أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - الاصدقاء الثلاثة















المزيد.....



الاصدقاء الثلاثة


شاكر خصباك

الحوار المتمدن-العدد: 2497 - 2008 / 12 / 16 - 10:31
المحور: الادب والفن
    


الأعمال الكاملة - 30
روايـة
____________________________________
الطبعة الأولى 2006م
____________________________


صـــوت
اسمعوا أيها الزنادقة. يظهر أن جماعتكم لا يهتمون لأمركم. فلم يحاولوا حتى الآن الاتصال بنا والتفاوض بشأن الفدية. ليكن. السكاكين أُعِدّت لذبحكم. وعما قريب ستحزّ بها رقابكم.

حـــــوار
يوسف – كم يوماً مضى علينا هنا؟
علي – لا يمكن معرفة ذلك.
زكي– بالطبع. كيف لنا معرفة عدد الأيام ونحن معصوبو الأعين منذ الدقيقة التي خطفنا فيها من سيارتنا ومنبطحون على هذه الأرض الخشنة في هذه الغرفة التي لا يبلغها أي صوت ولا نميز فيها الليل من النهار؟
يوسف- أتصور أنه مضى علينا أسبوع.
زكي – ولماذا أسبوع؟
يوسف – لأننا ذهبنا سبع مرات إلى المرحاض. وكل مرة تمثل يوماً طبعاً.
زكي – دليلك هذا لا يعني شيئاً. ربما سمحوا لنا بمرة كل يومين.
علي – خصوصاً وأنهم لم يقدموا لنا في بدء اختطافنا أي طعام.
يوسف – (بعد لحظة) لديّ دليل آخر إذن وهو وجبات الطعام.
زكي – وهذا الدليل لا يعني شيئاً أيضاً. فهم لم يتقيّدوا بأي مواعيد في وجبات الطعام.
علي – أظن أنهم يقدمون لنا وجبة واحدة في اليوم.
زكي – (في شيء من السخرية) لديّ طريقة أخرى لحساب الأيام التي أمضيناها هنا يا يوسف، وذلك عن طريق الضرب الوحشي الذي نتلقاه، فلعله ضرب يومي مَثَلَه مَثَل طعام الكلاب الذي يقدمونه لنا.
يوسف – لا .. لا. هذا حساب غير مضمون يا زكي. فقد يضربوننا أكثر من مرة في اليوم.
علي – (بعد لحظة) ولكن لماذا تشغل بالك بمثل هذا الأمر يا يوسف؟ هل يغيّر شيئاً من وضعنا؟
يوسف – طبعاً يغيّر.
زكي – وكيف ذلك؟
يوسف – لأنه يعني أن رفاقنا يواجهون صعوبةً في جمع مبلغ الفدية.
زكي – ( في شيء من السخرية) وهل تعتقد حقاً أنهم قادرون على جمع مبلغ الفدية؟
يوسف – طبعاً قادرون.
علي – ألا تعرف البئر وغطاءها كما يقول المثل يا يوسف؟ فكيف بإمكانهم جمع الفدية؟!
يوسف – يمكن جمعها من الأعضاء والمتعاطفين والوطنيين الشرفاء من أبناء الشعب.
علي – كأنك تجهل كل شيء عن الأعضاء وإمكاناتهم المالية يا يوسف. كيف يمكنهم جمع مليون دولار؟
يوسف – ولِم لا؟ ألم تجمع عوائل فقيرة مبالغ كبيرة فرضتها عليها عصابات الخطف لتحرر مخطوفيها؟ ألم تلجأ إلى كل وسيلة بما فيها بيع بيوتها؟
علي – لكن خاطفينا يا يوسف ليسوا من صنف عصابات المجرمين العاديين، فأمثال هذه العصابات تطلب فدية معقولة.. خمسين ألف دولار مثلاً.. أو كما يقولون خمسة دفاتر.. وعلى أبعد تقدير مائة ألف دولار. وهي في العادة مستعدة للمساومة. أما هؤلاء فلا يساومون!
زكي – ( في مرارة) لم يكن مجتمعنا يعرف مثل هذه الجرائم اللاأخلاقية من قبل. ولم أكن أتصور أن أناسنا قساة غلاظ الأكباد إلى هذا الحدّ.
يوسف – وأنا أيضاً لم أكن أتصور أن أبناء شعبنا كذلك. (بعد لحظة) المهم هل تتصوران إذن أن حزبنا عاجز عن دفع الفدية؟
علي – هذا هو واقع الحال يا يوسف.
يوسف – ولكن لماذا تغلقان أبواب الأمل في وجوهنا؟! على الأقل دعونا نحلم بذلك.
زكي – (في سخرية مرّة) معك حق يا يوسف. كنا نحلم دائماً فلا بأس في أن نحلم بذلك الآن وإن كان حلماً مستحيلاً.
علي – الأحلام لا تعترف بالمستحيل يا زكي.
يوسف- قولك صحيح يا عليز
زكي- هكذا كنا نتصور فعلاً يا علي. لذلك كنا نحلم أحلاماً جميلة فقط، أما الكوابيس فلم تكن تخطر على خيالنا.
علي- هذا صحيح، فلم نكن نتخيل أبداً مثل هذا الكابوس الذي تشهده البلاد الآن. إنه فاق كابوس الطاغية.
يوسف- وفاق كذلك الكابوس الذي نمر به نحن الآن.
زكي – ليس كابوس الطاغية فحسب يا علي أو الكابوس الذي نشهده نحن الآن يا يوسف بل كابوس حقيقة شعبنا أيضاً.
علي – وماذا تقصد يا زكي؟
زكي – آن الأوان لنا يا علي لأن نعترف بأن ثقتنا بشعبنا لم تكن في محلها.
يوسف – قولك صحيح يا زكي. أفليس المفروض أن يهبّوا لإنقاذنا؟
علي – نحن ولاشك نواجه محنة شنيعة وهي احتمال الموت ذبحاً. ومن الطبيعي أن تزعزع هذه المحنة ثقتنا بشعبنا.
زكي – لا يا علي. إنه ليس الخوف من الموت ذبحاً الذي يزعزع ثقتي بشعبنا. فأنت تعلم أنني لم أخشَ يوماً الموت من أجله. ولكن هل هذا الشعب الغني باللصوص والنهابين كما ثبت هو الشعب الذي كنا نناضل من أجله؟
علي – لا تنس يا زكي أن جزءاً مما حدث من نهب كان تنفيساً لغضب الناس على النظام المقبور الذي أذلهم وجوّعهم.
يوسف – لكن الشعب يعلم أن حزبنا كان يدافع عنهم دوماً. فكيف يتخلّى عنّا؟!
زكي – وكيف يهتم لأمرنا يا يوسف وأفراده مشغولون بالسطو على ممتلكات الدولة ونهب البنوك؟
يوسف – أنا شخصياً قد أسامحهم على كل شيء إلا نهب آثارنا العظيمة.
زكي – إنهم نهبوا آثار أجدادي السومريين التي لا تقدر بثمن وباعوها لعصابات مهربي الآثار بأبخس الأثمان.
علي – ألا تزال مصرّاً على أنكم أحفاد السومريين يا زكي؟
زكي – بالطبع . فنحن الصابئة أحفاد صانعي أقدم حضارات العالم. فلماذا تريد أن تبخس حقّنا يا علي؟
يوسف – وماذا عنّا نحن الكلدان؟ أفلسنا من قدماء العراقيين أيضاً؟
علي – طبعا ولكن خلّونا في موضوعنا. وأنت يا زكي تتجنّى على أبناء الشعب البسطاء. فأعمال النهب والفوضى قد شارك فيها ولاشك قوى أجنبية ممن لا يعجبها الوضع الجديد وعصابات عالمية إضافة إلى الآلاف من المجرمين الذين أطلقهم الطاغية من السجون وكذلك الآلاف من حرّاسه وفدائييه الذين أصبحوا بلا عمل، وكان الهدف الحقيقي وراء ذلك نشر الفوضى في البلاد لإسقاط التجربة الجديدة.
زكي – دعك من التبريرات يا علي وعلينا أن نعترف
بخيبة أملنا في شعبنا. لم يعد أحد منهم يؤمن بالمُثل الأخلاقية
إلاّ القليلين منهم. وأنا شخصياً لم أكن أتصور أن يتواجد بيننا
هذا العدد الهائل من اللصوص، بل واللصوص المهرة الذين صاروا من أصحاب الملايين بين ليلة وضحاها وهم الذين سمّوا بـ"الحواسم".
علي – ولكنك تتجنّى فعلاً على أبناء الشعب يا زكي. ومن المؤكد أن الكثيرين من النهّابين هم أجانب ومن دول الجوا روكذلك ممن ينتمون إلى عصابات عالمية.
زكي – (بسخرية مرّة) وماذا عن الموظفين المرتشين الذين ينهبون أموال الدولة على جميع المستويات حتى على مستوى وزراء العهد الجديد؟ هل هم أعضاء في عصابات عالمية؟
علي – ما يقوم على خطأ ينجم عنه الخطأ يا زكي. وكان أكبر خطأ القبول بقيام قوّة خارجية بإسقاط النظام. وهذه هي النتيجة.
يوسف – قولك صحيح يا علي.
زكي – فلنكن واقعيين يا علي. هل كان بإمكان قوى المعارضة إسقاط ذلك النظام الجبّار الذي رسّخ نفسه لخمسة وثلاثين عاماً؟! لقد انتفع جماعته بمقولة هتلر الشهيرة "جئنا إلى برلين لنبقى". ولم يسقط هتلر فعلاً إلا بقوة خارجية. ولقد ثبت أن الطاغية وزّع الأسلحة ووسائل التدمير على أتباعه للوقوف أمام أية محاولة للإطاحة به. وقد أودعت تلك الأسلحة في مخابئ سرية في جميع أنحاء البلاد.
علي – على أية حال إنها لقضية شائكة ومحيّرة حقاً يا زكي. وكان هذا قدر شعبنا وما علينا إلا أن نتحمل النتائج. ولكن ينبغي ألا تضعف أمثال هذه السلبيات من ثقتنا بشعبنا.
يوسف- المهم أين نحن من كل ذلك؟ هل سينجح حزبنا في إنقاذنا وتخليصنا من هذا الكابوس؟
زكي – لا أمل في ذلك يا يوسف . ليس هناك من يهتم بمصيرنا.
علي – لا يا زكي .. ليس الأمر كذلك، ولكن ليس بيد حزبنا حيلة.
يوسف- أنا أيضاً لا أصدق قولك يا زكي. سيبذل حزبنا المستحيل ليجمع مبلغ الفدية. وسأظل أحلم بذلك مهما قلتما.
زكي – (بسخرية) لا بأس إذن أن نحلم معك يا يوسف، فلقد كنّا نحلم بالأوهام دائماً.
علي – من يدري؟ لعل أحلامك تثمر فعلاً يا يوسف.

يوســـف
نعم .. سأظل أحلم بانتهاء كابوسنا. وأنا أعلم أن هذا الحلم هو نوع من المعجزة. فكيف يتسنى لرفاقنا أن يجمعوا مليون دولار؟! لكن الأحلام تراودنا لقهر المستحيل. وقد اعتدت الأحلام منذ عرفتك يا علي.. منذ تزاملنا في "ثانوية الكرخ". أنت الذي جعلتني أحلم بالمستحيل. صرت أحلم أن يكون لي شأن في هذه البلاد. أنا ابن ياقو النزّاح. أنا التلميذ الخامل الذي تقهره عقدة الرياضيات. وأنت الذي حللت لي هذه العقدة يا علي.. أنت الذي حبّبت لي الرياضيات. لولاك لرسبت في الرياضيات. ولقد كان من الأحلام المستحيلة لشخص مثلي أن يتخذني ابن القاضي المرموق جواد الراضي صديقاً له. وكنت أتهرب في البداية من صداقتك يا علي. ولعلك كنت تعجب بينك وبين نفسك لماذا كنت أتباعد عنك كلما تقربت مني. فالمفروض أن أُرحّب بصداقتك. فلم يكن هناك أي تلميذ في الصف لا يرغب بصداقتك. وكانت علاقتك حميمة بهم جميعاً.. حتى أولئك الذين كانوا ينافسونك على "الأولوية" أو على خلاف معك في الرأي. ولم أ جرؤ على البوح لك بسرّ موقفي هذا حتى بعد أن توثقت صداقتنا. فقد كنت أخجل من مهنة أبي يا علي. وما زلت أتذكر ردّ فعل أبي حينما أخبرته يوماً بأن أحد أصدقائي في الصف هو ابن القاضي المعروف جواد الراضي. فقد فتح عينيه دهشة وبقي صامتاً لحظات وهو يهزّ رأسه. ثم قال لي: ولكن مالنا وهؤلاء الناس الكبراء يا يوسف؟ نحن أناس على قدر حالنا.
فقلت له: صديقي هذا لا يؤمن بالفوارق بين الناس يا أبي.
فهز رأسه مشكّكاً. لكن وجهه كساه الحزن. ولازمه هاجسه وقتاً طويلاً. ولما أنبأته بأنك راغب في زيارتنا ركبه همّ ثقيل. أما أمّي فقالت لي بغلظة: هل دعوت صديقك لتفضحنا أمامه؟ من أين لنا الأثاث اللائق به؟!
فقلت لها: لا تشغلي بالك يا أمي. فعليّ لا يهمه حتى لو جلس على حصيرة.
وكم كنت رائعاً يا علي! كان جو البيت متوتراً غاية التوتر. وكان أبي محرجاً إلى أقصى الحدود. وكانت أمي أسيرة مزاجها العصبي. لكن مريم بدت متشوقة للزيارة. وقالت لي: أريد أن أتعرف على عليّ يا يوسف الذي لا يسقط اسمه عن لسانك.
ويا لروعتك يا علي! ففي غضون ساعة أذبت كل ما كان ينتظر الزيارة من جليد. وأشعرت الجميع أنك واحد من معارف الأسرة القدماء. فأما أبي فقد بدا مبتهجاً لا تكاد الدنيا تسعه. كان مرتبكاً لكنه كان في الوقت نفسه فرحاً أشد الفرح. وكان يصرّ طوال الوقت على أن يقوم بخدمتك بنفسه. وهبطَت على أمي حالة السكينة النادرة وانطلقت أساريرها. ولم ترفع مريم عينيها عن وجهك. لقد سحرتهم يا علي. كنت تحاورهم وكأنك تعرفهم من زمن بعيد. ولم أكن أتوقع يا علي أن تصيب زيارتك مثل هذا النجاح بالرغم من ثقتي بإمكاناتك. تصور أن أمي أخذت تلح عليّ بعد ذلك أن أدعوك لزيارتنا لتعدّ لنا "الكبّة" التي سميتها "كبة أم يوسف" وزعمت أنك لم تذق لها مثيلاً.. مع أن أمي لم تكن بارعة في الطبخ، بل لم تكن تحب الطبخ أصلاً. وأخذت تتباهى علينا بـ"كبّتها" لأنها حازت رضاك. ولكن هكذا أنت يا علي.. بقدرتك أن توحي لأي شخص أنه متميّز وقدير. ألم توحي إليّ بذلك مع أنني لم أكن متميزاً ولا قديراً بل كنت دون المتوسط في إمكاناتي؟ ولقد كنت قانعاً بمستواي هذا ياعلي. ولم يكن لدي طموح. لكنك غيّرت أفكاري وأمّلتني بمستقبل لامع إن عملت بجدّ. وأقنعتني بذلك منذ حللت لي عقدة الرياضيات. فلم أحلم يوماً أن أنال درجة عالية في الرياضيات فتجاوزت درجتي الثمانين.
وعندما اجتذبتني إلى السياسة فتحت لي أبواب الأحلام على مصاريعها. والحقيقة أن أفكار حزبنا لم تلق هوىً في نفسي في البدء يا علي. فقد خيّل إليّ أنها مناقضة لعقيدتي الدينية. لكن حججك الدامغة أثبتت لي أنها متفقة مع تطلعاتي الروحية. فجوهرها إشاعة العدل لكل البشر وإلغاء الفروق بين الناس. ومع ذلك لم أكن لأؤمن بها إيماناً كاملاً لو لم تبرهن لي أنت عليها بسلوكك اليومي. وتلقيت البرهان الساطع عليها حين قرّ عزمي على مصارحتك بمهنة أبي. وانتهزت فرصة مناسبة وقلت لك وأنا أتصنع الهدوء: أريد أن أبوح لك بسرّ يا علي تقتضي الأمانة ألاّ أكتمه عنك أكثر مما فعلت وأضللك عن واقع عائلتنا.
فتساءلت في عجب: وأيّ سرّ هذا؟
فقلت: إعلم يا علي أن أبي يعمل نزّاحاً.
فنظرت إليّ في برود وقلت: وأين السرّ الذي أخفيته عني وضللتني به؟
فقلت: إنني ابن نزّاح يا علي.. ألم تسمع ما قلته؟
فقلت في تهكم: وهل صار أبوك بسبب مهنته مجرماً من أي نوع كان؟
فقلت: ولكنك تعلم نظرة الناس إلى مثل هذه المهنة يا علي.
فقلت: ومن هم الناس الذين يتخذون مثل هذه النظرة يا يوسف؟ أليست هي مهنة كسائر المهن ولا يعيبها أيّ عيب أخلاقي؟!
فلم أدر كيف أجيبك. فوضعت يدك على كتفي وقلت: أنت خيّبت ظني فيك يا يوسف. ويبدو أن الأفكار الجديدة لم تتغلغل في أعماقك بل ظلت طافية على السطح. فإذا كنت ما تزال تعتقد أن مهن الناس يمكن اتخاذها أساساً للتمييز بينهم فهذا يعني أنك لم تؤمن بهذه الأفكار حقاً.
وهكذا كسبت أغلى شيئين في حياتي.. أنت يا علي والأفكار التي أدين بها لك. فمنذ ذلك اليوم ترسبت تلك الأفكار في أعماقي. ولازمتك في درب النضال. وكم كان درباً طويلاً وشاقّاً. لكنه كان في نفس الوقت درب الأحلام الرائعة.. الأحلام بوطن لا مكان فيه للتمييز بين المواطنين .. وطن لا ينظر فيه الآخرون إلى أبي يوسف نظرة احتقار بسبب مهنته.
وكنت تؤكد علينا يا علي أن مهمتنا الأساسية هي التفوق في دراستنا. وبدلاً من أن أشكو ضعفاً في الرياضيات، وبدلاً من أن يعاني زكي صعوبة في الفيزياء، تفوقنا في هاتين المادتين وفي غيرهما من المواد. ولقد كانت الأيام التي سبقت امتحان البكالوريا أحلى أيام حياتي يا علي. لم نكن نفترق أنا وأنت وزكي إلا في ساعات النوم. وطبعاً كنا نمضي معظم الوقت في بيتكم، وفي غرفتك الخاصة. ولما شارفنا على الامتحان هيّأت لنا أمك أفر لنبيت في غرفتك. فقد كنا نسهر إلى ساعة متأخرة. وما أروع أهلك يا علي. ما أروع أباك القاضي الذي كان يفيض هيبةً وجلالاً . وما أروع أمك التي غمرتنا برعاية فاقت ما كنا نلقاها في بيوتنا. وقد صرت أحب حيّ العدل وأفضله على محلة البتاوين التي ترعرعت فيها. وأخيراً ظهرت نتائج البكالوريا وتكللت جهودنا بنجاح مذهل. فقد تجاوزَت معدلاتنا نحن الثلاثة التسعين. وكنّا قد نوينا الانتساب لكلية الهندسة فقُبَلنا فيها بيسر.
ثم ذقنا مرارة تلك الأيام العصيبة عند أداء الخدمة العسكرية. وكان الموت يتهددنا فيها في أية لحظة. وكان كل واحد منّا يبادر حين عودته من "الجبهة" إلى الاطمئنان على صديقيه قبل الاطمئنان على أهله. وأفلتنا من تلك الحرب الوحشية لنواجه البطالة والتشرد. وما كان أقسى تلك الأيام علينا. ثم هبط علينا الإنقاذ على يديك. فلقد اقترحت علينا أن نفتح ورشة لتصليح الأدوات الكهربائية. وانتشلتنا مرةً أخرى من الضياع. وكنت أنت المموّل الوحيد للمشروع. فانتعشت أحوالنا المادية.
فكيف بوسعنا أن نفيك حقك من الشكر والعرفان يا علي؟! وأية صداقة رائعة تلك التي ربطتنا نحن الثلاثة؟ وأية أحلام وردية تلك التي عطّرت بها حياتنا؟ وأنا ما أزال متمسكاً بتلك الأحلام يا علي رغم كابوسنا. وسأبقى متمسكاً بها إلى آخر لحظة. ولن أفقد إيماني لا بأفكار حزبنا ولا بشعبنا. ولعلنا نتجاوز هذه المحنة. وإنني لأحلم بذلك يا علي.

زكــــي
أنا مدين لك يا علي بأحلامي الآسرة في تغيير قوانين وأعراف حياتنا الجائرة.. تلك الأعراف التي ثُرت عليها منذ سنواتي الأولى في الدراسة الابتدائية.. منذ أخذ بعض زملائي يتحرشون بي ويقولون لي يا "كافر". وكان ذلك يغضبني فأنهال عليهم ضرباً. وبما أنني وهبت جسماً ضخماً قوياً فقد عجزوا عن التغلب عليّ. وكانوا يشكونني إلى إدارة المدرسة فتعاقبني، مع أنني كنت الطرف المجني عليه. وبدلاً من أن يثير ذلك العقاب خوفي كان يحرك في نفسي التمرد. ولم تنفع معي العقوبات بشتى أنواعها. وكم من مرّة انكسرت المسطرة على يديّ الصغيرتين. وكانت شكاوى المدرسة تبلغ أبي فيغضب لذلك. وكنت أقول له إن زملائي هم الذين يتحرشون بي ويسمونني الكافر، وإن "الإدارة" تعاقبني بدلاً من أن تعاقبهم،. فكان يرد عليّ: "عليك أن تتجنبهم ولا ترد عليهم". فكان ردّه هذا يثير حنقي ويضرم تمردي على الإدارة وعليه. وكنت أتلقى عقاباً مضاعفاً من "الإدارة" ومنه. ولما كبرت تبين لي أن أبي جبان وشديد الخنوع مع الغرباء لكنه دكتاتور جبّار في البيت. ومرة وجدتني، وهو يشبعني ضرباً، أنقض عليه كالكلب المسعور وأنشب أسناني في يده حتى انبثق منها الدم. فصار يعاملني منذ ذلك اليوم باللين كما يعامل الغرباء. وهكذا كنت الوحيد من بين أفراد العائلة الذي كسر مقولته: "طاعة الأب من طاعة الخالق".
فأنت ترى يا علي أنني انقلبت متمرداً على الحياة منذ طفولتي لما جوبهت به من لا عدالة في المدرسة وفي البيت. ثم ترسخ تمردي على الحياة حينما اتضح لي أن منزلة عائلتي ضمن طائفتنا هي منزلة دونية.. وأن الناس يفضلون عوائل معينة ضمن الطائفة. ولم أعثر في قرارة نفسي على مبرّر لهذا التفضيل. وقد خلق ذلك في نفسي النفور من الآخرين. لذلك لم أتخذ لي صديقاً حتى من بين أولاد طائفتنا. ألا تتذكر يا علي ما قلته لي بعد أن توثقت صداقتنا؟! قلت لي أنك كنت تسمّيني بينك وبين نفسك بـ"المتوحش". وذكرت لي أيضاً أنك ترددت طويلاً قبل أن تحتك بي. وقلت لي أيضاً أنك كنت محتاراً في المدخل الذي يقودك إلى عالمي. ثم اهتديت إلى ذلك المدخل حينما وزع علينا أستاذ الفيزياء درجات الامتحان الفصلي فكانت درجتي راسبة وكانت درجتك بالطبع أعلى درجة في الصف. وهكذا اهتديت إلى الحل. فعرضت عليّ أن تعاونني في الفيزياء. وقد عجبت يا علي لإصرارك على كسب صداقتي وهو أمر لم يفعله أي زميل آخر. ولعل هذا الإصرار هو الذي كسر الحاجز الذي أقمته بيني وبين الآخرين منذ طفولتي. ولا أكتمك يا علي أنني كنت قد انجذبت إليك من قبل وإن تظاهرت بغير ذلك. فقد فتنتني شخصيتك المحبوبة . وبما أنني كنت شكوكاً بالناس فقد حملت سلوكك تجاهي أولاً على محمل التصنع. ثم تيقنت أنه سلوك متأصل فيك ففتحت قلبي لك. وقد أدركت فيما بعد سرّ خلقك الباهر يا علي حينما عرفت أباك. فقد كان يعاملنا أنا ويوسف كأننا أبناءه.. ويفعل ذلك بكل حميمية وهو القاضي المبجل. وكان ذلك أمراً خارج نطاق تصوري. وأصارحك يا علي أن شخصية أبيك أورثتني حزناً بالغاً. فقد حرّكت في أعماقي مقارنة بينه وبين أبي. ورحت أتساءل: أمن الضروري أن تكون شخصية أبي على مثل تلك الوضاعة؟!وتعمقت هذه المقارنة لدي حين وقف أبوك ذلك الموقف الشجاع من النظام للحفاظ على شرف مهنته. فخسر مكاسب منصبه الوظيفي الممتاز. أما أبي فكان أشد موظفي دائرته تحمساً للطاغية رغم أنه يكرهه. وظل يعلّق صورته في غرفة الاستقبال إلى آخر يوم.
كيف يمكن لشخص مثلي يا علي تفتحت عيناه منذ طفولته على غياب العدالة من حوله وعلى ابتلائه بأب خنوع في حياته العامة ومتجبّر في حياته الخاصة أن يكون شخصاً سوياً؟ وكيف يمكن لمثل هذا الشخص أن يتعامل مع الناس تعاملاً طبيعياً؟ ولعلك تتذكر يا علي أنك كنت تلومني في بداية صداقتنا على انكماشي عن الآخرين. وكنت تجهل بالطبع ظروفي العائلية. وقد كان أمراً فوق تصوري أن أكشف لأي إنسان يوماً عن خصوصياتي بتلك الصراحة. لكنك أفلحت بأسلوبك اللبق في أن تحملني على ذلك. ونجحت أيضاً بمنطقك العلمي في تصحيح موقفي من أبي. وهكذا رفعت عن كاهلي عبئاً ثقيلاً كنت أنوء به. فقد كنت عاجزاً عن التصالح مع نفسي ومع أبي ومع الآخرين فجعلتني ألتمس الأعذار للجميع.
ولقد كان من اليسير عليك يا علي أن تجتذبني لأفكار الحزب. فنفوري من اللاعدالة من حولي قد شكّل أرضية خصبة لتقبل تلك الأفكار. ومنذ استوعبتها شغفت بها وتجلّى لي عالم جديد ذو آفاق رحبة. وتيقنت أن تلك الأفكار هي التي كنت أصبو إليها. وقد انطوت على أجوبة لكل الأسئلة التي كانت تمور في أعماقي. واكتشفت هدفي في الحياة وهو النضال لتحويل تلك الأفكار إلى واقع عملي.. واقع لا يعترف بالفروق بين البشر ولا بين الأديان والطوائف والأغنياء والفقراء. وأسرتني تلك الأفكار وآمنت أنها هي التي ستبدد شقاء الناس بعد أن توفّر العدالة للجميع. وقد قلبت تلك الأفكار سلوكي رأساً على عقب يا علي. فلم أعد ذلك الشخص المتمرد الغاضب تجاه عائلتي بل أصبحت رقيقاً، شفوقاً، متسامحاً. وأقمت مع زملائي صلات حميمة كما تعلم. وبوسعي القول يا علي أنني افتقدت السعادة طوال أعوامي المنصرمة حتى أنارت تلك الأفكار لي الدرب. فكان العامان الأخيران من دراستي الثانوية أسعد أعوام حياتي. كنت كمن بعث إلي الحياة من جديد. ولشدة حماسي لتلك الأفكار كنت متأهباً للتضحية بحياتي من أجلها. وكنت أنت نفسك يا علي تضطر بين حين وآخر إلى التخفيف من غلوائي. فقد كنت أتصدر المظاهرات الوطنية دائماً. وبما أنني كنت متميزاً بضخامة جسدي وقوّته فقد كنت أتولى دائماً حمل من يهتفون بشعارات المظاهرة على كتفي. وكثيراً ما تساقط الرفاق من حولي جرحى وقتلى برصاص الشرطة. ومرة سقط زميلي الذي كنت أحمله على كتفي صريعاً بين أقدامي. لكن تلك المخاطر ما كانت إلا لتزيدني حماساً. وكنت أنت يا علي تخشى عليّ من هذا الاندفاع خشية شديدة. كنت أشعر أنك تخاف على حياتي كما لو كنت أخاك. وكم كانت هذه الخشية تسعدني يا علي. أيمكن أن يبلغ عمق الصداقة إلى تلك الدرجة يا علي؟
ولكن وا أسفاه يا علي. هاهي ذي أحلامنا تنتهي نهايةً كارثية. وأصارحك يا علي ان قناعاتي بأفكار الحزب أخذت تهتز وأن ثقتي بشعبنا بدأت تنهار. وأنا حزين لذلك.. حزين جداً.

علــــي
معذرةً يا صديقيّ العزيزين أن انتهت أحلامنا العظيمة إلى مثل هذه النهاية المأساوية. فلعلني مسؤولاً عن سوقكما إلى هذا المصير. لكن الحلم الذي حاولت أن أشرككما فيه معي ينطوي على هدف نبيل يستحق كل تضحية.. وهو هدف تيسير التقدم لبلادنا وإشاعة العدالة للناس جميعاً وإنهاء المعاناة الإنسانية التي فرضها الحكم المتجبر. وهذا الحلم ليس سوى حلم الخيّرين من البشر منذ عرف الإنسان المجتمع. وطوال آلاف السنين والخيّرون يضحّون بأرواحهم من أجل هذا الهدف. وما نحن سوى حلقة من تلك الحلقات في ذلك الحلم الطويل. ومن يدري؟ لعل البشر يدركون هدفهم هذا يوماً. وحينئذ لن تكون تضحيتنا بأرواحنا قد ذهبت سدى. وما علينا إلا أن نحلم بمثل هذا اليوم يا صديقيّ. وقد حلمنا بهذا الحلم منذ توطدت صداقتنا. ألا يكفينا فخراً أننا ضربنا مثالاً عملياً بأن أبناء البلد الواحد يمكن أن يتحابّوا حبّاً خالصاً وعميقاً بالرغم من اختلاف أديانهم وعقائدهم وأعراقهم؟! ألا يجدر بنا أن نفخر بمثل هذا الإنجاز يا صديقيّ؟! مسلم ومسيحي وصابئي يلتحمون بصداقة متينة تقاوم كل الظروف العسيرة. وقد خبرنا ظروفاً شاقة حقاً طوال هذه السنوات.. منذ انعقدت صداقتنا ونحن تلامذة في "ثانوية الكرخ". واتصلت هذه الصداقة طوال سنيّ الجامعة القاسية. وواجهت الجو الإرهابي الذي كلكل على البلاد. وكان السجن والموت يترصدنا في كل زاوية وعطفة. لكن تلاحمنا ترسّخ على مرّ السنين ولم يفلح الإرهاب في فكّه. وأخفق كذلك في زرع اليأس في قلوبنا. ولبثنا نتطلع إلى النور في نهاية ذلك النفق المظلم. ونحن ندين بصداقتنا هذه لتلك الأحلام العظيمة التي استقرت في قلوبنا رغم السنين الحالكة. وحتى لو قتلنا المتطرفون اليوم فلن يكونوا قادرين على قتل أحلامنا. فهي لا تخصنا كأفراد بل تخص أبناء شعبنا جميعاً. وسيتولّى تبنّيها خلفاء لنا يواصلون مسيرتنا. فلا تبتئسا يا صديقيّ العزيزين. لكنني مع ذلك أشعر بالذنب تجاهكما. فربما لن تكونا لتتعرضا لهذه المعاناة لولاي. فأنا الذي قادكما إلى هذا الطريق الوعر. أما أنا فقد كان هذا قدري ما دمت قد رزقت أباً مثل أبي يؤمن بالعدالة لكل الناس.. العدالة التي توفّر للمواطنين جميعاً التمتع بحقوق متساوية أمام القانون. ولقد وعيت على هذه الأفكار منذ طفولتي فنشأت عليها ولم أعد أقرّ بغيرها. كان هذا قدري يا صديقيّ العزيزين لكنه لم يكن قدركما. فقد نشأتما نشأة أخرى. وقد أدرك أستاذنا بلال تطلعاتي هذه فاختارني من بين تلامذة صفنا ليضمني إلى الحزب. وكم أحببت الأستاذ بلال.. بل كم أحبه تلامذة صفنا جميعاً. كان يشعرنا أنه أب الجميع. وكان يساعد بعض المحوجين منا مادياً. وكان يسهب في شرح مادة الدرس لنا بلا كلل ولا ملل. وتعاظم حبي له حينما عرفته عن قرب. وأنتما تتذكران يا صديقيّ ولاشك كم أفضت في الحديث لكما عن تضحياته من أجل عقيدته. وما أكثر ما تعرض للاعتقال. فقد كان يواجه إدارة المدرسة بجرأة وشجاعة ويرفض الموافقة على تقارير المخابرات بفصل التلاميذ الوطنيين. وقد وهب حياته لخدمة الحزب فعاش أعزب في فندق متواضع. وكان يتبرع بمعظم مرتبه للحزب. ثم انتهت حياته تلك النهاية المأساوية حينما اغتاله المجرمون في ليلة سوداء. وكان يوم اغتياله يوماً مأساوياً لتلامذة صفنا جميعاً. وكم ذرفنا من دموع عليه. وأنتما تتذكران أننا عقدنا اجتماعاً خاصاً بتلك المناسبة في بيتنا وأقسمنا على مواصلة دربه في النضال حتى آخر قطرة من دمائنا. وكنت أنت يا زكي أعظمنا تأثراً لموته، وكنت مستعداً للتضحية بحياتك والانتقام من قاتله لو كنت على معرفة يقينية به.
هكذا كان دربنا الطويل يا صديقيّ.. أياماً تفيض حماسة وثقة وعزيمة.. أياماً تعمر قلوبنا بأحلام عظيمة. وكنتما سعيدين سعادة بالغة بهذه الأحلام. وكنتما على استعداد للتضحية بكل شيء من أجلها. فهل تراني مصيباً في تخيلاتي هذه أم أنكما نادمان الآن على معرفتكما بي؟!


صـوت
يظهر أن جماعتكم يركبون رؤوسهم فلم يتفاوضوا معنا حتى الآن. هل يتصورون أننا يمكن أن نطلق سراحكم بدون فدية؟ إنهم مجانين إذن.. أو لعلهم لا يشترونكم بنواة. وعلى كل حال لا بأس في أن ننتظر أياماً أخر. وقد حدّدت لهم قيادة جيشنا مهلة جديدة وعليهم أن يستجيبوا لها إن كانوا يهتمون لأمركم.


حوار
يوسف – هل تريان أن رفاقنا لا يهتمون لأمرنا حقاً؟!
علي – لا .. لا يا يوسف. لا يذهب بك الظن إلى هذا الحدّ. كل ما في الأمر أنهم مغلوبون على أمرهم.
زكي – هذا صحيح. أصبح رفاقنا مغلوبون على أمرهم.
يوسف – أنا لا أصدّق ذلك. أنسيتم كيف كانوا يلهبون الشارع بمنشوراتهم؟
زكي – لكنهم لم يعودوا كذلك يا يوسف. لابد لنا أن نعترف بذلك. صار أمراء الدين هم الذين يلهبون أفئدة الناس. ويالها من نهاية كارثية لأحلامنا وأفكارنا وآمالنا بشعبنا.
علي – علينا ألا نفقد ثقتنا بأفكارنا وشعبنا يا زكي بسبب هذه الظروف الاستثنائية.. وأنت تعلم أنها ظروف استثنائية.
زكي – بل هي الظروف الواقعية التي كشفت عن حقيقة شعبنا يا علي. وانظر إلى ما آلت إليه حال البلاد. هاهم الناس يقتلون بعضهم بعضاً لمجرد اختلافهم في عقائدهم الدينية، بل لمجرد اختلاف أتباع الدين الواحد في طوائفهم. أهذه هي نهاية تثقيف حزبنا للشعب بالأفكار الإنسانية عبر عشرات السنين؟
علي – أنت تبسّط الأمور يا زكي أكثر مما ينبغي وأنا أعذرك. فأنت تتحدث بدافع من المصير المأساوي الذي ينتظرنا. والمفروض أننا نعلم جيداً من الذي يحرّض على القيام بتلك الجرائم. فلا علاقة لها باختلاف العقائد الدينية أو المذهبية. وعلينا ألا نسمح لتلك الأحداث أن تفقدنا الثقة بأفكارنا وشعبنا.
يوسف – قولك صحيح يا علي وأنا لم أفقد الثقة بأفكارنا فهي نفس الأفكار التي نادى بها يسوع المسيح. والمسيح لا يمكن أن يكون على خطأ. لكنني كنت آمل أن يهب شعبنا لإنقاذ حياتنا إذا ما وجّه حزبنا نداءً إليه.
زكي – أين هو الشعب الذي يستمع إلى نداء حزبنا يا يوسف؟ إنه لم يعد يستمع إلا إلى نداء أمراء الدين.
يوسف – أتعتقد أنت أيضاً بهذا يا علي؟ هل من المعقول أننا فقدنا كل رصيدنا الشعبي؟ ما جدوى نضال حزبنا الطويل إذن وما فائدة تضحياته العظيمة؟ ما جدوى كل ما عانيناه من مشقات وجهد ومخاطر كادت تودي بحياتنا؟
علي – لا تنس يا يوسف أن الأحزاب الدينية قد خسرت الألوف من أتباعها أيضاً في عهد الطاغية، وأن الآلاف من ضحايا القبور الجماعية هم من أنصارها.
زكي – مهما يكن الأمر يا علي لابد لنا أن نعترف بأن التراكمات الدينية والثقافية والاجتماعية وما يرتبط بها من مصالح هي التي توجّه سلوك الناس في النهاية.. فياله من فشل كارثي لأحلامنا.
علي – أنا أعذرك يا زكي على ما تشعر به من مرارة، لكن هذا الوضع هو وضع مؤقت أفرزته سياسة النظام المقبور وتصرفات دكتاتوره، ولا يمكن أن يدوم إلى الأبد.
زكي – أنا آسف يا علي لكنني اقتنعت تماماً أن ولاء الناس هو لمعتقداتهم الدينية وهم يفضلونها على أية أفكار أخرى. وهذا هو ما سيسود في البلاد. وهو أمر لا يبشر بالخير لأن معناه غمط حقوق أتباع أديان الأقليات ودعم اللاعدالة في البلاد. وسيفرض أمراء الدين أفكارهم على الناس بالقوة ويكيّفون لهم نمط حياتهم حسب تصوراتهم. وسيتواجد بينهم من يستغل نفوذه الديني من أجل مصالح ذاتية. فيالها من حياة تلك التي ستفرض على الناس.. لقد تحطمت البلاد كما يتحطم الإناء الزجاجي حينما يسقط على الصخر.
علي – على أية حال لقد حطم الطاغية البلاد من قبل بسياسته الرعناء وبحروبه الجنونية التي كان بالإمكان تجنبها وأعادها إلى الوراء عشرات السنين. وهو مسؤول عن كل الكوارث التي لحقت بالبلاد0 وقد أكمل الاحتلال هذا التدمير الشامل. وستحتاج البلاد إلى زمن طويل لكي تستعيد عافيتها إذا ما سارت الأمور في الطريق الصحيح.
زكي - ولن تسير كذلك كما يبدو.
يوسف – (بعد لحظة) أتعتقد إذن يا زكي أن أحلامنا لن تثمر في إنقاذنا من كابوسنا؟
زكي – فلنعترف أنها كانت أحلاماً زائفة يا يوسف وأن السكين في انتظارنا.
علي – هذا صحيح يا يوسف .. السكين في انتظارنا فعلاً.
يوسف – أتعنيان أن أحلامنا الرائعة لم تكن سوى سراب؟
زكي – أحلامنا الرائعة انتهت إلى فاشوش يا يوسف.
علي – لكنها ستظل أملاً مشرقاً للناس في حياتهم المستقبلية يازكي.


يوسف
إذن سأموت يا أبي دون أن ينجح حلمي في التخفيف من معاناتك والرفع من شأنك بحيث يقول عنك أبناء قومنا في احترام: "هذا هو أبو يوسف". وستظل تنزح قذارات الناس وتظل أمي تنكد عليك. فمنذ كنت طفلاً وأنا أسمعها تصرخ في وجهك كلما عُدت من العمل: "أسرع إلى الحمّام فالرائحة النتنة قد ملأت البيت". ويوم نستعد صباح الأحد لزيارة الكنيسة كانت تصرّ عليك أن تدلق على جسدك أكبر كمية من العطر حتى لا يشم الناس رائحتك النتنة. وكنا نعاني في ذلك اليوم من مزاجها العكر أكثر من أيام الأسبوع الأخرى. فهو اليوم الذي تشهد فيه النساء المتأنقات من علية قومنا واللواتي كن يتصدرن الصفوف الأولى بينما ننزوي نحن في الصفوف الأخيرة. وحتى راعي كنيستنا لم يكن يتلطف معنا في الحديث كما يفعل مع أهل الصفوف الأولى. ولذلك ما أن نعود إلى البيت حتى تصرخ غاضبة: "لماذا حكمت عليّ أيها الرب بالعيش طول عمري مع الروائح النتنة؟" وكنت أعجب يا أبي كيف تصبر على إهاناتها. وتردد هذا السؤال في أعماقي منذ كنت طفلاً. وحينما كبرت تجرأت يوماً وسألتك: لماذا تسكت على إهانات أمي يا أبي؟
فنظرت إليّ بلطف وقلت: يجب أن أسامحها يا يوسف فالحقّ معها فأنا خذلتها. كانت تطمع بحياة راقية وإذا بآمالها تضيع. فأنا إنسان خائب. ولم أوفق إلى عمل مجز محترم فاضطررت إلى اتخاذ هذه المهنة التي تضمن لنا عيشة مرضية.
ولم يكن جوابك هذا غريباً عليّ يا أبي. فأنت مسيحي حقيقي، والمسامحة جزء أساسي من تعاليم المسيح. ولقد كنت مسيحياً حقيقياً دائماً يا أبي. فأنت أب عطوف، شفوق، واسع القلب. ومنذ فتحت عيني على الدنيا وأنت تغمرنا بمحبتك أنا ومريم. لم تكن تصبر على أيّ أذى يصيبنا. كان إذا مرض أحدنا سهرت طول الليل إلى جوار سريره. والحقيقة أنك أنت الذي توليت تربيتنا منذ كنا أطفالاً. وكنت تقوم بالمهام التي يفترض أن تقوم بها أمّنا. وقد عملت كل جهدك لتبعدني عن أي إحراج أو كدر فألحقتني بمدرسة بعيدة عن محلّتنا لئلا يعرف زملائي حقيقة مهنتك.
ومع أنك كنت راضٍ بقسمتك على هذه الأرض واعتقدت أن السعادة في انتظارك في السماء لكنني حلمت منذ طفولتي يا أبي أن أنقذك من مهنتك التي أذلتك في عين أمي وأن أوفّر لك السعادة. وعزمت على القيام بذلك فعلاً حينما نلت الشهادة المتوسطة. وبدأت البحث عن عمل. ولما صارحتك برغبتي هذه غضبت . وكانت تلك المرة الأولى التي أراك غاضباً فيها. وقلت لي: "إذا أردت أن أزعل منك يا يوسف فافعل ذلك. أما أنا فن يرتاح لي بال حتى أراك تحمل شهادة الجامعة. فهذا هو الذي يعوّضني صبري على مهنتي".
وقد حققت حلمك يا أبي ونلت الشهادة الجامعية لكنك عدت مع ذلكد إلى معاناتك من جديد. بل وستعظم معاناتك حينما تعلم أنني ذُبحت. فمن الذي يتحمل عاقبة ذلك؟ أتراني خذلتك عندما زججت نفسي في السياسة؟ لكنك يا أبي لم تعارض رغبتي هذه حينما حدثتك عنها. ولقد قلت لي: "أنت تعرف الصحيح من الغلط يا يوسف ولا حقّ لي في الاعتراض. لكنني سأظل خائفاً عليك". أما أمي فقد باركت نشاطي السياسي آملة أن يرفع مكانتها في عيون الآخرين. وقد تفهمت يا أبي أحلامي الرائعة. أفلم يحلم بها يسوع المسيح؟ أفلم يحلم بإشاعة العدل بين البشر؟ أفلم يحلم بأن تدول دولة الأغنياء ويتساوى جميع الناس؟ ألم ينذر الأغنياء بأنهم لن ينفذوا إلى ملكوت السماء إلا إذا استطاع جمل أن ينفذ من خرم إبرة؟ فما الذي تيسّر من أحلام المسيح بعد مضي ألفي عام على صلبه؟ بقيت الدنيا كما هي.. الأغنياء مازالوا أغنياء منعمين والفقراء مازالوا فقراء مساكين. فليس غريباً إذن أن تخيب أحلامي يا أبي.. لكنها كانت أحلاماً رائعة. يكفيني عزاءً أن يسوع المسيح قد حلم بها.
وأنت يا أمي.. إلى متى تظلين تعيّرين أبي بمهنته؟! وإلى متى تتشبثين بأحلامك المستحيلة؟ كم حلمت أن تتصدري الصفوف الأولى في الكنيسة. لكن الصفوف الأولى هي لعلية القوم يا أمي ولا أظنك ستحظين بها في حياتك. ولقد كنت تحلمين دائماً بأحلام تفوق واقعك يا أمي. وقد صدق جدي حينما قال لي يوماً: "أمك يا يوسف لا تؤمن بتعاليم المسيح وإلا لآمنت بأن ضعفاء الناس هم أحبابه ولما حسدت غيرها". ومشكلتك يا أمي أنك مصرة على أن تحلمي بالحياة التي لم تكتب لك على هذه الأرض. ومازال السؤال الخالد يؤرقك: "لماذا فضّل الرب أناساً ومنحهم حياة منعمة وحرم آخرين من نِعَم الدنيا؟" ولن تعثري على جواب لهذا السؤال يا أمي. فلم يحظ أحد قبلك بالجواب. ولا جدوى من نقمتك على المتنعمين ولا فائدة من الإلحاح في الشكوى والتذمر. فلماذا سممت حياتنا يا أمي وكان بالإمكان أن تكون حياةً سعيدة؟
وأنت يا مريم.. بماذا تحلمين يا ترى؟ أنت لغز يا مريم. لم أستطع يوماً أن أحزر بماذا تحلمين وبماذا تفكرين. فأنت لا تتكلمين إلا قليلاً. ولم تشك من وضعنا يوماً. لقد ارتضيت بما نحن عليه. وقد مددت يد المساعدة لأبينا حالما أتيحت لك الفرصة. فما أن نلت الشهادة المتوسطة حتى أعلنت عن عزمك على الانقطاع عن الدراسة والبحث عن عمل. وذهبت جهودنا عبثاً في ثنيك عن قرارك. ومنذ ذلك اليوم وأنت تمضين النهار بأكمله في متجر بيع الملابس. أنت أفضل مني يامريم. أنت واقعية في نظرتك للأمور. أما أنا فقد كنت خيالياً وحلمت بتغيير حياتنا وحياة المستضعفين جميعاً. ولكن لماذا واصلت رفض الخطّاب يا مريم؟! أتراك تحلمين بزوج ينتزعك من واقعك المتواضع ويرفعك إلى مستوى عال؟! فحتى حينما صرت مهندساً وأصبح بإمكاني معاونة العائلة ظللت ترفضين الخطّاب. فلعلك تحلمين بأحلام بعيدة. فدعي الأحلام يا مريم فهي ليست لأمثالنا. وها أنت ذا ترين نتيجة أحلامي. كوني واقعية يا مريم كجورجيت. نعم يا جورجيت.. كانت أحلامك واقعية فعلاً. لم تكوني رومانسية مثلي. وحين اصطدمت أحلامك بحبك نبذت حبك. ولكن أتراك أحببتني حقاً أم أنك رأيت فيّ مهندساً ناجحاً يمكن أن ينقذك من واقعك المخيّب ويفتح أمامك أبواب المستقبل؟ أما أنا فقد أحببتك بالتأكيد. وربما احببتك منذ كنت صبية وقد اعتدت على رؤيتك كل صباح وأنت تغادرين زقاقنا إلى المدرسة وتحملين حقيبتك بطريقة تستهويني. ومن أجل حبك قاومت ضغوط أمي وتمسكت بك. كانت أمي تردد على سمعي: "أنت يا خائب.. يا من لم تختر غير جورجيت زوجة لك. لماذا تريد أن تربط نفسك بزوجة من عائلة وضيعة مثلناوأنت مهندس شاطر؟" وكانت تقول لي أحياناً أخرى: "أنت كأمك الخائبة التي رضيت بزوج خائب مثل أبيك وهي التي حلمت بزوج يعوضها عن فقرها". أجل يا جورجيت.. كنت مخلصاً في التمسك بك لكن خططي في الحياة تقاطعت مع خططك. كنت تحلمين بأحلام غير أحلامي. كنتُ أحلم بالسعادة لجميع أبناء بلدي. وكنتِ تحلمين بسعادتك الشخصية فحسب. لذلك ألححت عليّ بأن مستقبلنا ليس في بلدنا. كنت موقنة بأننا سنبقى في هذا البلد صفراً على الشمال ما دمنا ننتمي إلى الأقلية.. وأن علينا أن نبحث عن بلد لا نكون فيه أقلية. وكان هاجسك هو الهجرة إلى بلاد راقية كأميركا أو كندا أو أستراليا. فهناك في اعتقادك تنفتح أمامنا أبواب النجاح. وكم كنت لحوحة في ذلك. وكم شهد شارع أبو نؤاس من نقاشاتنا المطولة في ذلك. وكنت أقول لك إن السياسة هي التي ستفتح لنا أبواب النجاح يا جورجيت وهي التي سترفع من شأن أهلنا. فكنت تردين عليّ: "ما لنا وأهلنا؟! علينا بأنفسنا".
هكذا أنت يا جورجيت. لم يكن يهمك سوى نفسك.. حتى أهلك وأهلي لم يكن يعنيك مصيرهم. ثم فوجئت بك يوماً تتزوجين من شخص أدنى شأناً مني. وعجبت لذلك. ثم فوجئت مرة أخرى بعد شهور من زواجك بخبر هجرتكما إلى كندا. فهل تراك نلت أحلامك هناك يا جورجيت؟! وماذا تراك ستقولين إذا علمت بأن أحلامي انتهت إلى أن أُذبح كما تذبح الخراف؟! هل ستسرّين لأن الأيام أثبتت أنك كنت على صواب وأنني كنت على خطأ؟ ولكن اعلمي يا جورجيت أن أحلامي التي تبددت على هذه الأرض ستثمر في السماء. فسأكون هناك في معية يسوع المسيح مع حوارييه من المستضعفين.

زكي
أهكذا ستنتهي أحلامي وأذبح كما تذبح الحيوانات؟ ولكن هل كانت أحلاماً واقعية؟! ألم تكن زائفة منذ البداية؟ أليست الحياة كلها بما تنطوي عليه من أديان وعقائد وعلاقات متشابكة أمراً زائفاً؟! ألم يكن أجمل شيء في حياتي وهو حبّي للمعان ليس سوى حلم زائف؟ وكنت مسؤولة عن ذلك الحلم يا لمعان. فمنذ اصطحبتني أمي إلى بيتكم لأول مرة والتقت عيناي بعينيك أسرني حبك. نعم يا لمعان.. أحسب أنني أحببتك منذ كنت في الثانية عشرة من عمري. وكانت أمي تعجب من رغبتي في مصاحبتها. وكيف كان بوسعها أن تدرك الحقيقة وأنا في نظرها صبيّ لم يتجاوز الثانية عشرة؟ بل لم يكن أي فرد في بيتكم يدرك ذلك بما فيهم أنت. ولم أبح لك بمكنون قلبي إلا بعد أن بلغت السادسة عشرة. ولقد كان يوماً مشهوداً في حياتي ذلك اليوم الذي سألني فيه أبوك أن أعاونك في درس العربية لاجتياز امتحان الدراسة المتوسطة. ولم تغب عن ذهني ذكرى ذلك اليوم أبداً. كدت أطير من الفرح. بل إنني لم أصدق سمعي وأنا أصغي إليه. هل من المعقول أن تتاح لي الفرصة للانفراد بك بعد كل تلك الأعوام؟ لكننا في الواقع لم ننفرد ببعضنا. فقد وضعوا لنا الطاولة والكراسي في زاوية من الليوان وواجهتنا أمك وأمي في الزاوية المقابلة. وهكذا أتيح لي لأول مرة أن أطيل النظر في وجهك. ولعلك استغربت يا لمعان تلك النظرات القوية التي لم تألفيها من أحد. وانتابك شيء من الارتباك. ويا للسعادة التي منحني إياها ذلك اللقاء يا لمعان. لم تغمض عيناي لحظة واحدة طوال تلك الليلة. وبما أننا لم نكن بمنجى من مراقبة أمك وأمي فلم يكن بوسعي أن أفضي لك بحبي. فلجأت إلى الرسائل. وبذلت جهداً فائقاً في كتابة رسالتي الأولى يا لمعان. واقتبست بعض عباراتها من كتاب "أشهر رسائل الحب". ولقد فاجأتك رسالتي فعجزت عن التحكم في نفسك واستعصى عليك استيعاب الدرس. لكنك لم تبدِ أي اعتراض. ويوماً بعد يوم أخذت رسائلي الملتهبة تفعل فعلها فيك. وشغفت بها بدرجة فاقت تصوري. وأخذت تبادلينني الرسائل المتأججة. ومع أنك ضعيفة في اللغة لكن رسائلك ذات الأخطاء الإملائية والنحوية الكثيرة أثبتت لي المثل القائل: "إن من البيان لسحراً". وكم أسفت على إتلافها التزاماً باتفاقنا. فلا ريب أنها كانت ستهدئ من الأحزان التي عصفت بي. وهِمتِ حُباً بي كما همت بك. وكنت ترينني أجمل شاب في الوجود!
وهكذا تواصلت أعراسنا يا لمعان حتى حان ميعاد امتحان البكالوريا. وكانت نتيجة الامتحان نصراً باهراً لنا. فقد نلت درجة عالية في اللغة العربية. وابتهجت بذلك وتصورت أن هذا النصر سينعكس على خططنا المستقبلية.
وكانت أيامنا التالية شاقة علينا. لكننا كنا قد تعاهدنا على أن يكون حبّنا أبدياً وألا يكون أحدنا لغير الآخر. وكانت الرسائل الصلة الوحيدة بيننا بعد أن انقطعت عن الدراسة استجابة لرغبة أبيك. واتفقنا على الزواج حالما أتخرج من الجامعة. ولكن وا أسفاه يا لمعان. فقد أثبتت الأيام أن أحلام حبّي زائفة شأنها شأن أحلامي الأخرى. ويا لفظاعة اليوم الذي أبلغتني فيه أن ماهود تقدم لخطبتك وأن أباك وافق مبدئياً. لكنني لم أصدق أن تلك الخطبة هي نهاية أحلامنا. فمن يكون ماهود هذا؟! إنه مجرد صائغ. وصحيح أنه من أسرة كفؤة لأسرتكم لكنه لم يكن يحمل سوى الشهادة الابتدائية. أما أنا فطالب في كلية الهندسة وسأكون مهندساً.
وعزمت على التصرف في الحال. وأعلنت لأهلي عن رغبتي في التقدم لخطبتك. وكنت أعتقد أنني سألقى ترحيباً من أهلك. فقد كانت الصلة قويةً بين عائلتينا. ومنذ صغري وأنا أرى أمي تساعد أمك في أشغال البيت. وأنا نفسي كثيراً ما قمت بالخدمات لكم من أجلك طبعاً. وهكذا كنا أقرب الناس إليكم. وكم حمدت الخالق على أن جعل بيتنا مجاوراً لبيتكم. ومع أنه لم يغب عن ذهني الفارق في مكانة عائلتك وعائلتي، فأبوك بعد كل شيء "شيخ" طائفتنا، لكنك كنت تؤكدين لي دائماً بأنني أحظى بتقدير عالٍ من أبيك.
ورفض أبي رفضاً قاطعاً الاستجابة لطلبي. وسخر من تصوري أن أباك يمكن أن يوافق على خطبتي مدعياً بأن الشيوخ لا يناسبون إلا نظرائهم . فلجأت إلى أمي ورجوتها أن تفاتح أمك فهي صديقتها. فتوسلت إلي أن أمحو هذه الفكرة من ذهني. وقالت لي: "متى نظرت إليّ أم لمعان كندّ لها يا زكي؟" ولما يئست من استجابة والدتي أعلنت أنني سأترك البيت. فوافقت أمي على مفاتحة أمك. وأنت تعرفين التفاصيل بالطبع. ولن أنسى ما حييت يا لمعان موقفك الشجاع حين أنبأتني أنك لن تستسلمي لإرادة أبيك. وكان حبنا سرّاً دفيناً بيننا فعرف به القاصي والداني. وشُبّهنا بقيس وليلى. وكان موقفك خروجاً عن التقاليد. وأجّج موقفك الجريء من حُبك في قلبي. وقد هاج أبوك وماج وصبّ جام غضبه على أبي. واشتدت القضية تعقيداً حينما أضربت عن الطعام وحبست نفسك في غرفتك حتى تستجاب رغبتك. وكلما حاولت أمك إقناعك صرخت في وجهها: "أريد أن أموت.. أريد أن أموت". وأعلن أبوك للوفود التي توسطت لديه قائلاً "ليس في عرفنا أن تفرض المرأة رأيها على الرجل مهما تكن. وإذا أرادت ابنتي أن تموت فلتمت".
وهكذا شبّت النار في بيتكم وبيتنا ولم يدر أحد كيف يمكن أن تنطفي. وخيّم على بيتنا حزن ساحق. واعتبرني أبي مسؤولاً عن فضيحتكم. ولم يعد يطيق النظر في وجهي. وأنت تدرين كيف ختمت هذه المأساة يا لمعان. فقد اضطررت إلى أن أقطع وعداً لوفد الطائفة الذي زار بيتنا بأن أتخلى عنك. وعفواً يا لمعان إذ خذلتك فأنا فعلت ذلك خشية عليك من الهلاك. فقد بدا واضحاً أن أباك مصر على رأيه وأنك متشبثة بموقفك. ومكثت أياماً لا أعرف النوم. وداويت حزني بالاندفاع في النضال. فكنت أغامر بنفسي لحدّ التعرض للموت. وأملت في أن أثبت لأبيك أن زكي بن رحيم سيصبح يوماً أهم شخصية في طائفتنا. فماذا كانت ثمرة تلك الأحلام يا لمعان؟ أن أذبح كما تذبح البهائم. وهاقد ثبت لي أن فكرتي القديمة بأن اللاعدالة هي الخصم الأقوى على الأرض كانت فكرة صحيحة. فيا لتعاسة هذه الدنيا ويا لحقارتها.

علي
ها هو الموت على قاب قوسين أو أدنى مني وأنا ما أزال أحاول إقناع نفسي بأن بلادي ستكون في خير.. وأنني يجب ألآ أيأس من المستقبل. أترى لو كان الأستاذ بلال حياً لتمسك بتفاؤله بالرغم مما تشهده البلاد من ظروف مأساوية؟! بالتأكيد.. بالتأكيد. ألم نكن نمرّ بظروف مأساوية يومذاك؟ ومع ذك لم أره يوماً متشائماً. وحينما كنت أبدي له عجبي من تفاؤله بالرغم مما يواجهه هو بالذات من أخطار كان يقول لي: "إن الأفكار التي ندعو إليها يا علي ستنتصر في النهاية لأنها الأفكار التي يتوق إليها البشر منذ آلاف السنين. وستكون الثمرة النهائية لتطور المجتمع. ويجب ألا نستسلم لليأس مهما واجهنا من عقبات".
لذلك لن أستسلم لليأس يا أستاذ بلال حتى وإن كنت سأفقد حياتي خلال أيام. فأنت أيضاً فقدت حياتك من أجل أفكارك. فإذا كانت الشعلة ستسقط من يدي بعد أيام فسيرفعها آخرون ما دام هناك أناس يحلمون بإشاعة العدالة للبشر. وكيف لي أن أتنكر لهذه الأفكار وقد تشربتها منذ صغري؟ فأنا أولاً وآخراً أدين لك يا أبي بتشرب هذه الأفكار.. قبل أن اعرف الأستاذ بلال. ولم أكن لأستجيب لدعوة الأستاذ بلال لو لم أكن مستعداً نفسياً لها . فأنت كنت يا أبي مثال القاضي العادل في المحكمة وفي البيت. وليس من الغريب أن تؤمن أمي بأنك أعظم رجل في العالم. وليست وحدها التي آمنت بذلك بل أنا وأخواتي جميعاً. فقد كنت تهتم بأمورنا اهتماماً بالغاً. ولا عجب أنني كنت وأخواتي الأوائل في صفوفنا دائماً. وأنا أدين لك بثقافتي يا أبي. فأنت الذي عوّدتني منذ طفولتي على منادمة الكتاب. وكنت تعامل أمّي وكأنها ندّ لك في كل شيء مع أنها لم تنل سوى الشهادة المتوسطة. لذلك كان حزننا لوفاتك لا حدود له. فلم نكن نتصور أننا سنفقدك يوماً. وكانت ردّة فعل أخواتي حينما حملوا جثمانك خارج البيت أن انهلن على زجاج النوافذ وأحلنه إلى هشيم. وكان ذلك كناية عن تحطم البيت بعد رحيلك.
أنت الذي خلقت في نفوسنا يا أبي حب النزاهة والاعتزاز بالنفس واحترام الآخرين. كنت تؤكد لنا أن كرامة الإنسان هي فوق كل اعتبار. وينبغي ألا تهان بأي شكل من الأشكال. وكنت تردد على سمعنا أن صدق الإنسان مع نفسه ومع الآخرين هو مقياس الخُلق القويم. لذلك لم نكن نخفي عنك أي شيء من تفاصيل حياتنا اليومية. وكنت تعقد لنا لقاءً دورياً يتحدث فيه كل منّا عما يواجه من مشكلات أو مواقف في حياته اليومية. وكثيراً ما كان أخواتي يحدثنك بصراحة عن مواقفهن العاطفية. وأنت الذي شجعت جواهر على مواصلة حياتها العاطفية مع عباس زميلها في الجامعة والتي انتهت إلى الزواج على الرغم من ظروفه العائلية المتواضعة. وأنت الذي هيأت لبقية أخواتي زواجات سعيدة بتوجيهاتك الحكيمة. وحينما دعاني الأستاذ بلال للانتساب للحزب استشرتك قبل أن أبلغه بموافقتي. وكان مثل هذا الأمر ذا خطورة خاصة لديك. فهو يعني المغامرة بمستقبل ابنك الوحيد. ومع ذلك لم تبد أي اعتراض. وقلت لي إن مثل هذا القرار يخصّك أنت شخصياً يا علي وهو يتعلق بصميم حياتك. وأكدت لي أنك واثق من رجاحة عقلي وأن بوسعي اتخاذ القرار الصائب. لكنك حذرتني بأن اتخاذ قرار إيجابي بهذا الشأن معناه الاستعداد لمواجهة مشقات ومخاطر بالغة، وحتى الاستعداد لدخول السجن، بل وربما فقدان الحياة. لكنك ذكرت في الوقت نفسه أن الأفكار التي يدعو إليها الحزب هي أفكار نبيلة تستحق التضحية. وهكذا منحتني حرية القرار يا أبي في اخطر قضية تمس صميم حياتي ومستقبلي.
لكنني أعترف لك يا أبي بأنني لم أكن صريحاً معك في قضية جوهرية ظلت تكدّر عليّ حياتي حتى اليوم. وهي القضية الوحيدة التي عجزت عن مصارحتك بها. ولو كنت صارحتك بها لأرشدتني إلى الحلّ السليم ولأرحت قلبي المعذب. ولربما اتخذت موقفاً آخر من مريم أنصفها فيه. أجل يا مريم.. لقد ظلمتك مع أنك تستأهلين كل إنصاف. وكان من سوء حظك أنك أحببتني. وكان من الواضح أنك تأثرت بشخصيتي منذ لقائنا الأول.. منذ تناولت طعام العشاء في بيتكم لأول مرة. فطوال فترة السهرة لم ترفعي عينيك عن وجهي. وكنت تبدين كالمشدوهة. وأعترف لك بأنني خططت ذلك المساء لاستثمار كل إمكاناتي لخلق انطباع ممتاز عني. فقد كنت أدرك أن زيارتي محرجة لكم. وقد نجحت فعلاً. فقد بدوتم كلكم في نهاية السهرة سعداء بوجودي. ومع أنك لم تنطقي سوى عبارات قليلة لكنني قرأت في عينيك معاني مفعمة بالإعجاب. وكلما تكررت زياراتي لكم أحسست بعواطفك نحوي تشتد توقداً. وتلاحقت الأيام وأنت تدارين عواطفك تجاهي يا مريم بطريقتك الخاصة. وكنت تمكثين صامتة طوال السهرة لكن عينيك كانتا تموجان بالعواطف. أما أنا فكنت حائراً في تفسير صمتك ونظراتك.. أهما مؤشران على مجرد الإعجاب أم على حبّ دفين؟
ثم تقدم أول خاطب لك فرفضته. وكانت حجّتك أنه شخص لا يناسبك. ولم تكن أمّك متحمسة له. غير أن الخطيب الثاني حاز على رضا أهلك. لكنك رفضته أيضاً. ثم تلاه الخطيب الثالث. وقد غضبت أمك غضباً شديداً لرفضك إياه. فقد رأت فيه فرصة لا تتكرر. وقد قال لي يوسف إنها صرخت في وجهك: "هل تطمعين بزوج أفضل منه؟ ألا يكفيك أنه تنازل وتقدم لخطبتك؟! إنه سيرفع من مستوانا." وكان يوسف أيضاً راضياً عنه. وقد ذكر لي أنه من أسرة طيبة.
وارتأى أهلك أن يوسّطوني في هذا الأمر. وقال لي يوسف:"نحن نعلم أنها تحترمك فلعلها تستمع إليك". وعقدنا جلسة لمناقشة هذا الأمر. وتحدثت أنا طويلاً معك. وكنت تسمّرين عينيك على وجهي من دون أن تنطقي كلمة واحدة. ثم ختمت المناقشة بقول أذهلنا. قلت: "أنا نويت أن أهب حياتي لخدمة العائلة ولن أتزوج. ألا تفضل بعض الفتيات خدمة الرب والدخول في الدير؟ وإذا ضغطتم عليّ فسأدخل الدير".
وكان قولك هذا هو القول الفصل. ولم يعد هناك مجال لمناقشتك. ولقد احترت في تفسير موقفك هذا يا مريم. وحينما زرتكم في المرة التالية دسست في جيبي مظروفاً قبل خروجي. ولما خلوت إلى نفسي فضضته وقرأت رسالتك التي ما تزال تتراءى لي بحروف من نور. وقد قلت فيها: "لا يمكنني أن أتزوج يا علي فأنا أحبّك حبّاً يملأ عليّ كل حياتي. وأنا أعلم أنه حب بلا أمل لكنني سعيدة به. ولا يمكنني أن أرتكب خطيئة فأتزوج شخصاً وأنا أفكر بشخص آخر. وأنا آسفة إذ رفضت وساطتك".
ولقد أثارت رسالتك هذه عواطف هائجة في قلبي. وقرأتها المرّة بعد المرة في تلك الليلة. ولازمني الأرق حتى الصباح. وبدا لي أنك تمثّلين العاشقة المثالية التي لم يعد لها وجود في هذا الزمان. وأيقنت أنك المرأة الجديرة بقلبي. وانهمكت في كتابة رسالة تلتهب سطورها بالحب. ولكن حينما راجعتها صباح اليوم التالي أدركت أنني سأرتكب خطأً جسيماً لو انتهت إليك. فستحيي الأمل في قلبك من دون أساس راسخ. فما تزال عواطفي غير متبلورة نحوك. وما أزال بحاجة إلى مزيد من الوقت. واحتطت للأمر فتحدثت في زيارتي التالية عن طبيعة حياتي وانشغالي بالسياسة بدرجة تحول دون زواجي. وقد فاضت عيناك المسمرتين على وجهي بالحزن وأنت تستمعين إليّ. وبدا عليك أنك وعيت رسالتي إليك. غير أن كلامي هذا لم يكن نهاية المطاف يا مريم. فمنذ ذلك اليوم أخذ حبّك يتمكن في قلبي. وصار معضلة تورثني معاناة بالغة. ورحت أسائل نفسي: "هل بإمكاني أن أواصل هذا الحب إلى ثمرته النهائية؟ وهل تسمح بذلك ظروفي وظروفك؟" وكانت أولى العقبات أمام ارتباطنا هو تحصيلك الدراسي. فأنت قد اكتفيت بالشهادة المتوسطة، في حين أنني كنت مصمماً على أن تمتلك زوجتي الشهادة الجامعية مثلي. وقد اتخذت هذا القرار بوحي من ظروفي العائلية يا مريم. فأمي لم تكن تحمل سوى الشهادة المتوسطة. وكان أبي قد أحبّها وتزوجها دون أن يبالي بمستواها التعليمي. ومع أن حبه لها لم يفتر حتى فارق الدنيا لكنه كان يكابد بالتأكيد لوعة لانعدام التواصل الثقافي بينهما. فقد كانت ثقافتها تنحصر في البيت والأبناء والجيران. وكانت لا تهوى القراءة. وكم كان أبي عظيماً فلم يكشف عن حسرته يوماً. لكنني كنت أستشفها حينما كان يدور حوار بيننا حول شؤون البلاد فتعلق أمي تعليقات ساذجة. ودعاني ذلك إلى التصميم على تجنب تجربته عند اختيار زوجتي.
أما العقبة الثانية يا مريم فكانت أقوى وأشد. وقد عانيت منها أكبر المعاناة. فقد مثّلت لي اختباراً لصدق أفكاري وتوجهاتي. واعتقدت أنها أيضاً تمثل اختباراً لصدق توجهات عائلتي. فهل يمكن لعائلتي أن ترضى بالارتباط بكم؟! وهل بوسعها التغاضي عن الفجوة التي تفصل بيننا؟ ولم أجرؤ على وضع عائلتي على محك الاختبار هذا وخصوصاً أبي. فلم أكن لأحتمل فشله في هذا الاختيار. وكم من مرة هممت بمصارحته ثم أحجمت. فقد كان أبي يمثل لي رمز العدالة يا مريم ويستحيل علي أن أخدش صفحة هذا الرمز. ثم انتهيت أخيراً إلى لجم عواطفي وإلغاء فكرة الزواج من حياتي.
وهكذا كتب علينا يا مريم أنا وأنت أن نحرم مسرّات الحياة الزوجية. غير أنني لم أغفر لنفسي طوال هذه السنين جنايتي عليك. وترسب في أعماقي الإحساس بأنني إنسان مزيف أخفق في الاستجابة لأفكاره في الحياة العملية. وما يعزّيني الآن يا مريم والموت على قاب قوسين أو أدنى مني أنني سأحررك من قيد حبّك الثقيل. ولعلك ستوفّقين إلى زوج يعوّضك عن السنين الضائعة. وحينئذ سأكون مجرد ذكرى في حياتك. ولكن دعيني أؤكد لك أنك أجمل ما سأفقده في هذه الحياة.

صوت
انتهت المهلة الثانية التي حددناها لجماعتكم الزنادقة ولم يتصل أحد منهم بنا. وهذا أمر متوقع منهم، فهم يعلمون أننا لا ننفق هذه الأموال على ملاذ الحياة الدنيا، بل على شراء الأسلحة التي نحتاجها للقضاء على الزنادقة أمثالكم. وبناءً على ذلك ستعيّن قيادة جيشنا الموعد الذي ينفذ فيه الإعدام فيكم. فإلى جهنم وبئس المصير.

حوار
زكي – (في مرارة) إذن حانت نهايتنا أخيرا
علي – أنا لم أشكّ بذلك لحظة واحدة يا زكي منذ وقعنا بأيدي هؤلاء البرابرة.
يوسف – (في خيبة) أما أنا فكان لديّ أمل في أن يوفّق رفاقنا في جمع مبلغ الفدية وإنقاذنا.
علي – وهل تتصور يا يوسف أنهم كانوا سيطلقون سراحنا فعلاً لو تسلموا الفدية؟
زكي – مستحيل.. أنا مثلك يا علي لم أصدق هذه الأ كذوبة. لكنني لم اشأ أن أبدّد أحلام يوسف.
يوسف- يظهر أنني الوحيد الحالم بينكما.. مرحباً إذن بالموت في سبيل المبدأ. ألم يصلب المسيح عقاباً له على أفكاره؟ إلى لقاء قريب أيها المخلّص.
زكي – (بعد لحظة) ستلتقي يا يوسف بمسيحك في السماء. وأنت أيضاً يا علي ستلتقي بالشهداء من أتباع نبيكم. وستكون الجنّة في انتظاركما. أما أنا فلا أعرف مصيري.
علي- سيكون مصيرك كمصيرنا. فنحن الثلاثة سنكون شهداء العدل والخير مهما اختلفت أدياننا. والله يعد الشهداء بجنات الخلد.
يوسف – المهم أننا سنلتقي ثانية في ملكوت السماء فلا يمكنني أن أتخيّل أننا سنفترق.
علي – هذا شعورنا جميعاً يا يوسف. وإن صداقتنا لخالدة حقاً وهي تمثل التآخي بين مختلف طوائف الشعب العراقي بأديانه وأعراقه المتنوعة.
زكي – (في شيء من السخرية) ينقصنا أن يكون بيننا كردي وآخر تركماني ليلتئم شمل الشعب العراقي يا علي.
يوسف – أنا فخور بأننا نمثل وحدة الشعب العراقي.
علي – لقد كان الشعب العراقي موحداً دائماً بالرغم مما واجه من محن ومصاعب.
زكي – (في شيء من السخرية) ألست مبالغاً في قولك هذا يا علي؟
علي – لا.. لست مبالغاً يا زكي. فأحداث التاريخ تشهد عليه.
زكي – (بلهجته الساخرة) فكيف إذن تفسر ما يحدث الآن؟ أين الوحدة التي تتحدث عنها فيما يجري الآن؟ من الذي يجهّز السيارات المفخخة التي تركن بجوار الجوامع والمدارس وفي الأسواق والمطاعم والساحات العامة وتقتل العشرات من الأبرياء؟ من الذي يزرع القنابل في أماكن تجمهر الناس؟ من الذي يقوم بتهجير الناس من بيوتهم لانتمائهم لغير الطائفة الغالبة أو يقتلهم على الهوية؟ من الذي يخطف أناساً ثم يرمي بجثثهم المقطوعة الرأس والمليئة بآثار التعذيب بجوار المزبلة؟ هل يقوم بهذه الأفعال أشخاص هبطوا من السماء أم أنهم من أبناء البلد يا علي؟
علي – لكننا نعلم يا زكي أن من يقوم بهذه الأفعال هم أشخاص غرباء عن البلد من المتطرفين الدينيين وقد جاءوا من دول أخرى.
زكي – لكن بعضهم من أهل البلد بلا ريب.
علي – هذا صحيح ولكن لاشك أن أمثال هؤلاء الأشخاص قد أعدّهم الطاغية قبل سقوطه ليتولوا هذه المهمة يازكي. وهؤلاء الأتباع هم مجرمون مارقون ممن فقدوا مكاسبهم. وهم لا يمثلون الشعب العراقي الحقيقي. فلقد كان الشعب العراقي موحداً دائماً بكل أعراقه من عرب وأكراد وتركمان وكلدان وآشوريين وغيرهم. ولم يكن أحد منهم يبالي بالفروق المذهبية أو الدينية أو العرقية. ولعل أكبر دليل على ذلك التزاوج الواسع النطاق بين السنّة والشيعة. أما الذين يلعبون بورقة الطائفية من أجل الكسب فهم قلّة ً.
يوسف- قولك صحيح يا علي.
علي - و هؤلاء الأتباع هم الذين ما يزالون يدافعون عن الطاغية ويزعمون أنه قد وقف في وجه الاحتلال وبالتالي فهو بطل قومي. وهي كلمة حق أريد بها باطل. فهم يعلمون أنه مسؤول بصورة غير مباشرة عن الاحتلال بتصرفاته العشوائية المتخبطة وغير الحكيمة. بل إنهم ينكرون أنه نكّل بالمواطنين الأكراد وقتل الألوف منهم بالأسلحة الكيمياوية. وهم يبررون حتى المقابر الجماعية التي دفن فيها الطاغية الألوف من أبناء الشعب بدلاً من أن يدينوه ويتبرأوا منه. وللأسف مازال أمثال هؤلاء الأتباع يبذلون قصارى جهدهم مدعومين بالأموال الطائلة التي هرّبها الطاغية إلى خارج البلاد لبث الفوضى والرعب في البلاد حتى يترحّم الناس على عهده المقبور. فالناس لم يعودوا يطمعون إلا بعودة الأمن للبلاد. وإنهم ليهجرون بلدهم بالآلاف يوميا حرصا على حياتهم0
زكي – أيّ حياة سعيدة تلك التي كنا نحلم بها للشعب بسقوط النظام الدكتاتوري وأي حياة تعسة تلك التي يعيشها الآن فيا لها من أحلام زائفة تلك التي عمرت رؤوسنا.
علي – وهذا ما خطط له الطاغية يا زكي في حال سقوطه . وقد هرّب مليارات الدولارات إلى البنوك الأجنبية لإحداث حالة الفوضى والنهب والقتل والترويع والنهب والقتل التي تشهدها البلاد الآن. ولاشك أنه وأتباعه يستأجرون اليوم عصابات محلية وعالمية للإسهام في ذلك.
زكي – ولكن لنكن واقعيين يا علي. فالجهات السياسية المختلفة بميليشياتها العديدة تسهم إسهاماً كبيراً أيضاً في ذلك وهي مسؤولة أيضاًعن أعمال الخطف والفوضى والقتل العشوائي والتهجير.
علي – وهذا أمر مؤسف للغاية وهو مدان شان بقية الأفعال الإرهابية0
يوسف – لكنني لا أفهم كيف يعجز الجيش الأميركي العرمرم عن توطيد الأمن في البلاد وكيف تعجز أجهزته التقنية المتطورة عن الكشف عن مخابئ العصابات الإجرامية. فهم يزعمون أن باستطاعتهم رصد النملة وهي تدب في مكان ما بأجهزتهم المتطورة.
زكي – هذا أمر يحيّر الناس جميعاً ولا يحيرك وحدك يا يوسف. ولعل لهم مأرباً في ذلك.
علي – أو لعلهم غير قادرين فعلاً. وربما نحن مخطئون في منحهم وزناً أكبر من وزنهم الحقيقي. وعلى أية حال فلا شك أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتقهم فيما يحدث من فوضى وإجرام وقتل. وخطف للرجال والنساءوقد عزّزت أفعالهم الخرقاء أهدافهم المشبوهة.
يوسف – قولك صحيح يا علي.
زكي – وبالتالي فنحن ندفع ثمن الاحتلال حيث جعلوا بلادنا بؤرة للإرهاب العالمي ، واصبحت العاصمة مرتعاً للمجرمين والعصابات من كل شكل ولون. وها نحن سنفقد حياتنا نتيجة ذلك.
علي – لا يا زكي. نحن لا نفقد حياتنا نتيجة أخطائهم فحسب. فقد نذرنا أنفسنا لإصلاح الحياة في البلاد. وليس غريباً أن يكون ثمن تحرير بلادنا من الدكتاتورية حياتنا وحياة أمثالنا من المناضلين. كان هذا الأمر متوقعاً بالنسبة لنا وكان ذلك هاجسنا. وكان الموت يترصدنا في كل خطوة من خطواتنا طوال السنوات التي مرت بنا. ولكن ما ذنب الأبرياء من الناس الذين لا دخل لهم بالسياسة والذين يفقدون حياتهم كل يوم بالعشرات على أيدي المتطرفين الدينيين الأجانب والمحليين وعصابات الطاغية وغيرهم؟
زكي – وعلى أيدي من يسمون أنفسهم بالمقاومين أيضاً يا علي أو المقاومة الوطنية. فهم يحصدون من أرواح المواطنين الأبرياء أضعاف ما يحصدونه من أرواح المحتلين. ومع ذلك يزعمون أنهم مقاومون للمحتل وأن أفعالهم يجب أن تمجد.
علي – لا يا زكي. هذا تجاوز عن الحقيقة. فهناك مقاومون فعلاً للمحتل الأجنبي مهما كانت ألوانهم. وأمثال هؤلاء يعز عليهم رؤية بلدهم محتلاً وحرماتهم منتهكة ودينهم مهان، ولهم وجهة نظرهم الخاصة وهم مدفوعون بدافع وطني ودافع ديني حقيقي. وهم يرخصون حياتهم في سبيل ذلك.
زكي – على كل حال الكل مشتركون في التنكيل بالشعب بما في ذلك مسؤولو أحزاب المعارضة الذين يتقاتلون على السلطة غير مبالين بمعاناته.
يوسف – إنها نهاية مخيبة حقاً لأحلامنا. وكم حلمت بأن أشهد العدالة التي نادى بها يسوع المسيح تسود في بلادنا.
علي – ستسود حتماً يا يوسف .. ستسود بالتأكيد.
زكي – لا أظن يا علي. فاللاعدالة هي السلطة النافذة على الأرض. وإنني لست آسفاً على مغادرة هذه الأرض المليئة بالشرور والظلم والإجحاف. فلم تعد مكاناً يغريني بالبقاء فيه.
يوسف – وأنا مثلك يا زكي. أنا أيضاً لم أعد راغباً في البقاء على هذه الأرض. أنا مشتاق للقاء يسوع المسيح.
علي – أما أنا فلست متشوقاً مثلكما لمغادرة هذه الأرض قبل أن أشهد انقشاع هذه الغمة عن شعبنا وبلادنا.

زكي
أنا مرتاح إذ أغادر هذه الدنيا التعسة التي لن تتوفر فيها العدالة والمساواة للبشر. فهذه هي طبيعة لحياة كما يبدو. فهل ترانا نكلّف الحياة أكثر من طبيعتها وقوانينها حينما ننشد العدالة والمساواة للبشر جميعاً؟ وماذا كان جدوى تمردي على قانون الحياة هذا؟! لم ينفعني ذلك بل زاد من تعاستي. وحتى حينما خيل إليّ أنني اهتديت إلى ضالتي المنشودة في أفكار حزبنا التي تهدف إلى تحقيق العدالة للناس جميعاً أثبتت الأيام أنها ليست سوى فقاعات صابون. لم تقدم ولم تؤخر. وسرعان ما تنكر لها الشعب الذي كنا مستعدين للتضحية بأرواحنا من أجله. إذن فلتخسأ الحياة.. مرحباً بالموت حتى لو كان على أيدي هؤلاء الوحوش البشرية. وعلى كل حال فما قيمة حياتي بعد؟ أظنني اقتنعت بأن الهدف الذي حلمت به قد انتهى. ولن أكون شخصاً أفضل من ماهود. وحتى لو بقيت حيّاً فلن أكون أكثر من مهندس شأنه شأن آلاف المهندسين.. مهندس يكافح للحصول على قوته. ولن أكون قادراً على ضمان حياة رغدة للمعان كالتي يضمنها لها صائغ مثل ماهود. أتراها ما تزال تفكر بي كما أفكر فيها؟! فمنذ قرر أبي أن نهجر محلتنا "الكريمات" وانتقلنا إلى محلة "الشوّاكة" انقطعت عني أخبارها. فلماذا لم يكن بالإمكان أن نتزوج وهي تحبني وأنا أحبها؟! أين العدالة في ذلك؟ ولماذا ينبغي أن يكون ماهود مناسباً لها أكثر مني؟! ولماذا ينبغي أن تكون عائلته أفضل من عائلتي؟ ولماذا ينبغي أن يقسّم البشر إلى فئات وطبقات يفضل بعضهم على بعض؟! ولماذا كان على أبي أن يشعر بدونيته وأن يعكس ذلك على أفراد عائلته؟! لماذا كنت يا أبي تجبر أمي على مساعدة أم لمعان في أعمال البيت شأنها شأن أي خادمة؟ وكنت تتبجح بعملك هذا مدعياً بأن ذلك يكسب عائلتنا شرفاً. وماذا كانت النتيجة؟ أن يمرّغ الشيخ عبدالله وجهك في الوحل. وماذا نفعك تظاهرك بالولاء للنظام المجرم؟! لقد بقيت كما أنت.. موظفاً بسيطاً في وزارة المواصلات وكسبت كراهية زملائك. وما أشد ما ثار بينا من مشاحنات بسبب ولائك الزائف للنظام. وما أعظم ما قام بيننا من صراعات نتيجة نضالي الوطني. وكانت حجتك أن الصابئة قوم مستضعفون ولن يكون لهم شأن في هذه البلاد مهما تغيّرت الأحوال. وكنت ترى أن مهمتنا في الحياة هي أن نكون مسالمين لمداراة خبزتنا ولكي نعيش في سلام. لكنك مع ذلك يا أبي لم تدع عائلتك تعيش في سلام. ولم تكن عادلاً معها. لقد كنت معها جباراً عتيّاً. لقد حوّلت أخواتي إلى دمى عاجزة ترتجف منك فرقاً. وأحلت أمي إلى عبدة لا تخالف لك أمراً لكي تسلم من الضرب والإهانة. وكان أقصى أمانيها أن تكلمها بلطف.. ألاّ تصرخ في وجهها موبخاً على الصغيرة والكبيرة. لم تظهر لها يوماً شيئاً من الحنان أو قليلاً من الاحترام مع أنها كانت متفانية في خدمتك. لقد جعلتها امرأة مكسورة الخاطر يا أبي. وكم كان بودّي يا أمي أن أعوّضك عن قسوة أبي بما كنت أسبغه عليك من احترام . ولكن هيهات.. هيهات أن أكون قادراً على محو ما اكتنف حياتك من مذلة وشقاء. فيالها من حياة تعسة تلك التي عشتها. ومع ذلك لم تشك يوماً همومك لأحد. وإذا فاض بك الكيل انفردت بنفسك وتذكرت موتاك ورحت تعدّدين عليهم وتبكين. أما أخواتي فقد دمّرت حياتهن يا أبي حين زوجتهن مكرهات زواجات فاشلة. أنا الوحيد الذي خرج عن طوعك يا أبي لأنني أقوى منك. وكم بذلت من جهود لكي تستعيد كرامتك المهدورة ففشلت. وفشلت كذلك في إعادة الكرامة لأبناء بلدي. وها أنا ذا سأغادر الدنيا غير آسف عليها. فوداعاً لهذه الدنيا التعسة ووداعاً يا أمي الشقية.. يا من كنت سندها الوحيد وسأتركها لأحزان موصولة.

يوسف
إذن انتهت حياتك يا يوسف وانتهت أحلامك. فماذا غيّرت تلك الأحلام من حياتك؟ كنت تطمح إلى رفع مكانة أبيك وها أنت ذا قد فشلت. فلماذا كنت تخجل من مهنته؟ أليست هي مهنة كسائر المهن؟ أما كان ينبغي لك أن ترفع من معنوياته وتشعره بأنه لا يقل مكانة عن أي من الناس المحترمين؟ لكنك فعلت العكس. ألا تتذكر كيف ترددت طويلاً قبل أن تصارح "علي" بمهنته؟! وكان ينبغي لك أن تفعل ذلك منذ اليوم الأول. اعترف أنك كنت كأمك ترفض مهنة أبيك. نعم يا أمي.. أنت التي زرعت في نفسي هذا الشعور. لم ترحميه يوماً من احتقارك، فلماذا يا أمي؟ لماذا؟ ألم يكن يعاني من مشاق مهنته ليوفّر لنا حياة رضيّة؟ كيف كان يتسنّى لي مواصلة تعليمي لولاه؟ صحيح أن حياتنا كانت متقشفة لكننا لم نضطر يوماً إلى مدّ يدنا إلى أحد. وإنه لأب مثالي وزوج مثالي يا أمي. فلماذا حرمته من هذا الإحساس؟ أنت لم تكوني مسيحية مخلصة يوماً يا أمي كما قال عنك جدي وإلا لقدّرت أبي حق قدره. وأنا مثلك يا أمي لست مسيحياً مخلصاً وإن ادعيت عكس ذلك. ولو كنت كذلك لوقفت في وجهك كما وقفت مريم. وأرجو أن يسامحني أبونا الذي في السماوات. أنا أعلم أن حواري يسوع كانوا كلهم على شاكلة أبي من ضعفاء الناس ومن ذوي المهن الوضيعة. ومع ذلك ظللت بيني وبين نفسي خجلاً من مهنة أبي.. أختي مريم هي المسيحية المخلصة الوحيدة بيننا بعد أبي طبعاً. فهي لم تكن تخجل من مهنة أبي. وكثيراً ما قالت لك: "أبي من أشرف الناس وعليك أن تحترميه يا أمي". وكثيراً ما جابهتك بعنف حينما تسيئين معاملته. أنت المسيحية الحقيقية بيننا يا مريم. وحينما نلت الشهادة المتوسطة قررت أن تنقطعي عن الدراسة وأن تبحثي عن عمل لتساعدي أبي. وذهبت توسلات أبي سدى لثنيك عن قرارك. هكذا أنت دائماً يا مريم.. قراراتك لا تقبل المناقشة. وهكذا كان قرارك الصعب في الإضراب عن الزواج. فلماذا يا مريم؟ لماذا أفسدت حياتك بهذا القرار المجحف؟ حرام على فتاة بجمالك أن تحرم نفسها من متعة الزواج ومن مواصلة الحياة مع رجل يحبها ويرعاها. لكنك مسيحية حقيقية يا مريم فلا عجب في قرارك هذا. وأنت تتمتعين بأنبل صفات المسيحي وهي التضحية.
وأنت يا جورجيت.. ماذا صنعَت بك الدنيا؟ هل وافتك أحلامك بالسعادة في بلاد المهجر؟! ألا تشتاقين لبلدك؟! لا أظن، فأنت لا تفكرين إلا بنفسك.. لا تفكرين بأي أحد. أنت بلا قلب يا جورجيت. وأنا نادم إذ أحببتك يوماً وخطر لي أنك المرأة التي يمكن أن تكون رفيقة حياتي. أتمنى أن تكوني قد نلت أحلامك في بلاد لمهجر. أما أنا فسأذبح كما تذبح الخراف. ولكن اعلمي يا جورجيت أنني لست نادماً على هذا المصير. فسيذبح معي صديقاي اللذان لا أعدل بهما أحداً في الدنيا. وأنا سعيد لأننا لن نفترق، فسنلتقي ثانية في السماء. لن نفترق يا علي ويا زكي.. أنا واثق أننا سنلتقي ثانية في السماء.

علي
لا أريد أن يخيب ظني بالحياة يا أبي كما خاب ظنك فيها في أواخر حياتك. فما أزال متفائلاً وأنا على قاب قوسين أو أدنى من الموت. ولقد ظللت أنت أيضاً متفائلاً في البدء حينما ضاق الطاغية بك ذرعاً فأحالك على التقاعد. ولم يكن معاداة الطاغية لك أمراً غريباً. فقد كنت مثالاً يحتذى في المحافظة على نزاهة القضاء والصمود أمام ضغوطه. وقد كسبت بذلك احترام وتوقير جميع المثقفين والناس الخيرين. وكان صمودك مثار إعجاب الناس وتثمينهم. وكانت مواقفك يا أبي تملؤني فخراً. وأصبحت أمنيتي في الحياة أن أكون على مثالك. ولقد ظللت مؤمناً بأن نظام الطاغية لن يصمد إلى النهاية. فقد فاق كل الحدود المقبولة في تخبطه. وقد أقحم البلاد في حروب مدمرة اقتضت الشعب معاناة لا حدود لها. وكلفته مئات الألوف من أبنائه وخصوصا الشباب. ودمرت اقتصاده تدميراً شاملاً وكبلته بديون باهظة تجاوزت بلايين الدولارات. وكنت تردد على أسماعنا أن العدالة هي التي ستنتصر في النهاية وأن حكم الطاغية لابد أن ينهار.
لكن الأيام والشهور توالت والطاغية باق في الحكم رغم كل أفعاله الهوجاء. وطال عهد البطش والظلم والفساد حتى بدا وكأنه لا نهاية له. وكان أشد ما يروّعك نجاح الطاغية في إفساد كل شيء في حياة الناس وفي تدمير خُلقهم ومُثلهم. وكان يحزنك حزناً عظيماً أن يحظى مثل هذا النظام الذي تنكر لكل القيم الإنسانية بدعم دول وأشخاص مرموقين في العالم لا لشيء إلا لأنه يوفر لهم منافع ذاتية. وشيئاً فشيئاً تزعزع إيمانك بمستقبل مشرق للبلاد. وجعلت تردد وأنت تهز رأسك يائساً: "لا فائدة.. ضاعت جهود الخيّرين في إرساء حياة عادلة للناس.. لقد انتصر الشر على الخير ولم يعد هناك من أمل". وكانت ضربة قاصمة لي يا أبي أن أرقب اليأس يتمكن من قلبك، وثقتك بالقيم التي بشرت بها طوال حياتك تضعف يوماً بعد يوم. واستقر حزن قاهر في قلبك. ولقد كنت تتابع مسيرة الحياة وتقرأ الصحف وتصغي إلى المذياع باهتمام آملاً أن يحدث التغيير المأمول. لكنك فقدت هذا الاهتمام شيئاً فشيئاً وانصرفت عن قراءة الصحف والإصغاء إلى المذياع. فلم تعد تأمل في شيء جديد. وطال انزواؤك في الدار. وزهدت حتى في استقبال أصدقائك القدماء. ولم يعد تواصلك معنا كعهدنا به. لقد بدا وكأنك فقدت الرغبة في الحياة بعد أن انهارت آمالك في التغيير . وكنت تبدو كالشمعة المحترقة التي توشك أن تنطفي. وكانت حالك هذه تحزننا حزناً عميقاً يا أبي. ولم نكن ندري ماذا نفعل. وزحف الظلام على بيتنا بعد أن كان أنموذجاً للبيوت المشرقة. وكانت أمنا أعظمنا حزناً. غاضت البسمة من شفتيها والتي لم تكن تفارقها من قبل. وكانت تقول لي والأسى يمزّق فؤادها: "أبوك لم يعد كما كان يا علي.. ألا يمكنك أن تفعل له شيئاً ؟" لكنني كنت أعلم أنني عاجز عن أن أفعل شيئاً. فلم يكن ممكناً أن ينقذك من حالك سوى المستحيل.. وهو سقوط النظام. ورفضت تقبل هذه الحياة فعجز قلبك عن مواصلة عمله وهاهو النظام قد سقط يا أبي. ولكن هل ما حدث كان سيخرجك من حزنك حقاً لو بقيت حيّا؟ لاشك أن ما يحدث الآن كان سيضرم حزنك. فلقد حدث يا أبي ما لم يخطر على بال أحد. إنه فاق حتى الخيال. فالناس يعانون من فظائع لم يشهدوا لها مثيلاً. فهم يُقتلون كل يوم بالجملة ويعذبون عذاباً منكراً. وها أنا وأصدقائي نتوقع أن نذبح في أية لحظة. فهل يحق لي أن أظل متمسكاً بموقفي المتفائل يا أبي أم أن عليّ أن أعترف بمقولتك في أواخر حياتك بأن الشر قد انتصر على الخير ولم يعد هناك من أمل؟!

صوت
حانت ساعتكم أيها الزنادقة. وسنبدأ بهذا الصابئي الكافر الذي لا يدين قومه بدين سماوي حتى نتقرب بذبحه إلى الله تعالى. وسنسمح لكما بأن تتفرجا عليه وهو يرسل إلى جهنم.
زكي – (يصرح وهو يسحل) أيتها الوحوش البشرية.. .. يا أحط مخلوقات على الأرض.. لا خير في حياة يتحكم فيها أمثالكم. (تهليل وتكبير وصرخات ابتهاج)

حوار
علي – (بصوت متحشرج) إلى متى ستظل تبكي يا يوسف؟
يوسف – (وهو يبكي) إلى أن ألحق بزكي يا علي.
علي – (بعد لحظة) عزاؤنا أننا سنلحق به عما قريب يا يوسف.
يوسف – (وهو يواصل نشيجه) ليس بقدرتي أن أنسى منظره يا علي وجسده يخفق وهم يعالجون ذبحه وهو مقيد اليدين والقدمين.
علي – ( في تأثر عميق) طالت فترة ذبحه حتى بدا لي وكأنها استغرقت ساعات.
يوسف – (وهو ينشج) إنهم لم يشحذوا السكين جيداً.
علي – هذا جزء من تعذيب الضحية يا يوسف.
يوسف – (وصوته يعلو بالبكاء) ليتهم يذبحونني اليوم يا علي فصورته لا تفارق خيالي.. وإنه لعذاب فظيع ليس بطاقتي احتماله.
علي – (بعد لحظة) يبدو أنهم سيذبحون كل يوم واحداً منا يا يوسف.
يوسف – ليتني إذن أكون الثاني.
علي – ستكون محظوظاً إذن حتى لا تشهد ذبحي.
يوسف – لو حدث ذلك لمت قبل أن يذبحوني يا علي. (بعد لحظة) لم أكن أتصور أنني أحب زكي بهذا القدر.
علي – (بصوت متحشرج) لست وحدك الذي تحبه بهذا القدر. أنا مثلك يا يوسف. وهل يمكن أن ننسى أنه كان مستعداً للتضحية بنفسه دائماً من أجلنا؟ وهل يمكنني أنا أن أنسى أنه ألقى يوماً بجسده على جسدي في إحدى المظاهرات حينما رآى بندقية أحد الشرطة مصوّبة إليّ؟
يوسف – أما أنا فلن أنسى أنه كان حاضراً دائماً لمواجهة أي عدوان عليّ من أوباش الطاغية حينما يغريهم جسدي النحيل.
علي – كان حصننا الحصين دائماً بقوة جسده العظيمة.
يوسف – (بعد لحظة) لماذا كان من قدرنا أن نحب بعضنا بعضاً إلى هذا الحدّ يا علي؟
علي – ولكن ألا ترى أننا كنا سعداء يا يوسف بهذا الحب العظيم؟
يوسف – طبعاً يا علي.. سعداء جداً.
علي – لم يتهيّأ لأناس كثيرين غيرنا أن يتمتعوا بمثل هذه الصداقة يا يوسف. وقد سمعت الكثيرين من معارفنا يقولون: ليس هناك أصدقاء لم يختلفوا يوماً سوى علي وزكي ويوسف.
يوسف – كانت نعمة من الرب علينا يا علي. وأنت كنت واسطة هذه النعمة. فشكراً لك يا علي وألف شكر.
علي – فإذن أنت لا تشعر بمرارة تجاهي يا يوسف؟ فبعد كل شيء أنا الذي زججتكما في أتون السياسة.
يوسف – هذا قدرنا يا علي. ولا يمكن أن تكون أنت المسؤول عن صنع القدر.
علي – قولك هذا يثلج قلبي يا يوسف. فربما عانيت في أعماقي من الشعور بالذنب تجاهكما.
يوسف – بالعكس يا علي. أنت أثريت حياتنا بأحلام رائعة. وما كان أحلى تلك الأحلام. لولاها لكانت حياتي فارغة.
علي – وكان زكي يقول نفس الشيء يا يوسف وإن خابت أحلامه في اواخر حياته مع الأسف.
يوسف – أنا سعيد بأنني سألحق به سريعاً يا علي. إن أفضل شيء يفعله هؤلاء القتلة هو قتلنا معاً حتى لا يظل أحدنا يفتقد الآخر ويتعذب لذلك. (بعد لحظة) ولكن هناك فكرة تلح عليّ بشكل مرهق يا علي منذ ذبحوا زكي أمامنا.
علي – وما هي يا يوسف؟
يوسف – كيف يمكن أن يكون هؤلاء القتلة من جنس البشر يا علي؟
علي – لا ترهق ذهنك بهذه الفكرة يا يوسف، فأمثال هؤلاء الأشخاص مرضى في عقولهم. وهم مصابون بما سمّاه العالم إريك فروم بمرض تدمير الآخر. وهم يمارسون القتل والتعذيب من أجل متعة القتل والتعذيب.
يوسف – قولك صحيح يا علي ولكن كيف يتصورون إذن أنهم يخدمون دينهم بهذه الطريقة؟ لا يوجد دين يقرّ قتل البشر بلا ذنب.
علي – لا علاقة لأفعالهم البربرية هذه بالدين يا يوسف، والإسلام في مقدمة الأديان التي لا تقر القتل والتعذيب. وهناك آية في القرآن الكريم تقول: ( من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً...). وهو لا يقرّ تعذيب الأسير مهما يكن. ولقد أساء هؤلاء إلى جوهر الإسلام إساءة بالغة. ولاشك أن البعض منهم قد غسلت أدمغتهم ولُقنوا بأنهم يخدمون الإسلام بأفعالهم هذه وأن الجنة ستكون في انتظارهم. وحياتهم بائسة على الأرض بحيث لا تستحق التمسك بها.
يوسف- أما يسوع المسيح فقد قال: (من ضربك على الخد الأيمن فأعطه الخد الأيسر). وأنا أعتقد أن الأديان الحقيقية كلها تحمل نفس جوهر المسامحة هذا.
علي – بالتأكيد. أما هؤلاء البرابرة فلا علاقة لهم بأي دين يا يوسف. وقد أعادونا إلى عهد البربرية الأولى.
يوسف – يا لفظاعة ما يلقاه من يقع بأيديهم.
علي – ويا لبؤس بلدنا بهم.

يوسف
إن روحك توأم روحي يا زكي. وستنضم إلى بقية أرواح أتباع المسيح الذين أحبوه وأحبهم. أنت ستكون واحداً منّا يا زكي وإن لم تكن مسيحياً. فأنت تحمل الأفكار التي بشّر بها يسوع المسيح. وكل من آمن بها صار من أصحابه. وأنا سأكون معك يا زكي في السماء كما كنا معاً في الأرض. فعما قريب، سيذبحونني كما ذبحوك. لكنني سأكون سعيداً فسألتحق بيسوع. فالموت لا يرهبني. ومن أنا حتى أرفض الموت من أجل أفكاري؟ ألم تفعل ذلك يا يسوع؟ ألم تضحّ بحياتك من أجل المستضعفين من البشر؟ أنا أيضاً سأفعل ذلك. وسأموت أبشع ميتة. سأموت ذبحاً.. ولكن ليس أبشع من ميتتك يا يسوع. لقد مكثت أياماً معلقاً على الصليب وقد ثُبِّتَت فيه يديك وقدميك بالمسامير الغليظة. وكانت جوارح الطير تحوم حولك في انتظار أن تصعد روحك إلى السماء لتنقض على جسدك تنهش لحمه. كان عذابك من الشدة بحيث صرخت أخيراً: "أبتي .. لماذا تخليت عني؟" وكم تعذب أتباعك أيها المخلّص من بعدك دون أن يكفروا بدعواك. كان الرومانيون الآثمون يلقونهم إلى الوحوش الجائعة لتمزق أجسادهم من دون أن يفلّ ذلك من عزيمتهم. وسأسعد قريباً يا يسوع بأن أكون إلى جوارك. فأنا أحبك يا يسوع. وأنا معجب بتضحيتك للتكفير عن الخطاة ومن أجل إنصاف المستضعفين. فإلى لقاء قريب أيها المخلّص.. وإلى لقاء قريب يا زكي.. وداعاً يا أبي.. يا من سأضيف إلى تعاسته تعاسة جديدة. وداعاً يا مريم. وداعاً يا أمي.. وآمل أن تحسني معاملة أبي وأن تكوني مسيحية مخلصة.

علي
وداعاً يا زكي.. وداعاً يا صديقي المتمرد على اللاعدالة في الأرض. وداعا يا فارس العدالة. ولقد عشت متمرداً ومت متمرداً. لم تأبه للسكين التي كانت تحزّ رقبتك وظللت تمطرهم بشتائمك إلى آخر لحظة. فأنت كنت شجاعاً دائماً منذ كنت طفلاً. وكنت أشدنا صلابة في توقك للعدالة. وما أكثر ما غامرت بحياتك من أجل أفكارك وعرّضت نفسك للموت. وكنت تتخيل أي شيء إلا أن تنحر كما تنحر الخراف. فما أضيع الحياة البشرية لدى هؤلاء البرابرة وهي أغلى شيء في الوجود. وكنت تفضل أن تموت وأنت تتلقى رصاص الطغاة لا أن ينحرك هؤلاء البرابرة. ولكنك لم تعد تأسف على الحياة منذ شهدت أحلامك تتبدد على هذا النحو المأساوي. وأنا مثلك أيضاً يا زكي زهدت في الحياة وأنا أشهد الجرائم المنكرة التي يواجهها أبناء شعبنا. وإنني لأستشعر أسىً عظيماً لما يفترسهم من معاناة.. وعلى ما تكابده أمي من أحزان. ما ذنبك يا أمي حتى تواجهي كل هذه الأحزان؟ ألا يكفيك ما تجرعت من حزن منذ وفاة أبي؟ لقد كنت ترددين دائماً: "لولاكم يا أولادي لهانت عليّ الحياة بعد ذهاب الغالي". وقد لبست السواد منذ ذلك الحين وأقسمت ألا تخلعيه إلا حينما أتزوج. لكنني خيبت أملك يا أمي فلم أتزوج. وتعللت بشتى الأعذار. وأنّى لي أن أفعل ذلك وقد أودعت قلبي لدى امرأة أعلم أنك لن ترتضي لي الزواج منها وليس بقدرتي أن أغضبك؟! وكيف لي أن أتزوج امرأة أخرى يا أمي وقد أخلصت لي تلك المرأة كل ذلك الإخلاص؟ يا لبؤسك يا مريم.. ما ذنبك حتى تهبي قلبك لرجل تدركين أنه لن يمنحك السعادة في الحياة؟ وها أنت ذا ستفقدين حبيبك الذي أخلصت له الحب رغم كل الظروف. فما أشد ما ظلمتك! فوداعاً يا مريم الحبيبة وأرجو أن يكون موتي نهاية معاناتك. وداعاً يا أمي الحنون التي سأخلفها فريسة للوحشة والأحزان. وكم يمضني الألم لأنني لم أستجب لحلمك في أن تسعدي بزواجي. ويا لفداحة معاناتك حينما يبلغك نبأ مقتلي.. وداعاً يا أخواتي العزيزات.

صوت
والآن حان دورك أيها المشرك. يا من يدّعي قومه أنهم يؤمنون بالله وهم يشركون به. فإلى جهنم وبئس المصير.
يوسف – (يهتف وهم يسحلونه) أنا آت إليك يا يسوع .. يا مخلّص البشرية من تعاستها.. يا نصير المستضعفين.
( تكبير وتهليل وصرخات ابتهاج)

علي
وداعاً يا يوسف.. وداعاً أيها الصديق ذا القلب الذهبي.. آمل أن تكون قد نلت أمانيك والتقيت بعزيزك المسيح ابن مريم.. أنا واثق أنك تشعر بالسعادة الآن وأنت في ملكوت السماء أكثر مما استشعرتها وأنت على الأرض. لقد كنت تتوق إلى العدالة التي بشّر بها المسيح.. ولم تلمسها لا في حياتك الخاصة
ولا العامة. وكم كان بودي أن تظفر بأحلامك الرائعة.
وقد كنّا نتخيّل أننا سنشهد تلك الأحلام على أرض الواقع يوماً فنسعد بها. وبدا لنا أن أحلامنا على وشك أن تتحقق فإذا بها أحلاماً زائفة كما قال زكي. فها نحن نموت ونحن نشهد أبناء بلدنا يصارعون أبشع أنواع البطش بعد سقوط الطاغية. وكنا نعتقد أن سقوط الطاغية هو اليوم الذي سيؤرخ خلاصك أيها الشعب من معاناتك. وإذا بك تلقى معاناة أشدّ. كم تعاني الآن أيها الشعب البائس وكم عانيت عبر تاريخك الطويل. ومتى توفرت لك فرص الحياة السعيدة أيها الشعب البائس؟! أنت تتعايش مع المعاناة منذ عصور موغلة في القدم.. منذ بدأت أرضك تشهد الدول والحكومات. ماذا فعلت بك حروب دويلات المدن في عهود السومريين والأكديين والبابليين والكلدانيين والآشوريين؟ كانت مدنك تدكّ وتغرق بالمياه ويُقتل شيوخها ونساؤها وأطفالها ويؤخذ شبّانها أسرى ليعموا عبيداً في خدمة الدولة المنتصرة. ثم خضعت لمعاناة متواصلة في عهود الدول الإسلامية التي تتابعت على اارضك. ماذا فعل بك هولاكو؟ وأية حياة تلك التي عشتها في عهد العثمانيين؟ ثم أية متاعب شهدتها منذ قيام الدولة الحديثة؟ وما كان أقسى حياتك في عهد الطاغية. وما أمرّ ما ذقت من شظف العيش والفاقة في سنوات الحصار وفي سنوات حروبه المجنونة التي حصدت خيرة شبابك. وكم تلوعت من الحكم الظالم ومن الجوع وزخ القنابل والصواريخ والأسلحة الفتّاكة. واضطر الملايين من ابنائك إلى ترك بلدهم فماذا كانت النتيجة؟ أن يفترسك في أعقاب سقوط الطاغية إرهاب شنيع.. لا تدري متى تمزقك قنبلة مزروعة على قارعة الطريق او حزام ناسفأو سيارة مفخخة مركونة في الأسواق والمطاعم والساحات العامة وبجوار الجوامع والمدارس.. أو أن تختطف لتُلقى في اليوم التالي بجوار المزابل جثة مقطوعة الرأس ممتلئة الجسد بآثار التعذيب. كم عانيت أيها الشعب البائس في سنواتك الأخيرة وكم تعاني الآن. لقد حرمت من أبسط ما يتمتع به الناس المتمدنون من أولويات الحياة اليومية. وهاهم أبناؤك الذين اضطهدوا في عهد الطاغية وصودرت حقوقهم وهجّروا من بلدهم ضائعون لم ينصفهم أحد. وما زال أهالي ضحايا القبور الجماعية والمعدومين والسجناء والأرامل والأيتام يواجهون الفاقة والتشرد.. وها هي السجون والمعتقلات قد امتللأت من جديد ورجال السياسة الجدد مشغولون عنهم بصراعهم على المناصب والمكاسب المادية وبالمؤامرات ضد بعضهم بعضاً. فإلى متى ستظل أيها الشعب البطل تتخبط في دياجير الظلمة وليس هناك من ضوء في آخر النفق؟!

صوت
والآن جاء دورك أيها الزنديق.. يا من أفسدتم الإسلام بدعاواكم الباطلة. سنرسلك إلى جهنم وبئس المصير.
علي – (يصرخ وهم يسحلونه) أنتم الذين أفسدتم الإسلام أيها البرابرة. أفسدتم دين الرحمة فجعلتموه دين القتل والإرهاب. وستلقون جزاءكم في الآخرة نار جهنم التي أعدّت لمن يفسدون في الأرض.
(تكبير وتهليل وصرخات ابتهاج)

- تمت -







#شاكر_خصباك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عهد جديد....مجموعة قصصية
- السؤال؟!!
- الشيء مسرحية من ثلاث فصول
- تساؤلات وخواطر فلسفية
- حكايات من بلدتنا
- دكتور القرية
- بداية النهاية
- حياة قاسية
- صراع


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - الاصدقاء الثلاثة