أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - لم يحسن التصرف..مأدبة الليل..(قصتان)















المزيد.....

لم يحسن التصرف..مأدبة الليل..(قصتان)


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2499 - 2008 / 12 / 18 - 06:41
المحور: الادب والفن
    


(1)
(لم يحسن التصرف)

ما من سبيل للوصول إليه،مثل فص ملح أبتلعه مد البحر،تركهم وذاب،فامتثلوا قلقين في انتظار مفاجأة أو يقظة من براثن كابوس داهمهم في وضح النهار،رغم عناد حضوره وقوّة تمسكهم به..!!
***
رجل متواضع،يمشي والنمل يخرج من تحت قدميه متعافياً كما يقولون،وكلّهم يقين،أنه ما من يوم اجتاز جغرافية عيونهم ولم يبرح خرائط عقولهم،بل وصفوه أيضاً،كحل عيونهم،آراء كثيرة تضاربت حول اختفاؤه وتم صياغة أقاويل وحبك شائعات بلا إسناد ومن كان يعرفه قبّر كل حديث موضوع غير مقترن بيقين..!!
***
قال مستطرق:
ـ تصادفت معه قبل يومين،كان مسكوناً بقلق غريب..
قال آخر:
ـ رأيته مع شرطي،كان مطأطئ الرأس..
تعطلت عربة تحرياتهم وخمدت ثورة رغبتهم وجلسوا يستقبلون ما تنثره الألسن من شكوك وظنون..!!
***
ذات ظهيرة،أكدت امرأة مصدوقة الحديث،أنها لمحته رغم إخفاء وجهه بلثام،عرفته من سيره وبراءة عينيه،رأته ينسل إلى بناية المحكمة..
وفي اليوم اللاحق تدافع حشد واقتحموا المبنى..
قال لهم المحقق العدلي:
ـ كان هنا بالأمس،ليس بوسعي أن أتحدث أكثر من هذا،مسكين لم يحسن التصرف.!!
تنامت الرغبة من جديد ووجدوا أنفسهم في جولة لاحقة من البحث عن مصير رجل كان بينهم وتركهم في حيرة وسط متاهات تتسع..!!
***
انبرى شاب حديث التخرج منتدباً نفسه لمتابعة سير أوراقه والوقوف على الحقيقة المؤلمة،رفض أن يقبل أتعاب من باب دعم المساكين،أقتحم أسوار مركز الشرطة بصفته محامي دفاع..قال له ضابط المركز:
ـ قدّم لنا شكوى حول وجود لص مكبل اليدين في داره،هكذا دوّن كلامه،وتم نقل اللص إلى السجن..
ـ وماذا بعد..!!
ـ تلك هي خلاصة القضيّة،ثمة التباس قد حصل،ليس بوسعي إيضاح كل شيء..!!
لم ينل شيئاً أو يلتمس خيطاً يفضي إلى الهدف..!!
***
خبر مفاجئ أخرس الأفواه وأربك العقول،وظلوا غير مستوعبين لما تقوله الألسن حول إطلاق سراح اللص لبروز شهود وأدلة أقنعت قاضي التحقيق،دوّنوا إفادات جاءت متطابقة مع ما قاله المتهم رغم تلبسه بالجرم المشهود..!!
ذهبوا إليه..قال أحدهم:
ـ أنت سبب اختفاؤه..؟؟
ـ أتهمني زوراً..
ـ أنت لص..
ـ لست بلص،هو من أختلق ذلك..
ـ قل لنا أين هو..؟؟
ـ لا اعلم..رأيته لحظة أطلق سراحي،بكى وذهب غاضباً..!!
***
ذات مساء ولج الزقاق شرطيّان..قال أحدهما:
ـ يا له من نذل..
قال صاحب المقهى:
ـ ماذا حصل،خبرونا..
ـ أولاد الحرام..
ـ ماذا تقصد يا رجل..
ـ ماذا اقصد أم ماذا افتروا..
أجاب الآخر:
ـ يا جماعة،طوّلوا بالكم،أين يذهبون ..
ـ دعونا نفهم كلامكم..
قال الأوّل:
ـ رتبوا القضيّة وفلتوا من القانون..
أجاب الآخر:
ـ يا جماعة هذا الحقير،حوّل عملية السرقة إلى حفلة غرام،تصوّروا إلى أين وصلت ضمائرهم..
قال الأوّل متصنعاً:
ـ همّت بيّ وأدخلتني إلى غرفة النوم وحين علم بنا قيّدني واتهمني بالسرقة..
تحجرت عيونهم وفغرت أفواههم وارتسمت أكثر من علامة دهشة واستغراب لحظة لفظ الشرطي الثاني زفيراً صائتاً وقال:
ـ لقد اهتدينا إليه يا جماعة،المسكين،اكتشفته امرأة زارت قبر أبنها،وجدته متيبساً فوق قبر زوجته التي ماتت قبل سنوات..!!
***
(2)
(مأدبة الليل)

تلفعت المدينة بثوب الحزن،وعادت عباءة الخيبة من جديد لتغطي الناس،لقد قرع ناقوس الرهبة وليس بوسع أمرؤ المكوث خارج مأواه قبل أن يحل ظلام كل ليلة،(إعصار)هكذا وصفوا قدوم الشلّة التي تربعت على عرش البلاد وبدأت بإلغاء كيانات الرياح السابقة عن طريق زراعة مخالب وعيون حول المنافذ الترويحية للناس،لقد جاء ليل جديد وآن أن يرتمي كل واحد في منامه ليحصي سراً ما تبقى لديه من أحلام..!!
***
وحده الرجل الكهل متشرد البلدة ظل يتلمس دربه،لا يعرف أين مستقره ومقامه، يمشي ساحلاً ظلّه،كحمارٍ متهالك ينوء بحملٍ فوق قدرته،دائماً يمضي دونما وجهة،حيثما يكون هناك مكان لا يشوبه تعكير مزاج أو ثقل دخيل،يفترش معطفه الرث،يستلقي بعد حسوات ملتهبة من رديء مشروب،يسوده الهدوء وتنكشف أمامه فضاء وديع تتزاحم فيه أرواح تفر،أفاعي تلهث وتلتف حولها،يربكه المشهد،لا حل آخر لديه،يستدير ويدس وجهه الغافي خلف لحية كثّة بين ذراعيه وينخرط في بكاء متحشرج مع هبوط الدفقات الأوّل للسجف..!!
***
وصل الشارع الرئيس للبلدة،حيث الوادي الممتد كأفعى هاربة من التلال المرتمية بعشوائية في جهة بزوغ الشمس،صمت كثيف وظلال تتحرك مارقة،ليس هناك تصريح لمن يروم إنارة عتبة منزله وحتى فناءه،بات إظلام المنازل واجباً وطنياً،تقتيراً للطاقة وتجنيب الناس الكلف المتصاعدة،هكذا نصت الأوامر الحاسمة والصارمة،صوت يتصدى ويتناثر،إيقاعات كأنها ضربات معاول أو درداب طبول تستقيم من أسفل قدميه ، إحساس غريب يدفعه،وصل مكاناً منيراً،حشد قناديل ملونة ترشق هيكلاً لم يره سابقاً بألوان تتماوج،خاله نصب شاعر منسي أنهضه(القادم الجديد)من إحدى(مزابل) التاريخ ومنحه رتبة شرف،تأمله وهز رأسه وقبل أن يخلع معطفه ،باغته صوت:
ـ هي..قف وإلاّ سلخت فروت رأسك..!!
ـ رأسي..وهل أملك رأساً لتتسلى به..
ـ أمامك حفنة دقائق قبل أن تغلق الشوارع..
ـ لكم ما شئتم أن تفعلوه،أيّة دقائق تعني،أيّة شوارع..
ـ ليس بوسعي أن أتجرع السموم من أجل معتوه..أغرب من هنا..
ـ أغرب أم أشرق سيّان..أفعل ما شئت..
ـ هي..أبحث عن قمامة وأدفن نفسك حتى الصباح..
ـ وهل لدينا صباح أيضاً..يا للهول ما زلت أحلم إذاً..
ـ أبحث عن ملاذ،هيّا..لم أعد أحتمل شر الإحسان..اذهب إلى أي مكان آخر ..هيا..هيا..!!
حرر ضحكة وراح يدور ويضرب الأرض بقدميه ولحظة توقف،صاح:
ـ أيها العس الطيب،لا تستبدل ردائك،ملعون تعرف كيف تنتشل طعامك من بين أنياب الذئاب أوقات المجاعة..
ـ لست أمازحك يا معتوه..اذهب وجنبني شرورك ..
ـ ما دخلك بشروري،تفصلون الشر وأنا ألبس،وكما ترى،الليل منزلي،دائماً تناصفوني جنوني وتقيئون أتعابي..
ـ لا تخرجني من طوري،قلت أذهب ودعني ولا تدنو من هذا المكان ثانية..
ـ أين تريدني أن أذهب،لا..لا..لن أترك هذا المكان المقدس،هنا ذابت أحلامي،هنا سرقوا زمني،أينما أذهب،أراني ألهث ثانية إلى هذا المكان..دعني..دعني..أعانق حلمي يا عس..
ـ لا بد أن أحدهم قد حقنك بالسموم،تجنب يا معتوه الفئران ولا تدعها تلعب في جيوبك..
ـ يا عس،مالي وما للفئران..روحي تتوق لها،أنها تناديني،دعني أعانقها يا عس..
ـ يا معتوه،بت لا أطيق وجودك،إيّاك أن تتفوه بشيء،هؤلاء خرجوا عن بيت الطاعة
ونالوا جزاءهم،جراء خرقهم لسياسة حكومتنا،ما ذنبي أنا،لي أطفال وزوجة عليلة،جنبني الشر يا معتوه.
ـ أيّة طاعة يا عس،ماذا جنت،كانت وردة،أرادت أن تنشر عطرها للناس،منحتها السماء حلو الكلام وحسن تنظيم الجمل،قل لي:هل ينبغي قتل الشعراء كي تشتهي الزوابع الرقص فوق الحقول..؟؟
ـ أنت تتفوه بكلام خطير يا معتوه،ليس بوسعي السماح لك بالمضي أكثر مما يجب..!!
ـ لن أبالي..جئت لأشنف أسماعها بالمراثي،لدي رغبة للذهاب إليها..أفعل ما تشاء يا عس،أطلق صفارة الإنذار،أجلبهم إن شئت،لابد أن أغني لها هذه الليلة..!!
أخرج زجاجة من جيب معطفه وأشار به وهو يحركها،أخرج بضع حبات عنب ضامرة التقطها من قمامة وبرتقالة خائسة أكتشفها حذاءه فوق الرصيف،ألقى بمعطفه وجلس قبالة الهيكل المعدني السابح في أمواج ضوئية تتلاوى كأفاعي في لحظة غرام،شعر بظلٍ يدنو،لم يجشم نفسه عناء التحري..
ـ دائماً تأتي في الوقت المناسب..
رفع رأسه،كان العس يقف ومن وراء كتفه تمتد ماسورة بندقيته إلى السماء المتلألئة رآه يبتسم وسمع صوت تلمظات لسانه وهو يفتل شاربيه..
ـ دائما تضعني داخل القفص يا عس..
ـ الليل لا ينقضي يا عزيزي بدون هذا الجحيم..
ـ كيف ينقضي والرياح القذرة لا تترك هذه البلدة..
ـ دعها تهب وتغربل،لن ننسلخ من جلدنا القديم،هيا..ما الذي أعددت لنا هذه الليلة..
ـ وهل هناك جديد..
ـ أتدري ليلة معك يساوي العمر يا رجل..
ولحظة جلس،بان الهيكل الحجري الشامخ كشاعرٍ بلا جمهور يطلق صرخاته للريح وحوله أشباح ترفرف وتلقي بوابل أحجار عليه..
ـ قل لي من هذا(الحمار)البائس..من أي قمامة أتوا به..؟
استدار العس وهو يرتعد،قام وأخرج صفارته ومزق السكون الشامل،بينما كان الرجل الكهل يشير بزجاجته نحو هيكل(الحاكم)المغسول بحزم ضوئيّة متموجة صارخاً:
ـ في صحتك أيها الحجري التعيس..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصتان قصيرتان..
- عين الشمس..تشابه الأسماء كان السبب(قصتان)
- لكن الطائرات لم تجيء..(قصة)
- لا أحد يريد ترك الدراما..(قصة قصيرة)
- بعل الغجريّة..(أيها المروجيّون أستميحكم عذراً..
- بعل الغجريّة..(رواية)11
- بعل الغجريّة..(رواية)10
- بعل الغجريّة..(رواية)9
- بعل الغجريّة..رواية)8
- بعل الغجريّة..(رواية)7
- بعل الغجريّة(رواية)5
- بعل الغجريّة..(رواية)6
- بعل الغجريّة..(رواية)3
- بعل الغجريّة..رواية/4
- بعل الغجريّة..رواية(2)
- بعل الغجريّة..رواية(1)
- حكاية عبّاس
- ثلاث قصص قصيرة
- السكن في البيت الأبيض
- ونثرنا ضمائرنا على الجدران//قصة قصيرة


المزيد.....




- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - لم يحسن التصرف..مأدبة الليل..(قصتان)