أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إدريس جنداري - العلمانية و الدولة المدنية في الثقافة العربية : المشروعية التاريخية و عوائق البناء .















المزيد.....

العلمانية و الدولة المدنية في الثقافة العربية : المشروعية التاريخية و عوائق البناء .


إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)


الحوار المتمدن-العدد: 2511 - 2008 / 12 / 30 - 09:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عرف التاريخ الإنساني قطائع متتالية ؛ لعل أحدثها هي القطيعة مع القرون الوسطى ؛ كمجال تاريخي و فكري و ديني؛ يتميز بالاستبداد السياسي و سيطرة الفكر الديني على جميع مناحي حياة الإنسان؛ و في المقابل ظهرت بوادر مرحلة تاريخية جديدة ؛ قوامها المفهوم الجديد للإنسان و العقل و الدولة و الدين .
و في حديثنا عن الفكر العربي ؛ فإننا لا يمكن أن نعزله عن هذه التطورات الشاملة ؛ التي عرفها الفكر الإنساني ؛ لأننا لا نعيش في جزيرة معزولة عن العالم ؛ بل على العكس من ذلك ساهمنا إلى جانب الحضارات الأخرى في بناء هذه المفاهيم الجديدة ؛ حينماعمل الفكر الفلسفي العربي على قراءة التراث الفلسفي اليوناني؛ قراءة جديدة حقق من خلالها تجددا ؛ مكنه من مواصلة المسيرة ؛ التي كانت ستنقطع قبل ذلك بقرون ؛ و لذلك سمي ابن رشد بالشارح الأكبر للفكر الفلسفي اليوناني؛ و لم يسم الناقل الأكبر و هذا يعني أن الفكر العربي اتسم بإبداعية كبيرة في تعامله مع التراث اليوناني .
إن ما نريد أن نؤكه من خلال هذا المدخل ؛ هو وحدة الفكر الإنساني ؛ التي تفرض نفسها على كل الأمم ؛ و الأمة التي تريد الخروج من هذه الوحدة تجد نفسها خارج التاريخ ؛ كذلك كان الأمر في الماضي ؛ و لن يختلف حاضرا و مستقبلا .
من هنا يمكن أن نتساءل :
هل يمكن للفكر العربي الإسلامي أن يشكل استثناء كونيا ؛ حينما يدعو إلى مفهوم الدولة الدينية ؛ خلال مرحلة تاريخية تسود فيها الدولة المدنية ؛ التي تقوم على المواطنة الموحدة مع اختلاف الانتماءات الدينية و العرقية للمواطنين ؟
لماذا كان تقبل مفهوم العلمانية في الفكر العربي تقبلا سلبيا ؛ و لماذا ألصقت به جميع التهم من معاداة الدين ؛ إلى الدعوة للانحلال الأخلاقي ؛ إلى الدعوة للإلحاد الديني ؟
و هل حقيقة يرتبط مفهوم العلمانية بهذه الدعوات ؛ أم إن الأمر يرتبط فقط بتصفية حسابات مع مجموع مفاهيم الفكر الحديث في الثقافة العربية بهدف حراسة التقليد ؟
لا يمكن أن نتحدث عن مفهومي العلمانية و الدولة المدنية خارج التطورات الفكرية و السياسية و الدينية ؛ التي عرفها الفكر الإنساني الحديث منذ القرن الخامس عشر ؛ بداية بالإصلاح الديني عبر التخلص من سلطة النص الديني في الحياة السياسية والاجتماعية و الاقتصادية ؛ و ذلك عبر العودة به إلى وظيفته الحقيقية وهي وظيفة روحية ؛ في مقابل الوظيفة المادية التي تخضع للتطور التاريخي للإنسان ؛ والتي يجب أن ترتبط بتفكير الإنسان في مختلف القضايا المتعلقة بحياته المادية ؛ سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا ...
إن هذا التحول الذي تحقق من خلال الإصلاح الديني هو الذي سيفسح المجال أمام التفكير الإنساني لكي يبدع في مختلف المجالات ؛ بعيدا عن سلطة النص الديني التي كانت تكبله.
و لعل أبرز النتائج التي تحققت ؛ ظهرت على المستوى السياسي ؛ بحيث تأسست الدولة المدنية القائمة على المؤسسات المنتخبة ؛ ومفهوم المواطنة ؛ و الانتخابات ؛ و تعززت بذلك الممارسة الديمقراطية . و في المقابل ارتبط الدين بوظيفته الروحية ؛ و هذا ما يسمى بالعلمانية ؛ أي الفصل بين السلطتين المادية و الروحية ؛ بحيث يصبح لكل سلطة مجالها الخاص بها ؛ من دون أن تتدخل في مجال السلطة الأخرى ؛ و هذا من جهة أخرى ما سيفسح المجال أمام الدولة المدنية القائمة على الفصل بين المادي و الروحي في مقابل الدولة الدينية التي كانت تقوم على سلطة النص الديني .
بعد هذا الجرد التاريخي يمكن أن نتوقف قليلا عند تصورات الثقافة العربية الإسلامية لمفهومي العلمانية و الدولة المدنية ؛ و التي ارتبطت – كما يؤكد ذلك الأستاذ محمد أركون- (1) بتجربة الثورة الفرنسية ؛ التي جاءت كرد فعل قوي ضد كل ما يرتبط بمجال الدين ؛ و قد كان رد الفعل هذا من جنس ما خلفته الكنيسة من كوارث سياسية و اجتماعية و اقتصادية ؛ كان من بينها بيع صكوك الغفران ؛ و عرقلة التفكير و الإبداع في جميع المجالات .
لكن مفهوم العلمانية و مفهوم الدولة المدنية ليسا بتاتا هما التجربة الفرنسية ؛ بل إن هذه التجربة لا تعتبر إلا محاولة من بين محاولات أخرى في تجسيد المفهومين؛ و لذلك لا يجب أن نحكم على النظرية من خلال نوع معين من التطبيق .
و إذا عدنا إلى قراءة التجربة الإسلامية على ضوء هذه المعطيات النظرية ؛ فإننا نجد أن الإسلام تجربة دينية ؛ و ليست البتة تجربة سياسية ؛ و القرآن يؤكد ذلك (و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ؛ و العالمين هنا تأكيد على كونية الدين الإسلامي لا على ربطه بنظام سياسي معين ؛ لأن محمدا (ص) لم يكن رئيس دولة أو ملكا و لكن كان نبيا ؛ أما الدولة التي تاسست في عهده فلم تكن غاية بل وسيلة فقط " لا يريبنك هذا الذي ترى أحيانا في سيرة النبي صلى الله عليه و سلم ؛ فيبدو لك كأنه عمل حكومي ؛ و مظهر للملك و الدولة ؛ فإنك إذا تأملت لم تجده كذلك ؛ بل هو لم يكن إلا و سيلة من الوسائل التي كان صلى الله عليه و سلم يلجأ إليها ؛ تثبيتا للدين و تأييدا للدعوة " (2).
و يضيف العالم الإسلامي الجليل (علي عبد الرازق) " و الحق أن الدين الإسلامي بريء من تلك الخلافة التي يتعارفها المسلمون ؛ و بريء من كل ما هيأوا حولها من رغبة و رهبة ؛ و من عزة و قوة . و الخلافة ليست في شيء من الخطط الدينية ؛ كلا و لا القضاء و لا غيرهما من وظائف الحكم و مراكز الدولة ؛ و إنما تلك كلها خطط سياسية صرفة " . (3)
إن مفهوم الدولة الدينية التي تحتكر السلطتين المادية و الروحية غير قائمة في الأدبيات السياسية الإسلامية الأولى ؛ بل هي نتيجة للعصور التالية ؛ التي اعتمد خلالها النص الديني كوسيلة في الصراع السياسي – عبر تأويله لخدمة مصالح المتصارعين -و لعل هذا هو ما يجعل الثقافة العربية الإسلامية من بين الثقافات المؤهلة للفصل بين السلطتين الروحية و المادية ؛ و بالتالي التأسيس للدولة المدنية في مقابل الدولة الدينية .
إن مشروع التأسيس للدولة المدنية في الثقافة العربية ؛ عبر ترسيخ الفصل بين السلطتين المادية و الروحية ؛ يستند إلى مشروعية تاريخية ؛ تجعله قابلا للتحقق ؛ أما بخصوص تأسيس الدولة الدينية فليهنأ بال كل السلفيين ؛ لأن التاريخ لا يحمل لهم أنباء سارة عن إمكانية تحققها .



الهوامش :
1- العلمنة و الدين – تر: هاشم صالح –دار الساقي للطباعة و النشر – ط:3- 1996 .
2- علي عبد الرزاق – الإسلام و أصول الحكم – الهيئة المصرية العامة للكتاب – ص: 79 .
3- نفسه – ص: 103 .














#إدريس_جنداري (هاشتاغ)       Driss_Jandari#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأويل النص الديني و تكريس الرجعية في الثقافة العربية


المزيد.....




- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إدريس جنداري - العلمانية و الدولة المدنية في الثقافة العربية : المشروعية التاريخية و عوائق البناء .