أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن عاصي عواد - -خلف السدة - لعبد الله صخي رواية احتفالية منصفة















المزيد.....

-خلف السدة - لعبد الله صخي رواية احتفالية منصفة


محسن عاصي عواد
مترجم وكاتب

(Muhsen Awad)


الحوار المتمدن-العدد: 2509 - 2008 / 12 / 28 - 07:06
المحور: الادب والفن
    


بروحية العارف والمعايش للتفاصيل الدقيقة لحياة الريفيين، ولمفردات حياتهم اليومية، من معاناة وفقر وحب وطموح واحلام وسمو وبساطة، كتب عبد الله صخي روايته (خلف السدة).
كتب عن احداث وشخصيات كادت الايام والاحداث ومرور الزمن ان يطويها،كتب عن مشاهد انسانية حميمة لآبائنا اللذين رحلوا، بعد ان ذاقوا مرارة العيش في الريف الذي ولدوا فيه والمدينة التي نزحوا اليها ولم تحقق ايا من احلامهم بحياة اقل وطأة، عن اماكن لم يبق منها إلا ذكرى عابرة، عن تعابير لغوية لم نورثها للأبناء، عن العاب الطفوله التي لم يعد يمارسها اطفالنا الذين الهمتهم الحروب العابا لا تخلو من مشهد الموت والانفجارات، عن الحب الذي يخلع الفؤاد ويمنح لذة الفراق، عن الامهات اللواتي ربيّن الابناء بالدموع والحسرة، عن الامل المفقود لحياة مستقرة وآمنة يفئ بظلها الاباء المكدودون.
بلغة الشعر المميزة لأعمال عبد الله صخي صاغ روايته بجمل مكثفة، قد تتطلب سردا طويلا لوصف كل ما ورد في الرواية، بسبب ذلك الكم الهائل من المعاناة والاحداث التي ارادت الرواية تغطيتها في تلك الرحلة العجيبة لهؤلاء البشر الذين ورثونا احفادا هم الآن سكان مدينة الثورة.

لقد كُتبَ الكثير عن مدينة الثورة، ولكن قد تكون هي المرة الاولى التي يدون فيها كاتب البداية والنشوء، خصوصا وان الكثيرين قد لا يعرفون تفاصيل معينه عن مرحلة ما قبل مدينة الثورة، هذه المدينة التي كان لها اثر كبير في احداث نصف القرن الاخير، ولا كيف بزغ هذا الكم الهائل من البشر الذين استوطنوا هذه البقعة من الارض في بغداد، وخصوصا الجيل الذي ولد وعاش تحت ظل النظام المقبور.

عبد الله صخي في روايته خلف السدة، استطاع ان يرصد بلغة شفافة وصور حية حيوات اولئك الناس الذين اضطرهم ظلم الاقطاع الى النزوح الجماعي من الريف الى جهه لم يعلموها، والى تفاصيل لم تدر بخلد اي منهم، الى مجهول لم تتسع مخيلاتهم الريفية ان تتنبأ به، الى ارض لم يطأها اي منهم او حتى اي انسان آخر.

وعندما اختار سيد جار الله، الذي قاد تلك المسيرة المضنية لأولئك (الحالمين بحياة جديدة بعد ان قطعوا مسافات طويلة في عربات خشبية مفتوحة الجانبين، لها سقوف من شعر الماعز، تجرها خيول ارهقتها الدروب الوعرة والمستنقعات الجافة المتشققة. كانت وجوه الرجال مغبرة،، ملفعة بكوفيات تنحدر منها جدائل مرصعة بالعفص والخضرم والودع، ولها نهايات تيبست من العرق والغبار، على ذقونهم نمت لحى كثة علقت فيها انصال التبن واعواد القش. كانت اجسادهم نحيلة وملابسهم ملوثة بالتراب.ص 8)، تلك الارض، لم يعتمد إلا على حدسه بأن قبره سيكون هناك بين سدتين ترابيتين أنشئتا اصلا لحماية بغداد من الفيضانات، وحيث توقف حصانه، قال ( هنا بيتي، هنا قبري)، ومن هناك انطلقت حياة القادمين الجدد الى تلك ارض غريبة.

وحيث يسرد عبد الله صخي حياة احدى تلك العوائل المهاجرة، يأخذنا الى عوالم عجيبة لتفاصيل الفرح والألم في حياة الامهات، الازواج، الاطفال، الفتيات، الى هموم عمال الطابوق، عمال البناء، الكسبة، المياومون، الباعة المتجولون، النجارون، الحلاقون، المجانين والحكماء، السياسيون والمخبرون، يصطحبنا في ساعات السمر في البيوت والمقاهي، يدخلنا ضريح الدعوات، يجول بنا مع حكايات المجانين والبسطاء، يشركنا في العاب الاطفال البدائية، يشدنا الى شهقات العشاق وتصرفاتهم العفوية، يرافقنا في المسيرات الحسينية حيث الخشوع واستعراض الذكورة، ويدخلنا الى السجن مع النشطاء والبريئين، و يرصد التحولات السياسية العاصفة للثورة والانقلاب، ويمجد التغيير ويلعن القمع.

كل هذا الكم الهائل من الاحداث والتفاصيل اختصره عبد الله صخي ببراعة الكاتب المحترف، بـ 160 صفحة، خالية من اية جملة زائدة او محشورة في النص. وما التجأ اليه عبد الله صخي من التغاضي عن تسمية الشخصيات الرسمية التي قادت تلك المرحلة، الا ذكاء وحرفة في محاولة الى النأي بالرواية عن الخوض في الاحداث التاريخية خدمة للعمل الادبي، وعدم دمغ الرواية بطابع الرواية السياسية، رغم اننا نعلم يقينا عمن تتحدث الرواية. ويكفي ان نقرأ في الفصل التاسع (انسحبت البلدة الى نفسها في سكينة مضجرة. بدا الناس كالغرباء، يمضون في مسالك مختلفة وان توحدت وهتهم. قلما يكلم احدهم الآخر،وان تحدث فهو كلام قصير هامس، كأن ارواحهم لم تعد فيها تلك الطاقة الهائلة على الكلام والثرثرة والوشايات. حتى معاركهم ونزاعاتهم ومناسباتهم غدت خاملة خالية من تلك الفورة الداخلية التي انبثقت ذات يوم موارة كالينابيع، مضيئة كالكواكب تعززها الاحلام والامنيات. بدت حركتهم وهم يخرجون من بيوتهم فرادى او مجموعات واجمة بطيئة مشدودة الى شئ ما يثبتها في قلب سكون هش رخو يذوب في دوران الايام الساكن البطئ. كانوا يتصرفون كما لو أنهم في مأتم، اجفانهم مثقلة وملابسهم سود..... ص 131)، بهذه اللغة الشعرية او القصيدة ، كما وصف جمعة الحلفي رؤيته للرواية، استطاع عبد الله صخي ان يرسم لنا الحس الشعبي لما بعد الانقلاب. وبنفس اللغة الشعرية مر على كل الاحداث السياسية دون الوقوع في المباشرة ولغة الصحافة السياسية.

انها رواية احتفالية انصفت حيوات من استطاع الكثير ابناءهم واحفادهم ان يلعبوا دورا في الحياة السياسية والمشهد الثقافي العراقي، ووثقت مرحلة مهمة من تاريخ مدينة بغداد، وتحديدا مدينة الثورة التي تقاتل ويتقاتل كل نظام وحركة سياسية ان يطلق اسمه عليها، لما تشكله من اهمية في صورة الوضع السابق والحالي من تاريخ العراق.

وقد يجد من سكن وعاش في تلك المناطق، خلف السدة، وفيما بعد في مدينة الثورة متعة قراءة تفوق اي وصف، لما استطاع عبد الله صخي سرده لنا بتلك اللغة التعبيرية الراقية.

لقد استطعت ان اشم رائحة الصرائف والملابس والذكريات في سطور الرواية وفي كل يوم يمر من احداثها، لأنني كنت طفلا امرح بين تلك الخرائب وانزلق على منحدرات السدة فقد اعادني عبد الله صخي بقوة الحنين الى زمن الطفولة اللذيذ والمرعب في آن، والى بدايات تكوّن المدينة التي نشأت وسرت اول خطوات حياتي فيها.

مالمو/السويد 26 كانون الاول 2008
[email protected]




#محسن_عاصي_عواد (هاشتاغ)       Muhsen_Awad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حميد كشكولي عن السويدية.. ترجمات امينة بنصوص جديدة
- العرض المسرحي- كذا انقلاب-


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن عاصي عواد - -خلف السدة - لعبد الله صخي رواية احتفالية منصفة