أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالص عزمي - قصة سلوى وشجرة الميلاد البغدادية















المزيد.....

قصة سلوى وشجرة الميلاد البغدادية


خالص عزمي

الحوار المتمدن-العدد: 2498 - 2008 / 12 / 17 - 10:43
المحور: الادب والفن
    


هاهو كانون الاول من عام 1966 يترقب حلول العام الجديد بكثير من معالم المسرة والحيوية . كان
من عادتي في مثل هذه الايام من كل عام ان أمر على مكتبة (كورنيت ) في الباب الشرقي لاطلع على ما وصل اليها من كتب ومجلات واسطوانات ومعايدات بشتى اللغات الاجنبية . دخلت المكتبة و قبالة رف الكتب الحديثة تسمرت في مكاني فقد وقع نظري على رواية بعنوان ( القدر الكبير ) للشاعرة سلفيا بلاث زوجة الشاعر الانكليزي الكبير تيد هيوز ؛ كان هذا الكتاب قد نشرلاول بأسمها المستعار فكتوريا لوكاس ؛ وحصلت على خلاصته الموجزة التي نشرت في احدى الصحف الاسبوعية ايام دراستي في لندن ولم استطع شراء نسخة منه في حينه . وعلى رف المجلات االاسبوعية طالعتني مجلة فنية ملونة تحمل صورة لاسطورة الغناء والناشطة الشجاعة ضد التمييز العنصري المطربة مريام ما كيبا ؛ حيث نشرت صورتها لمناسبة فوزها بواحدة من اعظم جوائز الموسيقى العالمية وهي ( غرامي ) . تأبطت الكتاب والمجلة وخرجت من المكتبة وانا في فرح غامر ؛حيث عدت ادراجي الى الزقاق المحاذي لعمارة مرجان لأجلس في سيارتي الصغيرة وأبدأ بمطالعة ما حملت من متاع ؛ منتظرا قدوم زوجتي وابنتي من جولتهما السريعة على بعض مخازن ملابس الاطفال في تلك المنطقة .

حينما عادتا ؛ انطلقنا حيث الساحة التي تعرض فيها اشجار عيد الميلاد . لم تكن هذه هي المرة الاولى التي نبحث عما يروق لنا من تلك الاشجار في معارض الزهور ؛ وانما كانت هي الاولى التي نجد ها وقد افترشت ساحة حديقة الاوبرا طولا وعرضا ؛ اذ كان احد خريجي كلية الزراعة قد جلب اكبر عدد من اشجار العفص والأثل و السرو وما الى ذلك من مثيلاتها؛ واخذ بتشذيبها وتنظيمها بشكل انيق ثم وضع على كل منها بطاقة خاصة تشير الى سعر ها وهي صيغة حديثة لم نكن نألفها في معارض الزهور من قبل .
كانت ابنتي الصغيرة سلوى ؛ و التي لم تتجاوز الرابعة من عمرها ؛سعيدة بما شاهدته في هذا الحشد المخضل الذي يشبه البستان ؛ كانت الشجرة بالنسبة لها هدية لاتقدر بثمن؛ بعد ان شاهدت بالامس شجرة تتلألأ بالاضواء الملونة في بيت جارنا المهندس جبرائيل والد جانيت زميلتها في الروضة .

راحت زوجتي تجول بين صفوف الاشجار وهي تدفع بعربة سلوى امامها ؛ ثم غابت عن ناظري وهلة ؛ حتى سمعتها تنادي عليّ وهي تقول : لقد اخترت واحدة جميلة ... كانت شجرة سرو صغيرة ولكنها ممتلئة باغصانها الطرية ؛ ... حملها البائع الى حيث تقف سيارتنا ؛ لقد حاولت جاهدا ان ادخلها من خلال فتحة الصندوق الامامي ؛ او من خلال الشباك الجانبي فلم افلح ؛ كانت سيارة الفوكس واجن اصغر من ان تحمل حتى مثل هذه الشجرة المتواضعة ؛ ازاء ذلك لم يكن امامنا سوى انتظار مرور واسطة نقل يمكن استأجارها لنقل الشجرة ؛ فجأة مر بنا صديقي غانم ومعه زوجته ليقتنيا هما ايضا واحدة ؛ وعرفا بما كنا عليه من مأزق ؛ فتبرعا بايصال الشجرة الى بيتنا بعد ان يتبضعا من اسواق اليرموك القريبة من دارنا في المنصور .
حينما سلمته شجرتنا الصغيرة لاحظت علامات الاستغراب على وجه سلوى فطمنتهابأن كل شيء على ما يرام وانها ستصل سالمة . احست سلوى بالجوع ؛ فتوجهنا الى اول مطعم لبيع الاكل الجاهز ؛اسمه ( ابو يونان ) ؛ اخذنا منه الهامبركر اللذيذ الذي كان يجيده ومعه بعض المشروبات الغازية ؛ ثم انتحينا جانبا فتناولنا الوجبة على عجل ؛ ...... ثم عدنا الى البيت .

مع ان ابنتي كانت مرهقة حقا الا انها ظلت تراقب باب الكراج وتستفسر بين الحين والآخر عن مصير شجرتها ؛ وحينما طال انتظارها لم تستطع مقاومة سلطان النوم فغفت على كتف امها اولا ثم نقلتها الى سريرها .
وصل زميلي غانم حاملا الشجرة الى داخل البيت و معتذرا عن التأخيروهو يقول مازحا ::(لقد كانت زوجتي راغبة بشراء كل ما في المخزن ولكن شحة النقود كانت هي العائق) . وما كاد غانم يغادرنا حتى هرعنا نضع جذر الشجرة المحاط بقاعدة خشبية في آنية خزفية بغدادية قديمة كانت في الاصل لحفظ الطرشي البيتي ايام رمضان ؛ . لم تكن معنا في البيت اية ديكورات زجاجية لنعلقها على الاغصان ؛ فاقترحت تزيينها على طريقة الريف الاوربي الذي عاشت بين ظهرانيه .

عندما رحت اضع قليلا من الحصى في داخل الآنية لتثبيتها باحكام ؛ جاءت زوجتي وهي تحمل صندوقا مليئا بفواكه صغيرة كانت محفوظة في الثلاجة مثل( التفاح العراقي واللالنجي والليمون ) ؛ بل وجلبت معها حتى تلك الاكياس المليئة بالتمر الأشرسي؛ والمن السما ؛ والتين والمشمش المجففين ؛ والجوز والنستلة وما الى ذلك ... ؛ جلسنا ؛ نغلف المواد الصغير باوراق الهديا اولا ثم نشد كل ذلك الكم بالخيوط الملونة لكي نوزعها على الاغصان بتناظر أنيق .. كان الليل قد انتصف حينما اكملنا مهمتنا ؛ وكان التعب قد أخذ منا مأخذه فاغلقنا باب غرفة الجلوس باحكام ؛ ثم خلدنا الى النوم.

كان من عادتنا ان نتباطأ في النهوض ايام الجمع ؛ الا ان سلوى ايقظتنا ذلك الصباح مبكرا :
ـ بابا هل جلب عمو الشجرة ؟
ـ نعم جلبها ...
ـ ممكن اشوفها
ـ بالطبع ؛ ولكن بعد الفطور
التهمت فطورها بسرعة غير معتادة ؛ وظلت تنتظرنا لحين أكملنا فطورنا نحن ايضا .
ـ بابا .... الباب
فتحنا لها الباب ونظرت الى الشجرة المرتدية حلتها الجديدة ؛ فظهر الحبور طافحا على وجهها ؛ لقد تأكدت الآن ان الوعد الذي قطعناه لها بالامس قد تحقق فعلا . نظرت الينا بزهو وهي تخطو نحو الشجرة رويدا رويدا ؛ صعدت على الصندوق الخشبي الفارغ من اية محتويات سوى بقايا الخيوط واوراق الزينة ... وراحت تتملى تلك العروس عن قرب ؛ وما هي الا لحظات ...سحبت احد الاغصان المتدلية لتلتقط واحدة من الحلوى فهوت الشجرة على الارض وتناثر كثير من معلقاتها على الارض ؛ أخذت سلوى تصرخ بحرقة وهي ترتجف والدموع تتناثر من عينيها ...و تتطلع الينا مذعورة ؛ لم نحاول ارباكها أكثر ؛ تقدمنا نحوها ونحن نضحك وحملتها الى أعلى مهدأ من فزعها ؛ وراحت امها تربت برفق على خدها ...ثم أمسكت بيديها وهي تقول :
ـــ سلوى .....هل تعرفين لماذا سقطت شجرتك على الارض ؟
نظرت اليها .. والدموع ما زالت تتساقط على وجنتيها : وهزت رأسها نفيا
ـــ لانها ارادت منك أنت بالذات ... ان تساعدينا في تزيينها
وهززت رأسي علامة الايجاب

وجدت زوجتي ان الوقت مناسب لسماع بعض اغاني عيد الميلاد ؛ فوضعت على( الكرامفون ) اسطوانة مشهورة لكبار الفنانين ( بنج كروسبي ؛ فرانك سيناترا ؛ نات كنج كول ؛ هنري بلفونتا ؛ دين مارتن ؛ بيجي لي ؛ ... ) فراحت اصواتهم تصدح في ارجاء الغرفة ؛ وسارت مع سلوى وهي تقول لها ؛ لما كنت صغيرة بعمرك كنا نسكن في قرية على الدانيوب .. وكان ابي قد اشترى شجرة كبـ ـيرة.......
ثم اخذ الصوت يتلاشى كلما ابتعدتا عني الى ركن قصي من الغرفة الواسعة

بعد دقائق عادتا نحوي ... كان مزاج سلوى قد تغير تماما حيث اخذت تتقافز ؛ وتضحك ببراءة ..... ثم فجأت ركضت نحوي و احتضنتني وراحت تقبلنيلاكثر من مرة ....
جلسنا ثلاثتنا على السجادة وأخذت سلوى مهمة جمع ما كان قد تساقط من الشجرة وتعيده الى الصندوق ؛ ثم بدأنا بتزيين اغصانها مجددا ..... عندما تكاملت مهمتنا احضرت كاميرا التصويرالاوتوماتيكية ووضعتها على قاعدتها ثم جهتها نحونا ونحن نقف امام شجرة الميلاد البغدادية ؛ فالتقطت لنا صورة تذكارية

واليوم حيث يلتأم شملنا مجددا ....نعاود النظر الى تلك الصورة ؛ فتهب علينا نسمات ذكريات الامس الساحرة التي تحمل معاني المحبة والعطف وعطرالتسامح والأمان .



#خالص_عزمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار المتمدن في درب الثامنة
- وجهات نظر ( 2 2 )
- وجهات نظر (1 2 )
- الاسود والابيض والمواثيق الدولية
- الى خيمة مسيحية في سهل نينوى
- قد حلا نظمي ورق الغزل
- تجربة الشعب العراقي مع المعاهدات
- قصائد في بغداد
- لمحة عن محمود درويش
- حكمة وعبرة
- تربية أطفال العراق على حب الوطن
- في يوبيلها الذهبي انجازات ثورة 14 تموز
- لماذا لم أكتب الرواية ؟!
- من مقدمات كتبي 6
- قصة قصيرة الغرفة رقم 6
- انشاد حائر
- تجربتي في النقد المسرحي
- ربيعيتان
- هل سقطت بغداد ؟ أم أسقط العباد في الفوضى
- تراث المسرح العربي ( لمناسبة يوم المسرح العالمي )


المزيد.....




- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالص عزمي - قصة سلوى وشجرة الميلاد البغدادية