|
اغنية كيف يكون الجمال صاعقا
عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 2503 - 2008 / 12 / 22 - 01:24
المحور:
الادب والفن
اجمعْ جدول أحجار حبيبتي ، عندما يسقط شلال شعرها في صحن راحتيكَ ، ومنه ، أيها الشعر، اصنع قصيدة ، طوال الحريرالمسبوك من طفولة ضفائرها ، يجمع الناس ، بإنشادها ، أحلامهم التي لم يروها في خضم الحروب ، لأن دخانا من السهركان يمنعهم من الطيران ، بين الأشجار ، التي فيها تبني الطيورُ أعشاشها من عيدان مشطها .
من بين قوسي أجفانها قل لشمس الكتابة أن تشرق ، وأن تغربَ من حيث يرتفع الرخام ، الذي بـُنيَتْ منه عمارة نومها .
من مقاطع هدوئها ، ياشعر، إعطِ المكان حيـّزاً لمكانه ، الذي ينام فيه الزمن ، ويتوقف فيه الوقتُ عن الدوران ، باحثا عن سرير يستريح عليه ، في زوارق ساعاتها ، وهي تبحر نحو فصلٍ تأكل فيه البراري من عشب ابطيها ، ثم تعود، وقد نقص من الموتِ عمرا طويلا ، خلاله تفيض الحياة ، عائدة الى وكرها .
من جَمالها دعْ الجمال يتعلم كيف يبدو صاعقا : إن مرّتْ فليقتبس ، من بصيص ظلها ، فكرةَ أن يكون فريدا ، مثلما تبتكر شجرة ما شكل أغصانها ، أو مثلما يتسلّـق التل نفسه لتناول الفطور، فوق ، مع الرعاة .
من طولها إصنع قامة الشاعر ، إن أراد أن يكون باسلا كالرمح ، ومن حياكة ساقيها علـّم الكتابةَ كيف تكون أنيقة ، يحج اليها الابتكاركل لحظة .
وحينما تـريد القصيدة لنفسها أن تكون محفـوفـة بزائرين قادمين ، من أجلها ، مـن مـدن بعيدة ، فلتكن مـثل حبيبتي : عازمة على أن تسير حافية القدمـين على جمـرأشواقها ، مثل قبلة تشتهي كل امـرأة أن ترتدي شفتيها ، وهي في طريقها الى الحب ، من موعد الى موعد ، في أزقة منسية ، أو في غرف رخيصة .
ياشعر : اجمعْ من ضفائر شعرها قليلا ، في قارورة نجمة ، وارم ِ بها الى الليل ذاته ، ليعرف الليل : كم من ليل شعرحبيبتي حاجته، ليصبح ليلا خاليا من أسراب الطائرات ، التي تنقل على متنها الحروب ، وتنشرها غيمة بعد غيمة ، في سماء تعاني من جفاء النجوم ، فيما النيازك فيها تهطل بغزارة ، لإشعال الحريق في قلب كل ملاك يرضع ، من ثدي حبيبتي ، حليب الأمان ، بعد أن تم طرده من الجنة ، من دون فطام .
أيها الشعر ، ياملاكنا الازرق لشدة السماء التي حبكتَ بها سلـّتكَ : احفظ ثديين لحبيبتي ، سافرا لبعض الحليب ، لكنها عادت بدونهما، لأنها لم تجد الفجر في مكانه : تركتـْهما لوحديهما هناك ، يـبحثان عـن حلمـة أي نبـع ، وعـادت بكل ما تحمـل كـفـيها من عصارة دمـع ، ناثـرة ، طـوال الطريق ، قـُـبلا تعرفـها الغزلان مـن الرائحة ، فتتبعها ، برّية بعد اخرى ، حتى نهايـة النهايـة ، حيث الصرخة ، بعد الصرخة ، تأتي راكضة لسماع أصدائها .
اجمعْ ، ياشعر ، صرخة الحبيبة ، لتعم الكائنات مساءا . اجمع بين الصخرة والصرخة ، ودعْ حبيبتي تتحول ، مثل طير ، ينقل بمنقاره المنامات ، من سرير الى سرير : دعها تضع تحت وسادة كل نائم حلما ، يأنس اليه حتى المكان ، فيحلم بامرأة : يصنع الشعر، من أحجار جداولها ، بيتا ، يعيش فيه العصفور مع النسر، لا تفرّق الصرخة فيه بين نفسها وبين الصخرة ، حين تقفان معا ، وجها لوجه ، أمام مرآة روحيهما .
أيها الشعر: صغْ لحبيبتي ، إن تواريتُ في الموت ، حبيبا سواي ، يضمها الى الورد قبل الربيع . يجرحها ، بلباقة ، كما أجرحها ، ياشعر . يقصف جسدها كالبرق ، يخرّب سياج حديقة شهوتها ، يرفس أبوابها ، وليشعلها قبلة حنونة بعد قبلة مجنونة اخرى . آه .. عراكٌ بين جمرتين ، ترغبان الدخول ببعضيهما ، لبعـث الخليقـة مـن جديد : رغبة لاتنتهي طوال حرارة النار ، وهي تبحث ، في المهب ، عن شكـلها الأول ، فالـنار ، أيهـا الشعـر ، هي أول قبلة ، كما أن الماء آخر الأماكن التي أطفر سياجها ، كالـوعل ، عندمـا يجـف الحـنان في قـلب العالم ، فـأنام بين أصابع حبيبتي ، لأن الماء يعيش ، منذ البدء ، هناك ، ولايسيل ، كالأنهار ، الا عندما تصافح يدُ المطر يديها .
ياحبيبتي ، ياحبيبتي ، بعد كل عناق ، لن أغسل شفاهي ، لئلا تنزلق قبلتكِ ، لكنني بعود ثقاب تتركينه قرب سجائري ، أشعل ظلام الظلام في الكون ، سائرا بين نجمتين : قبلتكِ ، وعود الثقاب الذي تتركينه ، عادة ، عندما يخلف القمر وعده ، فلا يشرق الا وأنتِ عائدة بقوت من الحطب ، هو جسدكِ ، تشعلينه تحت شرشف الخيال ، فيهطل القمر بكامله على السرير، وتنزلق القبلة من مكانها ، لتحل محلها قبلة اخرى : تكبر حتى تصير زورقا نبحر فيه ، تحت ضباب لذة لم يرسم خرائطها أحدٌ ، لنعرف أين أماكن وجودها ، فيما يصير عود الثـقاب عمود كهرباء ، نقرأ تحته ، كما في الطفولة : كم المسافة بين نهديك وأصابعي ، ويتحول الكون كله الى كائن مثلنا ، نفرك عن روحه كآبة مجهولة ، جاءت مع الريح ، منذ أول هبوب لها ، تاركة ورقة هنا أو هناك ، لم يحل طلاسمها سوى الشعر ، لكنه لا يقول ذلك الا لمن هو نفسه لايقول ..
أيها الشعر لامسافة بين نهديها وأصابعي ،الا أنتَ ، عندما يتوّقف نبضك عن المرورأمام اشارات قلبها ، أو يكفّ حضوركَ أن يظل ملعونا ، فلا ينثر ريشه في ممرات رأسها ، المكتظ بهواجس النوم في حنجرة الغصة ، التي ابتلعتْ حتى الغصة من شدة عمقها .
اختصرتنا، ياشعر ، بكثافة معناك : اننا كلمة تجهل معناها من دونك : كيف يمكن أن تكون هناك مسافة داخل المسافة ؟ وما السر ياشعر ، إن غبتُ أو غابت ؟ ومَـن اخترع الغياب ؟
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملف : جان دمو الساطع كصلاة صباحية / رؤيا اخرى وقصائد ضائعة
-
صورة كمال سبتي في شبابه
-
اغنية عندما يعود السندباد الى بيته
-
اغنية البلبلُ المشرَد
-
كيف خسرتَ الوردة ، كيف ربحتِ العاشقَ ؟
-
بورتريه المخلّص
-
أغنية لتحطيم أنف العالم
-
كمشة فراشات
-
اغنية جمعية الشعراء الموتى
-
اغنية عقيل علي
-
ساحر من ألف ليلة وليلة
-
أغنية حب بغدادية ومدينة الاشارة
-
بورتريه الخطر
-
أغنية الليل تحت عدسة مكبرة
-
ثلاث قصائد
-
النافذة
-
قصيدتان
-
اغنية خاتم سليمان
-
كتاب النبؤات
-
أغنية الفراشة
المزيد.....
-
سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا
...
-
جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
-
“العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
-
المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب
...
-
نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط
...
-
تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
-
السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
-
فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف
...
-
بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|