أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أحمد الخمسي - عندما يأتي الحزن من باريس ومدريد















المزيد.....

عندما يأتي الحزن من باريس ومدريد


أحمد الخمسي

الحوار المتمدن-العدد: 2500 - 2008 / 12 / 19 - 03:12
المحور: كتابات ساخرة
    



في نفس الأسبوع، آليت على نفسي اقتسام الحظ الذي وهبته الظروف لي. تارة لأسباب بنيوية سياسية مثلما تقتضي سياسة الجوار المتبعة من طرف الاتحاد الأوربي منذ 2002، وما يكتنفها من أوجه الميز والحيف. مثل حالة محمد الحداد الذي برأه القضاء الإسباني من الاتهامات المرتبطة ب11 مارس 2004، بينما ما زالت السلطات القنصلية تمنع بناته وزوجته من العيش معه. وتارة لأسباب إنسانية محضة في ذات الأشخاص. مثلما آليت على نفسي اقتسام حظ الصحة والحياة مع أحمد محفوظ إذا اقتضى الأمر لإنقاذ حياته قصد الحفاظ عليه في خدمة العلم، وهو يواجه المرض.
I
عندما تصدر الجريدة، لست أدري ما الصوت الذي ستجيب به زبيدة حول حالة أحمد. آخر خبر عبر الهاتف، رد مراد باطمئنان يؤكد التحسن الجيد في الحالة الجسدية والحسية الحركية لأحمد.
من الطبيعي أن يتحسن دماغ أحمد بحلول باريس مباشرة. فقد أحب مدينة الأنوار حد التماهي. وهو ما ليس من السهل تأكيده بالنسبة لمواطن من الضفة الجنوبية للمتوسط، لو لم يكن مؤهلا للقبول بالمنهجية الحديدية في توقيت العمل وفي التركيز المضني ساعات طوال حد نسيان عادة الغذاء في منتصف النهار واستبدالها بعشق العشاء الحالم المطول على الطريقة الفرنسية، وإنجاز المهام في التوقيت المضبوط، مع جودة استثنائية.
صباح الثلاثاء، عندما قررت أن أسمع الصوت الرخيم لأحمد الودود، بعدما تحسنت حالته في باريس، أجابني الصوت المهذب لزبيدة، لكن المجاهدة في إخراج الحروف ولاستكمال الكلمات كانت تخترق الهاتف وتلف الخفوت الأصلي في صوتها. مما يعني أنها كانت تغالب حالة تشبه البكاء، قصد إخفاء الضعف الإنساني المسكون بالخبر المؤلم. سألتها وكأنني لم أع معالم الضيم من صوتها المغالب لحالتها النفسية.
الجواب:التحاليل يوم الاثنين وجناح العمليات يومه الثلاثاء والأمل هوالمتبقي في جعبة الأخبار الآتية. أما تفاصيل أجندة العلاج فيحددها الأطباء في ستة أشهر. كان وجود أحمد داخل جناح العمليات مؤثرا على لحظة حديث زبيدة عبر الهاتف.
II
من يعرف أحمد مباشرة، يجد نفسه أمام كنز بشري ليس فقط ثمين، بل ناذر. إذ أصبح من العادي أن تجد عموم الناس ملمين بتفاصيل الأوضاع، مما طبع ملامح الشخاص بما يشبه النسخ الآلية. لكن شخصية الفرد في ظل العولمة أصبحت شاحبة من حيث الحرارة الإنسانية. فكأن الطير على الرؤوس. وقد امتص الأنترنت اهتمامات الناس. فأصبحت اللحظات كلها ناقصة توابل، كلما بعدت الأحاسيس عن فأرة الحاسوب.
في حين تجد أحمد، وهو المحاط بمكتبته المهيبة، بجوار حاسوبه أيضا. لكنه، تأدبا أو تعبا أو حبا، ينتقل معك نحو المقعد المجاور للنافذة الزجاجية المطلة على بانوراما سانية الرمل وسهل مرتين حد البحر المتوسط. يسألك عن برامجك. يصف لك ملامح عيشه رفقة أصفيائه. ومواعد أشغاله. ثم ينتبه إليك وقد بادلته إشراقة محياه بإشراقة مماثلة، يقترح عليك أن تشرب قهوة أو ترافقه إلى المطبخ لاقتسام لحظة غلي الماء أو إعداد السكر والكؤوس والقهوة.
أولى صفاته، أنه يقتسم معك اللحظة التي تلتقي فيها معه بالكامل. فقد تحس أنه ملاحق بشغل مستعجل ينتظره. لكن الود المتدفق من كلماته وحركاته تجاهك، ينسيه برنامجه الشخصي، فيستغرق نفسه معك في التفاصيل بلا تكلف ولا بخل ولا حساب. والحال، أنك في نفس الآن، لا تجده لا فوضويا ولا عابثا ولا ناقص ذوق أو إحساس. بل مرهف دقيق زاهد كريم.
لا يذكر الناس بسوء، وإن جرى الكلام نحو التفاصيل، فكأنه يقظ تجاه الشيطان الكامن فيها. فلا ينزلق نحو النميمة. إذ يجد للغير أعذارا ربما هم أنفسهم لم يفكروا فيها لمحة المرور فوق الزلل. فكأن كرامة الناس لديه أولى من كل ما قد يذكر مما يشبه الحقائق. وأنت تشاركه الحديث حول الناس، لا تزل نحو أكل لحمهم احياء كما يصف الآي الكريم.
III
بعد هنيهة تدخل زبيدة، صوتها لا يكاد يسمع، فقط تبتسم، بل تقدم لك خدمة الضيافة. ليس فيه من الشرق لا الظاهر ولا الباطن. في الزيارة الثالثة أو الرابعة يبوح لك بتنوع التذوق الموسيقي والغنائي بينهما. فيخبرك أنها تفضل سماع أم كلثوم وأنه يفضل محمد الوهاب. ثم لا يلبث أن يريك كتاب النوطا ويشرح لك السمو الذي يخلد الموسيقى الأندلسية من الزاوية العلمية. وهو كذلك، إذا به يفاجئك بالانتباه لانتقال لحن من ألحان محمد عبد الوهاب من السيكا إلى الحجاز إلى.....بل، يطربك بالنقر على العود، مطوعا أوتاره، من دقة ما تتحايل أنامله على عتو الألحان البالغة التعقيد في خالدات الموسيقار المصري العصي على النسيان.
وعندما تستغرب للطف الذي يتعامل به كل واحد منهما تجاه الثاني، وهما الزوجان لمدة تصل العقدين تقريبا، تجدهما يتنافسان في الخير، في ذكر بعضهما بالجميل البسيط السهل الممتنع.
وقلما، تجد ابنة رئيس بلدية مدينة عريقة مثل تطوان بمثل التواضع والتمثل بأبسط الناس، والحال أنها دكتورة صيدلانية، ولا مرة تلتفت إليك بما يوحي إليك أنها ربما تذكرك بأصلها وفصلها، لا الموروث ولا المكتسب الشخصي. بل، تعرف أنها أمها زوج رئيس البلدية السابق ما زالت تسكن حي العيون العريق العتيق. لم تنتقل إلى فيللا ولا ظهر عليها مال السلطة مثل ما يظهر على اللواحق الطامحين في المال أول ما يتبدى الطموح.
IV
منه أخذت، وعبره استفدت من الفكرة القائلة بالتوازن البيولوجي في الكون. الذي جعل الغرب الذي سار في اتجاه دمار الإنسانية ليكتشف القنبلة النووية، نفسه الغرب الذي عاد ليكتشف شبكة الأنترنت، موحدة البشرية من جديد. يذكر لك أخاه الطبيب بمودة. ليعيد توضيح منهجه الإنساني. فيدلك على مواصفات المودة بين الناس مهما اختلفت أفكارهم.
لا يحبذ انفصال النساء في نضال خصوصي لقضايا المساواة وحل موروثات النوع الاجتماعي. لكنه غير موال لانزواء النساء في الموقع الشرقي الدوني. وهو في ذلك، مولع بذكر والدته التي كانت، بصمت، ثائرة على حالة الدونية النسائية. ويصف جماليتها الثائرة على صعيد اليومي، مقابل سعيها الصامت لمساندة بنات جنسها على المضي في التعلم والتحرر من التبعية الشرقية المقيتة.
ألا يستحق أحمد وهو الذي قاسى الجهد والجلد من أجل استكمال ترجمة جزء مهم من أعمال المفكر محمد عابد الجابري. فإذا اقتنعت أنا بإمكانية اقتسام حظوظي الصحية معه، عن طريق هبة بعض الأعضاء النبيلة من الجسد، ترى ما عسى الجهات العلمية والثقافية، التي استفادت من عمل أحمد محفوظ في واجهات المكتبات العالمية؟ بل أليس من تواضعه وكرهه الانتهازية والبهرجة أن يتنازل لغيره حضور مراسيم منح الجائزة لترجمة كتاب الجابري يوم 16 مارس 2008، بالخليج العربي؟
وقد التزمت عبر الهاتف أو أمام الملأ، قد يضحك المتحذلقون بصدد "تابوهاليت" غير المحسوبة. لكن جبروت العولمة غير العابئ، وهو ينحني خوفا من لطمة حذاء غير منتظرة، جعل منتظر الزيدي مبدعا لرد عظيم بحجم الجبروت، بقدر ما ضخ شحنة كرامة وسجل موقفا، دون أن يسفك دما. إن الكرامة التي نفتقد، تبدأ بعزة النفس التي نبخل بها مقابل نوازع المذلة. فما زلت عند الوعد مع أحمد محفوظ ومحمد الحداد.



#أحمد_الخمسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلتهنأ الملكية في التايلاند وأنجلترا
- وصفة عبد الله العروي
- حول الأخطاء المطبعية في البيانات السياسية
- موقعنا في لعبة طوريرو الأمريكية
- ضباع التنمية وسماسرة الغفلة الطبقية
- حول -الحكم الذاتي بالريف-
- هل يكفي؟
- امتحان -حظوة- المغرب لدى الاتحاد الأوربي
- الشمال على طاولة العدالة
- اللحظة الهزلية في مسرحية المشاركة السياسية
- في الذاكرة المشتركة: لو يتحدث أسيدون باسمي
- لأي نموذج تنتمي طبقتنا العليا؟
- ثلاث مداخل لبناء الطبقة الوسطى
- الطبقة الوسطى بين الحلم الأسفل والتطرف الأعلى
- مرحلة بنكيران:ضد عالي الهمة أم ضد المجتمع؟
- حول -تخليق الحياة الثقافية-
- المتخيل الثقافي في المعيش السياحي
- الجهوية والتيارات: إما للتغيير أو للتغرير
- ما الأفضل: -مرود- في المعارضة أم قرود في الحكومة؟؟
- صور زمن حزين


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أحمد الخمسي - عندما يأتي الحزن من باريس ومدريد