أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي ثابت - حتى أتتني الرسالة














المزيد.....

حتى أتتني الرسالة


محمد علي ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 2492 - 2008 / 12 / 11 - 03:08
المحور: الادب والفن
    


قالت إنها سترحل إلى الأبد ولن تعود أبداً، ولكن شيئاً ما جعلني لا أصدق قولها ذلك ولا محاولتها طبعه بنبرة قاسية حاسمة لم آلفها منها أبداً. هل كانت لذلك الشيء علاقة بدمعتَي أسىً استشعرت محاولتها مغالبتهما وكبحهما وراء جفنَيها؟ هل كانت له علاقة بذكريات مشتركة من النوع الذي يصعب على صانعيه التنصل اللاحق منه مهما جَدَّ من أمْر وخَطْب؟ أم تُراهُ كان مجرد حدس أو تفاؤل زائد؟ .. لم أدْرِ في تلك اللحظة من شيءٍ سوى أنها رحلت بالفعل، رحلت مغاضِبة، بَعد أن طَبَعَتْ على خدي الأيمن قُبلة وألقتْ على أذني اليسرى وعْداً

ثم بدأتُ أنتظر رسائلها... بَيْدَ أن انتظاري طال أكثر مما كنت أتصور وأكثر مما أوحى إليَّ به الدفء الحار الذي طَبِعَتْهُ على خدي في آخر لقطة من آخر لقاء. ووجدْتُني أفقد الأمل تدريجياً في وصول أية رسائل، من أي نوع، منها. وصِرْتُ كثيراً - في لحظات شرودي - ما أسائل نصفي الأيسر بكل أعضائي التي يحويها، معاتباً: أكان ما نلته منها في لحظة الوداع وعداً برجوع، أم كان وداعاً نهائياً؟ .. وما وجدت إجابة، في حينها

وأخذتني الحياة بعد ذلك وغمرتني بشواغل جمَّة. وبدأتُ، مع تلك الشواغل و/أو بفعلها، أنضج، أعِي، أتَرَفَّع، وأكبر. وبمرور فترة إضافية طويلة - نسبياً - من الزمن بعد انقضاء تجربة فقدان الأمل التدريجي، بِتُّ على يقين شبه تام من أن ما همستْ به في أذني اليسرى، في لحظة الوداع الهادئ، ما كان إلا كلمة مفتاحية فيها تفسير لأحجيتي المملة الأثيرة: مَن، حقاً، كانت هي في حياتي؟ .. وأصبحتُ، بالتدريج (مرة أخرى)، أقْدَر على مواجهة أعضائي كلها، الأيمن منها والأيسر، بالحقيقة التي تَكَشَّفَتْ أمامي جَلِيَّة آنذاك، بيقيني من أنها ما كانت سوى وهم مخادع انتاب كل حواسي وتمكن مني بالكامل؛ بظني المرجح أنها اختارت أوان الرحيل اختياراً عمدياً مسبقاً لا صِدْقَ فيه لادعاءات بالقسوة من الآخر أو بالتعارض الكامل مع سماته؛ لا صِدْقَ فيه لإيحاءات بالجرح والألم أو لإيماءات نافرة هائمة؛ لا صِدْقَ فيه لتجربة اصطناع دموع فشلت في مهدها من فرط زيفها

وكان لفك شيفرة أحجيتي الأثيرة أفضل الاثر عليّ: صِرْتُ بعده فجأة، لا بالتدريج هذه المرة، أكثر انطلاقاً وتحرراً وأصفى ذهناً وأقل شعوراً بوخز من أي نوع، وصِرْتُ أقْدَرَ على أن ألمح الكامن والمخفي - الذي تتنامى قدرته على الإيلام كلما ظل مستتراً - وراء ركام الهمسات وحريق القبلات، وراء الإيماءات المضطربة والإيحاءات الزائفة، وفوق ذلك كله: وراء الجفون السوداء المكتنزة الكريهة التي على درب اكتساب القدرة على اصطناع الأدمع في كل الأوقات، بما في ذلك لحظات الرحيل العمدي المخطط، هي ماضية.. نَعَم، صِرْتُ أنضر وأبهج منذ انفرط عقد الأحجية التي أمضيت في تقديسها أكثر مما تستحق وأكثر مما أملك التصرف العبثي فيه من أجَل محتوم.. ولكنِّي، في الوقت ذاته، كنتُ في كل يوم أزداد بُعداً عن كل ما/مَن أخفى عنِّي سراً أو حَرَمَنِي له انكشافاً، وكان نصيب يساري من ذلك وافراً: نصف مستقبلات الهمس عندي، ونصف متلقيات الأنفاس الدافئة على وجهي، فضلاً عن محل يساري آخر مستتر في الداخل

...

ثم جاءت رسالة من بعيد. فتحتها، قرأتها، وطِرْتُ فرحاً.. كانت الهمسة عتاباً وما كانت وداعاً!!! كان الدفء قُبلة وما كان لدغة أو نفثة سُم! وكانت الدمعتان المغالَبتان حقيقيتَين، وما كانتا أدمع كاذبة كأدمع زاحف ضخم محترف القنص والتمثيل بأعضاء ضحاياه.. وكانت الأحجية محض وَهْم عِشْتُهُ طيلة ما يربو على العقدين في عالم كئيب من صُنعي موازٍ لعالمي الحقيقي، ومفتاح تفسيرها كان محض افتراء صنعه خيال عاشق أناني يرفض الاعتراف بالذنب في قسوة ما، أو تناقض ما، أو إيلام ما، أو ما أشبه

...

ثم دخلتُ مرحلة انتظار جديدة.. فماذا يحِلُّ بعد العتاب سوى الصفح؟ وهل يمكن أن يطول - أكثر من ذلك - انتظار من رفضت مقلتاها، حتى في لحظة رحيلها المغاضِب، البوح ولو بقطرتين من عصارة الحزن الكامن فيهما؟



#محمد_علي_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بطل، والنهاية
- شكراً يا سمرا
- مَن أنت؟
- في الحقيقة..
- الأزمة المالية العالمية وملاحظات أولية
- ثلاثي ضوضاء المسرح
- المحمول في يد الجميع
- أبجدية التحضر: منظومة الفكر والممارسة لدى العقول المتفتحة
- تأكل الطير
- فوضى.. ولكن
- لما بنكبر
- تخاريف بنكهة أندلسية
- فاتت ليالي كتير، كان الهوى مشاوير
- قوس كامل
- حلم وعلم
- تساؤلات إلى شاري الأيام
- في الاغتراب وعنه
- ثم يبدأ البحث عن الشاطئ التالي
- القرصنة المتأسلمة على الفايسبوك.. ملاحظات ودلالات
- حاجيات مهجورة


المزيد.....




- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي ثابت - حتى أتتني الرسالة