باسنت موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2512 - 2008 / 12 / 31 - 06:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عندما أنظر للمنازل من حولي لا أراها إلا "عشش" ملونة بكل ما هو مؤذي العين ودليل على ذوق متدني لا يعرف أبسط قواعد الذوق السليم أو الفن، وعندما أسأل لماذا المباني في المنطقة التي أسكن بها هكذا متلاصقة ومتلاحمة بشكل سيء ومتعب في ذات الوقت؟ يقولون لي أن منطقة سكني غير مخططة من قِبل أي جهة تخطيط رسمية كانت أو خاصة لذلك الأهالي هم مَن يرسمون معالمها فتبدو بهذا الشكل الصعب، حيث يستغل كل أب منزله ليبني أدوار -غالباً بدون ترخيص- ليتزوج أبنائه ويحصل كل منهم على شقة أو "عشه" كما أفضل أن تسمى، وبالطبع تلك "العشش" تستخدم ليقوم ساكنيها من المتزوجين بالفقس داخلها فقط –احتراماً للخصوصية- ثم ممارسة باقي السلوكيات الحياتية داخل "العشة الأصلية الأولى" التي قام الأب بتأسيسها منذ سنوات طويلة.
لي العديد من زملاء وزميلات الطفولة الذين يقطنون "العشش الزوجية" تلك ومنذ أيام تقابلت مع واحدة منهن ووجدتها تغيرت كثيراً حيث أصبحت بدينة –بدرجة مزعجة- تحمل طفلاً على يديها يقترب عمره من العامين وتحمل الآخر في أحشائها وتنتظر إطلاقه للحياة بعد ثلاثة أشهر، تلك الزميلة تزوجت حتى لا تصاب بالإكتئاب كما تقول أو تندفع لعلاقات غير محسوبة العواقب وزوجها لا يمتلك من حطام الحياة غير راتبه الذي لا يتعدى السبعمائة جنية شهرياً، لذلك فمنذ زواجهما وهي تعيش تقريباً عند والد زوجها ولا تذهب لبيتها سوى مرتين في الأسبوع وحتى في المرتين تذهب للبيت مساءاً بعد انتهاء اليوم عند والد زوجها توفيراً لمصروفات وبالطبع ليس من الصعب تصور أسباب ذهابها للبيت مرتين أسبوعياً -مواعيد ضرورية لحدوث الفقس- وها هي الآن زوجة وأم لكنها لم تمارس يوماً الاستقلال في الحياة بل انتقلت من العيش والخدمة في منزل أهلها للعيش والخدمة والفقس أيضاً في منزل والد زوجها.
تكاليف الزواج الآن أصبحت كبيرة مقارنة بالماضي وهذا الأمر ليس بمستغرب فمتطلبات حياة اليوم أصبحت أكثر، وحاجات الفرد ليعيش بكيفية أفضل أصبحت أكثر إلحاحاً مما كان منذ سنوات.
لكن ما يثير دهشتي وتعجبي أن كثيرين يقدمون على "الزواج" حماية للنفس من الوقوع في الخطأ أو إكمالاً للدين وما إلى ذلك من أسباب تختزل "الزواج" كقرار كبير وخطير في جملة دوافع بسيطة لا تصلح لأن تكون أسس لبناء مؤسسة زوجية سليمة تضيف لمؤسسيها أولاً ومن ثم المجتمع.
متى ندرك خطورة "عشش الفقس" التي نزرع بها أبنائنا ونعتقد أننا بذلك نحميهم من الرذيلة؟ الرذيلة الحقيقة يا سادة هي أن نجعل أفراد غير قادرين على تحمل مسئولية حياتهم مادياً ونفسياً واجتماعياً في موضع المسئولية عن آخرين أتوا بهم للحياة من خلال "عشش الفقس الشرعي".
#باسنت_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟