أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - حماس وعبّاس والشيطان














المزيد.....

حماس وعبّاس والشيطان


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2514 - 2009 / 1 / 2 - 07:59
المحور: القضية الفلسطينية
    


هل صحيح أن لا خيار لدى الفلسطينيين غير "المقاومة" أو "الاستسلام"؟ خيار حماس أو خيار فنح عباس؟
قبل كل شيء الطرفان غير مختارين على الأرجح. لقد انساقا تحت وطأة عوامل متنوعة، إيديولوجية وسياسية وعسكرية ومالية، إلى "خياريهما". ولعل العوامل ذاتها، وما وراءها من فاعلين إقليميين ودوليين، هي أيضا التي "اختارت" تقابل سياستيهما أو تضادهما، مع إضعاف فرص تكون خيار فلسطيني مختلف.
فهل نتبين نحن، الذين ننظر من بعيد نسبيا، خيارا مختلفا؟ قد نلاحظ مشتركا بنيويا بين حماس وعباس، يتمثل في تمركز سياستهما معا حول العدو، وتعريف الذات بدلالته، مقاومة مرة ومسالمة مرة أخرى. المركز المشترك هذا يقلل الفوارق بينهما أكثر مما تفضل إيديولوجية كل منهما أن توحي. إن خيارات الشعب الفلسطيني تتعرض لتحديد قاس منذ أن تحصرها قياداته السياسية بالموقف من إسرائيل حصرا، وربما بمقتضياته المباشرة. فكأنما الفلسطينيون يعمدون إلى تضييق فسحات مبادرتهم وعملهم الوطني، بدل توسيعها، وكأنهم يتواطؤون ضد ذاتهم في الدوران في فلكين مختلفين حول العدو نفسه. يفترض المرء بداهة أن هدف السياسة توسيع خيارات طرفنا واحتياطيه من الممكنات مع تضييق خيارات العدو قدر الإمكان. أما فعل عكس ذلك فيعني أن السياسة فاشلة وتخدم العدو، لا أقل من ذلك.
فتح عباس لم تسجل شيئا يذكر في مجال ترقية التعليم العام في فلسطين أو في حسن الإدارة أو توسيع مصادر الدخل الفلسطيني (سجلها سلبي في هذا الشأن، فقد جعلت نسبة اكبر من الفلسطينيين أكثر اعتمادا على دخل يأتي من الخارج) أو في حرية الثقافة والإعلام أو في معاملة السلطة للمواطنين معاملة "إسرائيلية" (أعني كما يعامل الإسرائيليون مواطنيهم اليهود) ، أو في كسب ثقة واحترام العالم. محورت كل سياستها حول "عملية السلام" دون أن تهتم بتمكين وتقوية المجتمع الفلسطيني. هذا يعني الاعتماد على حسن نية وكرم العدو. إنه استسلام حقا. أوضح: ليس استسلاما لأنه يثق بفضائل التفاوض، بل هو استسلام لأنه لا يثق بأي شيء آخر، لا يعزز موقعه التفاوض بعناصر قوة اجتماعية واقتصادية وأخلاقية وغيرها.
سجل حماس ليس أفضل. القطاع ربما يكون أكثر أمنا مما كان أيام سيء الذكر محمد دحلان، لكن أوضاع الخدمات والاقتصاد والتعليم والثقافة تعيسة. التبعية المالية للخارج ليست أقل على اختلاف الخارج الحماسي عن الخارج العباسي. هذا فضلا عن أن حماس تضع نفسها خارج تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، وتسوقها انحيازاتها الإيديولوجية إلى تحالفات سياسية لها أجنداتها الخاصة وإلى أنماط حياة وتنظيم اجتماعي "رجعية" بعمق. ويفترض أن كل ذلك من أجل مواجهة العدو المحتل.
على الرأس والعين. لكن العدو هذا بالغ القوة والحصانة، مدعوم من أقوياء العالم الذي يُكنّون قليلا فحسب من التعاطف مع الفلسطينيين، ولا يكنون أي تعاطف مع حماس. هذا بينما الجبهة العربية مفككة جدا، وأقرب إلى عبء منها إلى سند. وكل ذلك معروف، لم ينكشف فجأة للناظرين. ترى ألا يمكن للاهتمام بمستوى حياة الفلسطينيين في القطاع (نصفهم أو أكثر يعيشون دون خط الفقر، والعاطلون عن العمل فوق 40% من مجموع العاملين منهم)، والاهتمام بتعليمهم وتأمين مساكن لائقة وشوارع نظيفة، وإعلام مهني وحر، أن يكون هدفا مقبولا؟
لا ينبغي أن يحول دون التفكير في هذا الاتجاه انفعال مخلص حيال الوحشية الإسرائيلية والانحياز الغربي الفاضح والعجز (أو حتى التواطؤ) العربي المخزي. لا شيء من ذلك مفاجئ، والانفعال لم يصلح يوما أساسا لسياسة موفقة أو تفكير سديد.
لا ينبغي أن يكون ثمة تساؤل حول مع من يكون المرء حين تقصف غزة بوحشية ويقتل المئات من أبنائها على يد قوة محتلة، جبارة ومتعجرفة، لم تقبل يوما بالمساواة مع ضحاياها. لكن لا ينبغي أيضا افتراض أن الحرب الإسرائيلية على غزة تفرض على الجميع، بمن فيهم غير المحاربين من أمثالنا، أن يمتنعوا عن مساءلة السياسات الفلسطينية، دع عنك أن يتماهوا مع هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك. شغلنا نحن هو النقد، وليس التماهي. والنقد يحتاج إلى رؤوس باردة وقلوب دافئة لا إلى رؤوس ساخنة وقلوب باردة مما يميز أهل النفاق في كل حين.
لا وهم لدينا في أن استراتيجية بناء مدني فلسطينية، تمنح الأولوية للتعليم والاقتصاد وحسن الإدارة وتنقية الأجواء العامة والثقافة، أي كل ما قد يندرج تحت عنوان ما يسميه جوزف ناي "القوة الناعمة"، ستلقى الترحاب من إسرائيل. لكن توجها كهذا في ظل ظروف كظروف الفلسطينيين أرفع أخلاقيا واقل كلفة إنسانية، وفرص الدفاع عنه اكبر في العالم كله. هذا فضلا عن أن من شأنه تحييد الميزة التفاضلية الأكبر لإسرائيل، أعني التفوق في مجال وسائل العنف أو "القوة الخشنة". لقد انساقت حماس، وقبلها فتح، مرة تلو مرة إلى الملعب الذي تحوز فيه إسرائيل أفضلة مطلقة لا شك فيها، فكان حالهما حال من يأتي بالدب إلى كرمه!
إلى ذلك فإننا نجزم أن الإحجام عن استراتيجية بناء "القوة الناعمة" أوثق علاقة بالصراع على السلطة والشرعية، وتاليا على النفوذ والهيبة والثروة، منه بتمرد أخلاقي ووطني على احتلال غاشم. وإنما لذلك، أعني لأن خطط السلطة مقدمة على غيرها (بما فيها "المقاومة")، لا تجد أي صدى الدعوة إلى اجتناب الحرب ما دامت هذه أضحت صناعة وعلما، وما دام من يملك نواصي الصناعة والعلم هم خصومنا وأعداؤنا. فالأمر لا يتعلق بالمقاومة ولا بالتحرير ولا العدالة... إنه يتعلق أولا وأخيرا بالسلطة، ذلك الوثن المقدس المعبود. والشيطان وحده من ينتصر في الصراع المطلق على السلطة، لا الله ولا الوطن ولا الإنسانية. أليس في الخراب المتمادي في فلسطين وفي عالمنا العربي ما يدل على أن الشيطان هو حاكمنا المنتصر؟



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الطائفية والهيمنة والمعرفة السياسية
- الثقافة والطائفية: شروط إمكان دراسة نقدية
- الزيدي وبوش والحذاء...سخرية في بطن سخرية!
- إصلاح النظام أم استعادة الجولان؟
- في نقد تصور الوطنية القومي العربي
- بصدد -الأخلاقوية- و-الحضاروية- و.. السياسة
- ضد إدراج حقوق الإنسان في أجندة العلاقات بين الدول
- وجهان لدينامية الصراع العربي الإسرائيلي
- لا حل إسلاميا للمشكلة الطائفية
- أي نقد للقومية العربية؟
- في العروبة والوطنية السورية: المحصلة الصفرية ليست محتومة
- القرضاوي وخصومه: من الأمة الدينية إلى الأمة السياسية
- في الرأسمالية والأزمة.. والديمقراطية
- رئيس أسود في البيت الأبيض..!
- عن الممانعة والسلبية والعداء للغرب
- فرصة لتوسيع الديمقراطية العالمية!
- أغزوٌ شيعي لمجتمعات سُنيّة؟!
- تغيير المعارضة أولا..
- في العلمانية والديمقراطية والدولة
- على هامش الأزمة الأميركية: النهايات والعودات


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - حماس وعبّاس والشيطان