أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نقولا الزهر - مشهد عولمي من قبل الميلاد















المزيد.....

مشهد عولمي من قبل الميلاد


نقولا الزهر

الحوار المتمدن-العدد: 2484 - 2008 / 12 / 3 - 09:41
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



يقول المؤرخ العراقي جواد علي في كتابه (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام): "عرف المعينيون في اليمن القديمة النقود، وقد ضربوها في بلادهم. وقد عثر العلماء على قطعة نقدٍ سميت بالدراخما(أي الدرهم)، عليها صورة ملك جالس على عرشه، قد وضع رجليه على عتبة، حليق الذقن، متدلٍ شعره ضفائر، وقد امسك بيده اليمنى وردة أو طيراً وبيده اليمنى عصاً طويلة، وخلفه اسمه بحروف واضحة وبارزة مطبوعة بالخط المسند وهو (أب يثع) أي الأب المخلص والمنقذ".
ثم يتابع جواد علي: "ومن دراسة هذه القطعة ودراسة النقود المشابهة التي عثر عليها في بلاد أخرى، تبين أنها تقليداً للنقود التي ضربها خلفاء اسكندر المكدوني، ولا تفرق عنها إلا بشيء واحد فقط هو أن قطعة العملة المعينية قد استبدلت فيها اللغة اليونانية بكتابة اسم الملك (أب يثع ) بالخط المسند اليمني القديم ،أما باقي الملامح والوصف فإنها لم تتغير أو تتبدل، ولعلها قالب لذلك النقد اليوناني الذي ضربت عليه الكتابة باليونانية".
يستمر جواد علي معلقاً حول القطعة النقدية المعينية القديمة فيقول: " لقد كانت نقود (الاسكندر الكبير) والنقود التي ضربها خلفاؤه( السلوقيون والبطالسة) مرغوبة في كل مكان حتى في الأمكنة التي لم تكن خاضعة لحكمهم، شأنها آنذاك شان الدولار الأميركي والجنيه الأسترليني في يومنا هذا. فتلك النقود لابد وأن تكون قد دخلت إلى (العربية الجنوبية) مع التجار أو مع رجال الحملة الذين أرسلهم الأسكندر لاحتلال هذه البلاد ، فتلقفها التجار وتعاملوا بها، فأقبلت عليها الحكومة، ثم أقدمت على ضربها. وإن درهم(أب يثع) مضروب ضرباً متقناً وبحروف واضحة جلية دقيقة، وبدقة تبعث على الظن بوجود خبرة سابقة ودراية لعمال الضرب".
-1-
استوقفتني في هذا النص التاريخي البحت للمؤرخ العراقي الكبير جواد علي، بعض الأمور فيه، التي تحيل بشكل أو بآخر إلى السياسة والاقتصاد والفكر والدين واللغة. وأول ما استوقفني هو اسم الملك المعيني(أب يثع=المخلص والمنقذ) وهذا المعنى ينقلنا مباشرة إلى أرض كنعان التي تواجد فيها الكثير من شعوب المنطقة من(الكنعانيين واليبوسيين والفينيقيين والفلسطينيون والآراميين والأموريين والعبرانيين..)، ففي هذه المنطقة كان مفهوم(يسع= يشع = مخلص ومنقذ) منتشراً وسائداً فيها، ولقد ورد كثيراً في التوراة وخاصة في سفري أشعيا وأرميا وتحول هذا المفهوم فيما بعد إلى (يشوع أويسوع) الذي صار يمثل السيد المسيح المخلص والمنقذ والفادي ، ولقد ورد هذا المفهوم فيما بعد في القرآن الكريم عند تعداده لأسماء الأنبياء. في أرض كنعان كان مفهوم الإله الواحد يتكرس بقوة وخاصة بعد ثورة أخناتون في مصر القريبة ، وكذلك بسبب نفوذ الفكر اليوناني في المنطقة الذي تكلم فيه الفيلسوف (هيراقليط) حول مفهوم الإله الواحد النافي للألهة المتعددة وانتشار الفكر الافلوطيني في الحقبة الهيلينية. وفي الواقع لقد انتقل مفهوم (اليسع= اليشع) الكنعاني والعبراني والآرامي إلى (العربية الجنوبية) ولكن باسم (اليثع) باستبدال السين او الشين بالثاء. ولكن في اليمن القديمة لم يكن مستوعباً بعد مفهوم الإله الواحد، ولذلك فالأب المخلص هنا كان الملك ذاته. ومعظم ملوك معين كانوا يطلقون على أنفسهم ألقاباً تبتدئ بأب مضافاً إليها أسماء شبيهة بأسماء الله الحسنى. وعلينا ألا نستغرب فهذه الألقاب، على الرغم من انقطاعها في صدرالإسلام في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين، فقد عادت في زمن العباسيين والفاطميين لتقيم علاقة ما بين الخليفة والله، مثل الهادي والمهدي والأمين والمأمون والواثق والمعتصم والمتوكل والمستعصم والمعز والحاكم والمستنصر......



-2-
ما استوقفني أيضاً في نص جواد علي، هو مدى تأثير النفوذ السياسي لدولة من الدول إذا علا شأنها وتعاظمت قوتها واتسعت سيطرتها على الدول الأخرى في مجال الاقتصاد والثقافة واللغة. فاسم العملة اليونانية الدراخما التي بقيت محتفظة باسمها إلى فترة قريبة قبل تأسيس منطقة اليورو، يبدو أنها كانت قد فرضت نفسها في منطقتنا منذ القديم وأخذت اسماً محرفاً عن الأصل(الدرهم) الذي استمر كعملة فضية رئيسية طوال العهد العربي الإسلامي، ولا يزال الدرهم معتمداً إلى الآن في بعض دول الخليج والمغرب. وعلينا أن نلاحظ هنا أن الملك المعيني (أب يثع) تقصد أن يكتفي بضرب اسمه على العملة التي أصدرها إبان حكمه ويحتفظ بصورة الملك المكدوني لكي يكرس الثقة بعملته لدى التجار وليقيم علاقة رمزية ما مع تلك (العملة الصعبة) السائدة في المنطقة في ذلك الزمان.
إن الانفتاح على الآخر والتثاقف معه، استمر في عهد الدولة العربية الإسلامية ولم يكن هناك خوف على الدين فتعددت المذاهب والفرق، وترجمت كتب الفلسفة اليونانية والهندية، ولم ينصف المترجم مثلما أنصف في تلك الحقبة وكان يعطى ذهبا أو فضة بوزن الكتاب المترجم. وكذلك لم يكن في تلك الحقبة خوف على اللغة العربية، فلقد فُتِحت أبوابها على كل اللغات الأخرى، فالدراخما أصبحت درهماً، والديناريوس أصبح ديناراً، واعتمدت الفردوس والجغرافية والصراط ومئات من الكلمات لا مجال لتعدادها هنا، وخاصة أسماء النباتات والخضار والفواكه التي نأكلها يوميا. وكذلك أعطت لغتنا الكثير الكثير للغات الأخرى الفارسية والعربية واليونانية والإسبانية والبرتغالية والإنكليزية والفرنسية والروسية....
-3-
هذا الماضي المنفتح في الدولة العربية الإسلامية قبل عهد الانحطاط،، يتناقض تماماً مع هذا الحاضر الذي نعيشه الآن في عالمنا العربي، حيث الكثير من التقوقع والتزمت والتحجب وإيصاد الأبواب مع الآخر. وهذا الماضي لم يكن يتكلم كثيراً على خصوصيتنا وعاداتنا وتقاليدنا كما يتكلم الآن حكامنا في السلطة ومثقفينا السلفيين من كل الاتجاهات الدينية والقومية واليسارية. ولقد نشطت إيديولوجية (الخصوصية) لدى كل هذه الاتجاهات واستخدموها سوطاً لجلد الديموقراطية باعتبارها صارت العدو الأبرز، فهي من وجهة نظرهم " ليست إلا استيراداً غربيا تتنافى مع تقاليدنا وعاداتنا ومعتقداتنا وتاريخنا!؟" وقد أضاف هؤلاء للديموقراطية ما هب ودب من الأوصاف لإفراغها من محتواها(الديموقراطية البرجوازية، الديموقراطية العربية، الديموقراطية الإسلامية، الديموقراطية الصينية....ديموقراطية كيم ايل سونغ، ديموقراطية موغابي ....). والغريب أن هذا (السوط الخصوصي) لم يوجه يوماً ضد المرسيدس أو الجوال أو فنادق الفورسيزن أو أو أو...... طبعاً ماعدا شبكة الأنترنت ، التي وحدها من بين التقنيات الحديثة المستوردة إلى بلادنا، لم تنج من لسعات هذا السوط الخصوصي، لأنها وظيفتها موضوعياً تتنافى مع الاستبدادي السائد .

دمشق في2 /12/2008



#نقولا_الزهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاربة فكرية حول الأزمة الاقتصادية العالمية
- روسيا بين أن تدافع عن وجودها....وألا تنزلق إلى حرب باردة
- بقايا صور من الحياة اليومية/المكان
- العلمانية والديموقراطية والمجتمع المدني بين فكي التسلط والتط ...
- مشاهد متقطعة من الطفولة المبكرة
- فيروز والرحبانيون
- طيور سورية جديدة تحفر أعشاشها في جدار الخوف
- ما كل ما قبل الثورة جاهلية
- تلميذ يعيد الاعتبار لأستاذه
- هل يأتي المخرج من الشعب الفلسطيني
- الحوار اللبناني يمشي على الحبال الدولية والإقليمية
- اضطرام الجغرافية السياسية في الشرق الأوسط
- من الدولة الدينية إلى الدولة القومية إلى دولة المواطنة
- التضليل السلطوي حول خطر الإسلام السياسي
- الانسحاب من غزة بين الامتحان الفلسطيني والتجربة الإسرائيلية
- أعمدة بلاسقف ولا جدران هل يستمر لبنان؟
- من مصر وسوريا ...إلى سوريا ولبنان
- جذور السنديان تغور في الأرض
- حول آفاق الإصلاح أو التغيير في سوريا
- عيد الجلاء في سوريا قبل نصف قرن


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نقولا الزهر - مشهد عولمي من قبل الميلاد