أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - «نفاق» حقوق الإنسان.. وقفة تأمل!















المزيد.....

«نفاق» حقوق الإنسان.. وقفة تأمل!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2501 - 2008 / 12 / 20 - 07:54
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


مرّت الذكرى الستون لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واحتفل بها الكثيرون لاسيما في أوروبا والولايات المتحدة، وقد كُتب عنها الكثير من المقالات وقُدمت الكثير من البرامج الإذاعية والتلفزيونية، لاسيما التي تتحدث عن مغزاها ودلالاتها، ونُظمت الكثير من الفعاليات احتفاءً بها، واستُثمرت المناسبة لتذكير الدول العربية والإسلامية بالتزاماتها بشأن احترام حقوق الإنسان وعدم خرقها، خصوصاً ما يتعلق بحرية التعبير وحق التنظيم الحزبي والنقابي والمهني والترخيص للجمعيات بالعمل الشرعي والقانوني، وحق الاعتقاد وحق المشاركة السياسية، وتولي الوظائف العامة والمناصب العليا دون تمييز لأي سبب كان.
وكان موضوع التعذيب -الذي هو ممارسة روتينية في العديد من السجون العربية والإسلامية و «العالمثالثية»، وكذلك موضوع استقلال القضاء وعدم تسييسه وحقوق المرأة وحقوق الأقليات القومية والدينية واللغوية والسلالية (التي لا تزال دون الحد الأدنى في العالمين العربي والإسلامي)- قد لقيت اهتماماً كبيراً هذا العام، لاسيما في ظروف الاحتفال بالذكرى الـ 60، كل ذلك يجري في غياب أو ضعف مبادئ المواطنة ومبادئ المساواة، اللتين هما ركنان أساسيان في الدولة العصرية.
وإذا كانت هذه الأمور موضع مطالب للحركة الحقوقية العربية، فإن القوى المتنفذة في الغرب تحاول استغلالها وتوظيفها لأجندتها الخاصة، مشددة ضغوطها على العالمين العربي والإسلامي بشأن احترام حقوق الإنسان، وهو في الواقع «كلام حق يراد به باطل»، وقد سارت الأمور ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في هذا الاتجاه، لاسيما في الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي انعكس على الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، حيث شهد التضييق على الحقوق المدنية والحريات العامة والخاصة، تلك التي تكرست في الغرب عبر عقود طويلة من السنين وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من المجتمعات الغربية، إلاّ أنه وتحت يافطة مكافحة الإرهاب الدولي تم إصدار قوانين واتخاذ إجراءات أدت فيما أدت إليه إلى تحجيم بعض الحقوق والحريات، لاسيما من خلال ممارسات وسجون طالت المسلمين والعرب بالدرجة الأساسية.
ومن يستعرض اليوم ما يحصل في سجن غوانتانامو منذ العام 2002 وما حصل في سجن أبوغريب بعد احتلال العراق العام 2003 وحتى افتضاح أمره العام 2004 وما يجري في السجون السرية الطائرة والسجون البحرية العائمة، إضافة إلى احتلال بلدين هما أفغانستان والعراق، وبغض النظر عن الدوافع والأهداف، فإن مجرد اعتراف الرئيس بوش بأن المعلومات التي تلقاها كانت مضللة وأنه يأسف لغزو العراق، فإن ذلك يرتب مسؤولية عليه وعلى الإدارة الأميركية التي عليها تعويض العراق عمّا لحق به من غبن وأضرار طيلة الفترة الماضية بما فيها حصار 13 عاماً ووفاة مليون وستمائة وخمسين ألف عراقي، وتدمير المنشآت والمرافق الحيوية والهياكل الارتكازية وتهجير وقتل العلماء والأكاديميين والإعلاميين والمثقفين بشكل عام، واضطرار أكثر من أربعة ملايين للهجرة الخارجية والنزوح الداخلي بسبب أعمال التطهير الطائفي والإثني.
وإذا كانت حقوق الإنسان في العراق منتهكة في السابق، وهو أمر معروف، لاسيما وأن جميع المنظمات الدولية وبخاصة ذات الصدقية مثل منظمة العفو الدولية وغيرها قد أكدت ذلك بتقاريرها المستمرة، حيث كانت تلك الانتهاكات من الجسامة بمكان وذات طابع استثنائي، الأمر الذي كان يتطلب جهوداً استثنائية لمعالجتها حسب تعبير فان ديرشتويل المقرِّر الخاص للجنة حقوق الإنسان في العراق والذي استقال من منصبه العام 1999، فإن هذه الانتهاكات اليوم أكثر فداحة لكامل منظومة حقوق الإنسان السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في ظل وجود واستمرار الاحتلال ومصادرة حق الشعب العراقي في تقرير مصيره وجرح سيادته واستقلاله الوطنيين.
إن حقوق الإنسان لا يمكن تجزئتها أو انتقاء جزء منها وإهمال أجزاء أخرى، أو تطبيقها على نحو ينتقص من شموليتها ويتعامل معها على أساس ازدواجية في المعايير، فهي حقوق لا تقبل التقسيم أو الانتقاء، لأنها تكمل بعضها بعضا وتؤخذ كلها متكاملة.
ويتساءل من يُعنى بحقوق الإنسان: لماذا هذا الكيل بمكيالين؟ الأمر الذي أصبح مصاحباً لسياسات القوى المتنفذة والدول المتسيّدة في العلاقات الدولية التي تستخدم ازدواجية في المعايير وانتقائية في السلوك والتصرف بما يخدم مصالحها وبما يعارض قضية حقوق الإنسان النبيلة التي تسعى لتوظيفها لأهدافها الأنانية الضيقة، وهو الذي أفقدها صدقيتها، الأمر الذي لا بدّ من توضيحه باستمرار، لكي لا تختلط حركة المعنيّين والمدافعين الحقيقيين عن حقوق الإنسان بالأجندات الخارجية، وكي لا تختلط الأوراق أحياناً أو يتم اللجوء إلى استخدامها ذريعة ضد بعض بلداننا وشعوبنا.
وإذا كانت هناك انتهاكات لحقوق الإنسان حصلت في دارفور على سبيل المثال وتستحق المساءلة، فلماذا لا ترتفع الأصوات لمساءلة ما يحصل في العراق حيث تعرّض الشعب العراقي منذ عقود من الزمان إلى محْق حقيقي، سواءً عبر نظامه الاستبدادي الشمولي السابق، أو خلال حروب أكلت الأخضر واليابس وكان سداها ولحمتها المواطن، خصوصاً المدنيين الأبرياء العزّل، أو خلال الحصار الدولي الجائر، أو بعد الاحتلال العام 2003 ولحد الآن، ويبدو أن حاله سيستمر، لاسيما بعد استمرار الاحتلال وتغيير شكله من احتلال بالقوة إلى احتلال بالتعاقد أو بالرضا رغم ظروف الإكراه واختلال الموازين ووجود طرفين، أحدهما قوي يُملي شروطه وآخر ضعيف ومضطر، الأمر الذي يجعل الاتفاقية الأمنية العراقية- الأميركية غير متكافئة؟!
إن هناك مفارقات ونفاقاً أوروبياً أميركياً بشأن حقوق الإنسان، صحيحٌ أنّ في الغرب عموماً احتراماً لحقوق الفرد وحقوق المجتمع وكينونتهما، وهي حقوق مكفولة قانوناً ولا يمكن انتزاعها بسهولة لأنها أصبحت مع تواتر الاستعمال عرفاً سائداً، و «المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً» كما يقال، ولعل هذه الحقوق تصبح قوة مادية إذا ما تم تبنيها من جانب المجتمع وبالتالي يصعب اقتلاعها مهما كانت المسوّغات والمبررات.
وإذا ما سحبنا مثل هذا النفاق على الوضع الفلسطيني فسيكون الأمر في غاية الفرادة والاستثناء، ليس الآن فحسب، بل طيلة العقود الستة الماضية، فقد تأسست إسرائيل في العام الذي أعلن فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) وتعهدت باحترام ميثاق الأمم المتحدة الذي تم إقراره في سان فرانسيسكو العام 1945، وتضمّن في سبع مواضع تأكيداتٍ على احترام حقوق الإنسان، لكن إسرائيل اليوم ورغم مرور 60 عاماً لا تكترث مثل كل السنوات السابقة عندما تحاصر غزة وتقطع صلتها بشرايين الحياة، وتمنع عنها الغذاء والدواء والوقود، وتهاجم بعض مدن الضفة الغربية من خلال مستوطنين يحرقون الضرع والزرع مثلما حصل في مدينة الخليل. وإسرائيل هي نفسها التي تصر على عدم تحديد الحدود منذ تأسيسها وحتى الآن وتستمر بلا دستور لكي لا تقرّ مبادئ المواطنة وتمارس التمييز ضد عرب فلسطين، ناهيكم عن تصريحات وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، بأنها تريد إسرائيل خالية من العرب، بترحيلهم إلى مناطق الضفة والقطاع، وبهذا المعنى تريد إسرائيل دولة يهودية خالصة، أي دولة نقية، وهذا يساوي دولة أحادية (عنصرية) ليس إلاّ، وهي نفسها التي شنت حروبا على البلدان العربية طيلة العقود الستة الماضية، كان آخرها الحرب على لبنان العام 2006، دون أن تلقى حتى كلمات عُتب إزاء انتهاكاتها السافرة والصارخة لحقوق الإنسان.
أيّ نفاق إذن حين ينشغل عدد من الدول والمدافعين عن حقوق الإنسان دون أن يتكلم أحد منهم إزاء ما تقوم به إسرائيل بحق الشعب العربي الفلسطيني، وكأن لسان حالهم يقول إن الفلسطينيين لا يستحقون التمتع بهذه الحقوق وبالأخص حقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس طبقاً للشرعية الدولية، كما تقرر الوثائق الفلسطينية للسلطة ولمنظمة التحرير الفلسطينية، مع الالتزام بحق العودة والتعويض، كحق فردي وجماعي غير قابل للتصرف أو المساومة.
هل حقوق الإنسان تصنّف جغرافياً أو عرقياً أو دينياً أو سياسياً أو أيديولوجياً، لكي تُحترم في أميركا وأوروبا، وتُهمل وتُنتهك في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية؟ أما في الشرق العربي، فإنها في مفارقة حقيقية، حيث يتعرض إلى عقوبات وحروب واعتداءات مستمرة، وتحديات خارجية وداخلية، فأين حقوق الإنسان من هذا النفاق؟ أليس الأمر يحتاج إلى لحظة تأمل؟!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جائزة التسامح
- المواطنة «المفترضة»!
- شرق أوسط ممكن شرق أوسط مستحيل
- الاتفاقية الامنية رهن للعراق وشعبه
- الاتفاقية العراقية- الامريكية من الاحتلال العسكري الى الإحتل ...
- المعاهدة العراقية-الأميركية: من الاحتلال إلى الاحتلال! (2-3)
- أوباما الشرق أوسطي!!
- زمان الطائفية
- أولويات الرئيس أوباما!
- استحقاقات أوباما
- الإرث الثقيل
- المعاهدة العراقية-الأميركية... من الاحتلال إلى الاحتلال! (1- ...
- ست حقائق أفرزتها الانتخابات الأميركية
- بغداد - واشنطن بين التبرير والتحذير
- المستقبل والمجتمع المدني
- سباق اللحظة الأخيرة بين بغداد وواشنطن
- هل المجتمع المدني شريك للحكومات؟
- أنغولا غيت!
- موريتانيا والديمقراطية إلى أين؟
- العراق منجم الخطر


المزيد.....




- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة
- ضابط المخابرات الأوكراني السابق بروزوروف يتوقع اعتقالات جديد ...
- الأرجنتين تطلب من الإنتربول اعتقال وزير داخلية إيران
- -الأونروا- تدعو إلى تحقيق في الهجمات ضد موظفيها ومبانيها في ...
- الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد ...
- مسؤول أميركي: خطر المجاعة -شديد جدا- في غزة خصوصا في الشمال ...
- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - «نفاق» حقوق الإنسان.. وقفة تأمل!