاج في السوق. ومن هنا نشأت السواق، ونشأت معها طبقة تخصصت في بيع السلع وشرائها: وهؤلاء هم التجار طلائع البرجوازية.
وكان انطلاق البرجوازية هذا مصدر الحركة المسماة بـ "الكومونال"، وهي أول صورة لنضال البرجوازية الطبقي ضد الإقطاعيين. فقد كان السيد يطلب بدلا من عتق القين حقوقاً تدفع عيناً، وكذلك اشترى البرجوازيون، بنفس الطريقة، حقوقاً سياسية مختلفة كبناء الأسوار حول مدنهم، أو سك العملة، أو بناء السجون أو تكوين مليشيا حربية، وانتداب ممثلين منتجين، أو إقامة مركز بلدية مع برج محصن. وكان الملك يقف إلى جانبهم ضد الأسياد أعدائه مقابل قرضه المال الضروري لتقوية الدولة الإقطاعية وتسيير شؤونها.
وقامت الحرب الصليبية بتنمية البرجوازية التجارية بفتحها طريق المتوسط. كما نمت في نفس الوقت طبقة أصحاب المصارف (في فلورنسا).
ولقد دلت حرب المئة عام على عجز الإقطاعيين الحربي كما دلت على نهضة البرجوازية الإنجليزية والبلجيكية على يد بائع الأقمشة ارتيفلد وزميله أتيين مارسيل ولقد انحط التقدم التقني الحربي بالأسياد إذ بلغ من غلاء الأسلحة النارية أن الملك وحده يستطيع شراءها بأموال التجار التي كان يقترضها.
حدثت الاكتشافات الكبرى، في نهاية القرن الخامس عشر وكانت تهدف للاستيلاء على الذهب . كما كان لتدفق الذهب على السوق الأوروبي نتائج مدهشة: إذ تكونت سريعاً ثروات ضخمة، وارتفعت السعار، وأفلس الأسياد. وأصبحت العائلات البرجوازية الكبيرة كعائلة المدتشي ملوك العصر الحقيقيين الذين يملكون سلطة يحسب حسابها وقد منحت الملكية البرجوازية مقابل المساعدة المالية التي كانت تتلقاها منها بعض الاحتكارات.
أصبح من الممكن عندئذ ظهور المصانع لوجود رؤوس الأموال التي تكدست في العصر السابق، ولأن ازدهار التجارة قد بلغ حداً أصبح معه الإنتاج اليدوي، الذي يمتاز به عهد الإقطاع، لا يكفي. وهكذا تم الانتقال من الصناعة اليدوية إلى التجارة ومن التجارة إلى المصانع، فتتحققت بذلك خطوة جديدة قامت بها قوى الإنتاج. وأصبحت المراكز التجارية مراكز للمصانع مثال ذلك صناعة الحرير في ليون.
ويقوم المصانع على تجزئة صنع منتوج إلى مهمات جزئية يقوم بها عمال مختلفون. يعني ذلك إمكانية زيادة الإنتاج من أجل التجارة رأس المال. فأصبحت التجارة غاية توجد لنفسها وسائل جديدة بعد أن كانت وسيلة وهكذا ظهرت البرجوازية الصناعية وسط المجتمع الإقطاعي كما ظهرت معها طلائع البروليتاريا. فحلت "العصور الحديثة" محل "القرون الوسطى " فكان ذلك بداية علاقات جديدة للإنتاج تمتاز باستغلال الرأسمال لبروليتاريا مأجورة. وقد تكونت هذه البروليتاريا من الفلاحين المفلسين، بعد أن طردوا من أراضيهم، ومن الصناع اليدويين الذين قضت عليهم المضاربة، ومن مرتزقة الإقطاعيين، الذين لا عمل لهم، ومن جميع الذين يفرون من الاضطهاد الإقطاعي، فقد كانوا أحراراً ولكنهم جميعاً لا يملكون وسائل الإنتاج، فاضطروا كي لا يموتوا من جوع، إلى بيع قوتهم العملية إلى البرجوازي لأن البرجوازي،الذي ولد نفسه من الإنتاج التجاري، يعتقد أن كل شيء يشتري ويباع.
تتطلب قوى الإنتاج الجديدة من العمال أن يكونوا أشد ثقافة وذكاء من القيون الجاهلين، وأن يكونوا قادرين على فهم الآلة، وأن يعرفوا كيفية إدارتها كما يجب. ولهذا يفضل الرأسمالية التعامل مع عمال مأجورين متحررين من قيود القينونة ذوي ثقافة كافة لإدارة الآلات كما يجب .
فقد ساعدت علاقات الإنتاج الجديدة على نمو قوى الإنتاج التي تزيد الربح. وتم الانتقال من الصناعة اليدوية إلى الصناعة الآلية، ومن ثم إلى نظام الآلات بواسطة الآلة البخارية، وبد ذلك إلى الصناعة الآلية الضخمة الحديثة. وفي القرن الثامن عشر وقعت الثورة الصناعة" التي وصفها ماركس بقوة في الجزء الأول من "بيان الحزب الشيوعي".
كان من نتيجة ظهور هذه العلاقات الجديدة للإنتاج أن بدأ النضال الطيقي ضد الإقطاعيين. ولقد عرف هذا النضال تطورا طويلا منذ المعارك الأولى من أجل العتق.
وقد عبرت النهضة عن ذلك. فتصدت البرجوازية للكنيسة وهي حليف الإقطاعية الروحي، معتمدة على النظريات الفكرية في العصر القديم. وأخذت تمجد الطبيعة، والعلم، والفعل، وقوة التفكير الإنساني على يد ليونار دي فنشي واراسم ورابليه ومونتيني، كما انتقدت تربية القرون الوسطى على يد رابلية ومونتيني. وقد عبرت الحروب الدينية عن هذا النضال صورة صوفية.
واشتد النضال في القرن الثامن عشر فاتجه ضد الدولة الإقطاعية التي تعيق نمو قوى الإنتاج وازدياد التبادل، وذلك بواسطة القوانين وتجزئة الأرض والإمتيازات والضرائب ولاشتداد النضال هذا مغزى كبير: إذ أخذت البرجوازية تدرك أنه يتحتم عليها، كي تزدهر، أن تصفي علاقات الإنتاج القديمة، وأن تؤمن للعلاقات الجديدة سيطرة تامة. فأصبح بذلك النضال سياسياً.
وهاك ما رأيناه حتى الآن: وجدت وسائل الإنتاج والتبادل التي قامت على أساسها البرجوازية داخل المجتمع الإقطاعي إذ لم تعد وسائل الإنتاج والتبادل هذه – بعد أن بلغت درجة معينة من النمو، كما لم تعد الظروف التي ينتج فيها المجتمع الإقطاعي ويتبادل، والتنظيم الإقطاعي للزراعة والصناعة اليدوية، أي النظام الإقطاعي للملكية – تتفق مع قوى الإنتاج في ذروة نموها، فأعاقت الإنتاج بدلا من العمل على تقدمه، فتحولت بذلك إلى قيود كان لا بد من تحطيمها فحطمت.
وحلت محلها المضاربة الحرة ضمن دستور اجتماعي وسياسي خاص وسيطرت الطبقة البرجوازية اقتصادياً وسياسياً.
ولا شك أن هذا الإدراك لم يتم بين عشية وضحاحا,
حينما أخذت البرجوازية الفتية، في أوروبا، في النظام الإقطاعي، ببناء المصانع الكبيرة إلى جانب مصانع العمال اليدويين الصغيرة، فساعدت بذلك على تقدم قوى الإنتاج في المجتمع، كانت تجهل حتما الاجتماعية التي يؤدي إليها هذا التجديد، ولم تكن تفكر بهذه النتائج كما أنها لم تكن تعي ولم تكن تفهم أن هذا التجديد "الصغير" سيؤدي إلى تجمع جديد للقوى الاجتماعية، وسوف ينتهي بثورة ضد السلطة الملكية، وضد طبقة النبلاء التي كان يحلم أفضل ممثلي البرجوازية بالانضمام إليها، وكانت تهدف إلى تقليل تكاليف إنتاج السلع وزيادة كمياتها في أسواق أسيا وأميركا التي كانت قد اكتشفت حديثاً، والحصول على أرباح أعظم، وهكذا كان نشاطها الواعي لا يتعدى نطاق مصالحها العملية اليومية الضيق .
لم تكن البرجوازية تهدف، في أول الأمر، إلا لضمان مكان لها في المجتمع الإقطاعي. والنضال الطبقي هو الانعكاس الاجتماعي السياسي الفكري للمصالح الحقيقة المادية الاقتصادية وهذا واقع موضوعي، لأن البرجوازية نفسها تدخل ضمن نطاق التاريخ الموضوعي، فهي ثمرة القوانين الاقتصادية للإنتاج التجاري، كما أنها ثمرة للملكية الخاصة التي جاءت عناصرها الأولية للطبقة المستغلة عن طريق مؤسسة القينونة نفسها.
ثم جاء زمن أصبحت فيه الملكية الإقطاعية، كما أصبح النظام الإقطاعي كله عائقاً مباشرا التقدم قوى الإنتاج بعد أن أمسى التناقض بين علاقات الإنتاج القديمة وبين قوى الإنتاج الجديدة لا يحتمل. وذلك لأن الطبقة الصاعدة هي تلك التي تستطيع تنمية قوى الإنتاج الجديدة.
وازداد وعي النضال. كما أصبح نضالا منهجيا، بعد أن كان تلقائياً، فجعل من الطبقة ثورية. وأصبحت الوسيلة التي لا يمكن تطبيق قانون الترابط الضروري بدونها.وأصبح هدفها، منذ الآن ليس تهيئة مكان للبرجوازية في النظام القطاعي بل القضاء على هذا النظام.
ولهذا اشتد نضال القطاعيين واحتدم أيضاً، أولئك الذين لم يكونوا مهددين فقط بزوال سطوتهم الاقتصادية النسبية بل اصبحوا مهددين في وجودهم كطبقة، ولهذا ازدادت رجعيتهم.
نفهم الآن قول ماركس: نضال الطبقات محرك التاريخ أي الوسيلة السياسية التي تنحل بواسطتها تناقضات الإنتاج، كما أنه الوسيلة التي تقدم بفضلها قوى الإنتاج والمجتمع بأكمله. ولكن إذا كان النضال يحل التناقض فليس هو الذي أوجده. إذ ليس وعي الناس هو الذي يلهو بإيجاد التناقضات. لأن هذا المحرك لا يدور في الهواء. بل هناك الإنتاج وقانون الترابط الضروري. فهو يساعد هذا القانون على الظهور تماما، كما أن المحرك يساعد طاقة المحروق على أن تظهر كل فعاليتها. حتى إذا ما أصبح الإنتاج يولد الطبقات المتناقضة حتى زوالها، فإن نمو المجتمع يتم بواسطة نضال الطبقات: نضال بين الطبقات المعادية، من جهة، لترابط علاقات الإنتاج الضروري مع قوى الإنتاج، وبين الطبقات المؤيدة، من جهة ثانية، لهذا الترابط، ولنلاحظ بهذا الصدد، أن الطبقة الثورية يمكن أن تكون في نفس الوقت مستغلة وأن الطبقة المغلوبة "كطبقة البرجوازية في عهد الإقطاع" ليست بالضرورة طبقة مستغلة.
تصبح الطبقة الصاعدة واعية لرسالتها التاريخية بمساعدة العلم الاقتصادي أو على الأقل بمساعدة التجربة الاقتصادية، وكلما تحدد هذا الوعي كلما ازدادت فعالية النضال الثوري، لأن هذا النضال يعتمد على معرفة قانون الترابط الضروري الموضوعي.
نخلص إلى القول إذن: إن الإنتاج الاقتصادي والنظام الاجتماعي الذي ينتج عنه حتما يكونان، في كل عصر تاريخي، أساس التاريخ السياسي والفكري لهذا العصر،.. ولهذا فقد كان التاريخ "بعد زوال ملكية الأرض المشتركة في العصور البدائية" تاريخ نضال طبقي بين طبقات مستغلة وطبقات مستغلة، بين طبقات محكومة وطبقات حاكمة، في مختلف مراحل تطورها الاجتماعي .
تعريب شعبان بركات
المكتبة العصرية .. صيدا . بيروت



#جورج_بوليتزر_وجي_بيس_وموريس_كافين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس السادس عشر
- اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الخامس عشر
- اصول الفلسفة الماركسية..الدّرس الرابع عشر
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدّرس الثالث عشر
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني عشر
- اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الحادي عشر
- اصول الفلسفة الماركسية..الدرس العاشر
- اصول الفلسفة الماركسية . الدرس التاسع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثامن
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السادس
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الخامس
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الرابع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثالث
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني
- اصول الفلسفة الماركسية


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى
- تحديث.تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ
- تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين - اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع عشر