أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين - اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس السادس عشر















المزيد.....


اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس السادس عشر


جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين

الحوار المتمدن-العدد: 2514 - 2009 / 1 / 2 - 07:57
المحور: الارشيف الماركسي
    


قانون الترابط الضروري بين علاقات الإنتاج وطابع قوى في الإنتاج
رأينا في الدرس السابق أن طرق الإنتاج تتغير عبر التاريخ فهي ككل واقع تمر بتغيرات كمينة هي عبارة عن تطور يتبعه تغيرات كيفية يمكن أن تتخذ صورة ثورية حينما تعترض الطبقات الزائلة المفضلة سبيل التغيرات الضرورية.
ويدفع إلى هذه التغيرات، ككل واقع، تناقض داخلي فما هو التناقض النوعي لطرق الإنتاج عامة؟ التناقض بين الإنتاج وطابع قوى الإنتاج. وهذا هو موضوع هذا الدرس.

1 – قوى الإنتاج هي أكثر العناصر ثورة في الإنتاج
قلنا أن الإنتاج في تغير دائم. ولكن ما هو المظهر الذي يتغير أولاً؟ من البديهي أنه بينما يستمر الأساس الاقتصادي لبناء اجتماعي، يحدث أثناء ذلك تطور في التقنية. قوى الإنتاج، إذن، هي التي تتغير أولاً قبل تغير آلات الإنتاج. تلك هي الميزة الثانية للإنتاج .
وهاك مثالا بسيطاً جدا: كلنا نعلم الطريقة التي تقوم على وضع قطعة ضخمة من الحجار، إذا ما أردنا نقلها، على قطار من الجذوع. وكلما إزداد استعمالنا لهذه الجذوع كلما ازداد صقلها من جراء هذا الاستعمال نفسه، فتصبح اسطوانات مستديرة تامة قبل أن ترد أية فكرة هندسية عن الأسطوانة على ذهن الناس . كما أن النقل يصبح أسرع وأسهل فيوحي للإنسان بفكرة تحقيق هذا الصقل بنفسه بوسائط معينة. وإذا بخيال الإنسان، بمساعدة الحاجة، يعمل ويكتشف أن العمل سيزداد سهولة إذا كانت الإسطوانات، مع دورانها حول نفسها، حسب محورها، متصلة بقطعة الحجر أثناء النقل. فلا تمس الضرورة لوضعها من جديد أمام قطعة الحجر. حتى إذا ما مضت عشرة أو مئة أو ألف سنة طلع علينا (المحور) والدولاب والعربة.
وهكذا لا تظل قوى الإنتاج في مكانها، بل تكتمل فتسبق إرادة الإنسان وتدفعها معها. كما تنمو، في نفس الوقت، حاجات الإنسان، لأن الإنسان متى ما عرف العربة لن يكتفي قط بالإسطوانات كلما عرض له نقل حمل ثقل.وتتغير علاقات الإنتاج بدورها تبعا لتغير قوى الإنتاج. فهي وثيقة الصلة بطابع قوى الإنتاج.
ولنضرب على ذلك مثالا. يوجد، في فترة انحطاط مجتمع الرق، قوى للإنتاج جديدة مرت بتطور طويل في العصر السابق. كاتقان صنع الحديد الصب (la fonte) والحديد واستعمال مغزل اليد، وشيوع استخدام العربة، وتقدم الزراعة والبستنة وإنتاج الخمر والزيت والعسل، واكتشاف مطحنة الماء (340م)، ولكن هذه التقنيات الجديدة، التي كان الرومان يلاحظونها عند الشعوب التي كانوا يسمونها بالبربرية ويحاولون استخدامها، كانت تتعارض مع نظام الرق! إذ ليس للرقيق أية فائدة من العمل، فهو مهما عمل فسوف يعامل كما كان في السابق. ولهذا لا يشتر بأي ميل للعمل كما أن إنتاجه قليل. ولم يعد الأمر الآن القيام بأعمال ضخمة على يد قطعان الأرقاء تحت ضرب السياط. بل أن قوى الإنتاج الجديدة تتطلب من العامل أن يظهر بعض الاهتمام لعمله وإلا ذهبت هذه القوى سدى.
ويدرك السيد ذلك، لا سيما وأن الأرقاء، وهم غالباً من البربر الأسرى، يقومون بالثورات ويهجرون أماكن العمل ويصبحون (قراصنة) فيتقنون صناعة الأسلحة والملاحة.
تتطلب، إذن، قوى الإنتاج الجديدة علاقات للإنتاج جديدة. ولهذا فإن مالك وسائل الإنتاج، الذي يتخلى عن رقيق ضعيف الإنتاج، يفضل الحصول على قين. لأن القين يملك ما يستغله لنفسه كما، يملك وسائل الإنتاج. فهو إذن مهتم اهتماما شخصيا بالعمل، وإن كان مرتبطا بأرض سيده. وهذا الاهتمام ضروري كي يزيد من إنتاجية في جميع الأعمال الزراعية، ويدفع قدراً من محصوله للإقطاعي. ولهذا فإن السيد، بدلا من إعالة رفيق لا يعمل شيئاً، ولو تحت سياط وكلائه فإن سيطلب نصيبه من المحصول من قين حر يعمل كما يريد، شريطة أن يطحن قمحه في مطحنة السيد ويخبز خبزه في فرنه وهكذا ولد نمو قوى الانتاج الجديد، ضمن علاقات الإنتاج في نظام الرقيق علاقات جديدة للإنتاج هي العلاقات الإقطاعية.
إن العلاقات الاجتماعية وثيقة الصلة بقوى الإنتاج. لأن الناس يغيرون طريقتهم في الإنتاج، وبتغييرهم لطريقة الإنتاج وطريقة كسب معاشهم، يغيرون جميع العلاقات الاجتماعية.وهكذا تؤدي مطحنة السيد لظهور السيد الإقطاعي بينما تؤدي مطحنة البخار لظهور مجتمع الرأسمالي الصناعي .

2- تأثير علاقات الإنتاج على قوى الإنتاج
إذا اقتصرنا على ملاحظة أن قوى الإنتاج هي أكثر العناصر حركة وثورة في الإنتاج، فإننا نقع في الميتافيزيقية وفي النزعة الميكانيكية. لأن طريقة الإنتاج تمثل وحدة قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج الجدلية. وكل من هذين النقيضين يعمل ضد نقضيه في هذا التناقض الداخلي ولو أن أحدهما يتغير أولا. يجب علينا إذن أن ندرس تأثير علاقات الإنتاج المقابل على قوى الإنتاج.
لو عدنا إلى مثال الانتقال من مجتمع الأرقاء إلى المجتمع الإقطاعي لرأينا أن علاقات الإنتاج الإقطاعية قد عملت، بعد ظهورها، على نمو قوى الإنتاج التي كانت تقف في وجهها علاقات الإنتاج القديمة، لأن القين يهمه، بالرغم من أنه مستغل، أنه يعمل أكثر من الرقيق. وهكذا زال بالتدريج ما خلفته العصور القديمة، والقرون الوسطي الأولى من بؤس وشقاء.
وهناك مثال آخر رأيناه في الدرس السابق (2، أ) أن تقدم صنع المعادن والفخار أدى إلى تقسيم العمل بين الزراعة والحرف (metirs). وقد أفضى هذا التقسيم، في ظروف ملكية وسائل الإنتاج الفردية التي يتطلبها العمل اليدوي واستخدام الأرقاء، إلى بيع المنتوجات اليدوية والزراعية وشرائها في السوق، أي إلى ظهور السلعة. كما ولدت، في نفس الوقت، طبقة جديدة هي طبقة التجار المتخصصين في نقل السلع وتوزيعها.
ولما كانت مصلحة هذه الطبقة الخاصة في التجارة فقد أدى بها الأمر إلى تشجيع الإنتاج التجاري، وتوسيع هذه التجارة. وكان هذا أصل المستعمرات الفينيقية الأغريقية، مراكز التجارة حوض المتوسط. ومن البديهي أن الإنتاج التجاري قد عمل على نمو قوى الإنتاج، والتقنيات والفنون، وكذلك الملاحة فكانت المصنوعات الخزفية الاثينية تباع في جميع أنحاء المتوسط، كما وجدت في أثينا مصانع أسلحة يعمل فيها أكثر من مئة رقيق.
مثال آخر: كانت ثروة الإقطاعيين الأرض وما يقدمه لهم الإقنان من محصول الأرض، أما ثروة البرجوازيين، التي تقوم على التجارة والإنتاج الرأسمالي الحديث فهي تتكون من المال. ولهذا فإن الإقطاعي، الذي يريد أن يحصل على المنتوجات التجارية، سعيا وراء الأبهة ومنافسة لأغنياء البرجوازيين، يخسر ثروته بسرعة ولم يكن يحميه سوى الامتيازات الإقطاعية وازدياد حقوق الإقطاعيين. ولهذا كان نمو الإنتاج التجاري يهدد قوته الاقتصادية. فكان يحاول تنظيم هذا النمو بواسطة نظام النقابات.
وهكذا كان النظام الإقطاعي يعيق نمو قوى الإنتاج الجديدة. غير أن هذه القوى كانت تتطلب تعميم علاقات الإنتاج الجديدة (الرأسمالية).
ولهذا يجب علينا أن لا ننسى ما يلي: أن قوى الإنتاج، التي تتغير أولا، ليست مستقلة عن علاقات الإنتاج. وأن علاقات الإنتاج التي يتعلق نموها بنمو قوى الإنتاج تؤثر بدورها على نمو هذه القوى. فهي أما أن تعيقها أو تزيد من نموها. وتصبح علاقات الإنتاج عائقا لنمو قوى الإنتاج حينما لا تساير ازدهار قوى الإنتاج.
وهي تصبح، على العكس، دافعا لهذا النمو فإن علاقات الإنتاج الجديدة هي القوة الأساسية التي تدفع بها نحو التطور.
ومن الخطأ القول بأن علاقات الإنتاج، في تاريخ المجتمع تقوم بدور العائق الذي يشل نمو قوى الإنتاج. وحينما يقوم الماركسيون بأن علاقات الإنتاج تقوم بدور العائق فإنهم لا يقصدون أي نوع من علاقات الإنتاج بل يقصدون علاقات الإنتاج القديمة التي لم تعد تتفق وتطور قوى الإنتاج فتعيقها عن النمو. ويوجد، إلى جانب علاقات الإنتاج القديمة، علاقات جديدة تحل محل العلاقات القديمة. فهل يمكن القول بأن دور علاقات الإنتاج الجديدة يقتصر على إعاقة الإنتاج؟ كلا. لأن علاقات الإنتاج الجديدة هي، على العكس، القوة الرئيسية التي تحدد نمو قوى الإنتاج في المستقبل وإلا كتب على قوى الإنتاج أن تظل بدون تأثير .

3 – قانون الترابط الضروري
ندرك، الآن، الجدلية الداخلية لعالم الإنتاج. تتقدم قوى الإنتاج تقدما محسوسا على أنها أساس اقتصادي، لفترة معينة من الزمن، وتصبح علاقات الإنتاج، التي كانت جديدة، في مطلع تاريخ هذه الطريقة في الإنتاج، قديمة. بعد أن كانت في أول الأمر القوة الرئيسية التي تحدد نمو قوى الإنتاج. حتى إذا لم تعد تتفق وازدهار هذه القوى أخذت تعيق هذا الازدهار.
ولا شك أن علاقات الإنتاج الجديدة لا يمكن أن تظل جديدة إلى الأبد، بل تأخذ بالقدم والتناقض مع نمو قوى الإنتاج اللاحق، فتفقد بالتدريج دورها كمحرك رئيسي لقوى الإنتاج وتصبح عائقا لهذه القوى .
فما هو موقف الرأسمالية، مثلا، تجاه التقنية الحديثة؟ يدعى الرأسماليون أنهم أنصار التقدم التقني، ودعاة ثورة في هذا الميدان. ولا شك أأن الرأسمالية قد عملت على تقدم التقنية. لأن التقنية الجديدة تنقص زمن العمل الضروري للإنتاج، وتساعد على زيادة فائض القيمة أي زيادة الربح.
ونعلم أيضا أن الرأسمالية فيها ظواهر ركود تقنية، فيظهر الرأسماليون في صورة رجعيين في الميدان التقني، فلا يريدون القيام بأي تحسين جديد، ويلجأون إلى العمل اليدوي أو العمل المنزلي. ذلك لأن إقامة المنشآت الجديدة يفضي إلى تجميد رؤوس الأموال، وازدياد الرأسمال المجد ينقص من نسبة الربح فلا يساعد على الحصول على الربح الأقصى في الرأسمالية في زمن زال فيه استقرار الأسواق الرأسمالية النسبي.
يفسر لنا، إذن، ظاهرة الركود قانون الرأسمالية الأساسي، ألا وهو تحقيق أقصى الأرباح، أي طابع علاقات الإنتاج القديمة.
تقف الرأسمالية إلى جانب التقنية الجديدة، متى لوحت لها بأعظم الأرباح. كما أنها تقف في وجه هذه التقنية الجديدة وتدعو للعودة إلى العمل اليدوي إذا لم تلوح لها التقنية الجديدة بأرباح أعظم.
ومع ذلك فإن تأخر علاقات الإنتاج عن اللحاق بتقدم قوى الإنتاج لا يمكن أن يستمر طويلا. وذلك لأنه مهما كانت الإجراءات التي تتخذها الطبقات التي تمثل علاقات الإنتاج القديمة التي قضى عليها التاريخ بالزوال، لإطالة أمد الأساس الاقتصادي، فإن هذه الإجراءات لا يمكنها أن تعيد التاريخ القهقرى. ذلك لأن نمو الإنتاج ضرورة مادية للإنسانية. لا يمكن "للذهن" أن يقاومها طويلا. يجب إذن أن تزول علاقات الإنتاج القديمة. ولا يمكن للاجراءات التي اتخذتها الطبقات الرجعية إلا أن تفضي، في النهاية، إلى القضاء على طريقة الإنتاج بأجمعها.
مهما كان إذن تأخر علاقات الإنتاج فإنه يجب عليها، إن آجلا أو عاجلا، أن تتلاءم مع طابع قوى الإنتاج الجديد. فكيف يتم هذا الانسجام بقلب صور ملكية وسائل الإنتاج التي تكون، كما رأينا، العنصر الأساسي في علاقات الإنتاج. ولهذا فإن إقامة نظام جديد للملكية يساوي إقامة علاقات جديدة للإنتاج.
من الواضح إن استخدام الطاقة الذرية السلمي لخدمة المصلحة الوطنية، لا يمكن يتحقق على يد رأسماليين، لأنهم لا يستطعون الحصول على الربح الأقصى في حالة تقنية باهظة كطلبات الدولة الحربية. وكذلك شأن استخدام الطاقة الهيدرو كهربائية وكهربة العمل الزراعي.
أما الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج فإنها تستطيع تحقيق ذلك لأنها لا تخضع لقانون الربح. وهكذا يمكن القول إن قوى الإنتاج تولد علاقات الإنتاج التي تحتاجها لتحقيق نموها في المستقبل.
وبهذا تكون قوى الإنتاج العنصر الفاصل في نمو الإنتاج ذلك هو قانون الترابط الضروري بين علاقات الإنتاج وبين طابع قوى الإنتاج. فكما تكون قوى الإنتاج يجب أن تكون علاقات الإنتاج .
تحل محل علاقات الإنتاج القديمة علاقات جديدة للإنتاج تكون المحرك الرئيسي لنمو قوى الإنتاج في المستقبل.
ويضيف ستالين إلى ذلك قوله:
تكون هذه الخاصية لنمو قوى الإنتاج – وهي كونها أولا عائقا لقوى الإنتاج ثم صيرورتها المحرك الرئيسي الذي يدفع هذه القوى إلى الأمام. ثم انتقالها من كونها المحرك الرئيسي إلى صيرورتها عائقاً لقوى الإنتاج – أحد العناصر الرئيسية للجدلية المادية الماركسية. وهذا ما يعرفه اليوم كل الشيوعيين المبتدئين .
يضاف إلى ذلك أن هذا القانون شامل، أي أنه يصح على جميع طرق الإنتاج مهما كانت قوانينها الاقتصادية الخاصة، فهو أساس كل تطور للمجتمعات الإنسانية.
4 – تأثير عمل الإنسان
قانون الترابط الضروري هو قانون موضوعي. إذ لا يختار أي إنسان طريقة الإنتاج التي يعيش فيها. فنحن لم نختر بأنفسنا أن نواد في عصر الصناعة الضخمة ولا عصر الرأسمالية الاستعمارية. ويفرض الإنتاج نفسه على الناس في جدلية متطلباته الداخلية. إذ لا يمكن لقوى الإنتاج أن تتقدم إلا في حدود بعض علاقات الإنتاج، وهذا الترابط الضروري هو نتيجة طبيعة قوى الإنتاج نفسها، وليس نتيجة لإرادة الناس. ولا يدلنا في ذلك. وليس هناك من رأسمالي يستطيع القضاء على هذا الواقع الموضوعي، وهو أن الرأسمالية الحاضرة تؤدي إلى توقف نمو قوى الإنتاج. وليس هناك أي إنسان يقف في وجه هذا الواقع وهو أن الاشتراكية تستطيع إقامة هذا الترابط الضروري.
لا يعني هذا أن عمل الناس لا يمكن أن يقوم، أو لا يقوم بأي دور في النمو الاجتماعي. ويظهر هذا العمل في شعورهم أو معرفتهم الصحيحة لضرورات الإنتاج الموضوعية، ولقانون الترابط الضروري. وإذا استشهدنا بمثال ذكرناه سابقاً فإن السيد الإقطاعي الذي يفضل أن يتعامل مع قين بدلا من التعامل مع الرقيق، لأن ذلك أفضل للإنتاج، يشعر بقانون الترابط ويعتمد عليه لمصلحته الطبقية حين يجعل من الرقيق قينا. فهل يعني عمل الإنسان هذا أنه ليس هناك قانون موضوعي كلا. بل يفترض، على العكس، موضوعية القانون. والدليل على ذلك أنه بقراره هذا يبلغ النتائج التي توخاها. فهو يستخدم القانون لمصلحته.
كما يشعر الرأسمالي، الذي يرى أن تقدم التقنية يهدد الربح الأقصى، فيتخذ لهذا الإجراءات ضد نمو قوى الإنتاج وضد العلم، يشعر بقانون الترابط الضروري. فهو يحس بالخوف من نمو قوى الإنتاج الذي يؤدي بالملكية الخاصة ووسائل الإنتاج. وهو كي يبعد هذه الإمكانية، لا يمكنه سوى محاولة القضاء على قوى الإنتاج التي تقلب أوضاع الإنتاج. على قانون الترابط الضروري، لخدمة مصلحته الطبقية، محاولا إزالة نتائجه الموضوعية فيعيق عمل هذا القانون.
يبدو إذن عمل الإرادة الإنسانية في معرفة الناس لهذا القانون معرفة صحيحة. فإذا ما عرفوا هذا القانون حاولوا الحيلولة دون عمله وتأخير الوقت الذي يعمل فيه. كما أنهم يستطيعون تشجيع هذا العمل وتقريب ذلك الوقت واتخاذ الإجراءات الملائمة للضرورات الموضوعية والتوفيق بين علاقات الإنتاج وطابع قوى الإنتاج.
ندرك إذن أن طابع قانون الترابط الضروري الموضوعي لا يقضي على مسؤولية الإنسان. إذ يمكن للإنسان أن يوجد، بواسطة عمله الواعي، الظروف التي تعيق عمل هذا القانون أو تساعده. فإذا ما استمر، الزعماء الأميركان، مثلا، في سياسة الحرب فليس ذلك بدون وعي منهم بل هم يريدون إعادة علاقات الإنتاج الرأسمالية حيثما حلت محلها علاقات اشتراكية، كما أنهم يريدون، بقضائهم على قوى الإنتاج إعاقة ازدهار هذه القوى لأنه يضر بمصالحهم.
ولكنه من المفهوم أيضاً أن إرادة الناس لا يمكن أن تعمل إلا في حدود عصرهم الموضوعية. فهم لا يستطيعون إعادة قوى الإنتاج إلى مستوى عصر القوافل، بالرغم من القول الرجعي الذي يدعي: "أن الناس ربما لم يكونوا فيه أسوأ حالا". كما أن القدرة الفعلية على تغيير علاقات الإنتاج لا توجد دائما بل هي تتعلق بحالة قوى الإنتاج وطبيعتها. ويردد الرأسماليون أن بناء الاشتراكية مستحيل وأن هذه التجربة ستفضي إلى الجوع، الخ.. ربما صح ذلك في عام 1848، ولكن ذلك لا يصح متى ما أصبح باستطاعة المجتمع أن يقيم قوى الطاقة الهائلة في القرن العشرين.
ولقد برهنت التجربة على ذلك فإذا بالرجفة تعتري الرأسماليين حين رأوا أنه يمكن منذ الآن بناء الاشتراكية، وأخيراً تتعلق قدرة الناس بطابع علاقات الإنتاج أيضاً: وذلك لأن عمل الطبقات، في مجتمع منقسم إلى طبقات متعادية، تهمها الملائمة بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج، يصطدم بالعديد من العراقيل، وليس الحال كذلك حينما يخلو المجتمع من طبقة زائلة يمكنها تنظيم المقاومة.
لا يمكن لإرادة الناس، وهي العنصر الذاتي، أن تكون مجدية إلا إذا كان هدفها تسهيل تطبيق القانون الموضوعي. فالإرادة التي تأبى الاعتماد على الواقع الموضوعي هي عكس الإرادة. وليست الإرادة سوى مجرد كلمة إذا ما تجاهلت قدرتها.
ويلح ستالين على أهمية عمل الناس فيقول:
"استخدمت البرجوازية، في عصر الثورة البرجوازية، في فرنسا، مثلا، ضد الإقطاعية قانون الترابط الضروري بين علاقات الإنتاج وطابع قوى الإنتاج، فقلبت علاقات الإنتاج الإقطاعية، وأوجدت علاقات إنتاج جديدة برجوازية، وجعلتها تتلاءم مع طابع قوى الإنتاج، التي نمت داخل النظام الإقطاعي. ولم تفعل البرجوازية ذلك بسبب مشاكلها الخاصة بل لأنها كانت ترى في ذلك مصلحة لها. وعارض الإقطاعيون ذلك لا عن غباء بل لأنه كانت تهمهم الحيلولة دون تطبيق هذا الئقانون .
ويلاحظ ستالين، في مكان آخر، أنه إذا كان السوفيات قد وقفوا ببناء الاشتراكية فليس ذلك لأنهم قضوا على القوانين الاقتصادية الموجود "وأوجدوا بدلا منها قوانين جديدة" بل لأنهم اعتمدوا على قانون الترابط الضروري الاقتصادي بين علاقات الإنتاج وطابع قوى الإنتاج .
وإذا كانت البرجوازية قد استخدمت جميع الوسائل لمقاومة تطبيق هذا القانون فلأنه كان يهمها عدم تطبيق هذا القانون.
نخلص إلى القول إذن أن عمل الإنسان، الذي يستخدم القوانين الاقتصادية لمصلحة النمو الاجتماعي، يجري في جميع التشكيلات الاقتصادية حسب الظروف . ولكن النتائج تكون أسرع حينما يكون هذا الاستخدام علميا، ولا يلقى مقاومة أية طبقة. وهذا ما يحدث في النظام الاشتراكي.
ونلاحظ أيضاً أن استخدام القوانين الاقتصادية، في مجتمع طبقي، له دائما دوافع طبقية، وأن طبقة الطليعة هي التي تدعو دائما إلى استخدام القوانين الاقتصادية لخدمة النمو الاجتماعي بينما تعارض الطبقات الزائلة ذلك، مهما كانت نتائج ذلك بالنسبة لسائر المجتمع، فتصبح بذلك عدوة المجتمع وتنطوي على كبريائها الطبقي.
ومما يميز البروليتاريا عن بقية الطبقات التي قلبت في الماضي علاقات الإنتاج أنه لا يمكنها بطبيعتها تطبيق قانون الترابط الضروري، دون أن تقضي على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج أي على كل صورة للاستغلال. تتفق إذن مصالحها الطبقية مع مصلحة الإنسانية الكادحة ومع مصلحة جميع المستغلين والمضطهدين.
نستخلص من دراستنا فكرة ماركسية رئيسية من أجل عملنا وهي أن الناس يصنعون تاريخهم بأنفسهم ضمن ظروف معينة تحدد عملهم ولهذا يجب تقديرها. وهذا حقيقة أبدية. لأن صنع التاريخ هو التغلب على مقاومة الطبقات الرجعية التي تعارض التغيرات الضرورية في عالم الإنتاج. ولهذا فإن صنع التاريخ مهمة المستغلين والمضطهدين لأن التاريخ هو تاريخ منتجي المواد المادية، والجماهير المضطهدة المستغلة هي التي تصنع التاريخ، فالشعب هو الخالق الحقيقي للتاريخ. وتتضح هذه الحقيقة الأبدية في ظل الرأسمالية. ذلك لأن الرأسمالية بامتدادها إلى أنحاء العالم أجمع واستغلالها لأغلبية سكان بلد من البلدان، واستعبادها شعوب البلاد الأخرى، قد حركت، في مرحلتها الأخيرة. جماهير من الشعب أوسع من الجماهير التي حركتها النظم السابقة. وإن عصر الثورة البروليتارية وتحرير الشعوب المستعمرة هو عصر تظهر فيه الجماهير العالمية على مسرح التاريخ. وعمل الجماهير وحدة هو الذي يستطيع القضاء على مقاومة الرأسماليين. فلقد انتصرت هذه الجماهير عام 1917 في نانكين وشنغاي . ولا يخشى الماركسي، على عكس الرجعيين الذين يقدمون "العقل" و "التفكير" على عمل الجماهير. بل هو يسير على العكس، في مقدمتها، لأن الاشتراكية البروليتارية ليست مجرد عقيدة فلسفية، بل هي حسب قول ستالين: عقيدة الجماهير البروليتارية، و " شعارها"، فهو يثق ثقة لا تتزعزع بالجماهير وفعلها لأنه يعلم أنها متى تحركت أسرع التاريخ في سيره، كما يعلم نضال الطبقات هو محرك التاريخ.


26 راجع ستالين: نفس المرجع، 3 ص 20.
تعريب شعبان بركات
المكتبة العصرية صيدا . بيروت



#جورج_بوليتزر_وجي_بيس_وموريس_كافين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الخامس عشر
- اصول الفلسفة الماركسية..الدّرس الرابع عشر
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدّرس الثالث عشر
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني عشر
- اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الحادي عشر
- اصول الفلسفة الماركسية..الدرس العاشر
- اصول الفلسفة الماركسية . الدرس التاسع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثامن
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السادس
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الخامس
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الرابع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثالث
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني
- اصول الفلسفة الماركسية


المزيد.....




- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)
- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...


المزيد.....

- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى
- تحديث.تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ
- تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين - اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس السادس عشر