أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نذير الماجد - في السعودية.. نعم للمسيرات السلمية!















المزيد.....

في السعودية.. نعم للمسيرات السلمية!


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2512 - 2008 / 12 / 31 - 06:24
المحور: المجتمع المدني
    


كم هي رائعة تلك الجماهير التي تمتلك ذلك الحس المرهف والمتفاعل مع المظلوم، والتي تصوب قبضاتها لإدانة الظلم، وتهتف بحناجرها لإدانة القهر.
لهذه الجماهير قوة لها رائحة أزكى من رائحة البارود، تشتغل بآلية العدوى كما قال غوستاف لوبون، ويغيب عنها عقل الفرد ليغدو مسيرا تحت بنج المنوم الجماهيري، ولكن أهلا به من منوم إذا كان في مقدوره أن يوقظ النائمين في جحورهم من سبات أنانيتهم. أجل، هذا هو وجه القطيف المشرق، وهذه هي القطيف المتفاعلة دائما مع الألم الإنساني في هذا الكوكب.

كانت القطيف ولاتزال تتسم بهذا الألق وهذا الحس المتوهج بالعذابات حتى وإن بعدت عنها آلاف الأميال، لا يهم أن يكون المعذب ينتمي لذات المذهب أو يحمل ذات الهوية، يكفي أن يحمل هوية الإنسان حتى يستحق من قبضاتنا الارتفاع، ولا أشك لحظة أن هذا التفاعل الجميل مع الإنسان المعذب في غزة لهو ينم عن حس إنساني متيقظ لا يمكننا أن نفعل شيئا بازاءه سوى أن ننحني له تقديرا وإجلال.

ليست هذه المرة الأولى التي يحدث فيها أن تتفاعل جماهيرنا في القطيف مع القضايا الإنسانية أو السياسية التحررية العربية أو غير العربية، العقود الأخيرة حافلة بمواقف مشرقة في أكثر من مناسبة وحدث إقليمي أو محلي لا يمكن للمنصف إلا أن يقيمها بايجابية، في الستينات شهدت قطيفنا الرائعة مسيرات في منطقة صفوى ابتهاجا بتحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، وفي عام 1979م خرجت القطيف بكل مناطقها وقراها في مسيرات حاشدة دموية، سقط خلالها عشرات القتلى و مئات الجرحى، و بقيت كمحطة بارزة في تاريخ المنطقة السياسي، وكان مضمون هذه المسيرات مطلبي صرف، ومع هذا لم تسلم هذه التحركات من التأويلات السلبية والمناوئة لكل فعل نهضوي وحركي تقوم به الجماهير التي يجب أن تظل مكبوتة ومقموعة.

ورغم ذلك لم تتوقف جماهيرنا في القطيف عن مواكبتها لأي حدث يتطلب المآزرة، ففي العام 2002م خرجت مسيرات مؤيدة ومتضامنة مع الشعب الفلسطيني الذي تعرض لعدوان إسرائيلي همجي بكل المقاييس، وكان ذلك ضمن مبادرة عفوية، ولكنها قمعت بقسوة حيث انتهت بحوادث عنف و اعتقالات، و تعرضت خلالها جموع النساء المحتشدات إلى الضرب و العنف المبرح من قبل قوات مكافحة الشغب، وفي العام 2006م لم تتردد الجماهير الغاضبة من إعلان موقف التضامن مع الشعب اللبناني الذي راح ضحية السادية الإسرائيلية التي لم ترحم حتى الطفولة البريئة، في ظل صمت عربي مطبق بل ومتواطئ، خرجت الجماهير رغم سياسة حصار الرأي والكلمة المعمول بها بقسوة بالغة في هذا البلد.

وأخيرا وليس آخرا، شهدنا قبل أيام المظاهرة السلمية الجميلة المتضامنة مع أحداث غزة والتي شنت السلطات على إثرها حملة اعتقالات لمجموعة من المواطنين لازالوا رهن التوقيف، وعلى اثر اشتداد الحملة الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة، خرجت مسيرة احتجاجية أخرى لم يكن مصيرها بأقل من سابقتها حيث قمعت بإطلاق النار والاعتداء على المتظاهرين الذي كان عددهم أقل هذه المرة، ولأن قوات الأمن حاصرت بكثافة مرعبة كل المداخل المؤدية لساحة التظاهر كان العدد قليلا وفي تصوري أن هذا العدد كان سيرتفع لو لا الرعب الذي أشاعته قوات مكافحة الشغب المنتشرة على طول الطريق المركزي في القطيف، لو لم تحاصر قوات الأمن المنطقة لكان الحضور سيبدو حاشدا وضخما بلا شك، ولكن هي إرادة تكميم الأفواه وإخراس الألسنة، كيف لا أوليس للسلطان أن يفعل ما يشاء!

أغلب دول العالم تسمح لمواطنيها باللجوء لهذا الأسلوب التعبيري والاحتجاجي إلا الحكومة السعودية رغم انضمامها لأربع اتفاقيات خاصة بحقوق الإنسان، وفي تصوري أن هذا التفرد السعودي هو الذي سيتيح لنا تفسير هذه الوحشية في التعامل مع أي مسيرة احتجاجية حتى وإن كان مضمونها إنسانيا صرفا، فيبدو أن هنالك هاجسا رسميا يخشى أن يترسخ أسلوب التظاهرة والاحتشاد الجماهيري كأسلوب طبيعي يتعاطى معه الشعب بلا خوف أو قلق، السلطة إذن تخشى تطبيع ظاهرة المسيرة، من هنا نفهم الإصرار الرسمي على قمع التحركات الشعبية المتضامنة مع غزة أو غيرها.

وللذين يستهويهم الخنوع ينبغي القول أن وراء هذا القمع ليس مجرد أن دعوة خارجية استثارت ارتياب وقلق السلطة، بل الخشية من تعود المواطنين على أسلوب التظاهر والاحتشاد والذي هو شأن يتسم بطبيعة فطرية للإنسان، لأن الإنسان بصفته كائنا اجتماعيا جبل على الاهتمام بالشأن العام والانضمام في تكتلات بشرية لها صوت واحد، ولهذا نجد أن أغلب الدول تسمح بهذه الوسيلة، يكفي أن تبادر الجهة المنظمة للمسيرة بطلب إذن مسبق من السلطات الأمنية حتى تمتلئ الشوارع بالمتظاهرين، وفي وسع أي سلطة أمنية أن تضمن عدم انزلاق أي تجمع جماهيري سلمي نحو ممارسة العنف والشغب باعتمادها سلسلة أحكام وإجراءات وقائية تحفظ السلم وتراعي الهواجس الأمنية للسلطة.

إن هذا المطلب سيبدو ملحا أكثر لو أدركنا جيدا ما تتسم به المرحلة التي يمر بها العالم حاليا فهو يشهد تقاربا وتفاعلا ثقافيا مؤثرا، باتت الشعوب بفعله تحاكي بعضها بعضا. وبوسعنا استخراج دلالات عديدة لهذه التحركات السلمية الأخيرة التي شهدتها مدينة القطيف، ليس فقط كانعكاس ورغبة ملحة في تقليد الشعوب الأخرى التي تحظى بمناخ من الحرية يسمح لها أن تمارس حرية التعبير بكل الطرق والوسائل، وإنما تتجلى تلك الحالة الخاصة بمنطق الجماهير والشعوب حين تكف عن أن تكون مؤدلجة أو خاضعة لحسابات الطائفية أو المذهبية، ولا يمكنني هنا إلا أن أنحاز لمنطق الجماهير على حساب منطق النخبة التي لم تستطع أن تحد من حالة التشظي والاحتراب الطائفي في حين نجد أنفسنا أمام تحرك جماهيري يدوس ويحتقر كل التحزبات والانقسامات الطائفية ليعلن في النهاية أن الأنسنة هي انتماء فوق كل انتماء آخر.

ولكن مع هذا، ثمة مؤاخذات تحوم حول هذه التحركات الأخيرة، فهناك من يعتقد أن المنطلق الأساسي الذي يقف خلف هذه المبادرة وأشباهها يكمن في التبعية المطلقة لإرادة الفرد ليس أكثر، فهل كانت هذه الجماهير ستتحرك فيما لو لم تكن مدعوة للتظاهر من قبل شخصية كاريزمية كالتي يحملها سماحة السيد حسن نصر الله؟

رغم ما يحمله هذا التفسير من وجاهة إلا أنني لا أعتقد بدقته تماما، صحيح أن لهذه الدعوة تأثيرها البالغ بيد أن هذه الواقعة كانت كافية لاستثارة غضب الناس بمعزل عن أي إرادة خارج نطاق المأساة، وربما كان الدور الأساسي لهذه الدعوة هو فقط في تحديد زمن الاحتشاد والتظاهر، ومهما كان، لا يمكن الاكتفاء بقراءة هذا الحدث أو تأويله سلبيا فقط لأن حسن نصر الله دعا إليه، فمثل هذه المبادرات الشجاعة تنطلق من حس إنساني أكثر من أي شيء آخر.

ولكن هذه الوسيلة الاحتجاجية –وهنا تكمن إحدى المؤاخذات- بما تنطوي عليه من مجازفة بالغة لم تشمل بعد كل المطالب الوطنية والحقوقية التي يحفل بها الوطن، فكيف يمكن أن نفهم تركز هذه الظاهرة الاحتجاجية على قضايا الخارج؟ أليست البلاد بحاجة لمبادرة شبيهة تسعى لمعالجة القضايا الإشكالية؟ أليس ثمة معاناة خاصة بنا تستحق أدنى التفاتة من هذه القبضات المرتفعة وتلك الحناجر الغاضبة على قضايا الغير والحريصة على معاناة وألم الآخرين؟ ألا يعني هذا وجود حالة من الاستلاب لجمهور يعاني من اختلال في البوصلة؟

هذه الأسئلة على رغم وجاهتها إلا أنها لا ترقى للملاحظة الكشفية بخصوص هذا الحدث، نعم هنالك غياب عن تحسس المطالب والمعاناة الخاصة ولكن في اعتقادي أن السبب الرئيسي لا يكمن في الاستلاب أو اختلال فقه الأولويات بقدر ما يكمن في غياب أي مبادرة تتبنى هذا الأسلوب من التعاطي مع القضايا الداخلية، السؤال هنا: هل تصدى أحدنا للدعوة لتنظيم احتشاد جماهيري يطالب –مثلا- بالكشف عن مصير السجناء المنسيين؟ هل بادر أحد للدعوة إلى ذلك ولم يحظى بتجاوب؟ غياب المبادرة هو الذي يفسر القصور في الاهتمام بالقضايا الداخلية، على الأقل في العقود القليلة الماضية، وذلك بالطبع إلى جانب العوامل الذاتية التي تتسم بها الجماهير الدينية عادة!!

المؤسف حقا أن يترافق ما شهدناه من قمع بوليسي للتظاهر والاحتشاد كأحد وسائل التعبير عن الرأي مع حملة مثبطة تسعى لإجهاض أي مبادرة تتجاوب مع المعاناة الفلسطينية، متمسكة بحجة الأولويات المذهبية تارة و بالخصوصية المحلية تارة أخرى، ولعمري فإن هذه الحجة مألوفة جدا في الواقع السعودي المليء بالخصوصيات! وإني هنا سأسمح لنفسي بالحلم، سأحلم بأن ثمة يوم قادم ستضيق فيه دائرة هذه الخصوصيات ليكون متاحا للمواطن السعودي أن يعبر عن رأيه بأي وسيلة شاء، وبالطبع لا نستثني منها هذه الوسيلة الحضارية جدا في التعبير، أي وسيلة التظاهر والمسيرات السلمية.

وأخيرا، ينبغي أن نعود بالذاكرة مع كل من يتحدث عن أولويات مذهبية – على الرغم من مشروعيتها- لتلك المسيرة التي خرجت قبل عام في بقعة تبعد عنا آلاف الكيلومترات، أي في الهند، أعني تلك المسيرة التي خرجت تضامنا مع قضية فتاة واحدة تعرضت للعسف القضائي هي "فتاة القطيف".
أليس جميلا هذا التضامن الإنساني الذي ينأى بنفسه عن كل انقسام مذهبي أو طائفي أو إثني؟!



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف ودوره الطليعي
- مجزرة المال السعودي!
- لماذا بيان تصحيح المسار الشيعي؟
- لماذا البيان؟
- لكي لا تُهدر أموال الخمس!
- الاختلاط ضرورة حضارية 2-2
- كفوا عن الإتجار بالدين..يا رجال الدين
- الأزمة العالمية وشطحات الخطاب الديني
- الاختلاط ضرورة حضارية 1-2
- شاكر النابلسي و مغازلة الأصولية!
- خطوات على طريق الأنسنة 2-2
- خطوات على طريق الأنسنة 1-2
- يا صعاليك العالم اتحدوا !!
- توضيح حول تحريم السيستاني للمسلسلات التركية
- السيستاني والمسلسلات التركية
- لا تحجبوا أكسجين الوعي!
- مشاكسات على هامش الفقه!
- فقهاء ولكن..!
- إلى من يتغنى بالموت ليل نهار!
- لماذا كذب وليد جنبلاط؟


المزيد.....




- واشنطن ناشدت كندا خلف الكواليس لمواصلة دعم الأونروا
- الهلال الأحمر: إسرائيل تفرج عن 7 معتقلين من طواقمنا
- حركة فتح: قضية الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين تحتل أولوي ...
- نادي الأسير يعلن ارتفاع حصيلة الاعتقالات منذ 7 أكتوبر إلى 78 ...
- الاحتلال يفرج عن 7 معتقلين من الهلال الأحمر ومصير 8 ما زال ...
- الأمم المتحدة: الوقت ينفد ولا بديل عن إغاثة غزة برا
- تعذيب وتنكيل وحرق حتى الموت.. فيديو صادم يظهر ميليشيا موالية ...
- الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص في غزة يواجهون انعدام الأمن ...
- الأمم المتحدة: أكثر من مليون غزي يواجهون انعدام الأمن الغذائ ...
- زاخاروفا تضيف سؤالا خامسا على أسئلة أربعة وضعتها برلين شرطا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نذير الماجد - في السعودية.. نعم للمسيرات السلمية!