أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - حين يتّسخ الضوء















المزيد.....

حين يتّسخ الضوء


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 2501 - 2008 / 12 / 20 - 06:53
المحور: كتابات ساخرة
    


فور عودته من (زنجبار) التي ذهب إليها بمهمة حكومية ليطلع من خلالها على أفضل الطرق الحديثة المتبعة في زراعة الموز, انكبّ على الحقول المترامية في محافظته للبدء فوراً بمشروعه وتطبيق ما تعلمه, فهو مدير عام الخضار وأخواتها. ويحلم مذ تم تعيينه في هذا المنصب القيام بمشروع نهضوي, يترك من خلاله بصمة مضيئة على مسيرته الوظيفية, ويردّ بعض الدين لوطنه الحبيب الذي قام بتدريسه في إحدى الجامعات الأوروبية على نفقة الحكومة.
سنة كاملة وهو مع العمال لتجهيز الحقول لزراعة الموز.
سنة كاملة لم يخلع بزة العمل أو الجزمة.
سنة كاملة اضطرت زوجته خلالها لتهديده بالطلاق ما لم يلتفت إليها وإلى أولادهما؛ إذ من غير المعقول غيابه يومياً ست عشرة ساعة عن البيت بحجة العمل.
وتمرّ الأيام وتكبر شجرات الموز وتبدأ عناقيدها بالاكتناز والتدلّي... والمدير يراقب نموها ويحصي عددها ويقيس أطوال أوراقها العريضة الداكنة الخضرة. حتى أن بعض العمال الخبثاء أطلقوا عليه لقب " أبو موزة ".
عندما حان القطاف, ارتأى المدير إعلام وزير الغراس ونباتات الزينة عمّا تمخّضت عنه تجربته الناجحة بامتياز. وذلك لنيل الدعم والتشجيع. فقد قرر بينه وبين نفسه جعل بلده يستغني نهائياً عن استيراد الموز. ليس هذا فحسب, بل بدأ يفكر بتصديره إلى الدول المجاورة.
أخذ أربعة صناديق معبّأة بالموز واتجه بها إلى العاصمة.
لدى اطلاع الوزير على أحد الصناديق لم يصدق عينيه. وازدادت دهشته عندما تذوّق موزة منه!
- ليتك أحضرت معك عيّنات للسادة الوزراء ليطّلعوا... (عاتبه الوزير بتودّد)
- (مقاطعاً بحماس) سيدي الوزير! لم يفتْني ذلك, لقد أحضرت معي عيّنات لأهم الوزارات في الدولة.
- عظيم, عظيم... وأقترح إرسال إحدى هذه العيّنات إلى قصر الجماهير, فسيادة الرئيس سيغتبط كثيراً لهذا الإنجاز الكبير. أهنئك من كل قلبي وأتمنى عليك المثابرة والسعي الحثيث لتتسع رقعة زراعة الموز لتشمل كافة المزارع التابعة لوزارتنا.

عاد المدير العام إلى محافظته والفرح يكلل وجهه وبدأ يخطط كيف سيصرف مكافآت تشجيعية لكل من ساهم بإنجاح هذا المشروع الحيوي العظيم.
بعد ثلاثة أيام جاءه مفتش ديوان المحاسبة.
استقبله المدير العام كعادته في استقبال كل من يطرق بابه بالبشاشة ورحابة الصدر.
- سمعنا إنكم أنجزتم مشروعاً رائداً بزراعة الموز! (سأله المفتش).
- (نافخاً صدره بشموخ من أبلى بلاءً حسناً) بكل تواضع نعم.. وسوف يكتفي بلدنا من هذه المادة مستقبلاً إنشاء الله. وذلك تفعيلاً لمبدأ الأمن الغذائي. ولا أكتمك سرّاً بأنني أقوم حالياً بإعداد دراسة على هذا الصعيد. أعتقد أننا من خلالها وبعد ثلاث سنوات على الأكثر, سنكون من البلدان المصدرة للموز.. فكما تعلم بدأت معالم نضوب النفط في بلدنا بادية للعيان. وسوف أجعل الموز أحد أهم المحاصيل الاستراتيجية في هذا البلد.
- (بارتباك شديد) الحقيقة لا أدري ماذا أقول لك.. أنا قادمٌ إليك من أجل..
- (مقاطعاً بسعادة غامرة) لتقديم التهاني لمديريتنا على هذا الإنجاز الضخم. يا سيدي أقدّر لكم هذه الخطوة الميمونة, إنها بادرة طيبة منكم ولا شك. وهذا دليلٌ قاطع على أن الهيئة المركزية لديوان المحاسبة لا يقتصر عملها على التصيّد بالمياه العكرة كما يحلو لبعض الموتورين والحاقدين بنعتها.. بل أنا واثق إنكم لا تقلّون فرحاً عن عمالنا الأشاوس الذين بذلوا ما بوسعهم لإنجاح هذا المشروع الهائل, والذي يعلّق عليه قائد هذا الوطن الآمال العريضة..
- أستاذ أنا..
- بالمناسبة, ولا تعتبر كلامي انتقاصاً من شخصك الكريم لا سمح الله.. بل بصراحة كنت أتوقع أن يقوم رئيس فرعكم بتشريفي ويخصّني بزيارة للاطلاع على حقول الموز والتي باشرنا بجنيها منذ أيام.. وأعتقد جازماً إن كثرة انشغاله وازدحام يومه بملفات مكافحة الفساد... حالت دون حضوره شخصياً.. ولكن لا بأس, من المؤكد أنه سيزورني قريباً.
- أستاذ! الحقيقة...
- بالمناسبة, هل تعلم أن سيادة الوزير لم يصدق في بادئ الأمر بأن العيّنة التي اصطحبناها معنا ليطّلع عليها, أنها من إنتاجنا؟ تخيّل, توقّعَ أن نكون قد اشتريناها من على الطريق وزعمْنا إنها من إنتاجنا.. هئ هئ هئ.. يا لطييييف! بصراحة معه حق, معذور, يا أخي ليس سهلاً أن تكسب ثقة المسؤولين بهذه البساطة..
- أستاذ! بالنسبة..
- يا أخي الموز بالفعل شغلة كبيرة.. هل تعلم إن الموز يعتبر غذاءً رئيسياً في جزر الأنتيل والفيليبين وبعض سواحل أميركا الوسطى وأواسط أفريقيا.. فهو بالنسبة لسكان تلك البلاد كالقمح بالنسبة إلينا, والأرز بالنسبة لسكان الصين واليابان... هئ هئ هئ.. فعلاً الدنيا أذواق..
- أستاذ! الموضوع..
- وهل تعلم إن نابليون بونابرت كان يفضّل الموز على أي طعام آخر وهو في منفاه بجزيرة القديسة هيلانة؟
- أستاذ! لو سمحت..
- وهل تعلم إن الموز لم يصل إلى أوروبا إلا في أواخر القرن التاسع عشر؟ لأن زراعته تتطلّب مناخاً خاصاً. وكان العرب يشبهون ثماره بالأصابع أو البنان. فلما وصلتْ زراعته إلى إسبانيا والغرب انتقل اسم ثماره إليها أيضاً فأسموه " بنانا ".
- أستاذ! أرجوك اترك لي فرصة لأقول ما أنا قادمٌ لأجله...
- آسف, يبدو إنني نسيت نفسي وتركت لساني على سجيته يتدفق بالحديث عن الموز.. تفضّل وأرجوك ألاّ تؤاخذني على استرسالي!
- الحقيقة أنا قادمٌ للتحقيق معكم بخصوص العيّنات التي أخذتموها إلى العاصمة دون أن توثق هذه العيّنات في جداول البيع أو الإتلاف.. وهذا مأخذ عليكم..!
استرخى المدير على كرسيه وأشعل لفافة تبغ وأخذ نفساً عميقاً ونفثه باتجاه محدثه, وقد اكتنفه شعورٌ غريب بعد أن أدرك سبب الزيارة, إلا أنه سرعان ما أجاب بثقة:
- ومن قال لك بأننا لم ننظم بها جداول؟ لقد اجتمعت لجنة الإدارة وأعدّتْ محضراً توضح فيه بأن أربعة صناديق تم إرسالها إلى العاصمة لإطلاع السادة الوزراء على إنتاجنا..
- صحيح, ولكن هل أخذتَ من السادة الوزراء إيصالات (غامزاً بإحدى عينيه وفاركاً سبابته بإبهامه) أو قصقوصة ورقة تفيد بأنهم استلموا هذه العيّنات منكم؟
- (تطلّع المدير العام متفحصاً جدّية المفتش, ألفاه لا يبتسم أبداً) هئ هئ هئ .. الله عليك يا أستاذ! تعجبني طريقتك بالمزاح.. من يتطلّع إليك يعتقد أنك جادًّ تماماً فيما تقول.. صدّقني إنك تصلح لأن تكون نجماً في عالم التمثيل..
- أنا لا أمزح ولا أمثّل يا سيادة المدير! بالفعل أنت مدان فيما يخص العيّنات..
- (وقد تغيرت سحنته كلياً وما زال غير مصدّقٍ لما يسمعه) وهل من المعقول أن أطلب من الوزراء تزويدي بإيصالات استلام؟!!! الله يخليك, القصة ليست محرزة يا أستاذ!
- ولكن هذه العيّنات ليست ملكك شخصياً بل هي من المال العام!
- أستاذ! أرجوك لا يروق لي المزاح بهذه القضايا.. يرضى عليك!
- سبق وقلت لك بأنني لا أمزح, لقد كلفت شخصياً بالتحقيق معكم بهذا الأمر من قبل أعلى سلطة تفتيشية في هذا البلد!
- يعني لم يلفت انتباهكم سوى هذا الأمر؟ مستحيل ما أسمعه منك..! ألمْ يلفت انتباهكم بقائي عاماً كاملاً قابعاً في الحقول, وفي كل الفصول؟ أراقب وأتابع الشجر والحجر والعمال.. (عاصراً رأسه بكلتا يديه)... باختصار, من آخره, ماذا تريد؟
- ستغرّم بصناديق الموز الأربعة التي أخذتها إلى العاصمة. بالإضافة إلى نفقات التعبئة والشحن ومهمة إذن سفرك وإذن سفر السائق ونسبة اهتلاك السيارة التي أقلّتكم و..
- وثمن السندويش الذي تناولناه هل نسيته؟ كما أنني والسائق دخلت دورة المياه في إحدى الاستراحات على الطريق العام ودفع كل منا خمس ليرات أجرة إفراغ أمعائنا, يمكنك إضافتها أيضاً...
- أرجوك أستاذ لا تسخر مني.. أنا أقوم بواجبي وفق التوجيهات المعطاة لي بدقة.
معس المدير لفافة التبغ بعصبية في نفاضة السجائر وبدأ الشرر يتطاير من عينيه والمرارة تعتصر أحشاءه:
- شوفْ يا سيد‍! لا طاقة لي لسماع المزيد منك, فقد ارتفع ضغطي وازداد وجيب قلبي, ولا أتمنى أن تكونَ السبب في إحداث جلطة لي. اذهبْ وقلْ لمعلّمك: علاقتك مع كبار حيتان تجارة الموز معروفة للقاصي والداني. وطلبك الذي لمّحت لي به في آخر لقاءٍ لنا, مخالفٌ للقانون ولكافة الأنظمة المرعية في البلاد. ولن أرضخ لابتزازك مهما حاولْتَ من ممارسة الضغوط عليّ.. هيّا!
عندما أغلق المفتش الباب وراءه, سارع المدير وأجرى اتصالاً هاتفياً مع وزير الغراس ونباتات الزينة لوضعه بصورة (المكافأة) المبيّتة له من ديوان المحاسبة.. وكم كانت دهشته كبيرة عندما أجابته السكرتيرة بأن الوزير قد قدّم استقالته لأسبابٍ "صحية"!..



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجار قبل الدار
- سوبر ديلوكس
- القتل الرحيم
- الاحتفال الطبقي
- عزة نفس
- بعض أسرار الحرب السادسة
- القدر
- ما أحوجنا إليها
- قانا
- بين نارَين
- .com نفاق www.
- لقاء لم ينشر مع الفنان التشكيلي الراحل : فاتح المدرّس
- من مذكّرات شبّيح
- أرجوكم.. قبل أن أموت
- التذكرة
- من غير وداع
- دور الفساد في تحوّل الفراشة إلى.. جراد
- فتاوى
- الحبّ والسياسة
- العين الزجاجيّة


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - حين يتّسخ الضوء