أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في نقد تصور الوطنية القومي العربي















المزيد.....

في نقد تصور الوطنية القومي العربي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2497 - 2008 / 12 / 16 - 08:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتبنى مثقفون سوريون وعرب تصورا قوميا عربيا للوطنية تعود أصوله إلى خمسينات القرن العشرين وستيناته.
شأن كل تصور قومي ينزع هذا إلى تعريف الوطنية بدلالة الموقف من "الخارج"، بصورة خاصة في حالتنا أميركا وإسرائيل، لكن أيضا مع تشكك وامتعاض عميقين من الغرب ككل (تمتزج فيهما دوافع سياسية حديثة مع حساسيات ثقافية ودينية قديمة).
ومثل غيرها من النزعات القومية تعرض الوطنية القومية العربية، إن صحت النسبة، تمركزا حول الذات فاقمته إخفاقاتها السياسية ولم تخففه، وأسبغت عليه صفة فصامية. وإذ لم يجد هذا النزوع سندا إيجابيا له في العصر جنح إلى الارتكاز على الماضي، ما قد يفسر الجمع بين العربي والإسلامي في العقدين الأخيرين. ثم إنه كان لهزيمة الحركة القومية العربية عام 1967 أمام "العدو القومي" أن حولت التوجس من "الخارج" من الصعيد السياسي إلى الصعيد الفكري والقيمي والحقوقي، ما أفضى إلى تراجع العناصر الكونية والتحررية في الفكرة القومية، واشتداد ساعد نزعة المحافظة فيها، هذه التي وجدت سندها في الدين. ولعله من هذا الباب فرض شاغل الهوية نفسه في العقدين الأخيرين من القرن العشرين. فالهوية استمرار للقومية، لكن على مستوى الثقافة لا السياسة.
مثل غيرها أيضا تظهر الوطنية القومية العربية نزوعا انصهاريا مفرطا، اندفعت تحت تأثيره إلى إنكار تعدد المجتمعات العربية، واشتمال دول عربية كثيرة على سكان غير عرب مقيمين فيها منذ أزمنة بعيدة، وبعضهم أقدم من العرب أنفسهم. وفكرة التجانس الوطني أتاحت لأطقم الحكم في غير بلد عربي أن تسدل ستارا صفيقا من الصمت على وقائع التعدد الاجتماعي والثقافي في بلدانها. كما أن الفكرة ذاتها تكمن وراء ظاهرة "شخصنة السلطة"، بما قد يكون نوعا من التعويض الرمزي عن نقص التشكل والاندماج الوطني. وهي كذلك مصدر استسهال التخوين بوصفه تعكيرا لصفو "الوحدة الوطنية"، المفهومة دوما كتجانس لا كمساواة. وليست نظرية المؤامرة بعيدة من هنا. فالنزعات القومية في كل مكان ذات بنية بارانوئية، تتجاور فيها مشاعر العظمة مع مشاعر الاضطهاد. وتتغذى نظرية المؤامرة من التقاء مشاعر الاضطهاد مع الميل المتأصل في القومية إلى شخصنة العلاقات الدولية، أي اعتبار "الخارج" شخصا واعيا مغرضا مريدا... متآمرا.
كذلك تعرض الوطنية القومية العربية نزعة توسعية واسمة للمبدأ القومي عموما. وإن لم تتح الأوضاع التاريخية للقوميين العرب المعاصرين فرصة التوسع الجغرافي (بل أتاحت، ولم يعفوا..)، فإن التوسع الداخلي العمقي، أعني تعريب السكان جميعا، واعتبار عروبة بلداننا خاصية جوهرية لها، سابقة على كل أكثرية وأقلية وإرادة سياسية، ليست خارج نزعة التوسع القومية. هذا فضلا عن ضرب من التوسعية الخرائطية، إن صح التعبير، تتمثل في توسيع خريطة "الوطن العربي" بحيث تضم كل الدول العربية وما يعتبر محتلا من أرضيها وأقاليم لا تعتبر ذاتها عربية (أرتريا مثلا). إذ القومية جوهر سابق للدول وقراراتها والتفضيلات المحتملة لسكانها. ونجد ما يشبه ذلك عند القوميين الأكراد والقوميين الأتراك.
وهناك أخيرا نزوع مميز للقومية بما هي كذلك إلى المماهاة بين الأمة والدولة، وجعل هذه مقر الوطنية ومعيارها، فضلا عن كونها الفاعل السياسي الأكبر، إن لم يكن الوحيد. عبادة الدولة ليست غريبة على المذهب القومي.
يضاف إلى ما سبق أيضا التقليل من شأن المشكلات الاجتماعية والقانونية والسياسية المتصلة بإدارة الموارد الوطنية ونظم توزيع الدخل ومسائل الاضطهاد السياسي وأحوال الاستثناء المقررة بقوانين أو من دونها في أكثر البلدان العربية.
كان ياسين الحافظ انتقد في سبعينات القرن العشرين السمة الشعورية واللاعقلانية لتفكير القوميين العرب، وغربتهم عن مفهوم "موازين القوى" وافتقارهم إلى "وعي كوني"، لكن كتلة القوميين العرب سارت عكس اتجاه نقده: نحو المزيد من الانكفاء عن الكوني وإرساء حركتهم على أساس الهوية والدين، ونحو الانفعال بدل النقد، وتخوين الغير بدل مراجعة الذات، والجنوح نحو رفض الخارج بدل تحرير الداخل، ونحو مزيد من الانكفاء على الذات والمحافظة الاجتماعية والثقافية لا نحو مزيد من النقدية والانفتاح العقلي والسياسي.
وتجد نظم الحكم في بلداننا، وإن كانت لا تكن غير قليل من الود للمذهب القومي العربي، نفسها على وفاق مع مفهوم الوطنية هذا لأنها تجد في خصائصه الدولانية، ونزوعه التجانسي والتوسعي، وتفضيله تعريف الوطنية بدلالة الخارج، أي كل ما يضعه في تعارض مبدئي مع الديمقراطية، استراتيجيات مناسبة للحكم في الداخل. لذلك لم يفض تدهور وضع ونفوذ الفكرة القومية العربية إلى أي تراجع في هذا المفهوم القومي للوطنية، بحيث يسعنا الفصل دونما عناء بين هذا المفهوم للوطنية وبين مصائر الفكرة والدعوة القومية العربية. يستمر الأول بفعل تمفصله مع هياكل الدولة والسلطة في بلداننا، بينما يعيش الثاني حياته الخاصة التي ربما تنفرد عن الأفكار والدعوات القومية الأخرى بأنها تتحدد أكثر من غيرها بالخارج وتتوجه أكثر من غيرها نحو الماضي.
وما نريد ترتيبه على ذلك أن نقد الفكرة القومية العربية لا يكاد يمس مفهوم الوطنية السائد. وهذا صحيح حتى في سورية، وهي المثال الأبرز، ولعله الوحيد اليوم، لوطنية تربط نفسها بصورة صريحة بالمرجعية القومية العربية. فليست القومية العربية هي السر في استبداد نظم الحكم في بلداننا، بل إن الاستبداد هذا هو ما يستصلح التصور القومي للدولة والمجتمع لأنه مناسب لدوامه. هذا يعني أن نقد القومية، وهو ضروري دوما، لا يكون مجديا إلا بقدر ما يرتبط بنقد الوقائع والبنى والممارسات هذه، في البلدان التي ترفع راية القومية العربية كما في غيرها.
لماذا إذن ننسب تصور الوطنية الذي عزلنا بعض ملامحه فوق إلى القومية العربية لا إلى هياكل السلطة الاستبدادية؟ بكل بساطة لأن القومية، منسوبة إلى العروبة أو إلى دولنا القائمة، لا تتوفر على أية مناعة ضد الاستبداد، وحيثما تطورت أوضاع ديمقراطية في بلد ما فبتقييد النزعة القومية، مفهومة كطوبى سياسية أو كآليات مجانسة وتوحيد، لا كتعبير عنها. ولطالما لعب المزج بين الطوبى السياسية (وهي عربية تفضيليا، في سورية بخاصة) وبين آليات المجانسة (التي تعمل لمصلحة الدول القائمة، أيا تكن) لمصلحة دعم الخصائص الاستبدادية في دولنا. هذا فضلا عن أن القومية العربية هي الشكل القياسي والشرعي لنزوع الدول إلى "قومنة" ذاتها، وانتزاع شرعيتها السياسية والكيانية. وحدهم القوميون العرب لا يتبينون ذلك.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بصدد -الأخلاقوية- و-الحضاروية- و.. السياسة
- ضد إدراج حقوق الإنسان في أجندة العلاقات بين الدول
- وجهان لدينامية الصراع العربي الإسرائيلي
- لا حل إسلاميا للمشكلة الطائفية
- أي نقد للقومية العربية؟
- في العروبة والوطنية السورية: المحصلة الصفرية ليست محتومة
- القرضاوي وخصومه: من الأمة الدينية إلى الأمة السياسية
- في الرأسمالية والأزمة.. والديمقراطية
- رئيس أسود في البيت الأبيض..!
- عن الممانعة والسلبية والعداء للغرب
- فرصة لتوسيع الديمقراطية العالمية!
- أغزوٌ شيعي لمجتمعات سُنيّة؟!
- تغيير المعارضة أولا..
- في العلمانية والديمقراطية والدولة
- على هامش الأزمة الأميركية: النهايات والعودات
- التمثيل القومي لسورية عائقا دون التمثيل الديمقراطي للسوريين
- إرهاب بلا وجه وأمن بلا لسان!
- الاستبداد كاغتراب سياسي
- الطائفية بين أهل الإباحة وأهل العفة
- من الشعبوية والنخبوية إلى استقلال السياسة والمعرفة


المزيد.....




- قطة مفقودة منذ أكثر من شهر خلال نقلها إلى ألمانيا.. لم يعرف ...
- وزير خارجية تركيا يتحدث عن زيارة مرتقبة للسيسي إلى أنقرة.. و ...
- -نيويورك تايمز-: سلاح إسرائيلي ألحق أضرارا بالدفاعات الجوية ...
- أوكرانيا قد تتعرض للهزيمة في عام 2024. كيف قد يبدو ذلك؟
- أخذت 2500 دولار من رجل مقابل ساعة جنس مع طفلتها البالغة 5 سن ...
- جناح إسرائيل مغلق.. تداعيات حرب غزة تصل إلى معرض -بينالي الب ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- عباس: سنعيد النظر في العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة
- الجيش الروسي يسقط ثلاث طائرات بدون طيار أوكرانية فوق مقاطعة ...
- المكتب الإعلامي في غزة: منع إدخال غاز الطهي والوقود إلى القط ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في نقد تصور الوطنية القومي العربي