أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - بعل الغجريّة..(رواية)11















المزيد.....


بعل الغجريّة..(رواية)11


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2488 - 2008 / 12 / 7 - 09:41
المحور: الادب والفن
    


زكام الديك

خلنا الحزن غادرنا،سادنا ذات الشعور،أنا و(منار)،يقين راسخ،يقين لا يتبدل،من خرج من حالة ودخل حالة،من خرج من مأتم ودخل بهجة،يترك الماضي وراءه،الماضي الذي لا يرحل من ذاكرة إنسان العالم الثالث،يمشي الإنسان وعينه في الماضي،عينه متعلق بخراب لذيذ،ممقوت لكنه جاذب،من المسؤول عن هذا التعلق (الديماغوجي)،هذه(الراديكالية)المنعشة لروح الشرق،العالم يتقدم،عينه على بريق في الأفق يجذب،إنسان العالم الثالث،العالم النائم،العالم المحتل،يتقدم رجعياً،(تموت الدجاجة وعينها على القمامة)مثل شعبي سائر،ليس بالضرورة أن يغدو مفهوم الإحتلال،إحتلالاً بالقيم العسكرية السائدة،بالدبابات والطائرات،بل الإحتلال الفكري، الإحتلال الإيدولوجي،الإحتلال الذاتي،الإحتلال النفسي،إحتلال..إحتلال أشد فتكاً من إحتلال الغزاة،الغازي يقضي وطره ويمشي،يمتص ما يمتص من رحيق،يقذف شهوة حضارته ويمشي،الغازي يريد تلقيح ذاكرة العالم الثالث بحيامن التجديد،العالم الغازي،يجهل أن إنسان العالم الثالث،إنسان فوق العادة،(سوبر إنسان)،يقاوم أمراض الزمن،يقاوم الجوع،يتناسل ويتكاثر مثل الجراد،ينبذ القوانين المرافقة للتقدم البشري،البساطة ملعبه، الخشونه ملبسه،الأنين الليلي(أوركسترا)مسراته،تدرب على حياة خشنة،تدرب على الوجع،على البلادة،على القبلية الأزلية،يدفن موتاه ويعود ليضحك،ليلهو،ليحب،ليتخاصم،الحزن في العالم المحتل،حزن مغلف بالهزء،هزء يتوالد من حركة الأشياء،لا شيء يستقر في العالم المحتل،الناس تلهث،هي لا تدري لم تلهث،فقط تريد أن تلهث، تطارد المظاهر،تطارد كل شيء جديد،ربما مشاعر ناس العالم الثالث،متساوية،متناغمة،يريد إنسان العالم الثالث،العالم المحتل،أن يتكيف مع الجو الجديد،أن ينسلخ من كينونة البلادة،يريد أن يصعد إلى القمر بعشية ليلة وضحاها،هكذا جبلنا،أن نفرح ساعة ننسى ويلات دهور كاملة،شيء ليس بجديد علينا،بلادنا،آه من بلادنا..من الأزل وإلى العدم تغطس ـ من شمالها لجنوبها..من شرقها لغربها..من سماءها لأرضها..من فقيرها لغنيها..من ذكرها لأناثها..من حيواناتها لبشرها ـ في وحل القهر والحرمان،أرض ترفض أن تنتج،سماء قررت أن لا تمطر،(الزكاة يجلب المطر)..(الملاّ)ينادي ويصرخ،الناس يضربون كف بكف،الناس تقول أعطونا فلوس لنزكي،جوع يتواصل،نهر يمشي بلا فائدة،الفلاّح يترك أرضه..الفلاّح يقول:
ـ أسعار البترول عالية،أسعار(الكازولين)عالية،البلاد تجلب الفواكه والخضر مستوردة بأسعار متدنية لكي يقتلوا الفلاّحين..!!
ناس على حق،من يدعم الكادح،من يؤسس له أرضية معيشية مبسطة،أسواق عامرة بخير قادم عبر المحيطات،تأتي من كل بلدان العالم الغني..العالم الغني/العالم الغربي..لابد أن يعيش،لابد من ضحايا،العالم الثالث خير من يضحي،ناس العالم الثالث يتكاثرون بالجملة،غير مبالين بمن يموت،المهم أنهم يواصلون النضال الثوري من أجل التزايد البشري،تحت فلسفة تبدو مقنعة،فلسفة قديمة تشد الذاكرات،(تزايدوا كي تحتلوا العالم)يجب أن نضحي كي تعيش البشرية الراقية،البشرية غير الكتوية بالشمس،غير المكتوية بالحروب الداخلية الخاسرة،غير المكتوية بالهذيان،في العالم الثالث الفرح لعبة الذاكرة الماكرة،وهم جبلت البشرية على اللجوء إليه كمشروب ساحر، تخلصاً من ترسبات اليأس،انفلاتاً أو انفراجاً مؤقتاً كي يتواصل العمر وتندفع عربة الحياة حيثما ترغب،والفرح جوهرة نادرة،ذهبية،هو استخلاص مقترح لـ(يوتوبيا)السعادة المؤجلة،فقاعة مقنعة تروّض الجوارح وتثملها برهة منطفئة من الوقت،برهة تعالج وتزيح همومنا وتهيئنا لوجبات أحزان تتلاحق من حولنا،فالفرح في قاموس الفقراء عمره ومضة أو ومضتين ليس أكثر،هذا ما بوسعي التعبير عنه،جراء تجربة مريرة،تجربة حياة متنقلة في بلاد ما بين المائين،اقصد،النهرين،في بلاد(المنيفيست)كما تحلو لـ(منار)أن تصف بلادنا،تمشي في الشوارع،كل شيء(منيفيست)لا أعرف ما معنى الكلمة،كلمة يرددها الناس،يقولون علناً:سياراتنا(منيفيست)شوارعنا (منيفيست)دوائرنا(منيفيست)مرورنا (منيفيست)حكومتنا(منيفيست).!!ناس تردد مثل هذا الكلام بعدما صار الكلام في العالم المحتل هو الديمقراطية المزعومة،الكلام المباح هو الحرية التي نشدها الناس،سادة كبار يقولون:
ـ ماذا تريدون بعد،حررنا أفواهكم من الخرس التام،اطلقنا ألسنتكم من زنازين الصمت..!!
***
نعمنا ببهجة خلناها لا تنتهي،مذ وجدنا البيت العملاق بأسواره،بقببه العالية،بتواجده الفريد،ليلنا حكايات ونهارنا مرح،نأكل تمر النخيل الذي نضج قبل موعده،نسبح بماءٍ حار،ماء لا يحتاج إلى وسائل نارية أو حرارية كي تتأهل لإزاحة أوضارنا،فرحة كبيرة بالنسبة لنا،تكمن في تخلصنا من المظاهر المقززة والمؤلمة،المظاهر الآتية مع السقوط،الأخلاق خرجت من جادة الأصول،إنتهى زمن الحب،زمن العاطفة،زمن التناصرات الكتلوية، التناصرات بين الجار والجيران إلى البيت السابع،شيء ساحر دخل البيوت،شيء قلب الموازين الفكرية،قلب الموازين الكبرى للعقل،طغت المادية على الروحانية الشرقية،ارتاحت عيوننا من رؤية الأغراب،أفواج تلو أفواج تمشي في الشوارع،رتل يتبع رتل،بيدهم أسلحة أوتماتيكية،الشباب يتحسرون،ليس على البلد الخاسر،يتحسرون ليس على البلد الساقط،يتحسرون لأنهم ليسوا جنود مثل هؤلاء القادمين لتحرير ألسنة العالم الثالث من معتقلات الوشاية،لتحريرهم من أوهام الحماسة والعز والشرف الورقي لحكامهم،تخلصنا أنا و(منار) و(عشتار)والزميل(حمار)من سماع أخبار وحوادث بلدتنا/بلادنا الأليمة،أخبار الذبح والتهجير والخطف العلني ..فجأة تغيرت أوضاعنا،الفرح فينا ذبل،ومض لأيام وذبل،تبخر الفرح وجاء هازم الأفراح،علّة العالم الثالث،جاء الحزن من جديد،الذي غيّر فينا هذا التبدل السيكولوجي للروح،لمسة أو مسحة ذبول راحت تشتد،تنبهت(منار)،وجدتها كمصعوقة تحجرت حدقتيها،هززتها،لم تعر بالاً لربتاتي المتواصلة على كتفها،احتضنتها،سحنتها تلفح نيران،نيران تندلع من أنفاسها،نيران تتأجج وتتسلل إلى أغواري،صرت مثلها،من غير أن أعرف السبب،تحجر جسدي وزاغتا عيناي ورحت أحرر أنفاساً صائته،أنفاس نارية كما الديناصورات القديمة،أشارت بعسر وارتجاف،سحلت كرتي عيني وحجرتهما بسبابتها المرتعشة،وجدت(عشتار)تستلقي على ظهرها،في فيء نخلة أكلنا تمرها،تحت ضجيج العصافير المتوافدة،والطيور النائحة،الزميل(حمار)دامع العينين ينظر إلي،راجفاً ألمح رعباً مستطيراً في أعماق مآقيه،يريد أن يفصح عن شيء ما،شيء ليس ممكن ومحتمل،بريق غريب يتوامض،زادني رعباً ووجوماً،(عشتار)تتنفس ببطيء،حشرجات متقطعة،تكاد أن تختنق،كرتا عيناها مندلقتان،جفناها تنقلبان وتعودان،بدأت تتقلب وتتلوى قبل أن تتقيأ مادة خضراء وتارة صفراء،عادت(منار)من شرودها وهي..تصرخ:
ـ أسرع يا نوار..
أفقت من غيبوبتي،جاف اللسان..هتفت:
ـ خبريني ماذا حصل لها..
صاحت متحشرجة:
ـ بنتنا ليست على ما يرام..
صحت:
ـ أخشى أنها قد تسممت..
صاحت:
ـ لم تتناول شيئاً هذا الصباح..
في الساعة العاشرة من صباح اليوم الثامن لوصولنا،حسب التوقيت التخميني لي،كافحنا من أجل إيقاف تنامي الحمّى في جسدها،نريق ماء النهر البارد على جسدها،قاءت وارتاحت فارتحنا،آه..لو تعرف أيها الباحث أو اللاهث،أيها الكاتب،من أجل نهاية حكايتي،ما الذي فعله الزميل الغالي،صاحب الروح النفيسة الزميل (حمار) دموع دافقة تنهمل من عينيه،يرفع بوزه صوب(الغرب)دون أن يكف عن نهيقه،ينهق بصوت حزين،مثل حيوان تدرب على الغناء،بأتجاه(الغرب)،لا أعرف هل أراد(غرب)حياتنا أم(غرب)الشر الذي جاء وغيّر أحوالنا،يرتل أناشيد الألم،كمن ينادي أو يستجير بمنقذ لنا،العصافير تتراكم على أشجار البيت،في تموسق وتناغم تلهج مواجيدها الطيورية،قدمت طيور من كل صنف ونوع،من كل فج وراحت بلحن جنائزي تنوح،أوراق الأشجار راحت تتطاير متناثرة،كما تفعل في الخريف،كدنا أن نهلك من هول الذي جرى لـ(عشتار)،ما أن قائت وخلدت للسكون،سادنا الوجوم،وخيّم الصمت على كل شيء،الحزن القديم ظهر بحلّة جديدة،حزن لا يتركنا لحالنا،عيوننا يائسة تتوسل،نحاول أن نقبض على شيء يقودنا إلى سر الذي حصل،سر الذبول الذي حلّ بـ(عشتار)..!!
ـ ربما حمّى عابرة..(قلت بوهن)..
قالت(منار)والدمع يغرق عينيها:
ـ ليت ذلك لأملئ الدنيا زغاريد..
تقدم العزيز(حمار)وراح يحك رأسه بظهري،حزن لحزننا،رأيت في عينيه خيط ضوء عميق وامض،خيط غريب،مثل هذا الخيط ترآى لـ(منار)،خيط غامض،رأته(منار)قبل أن أكتشفه،رأته وخافت منه،فكرت،ربما فهم ما جال بذهني لذلك حرّك رأسه،استدار وهو يومئ لي،مثل كلب خبير،ليس ككلاب العالم الثالث،كلاب العالم الثالث شهرتها العالمية،إزعاج الناس،كلابنا وظيفتها النباح،أقصد بكلاب العالم الغني،العالم الغربي،كلابها تفتهم،كلابها نظيفة،لا تنبح بوجه الناس،كلابهم لها مهمة خالدة،مهمة كشف المجرمين واللصوص،حين تنبح كلاب العالم الغربي،يعني وجود لص أو قاتل مأجور أو عبوة في طريقها إلى التفجير،قل لي أيها الكاتب،هل رأيت كلباً شرقياً يتابع شرطياً،هل سمعت أن كلاب شرقية إكتشفت عبوات أو مجمرمين،كلا..بالطبع كلا..كل الكلاب الموجودة ضمن كوادر الشرطة والدوائر الأمنية والمخابراتية هي كلاب غربية،مستوردة مئة بالمئة،مثل كلب غربي ظلّ الزميل(حمار)يومئ ساحبني وراءه،هجست أن أمراً جللاً وراء إيمائته،مشيت أتبعه،رجل يتبع حمار،مشهد غريب في العالم الثالث،الحمير هي التي تتبع الناس،لا الناس تتبع الحمير،راح يخطو بتثاقل،أتبعه بتعثر،توقف ووقفت قربه،أشار ببوزه،ندّت مني صرخة :
ـ تعالي يا(منار)..
جاءت مهرولة وهي تصيح:
ـ ماذا وراءك..
وقفت قربي،وقفت لصقي..قلت:
ـ انظري..
قالت:
ـ عظام الديك..
أجبتها:
ـ لابد من مصيبة،حماري لا يخطئ يا(منار)..
قالت مستغربة:
ـ كلّنا تناولنا من لحمه..
قلت لها:
ـ وحدها(عشتار)أكلت حوصلته وكبده..
أجابت:
ـ ماذا تقصد..لا تخيفني يا زوجي..
قلت:
ـ أخشى إنه نقل إليها الزكام..
تأوهت:
ـ زكااااااااااام..
قلت:
ـ نعم.زكاااااااااااام الطيييييييييور..
قلت:
ـ وما العمل سنخسرها يا رجل..
ضرب العزيز(حمار)الأرض بقائميه فأنصتنا له خاشعين،بدا كمن إحتج لحظة سمع كلام(منار)،راح يهز رأسه ويجبرنا أن لا نهلع أو نقلق حول مصيرها،تقدم من(منار)وراح يحك رأسه بعجيزتها فهدأت رغم تواجد كرات الدمع في عينيها،توقعت لحظتها إنّه سيعالجها أو يعرف ما هو علاجها بالأحرى،بقينا واجمين،لا نلوي على شيء،نحاول أن نلملم أنفاسنا أو نصل إلى خيط بداية لنتدارك أمرها،أين نولي وجهنا،أين نلتجئ،طرقات ملغومة بالأغراب،طرقات تدهمها أشباح تأخذ كل مستطرق أو عابر سبيل غير محظوظ،عابر أجبره ظرف طارئ أن يسلك الطريق،يسلكه في وقت غير ملائم،يلتقطون العابرين من أجل حفنة مال،أو تحقيق غاية ما،واجمين نقف،عيوننا تلتقي،عيون حائرة،عيون تبحث عن تفسير..عن منقذ..قالت(منار):
ـ علينا أن نترك هذا المنزل..
قلت لها:
ـ أين نوّجه راحلتنا..
قالت والعبرة تخنقها:
ـ إلى حيث عذابات جديدة..
ـ لكن ..(قاطعتني):
ـ بلا..لكن..لنغادر البيت،أشعر أنه مسكون بالشياطين والمردة..
تدخل الزميل(حمار)،حمحم هازاً رأسه،ونقش عينيه في عيني،هززت رأسي..قلت:
ـ هناك شيء ما في عينيه،بريق سعادة يشع،سأرخي حبل القيادة له..
قالت:
ـ لست بمطمئن يا زوجي الكريم..
أجبتها:
ـ الزميل(حمار)،صاحب الحلول النهائية،سأمنحه فرصة أخرى لقيادة مركبتنا..
تقدم الزميل(حمار)ووقف أمام(منار)دفعاً قادها إلى الغرفة..قلت:
ـ لا يريدك مرافقتنا..
قالت:
ـ وهل تتركني بمفردي في هذا القمقم..
دنوت منها،دنت مني بقدر ما دونت منها،تلاقت أعيننا،تحرك الثغران،تلاعبت أغوارنا،ارادت أن أحتضنها ففعلت،طبعت قبلة على ثغرها،تأوهت،سحبت رأسها،في عينيها خوف ودموع،الزميل(حمار)يراقبنا من(كثب) ،(عشتار)منطرحة واجمة تنظر إلى العصافير الضاجة فوق الأشجار..همست:
ـ لن أتأخر عليك..
أشار الزميل(حمار)،عرفت ما رمى إليه،تناولت(عشتار)،أدخلتها الغرفة ولففتها بمنشفة كبيرة،تناولت(منار)دلو الماء،ملأته ووضعته في الخرج،وضعت حفنة تمر وحفنة أرغفة،وتهيأنا لسفر قد يطول،(منار)واقفة،لم يحدث أن تفارقنا مذ تزوجنا،مذ جاءتني تنشدج الفرار من حياة روتينية ملّتها،جاءت ووقفت قبالتي،واجمة تريد حلاً لمشكلة كونية،مشكلة تحدث في العالم الثالث،البنت لا تعطى لمن يحبها،عكس العالم الغني المتحضر،العالم الغربي،البنت هي تختار من يناسبها في رحلة العمر المباركة،في العالم الثالث،تنساق البنت وفق رغبات الأب،وأحياناً الأم،عندما يكون الأب كائناً ضعيفاً في منزله،الأم هي من تقرر،لا البنت،دامعة العينين،البنت تنشغل بإمور الزواج،الأم تفرض مطاليب عصيّة،تريد أن تتباهى بين نساء المنطقة،تتباهى بالحفلة المقامة على شرف تزويج إبنتها،أنا و(منار)تزوجنا من غير حفل فني،حفل يغنّي فيه صاحب صوت مزعج،صوت رديء،مطرب شعبي لم يحض بفرصة الغناء في تلفاز البلاد،الناس ترقص،النساء يعشقن الرقص،رقصنا الصاخب،ضرب الأقدام بعنف على الأرض،إثارة الغبار،حلقات تتشكل،حلقات نسائية،حلقات رجالية،حلقات مختلطة،طلقات تعلو من بنادق آلية،بنادق يوم(الفرهود الوطني)،الأطفال يشكلون حلقاتهم،الرجال يهزون أردافهم،تنحني القامات،تتقوس،تمتد الأذرع لتشتبك البراجم،البراجم تطقطق،(طق..طاق)العجيزة تبرز إلى الوراء،تهتز العجيزة اليابسة،تهتز عجيزات الراقصين،عجيزة تضرب عجيزة،ضحك يتواصل،هلاهل تنطلق،الموسيقى تعجن الحضور وتخرج توليفة بشرية راقصة،حتى الموسيقى مستوردة من العالم الغربي،وداعاً للشرق القديم،الشرق،أقصد رقصات الشرق القديم لا تنسجم مع متطلبات الواقع المحتل،(أوركوديون) أو(أورك)ألكتروني،يتكفل الوضع القائم،هو الطبل الضارب على إيقلعات القلوب،هو القيثارة الرانّة،هو الموزع هو الضابط الموسيقي،رقص جديد،رقص تولدها المستجدات الراهنة،ما عليك سوى أن تهبط إلى الحلقة،حلقة الرجال،حلقة النساء،حلقة المختلطين،يداً بيد،و (هااااااااااك..هوب..هوووووووووب.هاك) ،غبار ورؤوس واقدام وضحك،ناس تفرح على أنغام الحضارة القادمة،أضرب رجلك بالـ(كاع)وأقفز..!!رجل يقول لصاحبه وهو يرغب أن يأخذ(كشة)مع الناس المسرورين،هو الفرح(وينة)..!!رجل آخر يرده من الخلف،الموسيقى هي من تنظم رقصتك(يالله)..!!يندفع المستجد وينهمك بالرقص،رقص يتواصل،ثغور نسائية تهلهل،غبار يتفاقم،تلك هي أفراح العالم الثالث،لا أحد يفكر إلاّ بنفسه،الجار يواصل إحتفالاته،وجاره مصاب بنكبة،مصاب بخطف ولده،مصاب بقتل رجل البيت المعيل،تنحر الخراف،تلك هي من مطاليب العرس في العالم الثالث،العرس الدموي،العرس الروتيني،تضرم نيران وتعمل في قدور كونية رز ومرق ولحم وشحم،الأغنياء لهم صدارة المكان،يجلسون في إنتظار الوليمة التاريخية،قلوبهم فرحانة،أنهم لن يتبضعوا يوم العرس،لم يصرفوا فلساً واحداً،الفقراء وحدهم ينتظرون فرصهم،ربما لا تأتي الفرص، الأغنياء يأكلون كثيراً،ليس في بيوتهم،بل عندما يحضرون الولائم المجانية،يأكلون أكثر من طاقاتهم،انا و(منار)لم نعمل حفلة،لم نرقص،تزوجنا من غير اوراق رسمية،من غير قراءة(الفاتحة)من قبل(ملاّ)البلدة،رغبة تحديثية تنامت فينا،هي لجأت إلي وأنا وافقت على لجوئها،(منار)دامعة العينين تقف،أنا حائر،وقفت أمامي كما وقفت أمامي يوم هروبها العاطفي،لم أحتمل رؤيتها،لم تحتمل رؤيتي،تقدمت منها مرة أخرى واحتضنتها،تبادلنا القبل،قبلات لم أحصيها،أرادت أن تبكي،شعرت بإختناقها،رفعت كفي اليمين ومسحت دموعها..قلت:
ـ الدموع لا يليق بالغجر..!!
أرادت أن تبتسم،قامت هي بإزاحة ما تبقى من دمع في موقيها،سحبت شهيقاً سريعاً،شعرت أنها تريد أن تتماسك من جديد..قالت:
ـ وددت أن أرافقكم..
ألقيت القضية على عاتق الزميل(حمار)..قلت لها:
ـ هي رغبة الزميل(حمار)،ليس بوسعنا أن نخالف طباعه..
حمحم الزميل(حمار)،عرفت انه يقصدني،انتزعت نفسي وتقدمت منه،ربت على ظهره،مشيت إلى العربة،قرب شجرة سدر عملاقة،تقدم الزميل(حمار)،ربطت العربة بالزميل المنتظر،وضعت(عشتار)على فراش متواضع وانطلقنا،(عشتار)متناومة،تحاول أن تهيمن على عينيها،أشعة الشمس الصاعدة تجبرها على أطباق جفنيها،خرجنا ورأيت(منار)تتعثر من ورائنا،رفعت كفها اليمين،وقفت وطبعت قبلة على كفي اليمين ونفختها عبر المسافة الفاصلة بيننا،إذ ذاك فقط غمرتني راحة مباغتة،بسمة المرأة سلاح مهم في السفر،لا تغادر بيتك ما لم تر بسمة زوجك،بسمتها زاد سفرك،تلك هي الدلائل المهمة لمعرفة صدق الحب عند الزوجة،الزوجة الغاضبة،المتزمتة الوجه،لابد أنها غير مبالية بما سيجري لبعلها،انها ترغب أن يقضى في الطريق،تلك هي أمنية المرأة التي لا تبتسم لزوجها أوان السفر،(منار)كلما تبتسم تضحك الحياة لنا،بسمتها تعني أنني أصيب مرادي،بسمة العاشقة لا تخطأ المصير،تعبير صريح نابع من فطرة كونية أزلية لا تنتهي،ذلك هو(الديالكتيك)البشري المنحدر من بذرة واحدة سكنت الفردوس واخطأت فحق عليه الشقاء،أليس العمل بهذا البند الأزلي هو قائم في العالم الثالث،لا تقل كيف،عندما يعاقب مذنب أو بريء،يعاقب العائلة كلها،يعاقب الأهل والصحب والجيران،يعاقب العشيرة كلها،تلك هي أهم البنود التأديبية للأحكام العرفية في العالم الثالث،أخطأ الأب الأوّل،فحق علينا الشقاء،لا كما ذهب(داروين)بنظريته التي غزت عقول الناس،أقصد نظرية(النشوء والإرتقاء)،الحمار هو حمار مذ ولد،الكلب هو الكلب،القرد لا يمكن أن يتطور أكثر من قرديّته،الزرافة ولد وجدت عنقاً طويلاً يفصل رأسها عن بدنها، البشر لم يتغير لا في صفاته ولا في شكله،الخيانة هي خيانة في العصور الحجرية،خيانة الزوج أو الزوجة،خيانة الملك والرئيس،الخيانة في العمل،(داروين)لو عاد لبدّل الكثير من مفاهيمه حول نظريته،شيء واحد يبقى عصياً على الفهم،فقط الإنسان هو لغز الوجود،اللغز الذي يبقى حيرة العلماء،قيل أن أقوام خرجت من أصولها فاستحالت إلى(قردة وخنازير)،هذا في زمن ما،تتداوله الكتب المقدسة،لم يتفاجأ إنسان اليوم لو قلنا هذا الحمار هو إنسان منسوخ،إنسان جاوز التعاليم الفطرية وأظهر فساداً إستثنائياً في زمنه فتحول إلى حمار،بناء لمتطلبات الزمن،وحاجة الإنسان إليه،هذه الفكرة ظلّت تداعب ذهني وأنا أمشي في طرقات تغص بالحمير،أينما نمشي قوافل من الحمير تتجول في الشوارع،في الجبال،ناس قالت:
ـ إنتهى زمن الدكتاتورية،الناس تريد التخلص من حميرها،جلبوها وألقوها في بلدتنا،ستركب(المنيفيست)..!!
ناس قالت:
ـ الأغراب مسخهم الله حمياًر،كي يخدموننا..!!
من هذا المنطلق،ظلّت(منار)تتحسب من الأمور الجارية على ألسنة النساء،كلّما تنظر إلى الزميل(حمار)،لا تستغرب يا كاتب،إن قلت لك،هو من قادني في تلك الرحلة،رحلة العلاج،علاج(عشتار)من زكام الديك..!!
***
إنطلقنا..غمرتني فرحة مباغتة وهزني نشاط غير معهود واندفعنا،نخترق مسافات كلها أدغال،طرق متعرجة تلتوي من بين أشجار متوحشة،مسالك افعوانية عسيرة الأجتياز،خانقة،نباتات نائمة على الممرات،تبعث رائحة حريفة مختلطة،الزميل الوفي،المطيع،يشق أحشاء متاهة،لم أشعر بخوف،هو الذي يعرف كل شيء لذلك أمشي وراءه وأغني،يستمتع بصوتي،أحرر سجيتي وأغواري وأنثر ما يتراكم على لساني من كلمات أحاول تنغيمها كما ينغم الشاعر الكلمات غير المتجانسة،من أجل أن يمضي كل شيء بسلام..!!
***
إمضي بنا..بنا إمضي..
أيها الزميل..
إمضي..
حيثما يقترح مخك الكبير أن نمضي..
حيثما تغدغك ذاكرتك الحيوانية العجيبة..!!
[عاااااااع..عاااااااع..عاااااااع..عاااااااع].
إمضي بنا..
مركبتنا..
مركبة فرح..مركبة
حياة..
إمضي..
إمضي..
شق أحشاء أرضنا..
رغم أنها ليست لنا..
أرضنا..أرضنا..
ذات الكنوز..
ذات الغلال..
ذات الجمال..
لا تلعنها..
أرجوك لا تلعنها..
أرضنا..
يقول عنها أجدادنا..أرض نجيبة..
[عااااااع..عاااااااع]
هو قرار العهود..ومواثيق الوجود..
أرضنا أمّنا..
وكل أم جميلة يكثر عشاقها..
كل أرض غالية..
هكذا يقول لسان التاريخ:
ـ ستغدو سليبة..
[عاااااااع..عاااااااع]
علام نحزن..
علام نلقي ثوب الفرح..
هي دنيانا..
لا تصالحنا..
تخاصمنا..
دنيانا يا زميل عجيبة..
[عاااااااع..عاااااااع]
أغراب أو أشباح..من عالم غريب
الناس تقول:
ـ من عالم الكفر..
كلما يدخلون وادياً..
يتوقف ماءها
أو يمشي غير صالح للشرب..
وحتى..
للغسل..!!
قالت جدتي..قبل أن تموت:
ـ كل ميت يغسل بماء تحت ظل الاحتلال
جدثه يتهرأ..
أو يدلقه قبره
خارج لحده..!!
حكايات ليست من بنات خيالي..
حكايات كئيبة
حكايات غريبة..
[عاااااااع..عاااااااع..عاااااااع..عاااااااع]
كل زواج تحت نير العبودية عاطل
لا..لا..لن أقول باطل..
ستقول الناس عنّي:
ـ أفتى الولد الحمّال..
متشرد بلدتنا..
بعل الغجرية..
عملاق..
(جلبلاء)..الحبيبة..!!
[عاااااااع..عاااااااع]
هو العمر..عمرنا،كتاب مفتوح..
أخشى أن أقول مفضوح..
ستقول الناس:
ـ نعق فحل الغجرية..
[عااااااااااااع]
الولد الشقي..
حمّال(جلبلاء)..
كلمته المريبة..
[عااااااااااع]
غربان المآسي
يا زميلي ستنعق في ديارنا
طالما..
عشّاق الكراسي
في بلادنا..
لا يعرفون لغة الحب والوئام..
لا يعرفون لغة السلام..
لا يعرفون غير لغة واحدة
لغة الخصام..
[عااااااااع..عااااااااااع..عاااااااااع..عاااااااااع]
***
فجأة توقف لساني،الزميل(حمار)واقفاً ينظر في طريقين،ممران يتوغلان في أعماق أحراش متداخلة،منحته فرصة التفكير،تقدمت من(عشتار)وجدتها نائمة،تتنفس ببطء،أزحت العرق من على وجهها بمنديلي بعدما بللته،انتبهت لهدهد يقف على غصن،كركر صوته،(كركركركركركر)،إنداح صداه متناغماً بين التعرشات المتشابكة،إلتفت الزميل إليه،تحاورا،كل بلغته،كل بطريقته،حوار حيواني بريء وبليغ،حمحم الزميل،وجدته يومئ لي،أنطلق الهدهد وانطلقنا وراءه،قلت:
ـ ربما يمتلك نبأ..!!
ممرات تختنق برائحة النباتات الحريفة والحر اللاهب،متاهات تتفرع وتتفرع إلى ممرات تضيق وتضيق،شعرت من جديد أن رحلتنا بحاجة إلى مواجيد،فالزميل(حمار)يحتاج إلى وقود المعنويات أكثر من وقود المعدة،تطربه الأغاني، أغاني المآسي وحكايات بلدتنا وبلادنا المنسيتين،لا شيء في يومنا هذا يذلل الطرق أو يبدد وحشتها،إلاّ براكين أغوارنا المتلبدة بالطوفانات المتلاحقة،بللت ريقي بعدما أدلقت في فم(عشتار)قطرات من ماء النعناع،زجاجة ماء دستها(منار)في الخرج،ماء يزيل غازات البطن ويريح الجسد وينعش الذاكرة،حررت صوتي،صوتي الذي لا أعرف هل يفلح أن يعبّر عمّا يحدث في بلاد غزتها مركبات(المنيفيست)،أينما تتواجد تقرع الكلمة أذنك،هذه الكلمة الغريبة،العجيبة ،مركبات(منيفيست)،شوارع (منيفيست)،رجال مرور(منيفيست)،زوجات (منيفيست) ،وووووو……!!كل شيء في بلادنا صار ضمن هذا النطاق،هززت رأسي وقلت:
ـ لم لا أغني أغنية(منيفيستية)،أغنية كلماتها(منيفيست)،ألحانها(منيفيست)،مضمونها (منيفيست)
وقلت أيضاً:
ـ لأسميها أغنية(منيفيست)..
إنسجاماً وبناء لمتطلبات المرحلة(المنيفيستية)في بلادنا،رحت من جديد،أنثر ـ واثقاً من قدراتي ـ أغنيتي (المنيفيستية)إلى(عشتار)التي تحب ذلك،والزميل(حمار)الذي متحمساً يندفع بهمة ونشاط لصوتي،الحشائش والأحراش والهدهد الدليل،والممرات المتوالدة والخانقة،وإلى الزمن الذي نذهب إليه..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعل الغجريّة..(رواية)10
- بعل الغجريّة..(رواية)9
- بعل الغجريّة..رواية)8
- بعل الغجريّة..(رواية)7
- بعل الغجريّة(رواية)5
- بعل الغجريّة..(رواية)6
- بعل الغجريّة..(رواية)3
- بعل الغجريّة..رواية/4
- بعل الغجريّة..رواية(2)
- بعل الغجريّة..رواية(1)
- حكاية عبّاس
- ثلاث قصص قصيرة
- السكن في البيت الأبيض
- ونثرنا ضمائرنا على الجدران//قصة قصيرة
- بجلطة شعريّة..مات بطل رواية(نافذة العنكبوت)
- الأتفاقية الأمنية بين مطرقة أمريكا وسندان الفوضى
- أنا كاتب تلك الفصة
- شيء ما يحدث
- لحظة فقد ذاكرته
- أنا كاتب تلك القصة


المزيد.....




- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - بعل الغجريّة..(رواية)11