أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال يوسف الملاح - الدراما التركية.....تركيا تصنع واقعها















المزيد.....

الدراما التركية.....تركيا تصنع واقعها


بلال يوسف الملاح

الحوار المتمدن-العدد: 2516 - 2009 / 1 / 4 - 04:03
المحور: الادب والفن
    


أن تقضي ساعة بأكملها وأنت تنظر الى التلفاز يحتاج الى قوة تركيز مضاعفة، فأنت لا تشاهد برنامجاً بدون أنقطاع، لعلك تشاهد ايضاً، ما يتم عرضه من إعلانات تجارية، هي ايضاً، تحمل قصة، وقصة بحاجة الى تفسير وتركيز، فالمشاهدة تتبعها بعد ذلك مشاهدة من نوع آخر، مشاهدة تجارية، وكل ما قد تجمعه خلال المشاهده الأولى تحتاج الى ذهن صافي لكي تعيد لصقه بما شاهتهُ في المرة الثانية، وذلك لأنك انقطعت عنه بموضوع مختلف تماماً، هكذا تحدث التجزأة في كل برامج التلفاز، إذ لا تستطيع أن تلتقط فكرة حتى تبتعد عنك، وما أن تعيد لصقها ودمجها بما سبق حتى تكون قد فاتتك لقطات أخرى وقد تكون أكثر أهمية من سابقاتها، الذي يراقب الناس وهي تشاهد المسلسلات التركية، يبدأ يتسائل عن السر الكامن فيها، كيف تجذب الجماهير إليها، كيف تستطيع أن تصل الى كل هؤلاء المشاهدين، والإجابة بسيطة كما هو السؤال، أن الانسان عاشق للحكايات، هل هو كذلك؟، أن مثل هذا التسائل يحتاج الى بحث مطول، ودراسة مستفيضة، لكي نعرف إن كان الانسان عاشق للحكايات أم لا، يمكن لنا أن نجرب ذلك، يمكن لنا أن نرى ومنذ القدم كيف ان الانسان كان يؤلف ويحكي لنفسه ولمن حوله القصص والمغامرات، ونحن صغار كنا كذلك نحب قبل النوم ان تُقص علينا قصة، نستمتع بها ونتخيلها وننام، هذه ملاحظات بسيطة وبريئة من تجارب ربما مررننا بها جميعا، فنحن نعشق الحكايات لكي تأخذنا الى عالم صنعناهُ بأنفسنا، عالم من الخيال، نعيش لحظات المتعة والترفيه بداخله، وننظر الى الأبطال ونتقمص أدوارهم وننظر الى الضحايا ونحزن لإجلهم، أما الشق الثاني من الإجابة فهي إن الإنسان عاشق للصورة ايضاً، فهو عندما يتخيل يكون قد شكل في مخيلته آلاف الصور، "فالصورة بألف كلمة" كما يقول المثل الصيني، فكيف إذا إجتمعت الحكايا والصورة معاً.
يقول الفيلسوف الألماني فيورباخ "ولا شك أن عصرنا، يفضل الصورة على الشيء، النسخة على الأصل، التمثيل على الواقع، المظهر على الوجود، وما هو مقدس بنسبه له، ليس سوى الوهم، أما ما هو مدنس، فهو الحقيقة، وبالأحرى، فأن ما هو مقدس يكبر في عينيه بقدر ما تتناقص الحقيقة ويتزايد الوهم، بحيث أن أعلى درجات الوهم تصبح بالنسبة له أعلى درجات المقدس" لقد لخص الفيلسوف الألماني حالنا في عصر ما يسمى "عصر الصورة" وأصبح من المهم أن نتسائل كيف ومن يشكل واقعنا؟؟؟
لقد اصبح من أهم التساؤلات التي يجب ان تطرح اليوم، ويتم الاجابة عليها بكل صدق ومصداقية، لقد أضحى هذا الإنسان العاشق للحكايات والصور ضحية لأجهزة الإعلام والإتصال الجماهيري، هنا في فلسطين وهناك في كل بقاع العالم.
إن ظاهرة الدراما التركية التي أنتشرت في بعض المحطات الفضائية وفي محطة MBC على وجه التحديد، هذه المسلسلات التي جاءت من تركيا لتترجم الى اللغة العربية وباللهجة السورية واللبنانية ايضاً، لم تأتي بواقع الصدفة، وكما قلنا سابقاً، الإنسان يعشق الحكايات، ويعشق الصور ايضاً، وبالتالي إذا أجتمعت الحكايات والصور في مشاهد تعلوها الرومنسية، والممثلات فائقات النجومية ومشاهد طبيعية تعيد الإنسان الى علاقته الطبيعية والحميمية مع الطبيعة، فإنها تكون قد حققت نجاحاً خارقاً، هذا على مستوى المحطات التي تنقل أحداث هذه المسلسلات، فعدد المشاهدين يزيد كل يوم وعدد الإعلانات يزيد ويكبر وبالتالي المبيعات لهذه المحطات تزيد ومبيعات الإعلانات تزيد وتتضخم بشكل جنوني، تصبح فيه السلع غاية كل الناس وتعلو فيه قيم الإستهلاك وتتعاظم علاقة الانسان مع الأشياء، حتى يغدو الإنسان تَتَحدد مكانتهُ بقيمة الأشياء التي يمتلكها وتصبح السلع هي التي تُحدد المكانة والقيمة الإجتماعية، ويبتعد الإنسان عن الإنسان وتصبح علاقاته بالسلع والأشياء أكثر فأكثر حتى يغدو شيئاً لا انساناً هذا ما قاله "بودريار" واصفاً مجتمع الاستهلاك، وكله على حساب المشاهد العربي، الذي صور له ان جنة الأرض موجودة في تركيا، فالبحر يحتضن مشهد لعاشق ومعشوقة، والحدائق العامة التي تكثر فيها زقزقة العصافير والأشجار والرياح الهادئة وهي تداعب شعر النجمات، والأنهار والأماكن العامة المخصصة للجلوس، والشوارع التي تخلو من الفقراء، وتكثر فيها مشاهد الأمطار وهي تصور العاشق الذي انتظر طويلاً وأستحم بمياه الأمطار وهو ينتظر معشوقته، كل هذه المشاهد تم دراستها جيداً، فأنت لا تستطيع ان ترى تركيا الا من خلال التلفاز، والتلفاز وحده الذي ينقل لك الأحداث عن طريق الدراما التركية، فتصبح أنت تحمل ملايين الصور الجميلة عن تركيا، يقول "شاكر عبد الحميد" في كتابه عصر الصورة، أن الصورة أصبحت الأساس وليس الواقع، واصبحت الصورة تسبق الواقع وتمهد له، الصورة تحدث اولاً، ثم تحدث المحاكاة لها في الواقع، ويمكن النظر الى كل سلوك الشباب وهم يقلدون نجوم الكرة ونجوم التلفاز، وبإختصار، لم يعد هناك واقع الا من خلال التلفاز، والتلفاز أصبح يُكون الواقع، على حد رأي المفكر الفرنسي "جان بودريار"، فلو سألنا أحد الأطفال الذين يتابعون أحدى المسلسلات التركية، صف لنا تركيا؟ كيف تراها؟ سيجيب لك بالتحديد ما يشاهده عبر التلفاز، المناظر السياحية الخلابة، الواقع الرومنسي الذي لا يخلو منه مشهد الا به، ويمكن القول أن الواقع الذي تحاول أن تفرضه الدراما التركية هو الواقع العلماني، لم تعد تركيا في الواقع التلفزيوني مسلمة ولا تدين بالإسلام، لم يعد لها ارتباطات آسياوية، وإنما تحاول جاهدة ان تشكل لدى الجميع وعياً زائفاً، انها علمانية، وبالتالي تحاول أن تقنع العالم والشعوب التي لا يمكن لها ان تطلع على الواقع الا من خلال واقع التلفاز، أنها علمانية، وبهذه الطريقة تبعد المسافة بينها وبين الأجيال القادمة من الأمة العربية التي كانت لها ارتباطات تاريخية سابقة بها، وتقنع الاوروبيين ان المجتمع التركي هو مجتمع يعيش بالطريقة الغربية وليس هناك حاجة لرفض هذا الشعب من الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، متجاهلتاً بذلك كل المسلمين بداخلها، ومتجهلتاً كذلك الفقراء والمضطهدين، وكل فئات الشعب التركي المقهور، ولا تظهر لنا الا الصور الجيدة عن تركيا، فهي بقطع الخيط الاخير لها مع اجيال الامة العربية، تكون قد حققت انجاز تاريخي، فالموضوع له دلالات في عاصمة الخلافة الاسلامية قديماً، وهي بتكوينها واقعا علمانياً لها، أنما تجعل من نفسها بلد السياحة الاول في الشرق الاوسط، وستزيد ارباحها ايضاً على حساب هؤلاء الذين يشاهدونها دون ادراك انها تحاول، ان تقتنص الفرصة اقتصادياً، وان تُكون واقعاً لها عبر هذه المسلسلات، أشبه بواقع المجتمعات الغربية.
أن الطريقة التي اتبعتها تركيا في تكوين واقعها هي طريقة ذكية للغاية، فهي تعرف من أين تؤكل الكتف، فقد عملت على تشكيل واقع يفوق الواقع الحقيقي، واقعاً يخلو من الصراعات الطبقية، فنحن نرى ومن خلال هذه المسلسلات، غياب الصراع الطبقي، او الصراع الاثني، او حتى الاكراد الذين يطالبوا بتقرير مصيرهم، كل هذه الاحداث بعيدة وغير موجودة في الدراما التركية، يقول شيللر في كتاب له أن هناك خمسة اساطير يستطيع من خلالها الاعلام التحكم بالرأي العام، ومن ضمنها غياب الصراع الطبقي، والصراعات التي تحدث داخل البلد، وتصور لنا المسلسلات التركية، أن الصراعات صراعات فردية بين شخصيات متناحرة من أجل انثى، أن تركيا هي الجنة، وأننا نعيش في صحراء، وبالتالي لا تعدو المشاهد التي تنقل عبر المسلسلات، الا واقعاً زائفاً، واقعاً يفوق الواقع الحقيقي، ويموت الواقع الحقيقي، ويستبدل بذلك الواقع الذي يصنعه لنا المسلسل التركي، وهناك ملايين الادلة التي تدلل اننا اصبحنا نعيش في واقع ليس بالواقع الحقيقي وانما واقع ما يصنعه الاعلام لنا، ولا نستطيع إكتشاف هذا الخداع الا من خلال التجربة، فليس بوسع كل من يراقب المسلسل التركي أن يذهب الى تركيا لكي يرى بنفسه بؤس الحياة هناك، أن الذين يستطيعون ان يذهبوا قليلون، وبالتالي يبقى معظم الناس يعيشون هذا الواقع الاعلامي التركي الزائف، الذي يتبدد بمجرد الاحتكاك الحقيقي به.
ولكن أذا استمرت تركيا في نشر هذه المسلسلات، فأنها ستحقق مبتغاها بتحقيق عوائد قومية من خلال السياحة، ومن خلال المنتوجات التي تقوم المسلسلات بعمل أعلانات لها داخل ثنايا المسلسل، وتكون ذلك الوعي الزائف بالمجتمع العلماني، أما المتلقي فأنه لا يشعر الا بالفرح والمتعة والترفيه التي تخلقها هذه المسلسلات، فهي الى جانب أنها تعيده الى العلاقة الحنينية بالطبيعة، تجعله غارق في أحلام اليقظة، لأن المجتمع الذي يعيش فيه يفتقد الى مثل هذه الشاعرية والرومنسية، لأسباب تتعلق بضنك الحياة وقسوتها، فهي تقوم بدور المخدر له، بأن لا ينظر الى واقعه الحزين، بل يبقى يتخيل ويعيش تلك المشاهد بملكات خياله الواسع.







#بلال_يوسف_الملاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باب الحارة واقع مستعار


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال يوسف الملاح - الدراما التركية.....تركيا تصنع واقعها