أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سنان أحمد حقّي - هوامش على مقال إنصاف مناطق الجنوب















المزيد.....



هوامش على مقال إنصاف مناطق الجنوب


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 2482 - 2008 / 12 / 1 - 07:35
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


هوامش على مقال ـ إنصاف مناطق الجنوب ـ
مقدّمة:
تابعت وكنت أتابع باهتمام ما يكتبه الأستاذ سلام كبّة عن التنمية وعن شؤون الإعمار وأخيرا ما كتبه عن مناطق الجنوب ، والحقيقة أن الموضوع أوسع مما استعرض مشكورا بكثير ، ولا أدري من أين أبدا بطرح هوامشي المتواضعة والتي يرجع أساسها إلى كوني من أهالي المناطق التي استعرض جانبا منها وعلى كل حال فإنني وجدت أن الكاتب قد اخرج بياناتٍ عن الواقع الزراعي وعن الأحوال العامّة والخدمات في البصرة على وجه الخصوص وأنا أتّفق معه على بعضٍ مما ذكر ولكنني كنت أتمنى عليه أن يذكر لنا مصادر معلوماته تلك لأن هناك من يعتبرها مبالغات وآخرون يرون أن هناك أدنى منها في الواقع.
كمقدّمة أود إن أوضّح تحديد منطقة الإقليم الذي تنتمي إليه مجموعة عناصر الجنوب ، كما هو مطروح ما زال موضع نقاش طويل وغنيٌّ عن القول أن هناك وسائل متعددة لتحديد اية منطقة تضمّ إقليما محددا ومن تلك الوسائل الموشّر الإقتصادي والذي يُحاذي تأثير سريان البضائع والسلع الأساسيّة أي أن الشعاع الذي يمثّل انطلاق السلع والبضائع الأساسيّة من مركز الإقليم المقترح موضع الدراسة ينتهي بالضرورة في حدود أي إقليم وهكذا يُمكن وضع مرتسم تقريبي لحدود الإقليم من الناحية الإقتصاديّة والتجاريّة ولكن بطبيعة الحال هناك مؤشرات أخرى لها نفس الأهميّة في تلك الغاية مثل المؤشرات الإجتماعيّة والثقافيّة والدينيّة ومن أهمها أيضا مؤشرات نمط الإنتاج المحلّي والخصائص التراثيّة المشتركة والوشائج التي تربط السكان وعناصرالمحتوى الجغرافي الذي يرسم القواسم المشتركة لخصائص أي إقليم
والمنطقة الموصوفة بالجنوب ولا شكّ تُشكّل محتوى متقارب في بعض النواحي ولكنها متناقضة في نواحي كثيرة أخرى من أهمها الجوانب الإجتماعية والثقافيّة
أجد في البدء أن منطقة الجنوب فضلا عن اجتماعها على خصائص متماثلة ألاّ أن هناك خصائص أخرى ما زالت تمثّل تباينا واضحا فمنطقة البصرة أو محافظة البصرة مثلا تنتمي في كثير من خصائصها إلى المحتوى الخليجي وهي كباقي المدن والحواضر الخليجيّة مدينة أو منطقة بحريّة وتجاريّة في الأساس وهي المدينة الوحيدة التي تختصّ بهذه الخواص من دون المدن والحواضر العراقيّة ومن البداهة أن نقول أن المدن أو الموانيء هي حواضر مفتوحة على العالم بأكثر وأوضح من باقي حواضر الدنيا كما أنها بسبب كونها منطقة تجاريّة فإنها تزدهر وتنمو بالإستقرار والسلم وتتأثّر بالحروب واحتدام النزاعات بشكلٍ حساس جداً فتضمحلّ التجارة وتذوى ولهذا فإن هذا العامل الرئيس يؤثّر بشكل مباشر على طباع وأخلاق ورغبات المدن التجاريّة والموانيء بشكل عام فتجد أن أهليها مسالمون ينزعون إلى التسامح وحل المشاكل بالطرق الودّيّة ويتفادون أي شكل من النزاعات على اختلافها لئلاّ يؤثّر ذلك سلبا على الأعمال التجاريّة التي تحتاج إلى الثقة والتسامح والتعامل النابع من علاقات واضحة وصادقة قدر الإمكان وهذا ما كان حاصلا على الدوام في منطقة البصرة على مدى الزمن وبقدر انحسار الأعمال التجاريّة وركود الأعمال في الموانيء تنحسر تلك السجايا وتضمر وكلما حصل عكس ذلك ازدادت الحاجة للرجوع إلى السجايا الإجتماعيّة الموصوفة.
لقد مرت البصرة في أدوار ومراحل كثيرة منها كالتي ازدهرت فيها التجارة كما حصل في عصر ما قبل حفر قناة السويس حيث كانت البضائع القادمة من الصين والهند وجنوب شرق آسيا وجاوا والفلبين وغيرها تصل البصرة كميناء يمثل مرحلة الهدف ثم يتم نقل البضائع والسلع المختلفة على ظهر القوافل ليتم نقلها بالبرّ إلى حلب أو موانيء البحر الأبيض المتوسط المختلفة ومنها إلى أوربا ولهذا فلقد كان ميناء البصرة في تلك الأيام منشغلا جدا بحركة كثيفة سواء في البحر أو في البرّ وكان مصدرا مهما من مصادر وموارد الإقليم المرتبط به أو الذي يحتويه واختلف الأمر كثيرا بعد فتح قناة السويس كما ذكرنا ولكن ليس إلى الدرجة التي رفعت عنه اهميته بالكامل حيث ظلّ طريقا بديلا فضلا عن تأثيرالبصرة على محتواها الإقليمي كما أسلفنا بيد أن المنافسة التجاريّة التي ظهرت بين الدولتين الفارسيّة والعثمانيّة جعلت النفوذ المقابل ينشط كثيرا للإستحواذ على بعض الأهمية التي كانت تتمتّع بها البصرة آنذاك فنشأت موانيء جديدة مثل ميناء المحمّرة على الضفة الشرقيّة ،ومع ذلك استمرّ نشاط ميناء البصرة خصوصا بعد دخول عصر النفط ولهذا فإن تأثير كون البصرة ميناءً ،له أهميّة كبيرة جدا على الخصائص الإقتصاديّة الإجتماعيّة وكون البصرة ميناء العراق الوحيد يطبعها بطابع متميّز إقليميا ودوليا أيضا وهنا لا بدّ أن نوضّح ما نعني بالإقليم فهناك خلط واسع بين مفهوم إقليم داخلي ومحتوى إقليمي لمنطقة عابرة للمحددات السياسيّة وأظن أن ما نقصده داخليا هو الإقليم الداخلي او الإداري ضمن التقسيمات الإداريّة،أما المنطقة عابرة للمحددات السياسيّة فنقصد بها المحتوى الإقليمي وهذا على الأقل مجرد محاولة للتفريق بين المفهومين باللغة العربيّة(TerritoryوRegion )والحقيقة أنهما حتّى بالأنكليزيّة متقاربان.
إن تأسيس الدولة العراقيّة ككيان سياسي مستقلّ انتزع من القوى الدوليّة بصعوبة ضم منفذ البصرة البحري إليه بواسطة إصرار الملك فيصل الأول مؤسس الدولة العراقيّةعلى أنه لا يمكن أن يحكم مملكة ليس لها منفذ بحري وقد حاولت اطراف متعددة على مدى عمر الدولة العراقيّة الحديثةأن تحرم العراق من ذلك المنفذ إمّا بإثارة مشاكل حدوديّة أو كنتيجة للنزاعات والحروب المباشرة كمحاولة لفرض حصار كامل على البلاد لأن المنافذ البحرية هي العوامل التي تمنع فرض حصار كامل ومتواصل لأمد بعيد كما برهنت سنوات الحروب الطويلة وهذا امرٌ معلوم ومفهوم كما أعتقد.
وضع مناطق بساتين النخيل
حقّا إن هذه المناطق عانت من الإهمال ومن نتائج الحروب الكارثيّة ولكن تراجع إنتاج التمور وبساتين النخيل التي كانت من أخصب المناطق في العالم وكانت لسنوات خلت تمدّ مناطق واسعة من جنوب العراق وبعض المدن المجاورة بإنتاج أنواع كثيرة من الفواكه والخضار والمنتجات الزراعيّة المختلفة إلى جانب التمور ذات الأصناف الممتازة اصبحت الان تضمّ نخيلا شائخا والأراضي الخصبة مملوءة بالأدغال والحشائش الضارّة وأنهارها تُعاني من الإندراس وترسّب الأطيان وتراكمها بما يمنع وصول مياه المدّ كما أن مياه البحر المالحة أصبحت تصل إلى أعالي شط العرب وليست الأحوال التي ذكرها الأستاذ سلام كبّة هي الأسباب الرئيسيّة كلها التي تسهم في مأساة مناطق النخيل بل أن أحدا لا يستطيع أن يجد أولئك الفلاحين الماهرين الذين يقومون على خدمة النخيل ولا أولئك الذين يُتقنون كري الأنهر والفروع الصغيرة ولا هي متوفّرةٌ لديهم المعدات الحديثة .قد يكون من قبيل التندّر أن نذكر أن قليلا من الناس هذه الأيام يُجيدون تسلّق النخلة بالوسائل التقليديّة( الفروند!)أو حتّى بدونه أي بأيديهم وأرجلهم وبشكل مباشركما كان يحدث قديما، وقد سالني يوما أحد أبناء أخي عن كيفيّة إنزال ثمار التمر إذ أنه يراها عالية جدا بما لا تُطال!في الوقت الذي كان احد اجداده أسرع من يتسلق النخل السامق في قريتهم آنذاك.
إن الأنهار الصغيرة والقنوات التي تمدّ النخيل بالماء تحتاج إلى الحفر والتعميق وهذا كان يتم يوسائل يدويّة أمّا اليوم فإن هذه الأعمال لا تجد لها من يقوم بها ، هذا كله فضلا عن ارتفاع الملوحة والتلوث إذ أن كثيرا من المنتتجات الزراعيّة أصبحت مفقودة ، إن معظم الخضار الآن تُستورد من الأقطار المجاورة أو من محافظات بعيدة وهذا يجعل من البصرة من هذه الناحية تسير للإنتماء إلى إقليم مجاور أو إقليم آخر
من النواحي والعوامل الإقتصاديّة
وكما أسلفنا فإن ما نجدهُ حاليا من أشجار النخيل ما هو إلاّ نخيل معمّر وشائخ قد تمت زراعته قبل سنين بعيدة فضلا عن عدم وجود زراعة لما بين النخيل بالكثافة المعهودة فلم نعد نجد إنتاجا يناسب ما كان يحصل من إنتاج الخضروات كالطماطة والباذنجان والباميا التي كانت مشهورة جدا بصنف متميّز ولا الرمان أو التين أو الأعناب أو المشمش أو غيرها وكادت تختفي أشجار المانجو( الهمبة كما يدعوها أهل الجنوب)وأن الثلاثة ملايين نخلة التي أشار إليها الأستاذ بمقاله مدار المناقشة ربما تقلّ كثيرا خلال السنوات القليلة القادمة لا سيما بعد ان ارتفعت نسبة الملوحة والتلوث كما ورد في المقال.
يرجع قدرٌ كبير في حدوث هذه المآسي إلى الحروب فعلا وبالدرجة الأولى ولا سيما الحرب العراقيّة الإيرانيّة ولكن هناك مسؤوليّة عظيمة يتحملها مسؤولوا وزارة الزراعة والري حيث روّجوا كثيرا لمشروع شط البصرة وعوّلوا كثيرا على احتمال استصلاح مساحات واسعة في ما اعتقدوه حوضا لشط البصرة وربما كان الهاجس والهدف تسويغ وجود بديل لحوض شط العرب التاريخي ولكن الحقائق اليوم تبيّن لنا بشكل واضح وجليّ أن شط البصرة قد جلب نسبة كبيرة جدا من الأملاح إلى المنطقة ولم يُساعد على بزل الأملاح الموجودة فيها وبالتالي لم يتشكّل حوض زراعي أو صالح للزراعة جديد كبديل لحوض شط العرب التاريخي الخالد وبذلك انخفضت مياه شط العرب كثيرا ولم تعد كافية لري حوضه الخصب كما أن عمليّة المد والجزر بعد انخفاض مستوى المياه فيه أخذت تتأثّر بالمد البحري فيمتليء النهر بماء البحر المالح عند المد ولكنه يفرغ عند الجزر ولا يمتليء بماء الأنهار العذب لقلّة مياه الأنهار وعدم كفايتها لتعويض حوض الشط كما أن هناك ما يُفيد أن الجارة إيران حولت هي الأخرى نهر كارون ونهر كارون من الأنهار التي كانت تحمل المياه العذبة إلى شط العرب ولكنه يمرّ بجزيرة عبادان وعند مدينة المحمرة يتفرع إلى نهرين الأول يسير بمحاذاة جزيرة عبادان وبموازاة شط العرب متجها إلى الخليج ويُدعى نهر بهمشيروالفرع الصغير الآخر يسير مسافة قصيرة جدا ليلتقي بشط العرب قريبا من جزيرة أم الرصاص ومنطقة أبي الخصيب وهذا نهر تم حفره في الماضي القريب وما يفيد من الأخبار أن الحكومة الإيرانيّة حوّلت نهر الكارون إلى مسار نهر بهمشير وأغلقت فرع الحفار أي ملتقى النهرين كارون وشط العرب وهذا الأمر جعل وضع شط العرب يزداد سوءا فينخفض مرة أخرى مستوى المياه أكثر فأكثر ويرتفع مستوى التلوث أيضا أكثر فأكثر فضلا عن أن توسّع مدينة البصرة وتزايد المدن والقصبات التي تقع على مسار شط العرب ساعد كثيرا على زيادة التلوث بسبب ما تُلقيه هذه المدن من فضلات ومياه ملوثة إذا علمنا أن أغلب مدن العراق وبضمنها مدن الجنوب لا تضم شبكات كفوءة لتصريف المياه الثقيلة وحتى ما هو متوفر منها في البصرة كبرى مدن الجنوب لا يعمل بفعالية ويُعاني من الإهمال وسوء الصيانة فضلا عن مشاكل تصميميّة وتنفيذيّة لا مجال لحصرها في هذا المقال
فاليوم يستطيع أي زائر أن يرى ويشعر بالروائح الكريهة المنبعثة من مياه الشط بسبب ضحالة المستوى وركود الكميات المتوفرة من المياه.
هذا بالإضافة إلى ما أورده الأستاذ سلام في مقاله من دور في زيادة التلوث من قبل أعمال تهريب النفط والمشتقات الأخرى
وهناك مشكلة مهمة أخرى فقد تفتّتت وتشظّت الملكيّة الزراعيّة للبساتين كثيرا إلى الحد الذي يقل عمّا هو متعارف عليه حيث أنه معروف أن البستان لا يجب أن تقل مساحته عن خمسة دونمات أي 12500 مترا مربعا ولكن الواقع يُظهر لنا كثيرا من البساتين تقل عن ذلك كثيرا بل نجد في خرائط الكادسترو بساتين لا تزيد مساحتها عن 600 مترا مربعا فقط وهذه المساحات الصغيرة غير اقتصاديّة إطلاقا والعمل فيها للأغراض الإنتاجيّة أمرٌ غير معقول إذ أنها ليست سوى حديقة دار بسيطة فقط وقد عملت عوامل متعددة وكثيرة على شيوع مثل هذا التشظّي والتفتّت لا مجال لحصرها.ودراسة واقع الملكيّة هنا قد يدفعنا للخوض في تشعبات لا مجال لعرضها في هذا المقال.
الأهوار:
بعد تأييدنا لمعظم ماجاء بمقال الأستاذ موضوع المناقشة فإنني أجد أن العبث بأحوال الأهوار قد ذهب بعيدا بحيث اننا لن نستطيع أن نُعيد العجلة إلى الوراء رغم الجهود التي يتم بذلها ولا ندري هل ستعود الأسماك إلى مسطحات تكاثرها كما كان الأمر قديما ؟ إذ أن الثروة السمكيّة وثروة الطيور التي كانت تُشكّل مصدرا مهما من مصادر الغذاء في محافظة كالبصرة والتي تتميّز بأنواع ممتازة من الطيور الغنيّة باللحوم المتميّزة مثل الخضيري وبعض الأنواع النادرة الأخرى لم نعد نجدها منذ زمن بعيد في سماء المنطقة الجنوبيّة وكم كنّا نلحظ أسراب الطيور المهاجرة في مواسم هجرتها تعبر سماء المحافظات الجنوبيّة لا سيما في الخريف وباعداد كانت تملاْ السماء تقريبا ، أمّا اليوم فإننا نفتقد هذا المشهد منذ أمد بعيدوقد نجد في الأسواق المحليّة بعض الطيور التي لم نكن نقبل بمثلها ولم نكن نعتبرها صالحة للمائدة البصريّة مثل طيور الماء وغيرها أما الأصناف الفاخرة من البطّ الحرّ فقد انتهى زمانها للأسف.
كما أن سمك الصبور كما هو معروف كان صنفين ويقال هذا صبور الشط وذاك صبور الصنكر والصبور الذي يعيش في المياه المالحة كما هو حال صبور أم قصر والخليج كنا نعتبره صنفا أدنى من صنف صبور الشط الذي يتم اصطياده في شط العرب بعد انتهاء موسم التكاثر وقبل رجوعه إلى عرض شط العرب أي انه سمك نهري أكثر منه بحري ولكننا اليوم لا نجد الصبور النهري (صبور الشط) والذي كان أرفع نوعا من سواه كما أن أنواعا أخرى اصبحت نادرةً هي الأخرى مثل الشبوط وحتّى القطّان وربما حتّى البنّي وكذلك أنواع شائعة كثيرة أخرى وقد انتشر وشاع سمك الكارب( السمتي) الذي لم يكن يُقبل عليه الناس سابقا وكل ذلك بسبب التغييرات التي حلّت بالمسطحات المائيّة والتي أثّرت على موطن تكاثر الأسماك الطبيعيّة واختفت كذلك نباتات كثيرة أخرى مثل (الجولان) والذي كان أهل الجنوب ينسجون منه الحصران والذي يتميّز بنعومة أليافه التي تُشبه نبات الكراث لكن بمقطع مثلث الشكل و بأطوال كبيرة تسمح بعمل الحصران الجميلة والناعمة التي كثيرا ما تفعل فعل البسط الإسفنجيّة وقد عمدت إلى السؤال عنها فلم أفلح حتّى بعد أن استخدمت عددا من الوسطاء دون جدوى كما أن شيوع نبات (الخرّيط) قد انكمش كثيرا وهو مسحوق أصفر يُستخرج من زهرة نبات البردي له نكهة خاصّة يؤكل بعد خلطه ومعالجته بماء الورد والهيل وتعريضه إلى بُخار الماء من أسفل قدور وأواني تجعل منه قالبا صلبا ولو تم استخدام السكّر معه فإن له مذاقا لذيذا يتهافت عليه الأطفال والكبار، ولا اعتقد ان معامل الألبان قد ساهمت في تقويض تربية الجاموس إذ ان بعض المعامل القديمة كانت تشتري الألبان من مربّي الجاموس لأهميته في صناعة القشطة واللبن والحليب الطازج المعقّم وغيره من منتجات الألبان ولكن اضمحلال المعامل المذكورة وإيقاف العمل بها هو الذي جعل الطلب على لبن مربّي الجاموس ينكمش.
إن تربية الجاموس عمليّة متعبة وخطرة فالجاموس له طباع خطرة وقد يهاجم الإنسان والعمل على رعايته تُعتبر من الأعمال الشاقّة ولهذا يحتاج إلى رجال ونساء لهم خبرة وقادرين على تحمّل أعبائه وجمع ما يلزمه من غذاء
إن عودة سكان الأهوار إلى مناطقهم أظن أنه أمرٌ بعيد المنال بعد انصهارهم في حياة المدن وتعودهم على الأعمال اليدويّة البسيطة بدلا من الأعمال الشاقّة في تربية الجاموس أو جمع النباتات في الوسط المغمور بالماء أو صيد الأسماك
الزراعة في واحات الزبير الصحراويّة:
بعد نشوب الحرب العراقيّة الإيرانيّة وتضرّر بساتين النخيل والمناطق الزراعيّة في حوض شط العرب الذي أصبح ميدانا للقتال لمدة ثماني سنوات ونزوح معظم الفلاحين من حوض النهر المذكور اتجهت النوايا لاستثمار مياه الآبار في صحراء الزبير وقد اقتبسوا وسائل أبناء المناطق المجاورة في الكويت والسعوديّة في محاولات تنمية وتطوير تلك الوسائل وبهذا انتقل كثيرٌ من الناس للإستثمار في هذا المضمار وساعدت دوائر الزراعة في توفير الأسمدة الكيمياويّة والأغطية البلاستيكيّة واللوازم الأخرى وفعلا فقد سدّت الزبير ومزارع سفوان حاجة عموم العراق من الطماطة وخصوصا في الموسم الشتوي وكذلك توفير أنواع مختلفة من الخضار والفواكه مثل الخيار والفلفل والبطيخ والرقّي واشتُهر من تلك الفواكه رقّي اللحيس والقنبيط واللهانة وغيرها ألا أن نشوب حرب أخرى في هذه المناطق مع احتلال الكويت عمل على تخريب تلك المزارع بشكل واسع رغم انتشار التجربة إلى محافظات أخرى مثل الناصريّة والسماوة بل حتّى المحافظات الوسطى، وبعد توقف القتال أصبحت الدولة في حالة عجزت معها عن توفير المستلزمات الزراعيّة كما كانت أوّل الأمر فتضاعف تضرّر تلك المناطق فضلا عن تحوّل أراضي واسعة إلى أراضٍ محضورة بسبب الألغام التي زُرِعت أيام الحرب وفضلا عن هذا كله فإن أسباب القتال والحرب وقيل استعمال بعض الأسلحة المسببة للتلوث قد جعلت من معاودة العمل والزراعة في تلك المناطق أمراً محفوفا بالمخاطر الجسيمة لاحتمال التعرض لملوثات جسيمة مثل الإشعاع !
ومن ناحية أخرى فإن ثروات المنطقة كانت واسعة جدا في مجال توفير المواد الغذائيّة فهي كما أسلفنا تتكون من الألبان والأسماك والطيور واللحوم الحمراء لتوفر المراعي حول محافظة البصرة ومنها مراعي محافظتي ميسان وذي قار التي يكثر فيها أجود أنواع الخراف التي تتميّز بسلالات جيّدة وكذلك كما ذكرنا الجاموس وتربية الأبقار وكان الأمر شائعا جدا حتّى خمسينيات القرن الماضي حيث كان هناك (جاخور) أي مكان لرعاية الأبقار ملحقٌ بكل دار وكان يسدّ حاجة المواطنين المحليين من الألبان ومشتقاتها وفضلا عن شيوع تربية الدجاج في معظم المناطق الريفيّة فإن هناك ثروة غذائيّة كبيرة في المنطقة وهي (الكمأ) وهو نوع ممتاز من الفطر الذي ينمو تلقائيا في المناطق الصحراويّة وهو مادّة غنية بالبروتين يقوم سكان البادية غالبا بجمعه لمعرفتهم بأماكن غزارته وكان محصول الكمأ يُشكّل مصدرا مهما في توفير المواد البروتينيّة لا سيما في الشتاء ويصل المعروض منه في السنوات ما قبل الحروب إلى أن يُغرق الأسواق وينخفض سعره في المواسم إلى حد بعيد ويُقبل الناس عليه بشدّة لأنه يحلّ محل اللحوم وكمأ البصرة من الأنواع الممتازة والذي وجدتُ أنه في أوربا يصل سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى حدّ ألف دولار أو ألف يورو!ولكن هذه الثروة اختفت بسبب انتشار الألغام الخطيرة والتي منعت سكان البوادي من التفتيش عنه هناك ولم نعد نجد في الأسواق شيئا من الكمأ اللذيذ ابدا.
ومن جانب آخر فإن حفر الآبار المائيّة للمزارع المنتشرة في الوجه الصحراوي لا يتم على أسس فنّيّة سليمة إذ يتم العبث بالثروة المائيّة هناك بسبب الحفر غير الفنّي وعدم استعمال الآبار الإرتوازيّة وتبديد المياه وعدم مراعاة سلامة الطبقات الحاملة للمياه إذ يجب أن تكون هناك مسافات فنيّة بين البئر والآخر كما لا يجب حفر الآبار إلاّ بعد توصيات من الجهات المختصّة بالمياه الجوفيّة إذ يتطلب الأمر تصوّر طوبوغرافيّة سطح المياه الجوفيّة والطبقات الحاملة للماء لكي يُمكن أن يوصى بأماكن الحفر ، وقد يتمكن المختصون من استخراج كميات كبيرة جدا من المياه في الصحراء لو اتُّبعت الأسس الفنيّة الصحيحة كما أن تقنيات الحفر العميق للبحث عن المياه النقيّة لم تدخل بعد ميدان الحياة العمليّة وهو سبيلٌ واعدٌ جدا وقد يوفّر مياه نقيّة وصالحة للإستعمال البشري مباشرة ، كما أن العناية بمياه الآبار وتقنياتها قد يُسهم في سدّ النقص الذي تتسبّب به أزمة انخفاض مياه الرافدين دجلة والفرات وروافدهما، وهناك آمال واعدة كثيرة تستحقّ منّا خوض هذا الميدان بسبب كون بلادنا تمثّل واديا لما يُحيطها من الأرض وحيث ان طبقة المياه الجوفيّة تسير بمحاذاة سطح الأرض لذلك نتوقع العثور على أعماق اقتصاديّة في البحث عن المياه الجوفيّة وهذا كله يمكن أن يوضّحه أهل الإختصاص والبحث العلمي
الثروة النفطيّة:
لقد حطّم تهريب النفط سمعة الصناعة النفطيّة الوطنيّة العراقيّة وعاد بأفدح الخسائر على البلاد وشوّه سمعة ابناء الشعب العراقي وحرصهم على مستقبل الأجيال القادمة بل عرض مدى عدم الشعور بالمسؤوليّة لدى مختلف الأوساط العراقيّة الشعبية منها والرسميّة فلقد تم ترك عتاة المهربين يعبثون بهذه الثروة التي من شانها أن تنقل البلاد من خط ما تحت الفقر إلى خط الدول الخليجيّة الغنيّة وتُسهم في توفير التمويل المطلوب لإعادة الإعمار إن الرقم الذي أورده الأستاذ سلام ليس معقولا فقط بل ربما يعتقد كثيرون أنه أقل من الواقع إذ أن ما يتم تهريبه شهريا وصل إلى ما مبلغه مليار دولار تقريبا كما يتداول المواطنون في الشارع. كما ان أفضل الخبرات في الصناعة النفطيّة اختفت من الميدان وأصبحت الأعمال الإستكشافيّة معدومة والإستخراجيّة متخلفة وخضع العاملون إلى ظروف أقل ما يُقال عنها أنها تسيّرها مرامي الفساد ذائع الصيت ، ويتم هدر كميات كبيرة من الغاز المصاحب للإستخراج كما أن الصناعة النفطية في ميدان التكرير أو المصافي ما زالت دون المطلوب كمّاً ونوعا وتُعاني من مشاكل في الحاجة إلى إيصال المياه وأمور أخرى
المنطقة الصناعيّة في خور الزبير :
تم منذ سبعينيات القرن الماضي توقيع عدد من المشاريع الستراتيجيّة في القطاع الصناعي وبسبب كون البصرة المنفذ البحري الوحيد للبلاد فقد تم توقيع نواة صناعة الحديد والصلب وصناعة البتروكيمياويات وتطوير وتوسيع صناعة الأسمدة الكيمياويّة وكذلك توقيع اهم المحطات اللازمة لتوليد الطاقة الكهربائيّة وتوصيل خطوط الطاقة الفائقة وإيصال خطوط السكك الحديديّة ومحاولة توسيع أرصفة الموانيء وتوقيع صناعة حديثة للدواجن وتم تطوير موانيء جديدة كل ذلك تم إنفاق مليارات الدولارات لإنشائه منذ السبعينيات وللقاريء الكريم أن يُترجم إلى ما تعادله تلك المبالغ بلغة اليوم! ولكن الأعمال الحربيّة المستمرّة أتت على تلك المشاريع الكبرى والستراتيجيّة وجعلتها حطاما إذ كان من المؤمّل أن تنهض بحياة المواطنين إلى مستوى البلدان المجاورة على الأقل وأدت أولويّة الأعمال العسكريّة إلى تفكيك عدد من تلك المنشآت الستراتيجيّة بهدف نقلها أو جعلها هدفا للتخريب والسرقة والنهب والقت بأعداد متزايدة من العاملين إلى البطالة فضلا عن حرمان أيدي كانت تؤمّل على توفيرها لفرص عمل جديدة وجيدة وانهار الواقع الصناعي لواحدة من أهم بواكير التقدم الصناعي في البلاد ومعلوم أن النهضة العامّة للبلاد لا يمكن أن تقوم بغياب نهضة صناعيّة وهي مرحلة يجب أن تسبق مرحلة التقدم التكنولوجي والألكتروني والرقمي الحاصلة حاضرا فكيف نعمل الآن ومن أين نبدأ؟أبعد خراب البصرة؟
الموانيء:
كررنا هنا أكثر من مرّة أن البصرة هي ميناء وليس هناك سواه وهذا صحيح ولكن مؤسسة الموانيء العراقية استطاعت أن تزحزح الوضع الضيق القائم بسبب عدم استيعاب السواحل المتوفرة لمجموع متطلبات الإستيراد والتصدير وقد توسعت الموانيء من خلال إنشاء ميناء أم قصر وميناء خور العميّة وكذلك الميناء العميق والمينائين الأخيرين مخصصين لأعمال تصدير النفط ولهذا فإن موانيء أم قصر وميناء معقل وأبو فلوس لا تسدّ الحاجة ابداً وكثيرا ما كانت تحدث ازمات في الماضي حيث يطول أمد انتظار السفن في طابور طويل للوصول إلى الأرصفة وتفريغ حمولاتها ولهذا فإن هناك حاجة ماسّة وشديدة لبناء موانيء جديدة واسعة ويجب استثمار كامل الساحل المطلّ على الخليج العربي والذي يوفّر ما طوله حوالي ستين كيلومترا وإن تطلب الأمر فإنه من المجدي اقتصاديا الدخول باستثمارات واسعة لبناء موانيءعائمة كبيرة كمدن عائمة في المياه الإقليميّة العراقية ولا يجب ابدا التعتيم على هذه الإحتياجات مهما بلغ حد التحديات لأنها المنفذ الوحيد والأساسي لحركة التصدير والإستيراد ويجب ان تكون كل الإجراءات تتمتع بالأولويّة والوضوح وتتصدّر برامج الحكومة ويجب أن نُدرك أن التهاون بموضوع توسيع الموانيء يضرّ بالوضع الإقتصادي والسيادي العراقي ومن معايب المركز أنه يتصرف وكانه بعيد عن هذه المعضلة الجسيمة وهي من أهم التحديات التي تواجه سيادة واستقلال واقتصاد البلاد وهي ولا شك لا يجب أن تخضع لأي شكل من ضغوط المكونات الإقليميّة مهما كان مصدرها ومهما بلغ حجمها.

الحياة الإجتماعيّة:
لقد أوردتُ في المقدمة مدى تميز طباع المنطقة بسبب كونها ميناء مفتوح تتلاقح فيه ثقافات متنوعة وبسبب كونها تحادد كثيرا من الدول وتُطل على وجه بحري يسمح لها بالإحتكاك مع الأمم الأخرىوقد فرضت الظروف المذكورة سمات محددة طبعت تصرفات الأهالي على مدى سنين طويلة فهم كما ذكرنا ميالون للتسامح والسلم والإستقرار ولأعمال التجارة والإختلاط ولا يتميّزون بالتعصّب ويميلون إلى طبائع الكرم وحبّ النظام العام والإلتزام بالأخلاق الطيّبة ولذلك فقد سكن المدينة جمعٌ من مختلف الأديان والطوائف بل حتّى القوميات فتجد المسلم السنّي إلى جانب المسلم الشيعي والمسلم إلى جانب المسيحي والعربي إلى جانب الأرمني والصابئي إلى جانب اليهودي وتجد مواطنين من قوميات أخرى سكنت المنطقة منذ زمن بعيد جدا ولم يتبقّ لهم من قومياتهم السابقة سوى الأصل إذ أن كثيرا من أبنائهم لم يعودوا يُتقنوا تكلّم لغاتهم الأصليّة مثل الأكراد الفيليين وبعض الأصول الفارسيّة والأكراد ومختلف الطوائف المسيحيّة من كاثوليك إلى بروتستانت إلى أرثودوكس وهكذا كان الأمر منذ زمن بعيد كما قلنا كما سكن فيها بعض الهنود أو البلوش أو الأفارقة ويعتبر أهل نجد أنفسهم من السكان الأصليين للبصرة لأنها كانت في ظل العهد العثماني مركز الولاية التي ينتمي إليها إقليم نجد وبعض مناطق الجزيرة العربيّة قبل إحداث التشكيلات السياسيّة الحاليّة
وبسبب الإختلاط المتنوع هنا فقد اكتسب الأهالي تجارب متنوعة من ثقافات عديدة حصل وأن تم بناء علاقات وثيقة مع أصحابها عبر عصور طويلة فللبصرة مثلا علاقات وثيقة وقديمة مع الهند وبومبي بالذات وكان إلى عهد قريب جدا أي بضعة عشر سنة خط بحري بين البصرة وبومبي تصل من بومبي إلى البصرة باخرتان على الأقل كل أسبوع تحمل معها أنواع متعددة من البضائع التي تتميّز بالجودة والنوعيّة الرفيعة وقد كانت الفواكه في البصرة تُستورد من الهند وباكستان التي كان الفحم الحجري اهم ما تستورده البصرة من كراجي فضلا عن الأخشاب والمواد الغذائيّة والبهارات والألبسة بل أن طباعة الكتب في القرن ما قبل السابق كانت تتم في الهند وهكذا .
وبرأينا الشخصي أن التجارة هي عصب الإقتصاد ولهذا لا يجب الركون إلى مفهوم الإكتفاء الذاتي إذ ليس له وجود وأن التجارة هي العمود الفقري للأقتصاد برمّته ولهذا وجب العناية بالإتجار وإحياء الإتجار مع البلدان التي تربطنا معها علاقات تجاريّة تاريخيّة، إن التجارة هي السبيل إلى التفاعل الحضاري والثقافي وهذا واضح كما أعتقد.
ولم يالف أهل البصرة حياة التناحر والتصفيات الجسديّة ولا اضطراب الأمن والإستقرار حيث فتيات البصرة كنّ يتجولن في أسواقها دون التعرّض إلى أيّة مضايقات كما أنهنّ كنّ يتزاورن حتّى ساعات متأخّرة من الليل ويحضرن حفلات الأعراس والمناسبات المختلفة وامتازت البصرة بحياة اجتماعيّة موفورة الحريّة واختلاط طبيعي وودّي بين الأديان والطوائف مع احترام كل طائفة وكل دين لخيارات الآخرين وقبولهم بهم على اختلافهم
الاّ أن السنوات الأخيرة ساهمت في تخريب كل هذا النسيج الجميل والمتناغم لحياة التعايش المشترك ومزّقته إربا إربا للأسف الشديد.
ومع كل ما أوضحنا فإنه ليس بمقدور مدينة مهما بلغت من الحجم والمساحة أن تقبل هجرة من المحيط الإقليمي بقدر ضعفي عدد سكانها ..إن أوّل ما يتعرّض للخراب هو نسيجها الإجتماعي ثم يتضرر بالتأكيد وضعها الإقتصادي وقد نتمكّن من إصلاح الأوضاع الخدمية، وقد يأخذ منّا قرنا أو يزيد لو اتخذنا منوال التقدم الإجتماعي السائد مقياسا وقد نعود إلى الوراء كثيرا في حين تتقدم إلى أمام كثيرا أبسط المجتمعات في الدول المجاورة! ونُعيد إعمار المنطقة برمتها ولكن أعمار الواقع الإجتماعي سوف لن يكون إعادة إعماره أمراً سهلا أبداً ، إن الأخذ بيد المواطنين الذين وفدوا إلى مناطق الجنوب سوف يكون صعبا وقد جلبوا معهم تقاليد وثقافات متخلّفة للأسف كان من الممكن أن ينصهروا في مدينة كبيرة أو المدن الكبيرة المختلفة ولكن لو كانت نسبتهم إلى سكان المدن الكبيرة في حدود تسمح بذلك ولهذا فإن أزمة الخدمات المتنوعة سوف تستمرّ مالم يتم تشجيع أبناء الأرياف والمحافظات الأخرى على العودة إلى مناطقهم وعمل ما يمكن أن يحثّهم على التمسّك بها وإيلاء المناطق المختلفة كالمحافظات والأرياف الأهمية القصوى وتوقيع مشاريع مهمّة في عموم مناطق البلاد وتحريض المواطنين على نبذ تكوين التجمعات السكانيّة على أسس قبليّة أو طائفيّة والسعي لإغلاقها سكّنيا بهدف طرد منافسيهم طائفيا ودينيا أي نبذ محاولات تغيير الواقع الديموغرافي ومنعها بكل الوسائل ويتطلب الأمر توسيع الإختلاط والتعايش بين الجميع بغض النظر عن الدين أوالطائفة أو الخصائص الإجتماعيّة وهذه هي الوسيلة الوحيدة لبناء نسيج اجتماعي يُساعد على التنمية والتقدم والإستقرار.
الحياة الثقافيّة:
يتميّز قطاع واسع من مساحة سكان جنوب العراق بخصائص ثقافيّة متقدّمة قمعها سوء الإدارة والتخلف الذي تتمتّع به الأوساط المتنفذة في المركز حيث غالبا ما يوفد محافظون ومسؤولون من المناطق الوسطى ومن مناطق ريفيّة لا يتمتعون بأي مستوى ثقافي أو حتّى تعليمي مقبول وغالبيتهم من العسكريين الذين لا يُحسنون تقدير الثقافة ويتعاملون معها وكانها سبّة أو نقص أو مظهر يطرق على جوانب نقصهم لا أدري ولكنهم على كل حال يجدون انفسهم مباشرة في تقاطع مع الوسط الثقافي واسع الحضور في المنطقة لا سيما ما كان موجودا في أوضاع سابقة ففي الجنوب عموما وفي البصرة بشكل خاص توجد حركة فنيّة حقيقيّة وكذلك حركة أدبيّة وعلميّة وثقافيّة متنوعة وقد مضى على نشوء الحركة المسرحيّة بالبصرة ربما أكثر من سبعين أو ثمانين عاما وقد كان لعدد من الفنانين التشكيليين حضورٌ واضح دائما إلى جانب فنانين موسيقيين ومغنين لا حد لهم ومنذ ما قبل تشكيل الدولة العراقيّة وقد ظهر نجم كثير من الفنانين والفنانات في البصرة قبل عقود كثيرة قبل أن يتألقوا في مناطق أخرى فهل يعلم أحد أن المطربة والملحّنة لورداكاش مثلا ظهر نجمها في البصرة أولا ثم انتقلت إلى الشام ثم إلى مصر؟ وهل يعلم احد أن حضيري أبوعزيز المطرب الريفي الشهير ظهر في البصرة بسبب وجود شركة الأسطوانات فيها كما عملت المطربة فايزة أحمد فترة فيها وكذلك المطرب المصري عبد المطلب وكان ظهور معظم مطربي الخليج القدامى في البصرة من أمثال عبد اللطيف الكويتي ومحمود الكويتي وسواهم ومن جانب آخر فأظن أن الأدباء والشعراء الذين خرّجتهم البصرة ما زال عطاؤهم شاهدا واضحا ومنهم بدر شاكر السياب وسعدي يوسف وعبد الكريم كاصد ومن كتاب القصّة والأدباء محمود علد الوهاب ومحمد خضيّر وغيرهم كثير لا مجال لحصرهم رغم أن كثيرا من أدباء البصرة يتميزون بالتواضع والبساطة والخجل الجمّ إذ يصل أحدهم أعلى المستويات والمراتب وهو يرى نفسه ومكانه في جمهرة القراء أو بسطاء المثقفين وهذه سمةٌ تنسجم مع طباع أهل البصرة التي أسهبنا في توضيحها
إنصاف الجنوب وإنصاف البصرة:
يقول المثل الشعبي القديم( الشقّ كبير والرقعة صغيرة)
إن الجنوب بحاجة إلى إنصاف ومعالجة من منطلق المساواة والعناية بأحوال المواطنين وتحمّل أعباء إعادة الإعمار وبناء الإنسان قبل بناء الجدران وقبل كل ما ذكرنا وبعده فإن تنمية القيادات المحليّة والنابعة من تراب واقعها هو أحد اهم أسباب نجاح البداية ويجب الكف عن استقدام مسؤولين من مناطق اخرى يُغريهم واقع الثروات الكامنة للقفز فوق المشاكل والمعوقات وقطف المنافع السريعة بأسرع ما يمكن قبل أن يعود إلى منطقته
إن اللامركزيّة الإداريّة بأوسع ما يمكن تشكّل أحد أهم أسباب البداية السليمة كما أن الحد من مظاهر نزعة تغيير الواقع الديموغرافي يُعدّ أحد اهم أسباب الإستقرار ويُشكل أرضية مستقرّة للعمل التخطيطي والتفكير بالمستقبل بدلا من العودة إلى الوراء بعد كل حقبة من الزمن وكل يوم للأسف نحن نبدا من جديد وهذا يُشكل أهم معضلة تواجه الإدارة العامّة وعموم برامج التنمية وهو رجوع مستمر إلى الوراء.
وحتى بعد خراب البصرة لابد أن تظل هناك إمكانيّة لكي نبدأ حتّى لو من جديد!
لكنني اؤكّد كما أشرت إلى ذلك مرارا أن كل محاولاتنا يجب أن تعتمد أسلوب التخطيط العلمي وبالإستعانة بفنون التخطيط الحضري والإقليمي وأن نبتعد عن الإرتجال ما أمكن لذلك سبيلا.
واهم ما يجب التنبّه إلى تجنّبه هو المقترحات المنطلقة عن غير تبرير أو معاناة إذ يجب أن نُحيط بما يشكو منه المعنيون ثم دراسة الإمكانيات المتاحة ووضع البدائل وتقويمها ثم اخيار أفضلها على ضوء معايير وثوابت مدروسة.
كما أن إبراز أية مشكلة أو مسالة للدراسة يجب أن نطرح معها كل ما يلزم من بيانات وأهمها على الإطلاق طرح الكم إلى جانب النوع إذ كثيرا ما تكون هناك مشاكل فعلا ولكنها لا تمتلك الكم الذي يلح على أولويتها .
كما نوصي بتجنب العمل الذي يتوخّى المبررات الإعلاميّة أو الدعائي أو ما يستهدف تحقيق زيادة في الشعبيّة ، الأولويّة للأسس العلميّة والهندسيّة والفنيّة وهناك دور ولا شك للعمل الإداري المبدع وللقيادات المقتدرة على اتخاذ القرارات السليمة.
وأقدّم هنا بعض الإقتراحات الخاطفة والتي تحتاجها منطقة ومدينة البصرة بشكلٍ عاجل وحادّ: ــ
1. إعادة تشكيل مؤسسة معنيّة بنقل الركاب داخل المدينة وخارجها لما بين الضواحي
2. تمرير خط سكك أو مونوريل مرتفع عبر مناطق المدينة الأساسيّة لتسهيل حركة النقل الداخليّة ولنا تفاصيل بذلك لا مجال لطرحها هنا.
3. تأسيس شبكة لتحلية المياه وإصال الماء النقيR.O)) إلى المواطنين بأنابيب مستقلة مع وضع مقاييس دقيقة و نصب خزانات مرتفعة لتأمين انسياب الماء في أوقات تزايد الطلب كما عند الحرائق لا سمح الله أو في أوقات انقطاع التيار الكهربائي أو حصول انفجارات أو غيرها.
4. إصلاح شبكة مياه المدينة لتأمين المياه اللازمة لغير الشرب ولتأمين الماء لسقي الحدائق .
5. إصلاح وضع أنهار البصرة المتفرعة من شط العرب وإعداد دراسة وافية لكريها وتنظيم وتأمين جريان الماء فيها والتخلص من العفونة والروائح الكريهة المنبعثة منها مع تجنّب طمرها لأن ذلك سيسبب ارتفاع حاد في مناسيب المياه الجوفيّة وسيعمل على تعقيد وضع الخدمات والبنى التحتيّة.
6. تأمين بناء أسواق ومراكز تجاريّة أساسيّة على عموم أحياء المدينة
7. تأمين مشروع لمعالجة النفايات وآخر لإنشاء مجازر صحيّة وعصريّة خارج المدن
8. تطوير وتحسين شبكة مياه الصرف الصحّي وتوسيعها
9. عدم توحيد شبكتي المياه الثقيلة مع مياه الأمطار لتفادي الإنفاق غير الإقتصادي وتفادي الإنسدادات المستمرّة وتجنّب التلوث
10. إصدار نظام بناء جديد يلبّي حاجات التنمية العمرانيّة ورفد المؤسسات المعنيّة بالتخطيط الحضري والعمراني بالكوادر المختلفة وتأمين عملها لإعداد الخطط والبرامج المناسبة والإشراف على تنفيذها.
11. الإسراع بمعالجة مناطق الألغام ورفعها وإزالة مظاهر مخلفات الحروب
12. بناء العدد المناسب من المدارس التي تجعل كل مدرسة مستقلة في مبناها لتوفير الإمكانيّة اللازمة للنشاطات اللاصفيّة
13. إعداد دراسة وافية لتوفير الخدمات الصحيّة المناسبة والدخول بتنفيذها بأسرع ما يُمكن مع توفير الكوادر اللازمة والكفوءة وفق المعايير الصحيّة في العالم.
14. وضع خطّة عمليّة لاستزراع الساحات والشوارع وإشاعة الخضرة في أرجاء المدينة واستنبات الأزهار كما كان شائعا في سالف عهود المدينة.
15. العمل على توفير أكبر عدد من فرص العمل للعاطلين وتأسيس مكتب للعمل يقدم المعلومات لطالبي الفرص ويؤمن تقديم اجور مخفّضة للعاطلين لحين الحصول على العمل
16. تشجيع تأسيس الجمعيات والمنظمات السياسية منها والمهنيّة والثقافيّة والإجتماعيّة ومؤازرة أعمال الخير والإحسان بقوّة وتأمين موارد لها مع توفير الأغطية التشريعيّة لذلك
17. الكف عن تقسيم الأراضي وتوزيعها على المواطنين وتشجيع بناء أحياء متكاملة وحديثة وصحيّة
18. تشجيع تأسيس أسطول لصيد الأسماك في اعالي البحار والمناطق الإقليمية
19. العناية بالمدارس المهنيّة لتأمين تخريج مختلف المهن والمهارات مثل النجارين المؤهلين والحدادين وهكذا حتّى تأهيل العمال للأفران الحديثة والخياطة وغيرها
20. العمل على إعادة الخليط الديموغرافي السكاني إلى ماكان عليه قبل أعمال التهجير القسري بكل الوسائل الوديّة والأساليب الإسترضائيّة، لأنه يُشكّل أهم عوامل الغنى الإجتماعي والتنوع اللازم للتقدم المستقبلي
21. العمل بكل الوسائل على إعادة وضع الطاقة والكهرباء إلى حالها الطبيعيّة بأسرع ما يمكن لإرضاء وإشباع حاجة المواطنين بسبب كون المنطقة تُعدّ من أشد بقاع العالم من حيث ارتفاع درجات الحرارة هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى لغرض الإسراع بتدوير عجلة العمل والصناعة وتحريك دورة الإقتصاد الوطني لأنه كما هو معلوم لا إقتصاد بلا كهرباء وإن المعادلة الصحيحة هي :
إعادة الإعمار = الكهرباء
وهذا ليس إلاّ غيظٌ من فيض كما يُقال لأن الواقع القائم كما هو واضح يحتاج إلى كبير إنصافٍ وإلى جهود مخلصة كبيرة!
ولن يستطيع الناس أن يقبلوا بالعيش في ظل احوال القرون السالفة وجيرانهم يعيشون في ظل احدث التقنيات والإبتكارات، إن هذا الوضع لا يمكن أن يستمرّ طويلا.
هذا أقل ّوأدنى الإنصاف!
وانا اودّ أن أُثني على مقال الأستاذ المهندس الإستشاري سلام إبراهيم كبّة وأرجو أن يكون باكورة مقالات متنوعة تتناول الأوضاع الخدميّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة لبلادنا التي تُعاني من الإهمال والإرتجال ، وأتمنى على الله أن يمدّنا بعدد من أمثاله لننتفع بعلومهم وأفكارهم وبإخلاصهم، أطال الله بقائه.





#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السوناتة النقديّة..!
- الصبر جميل!
- هل من فضائيّة متخصّصة في الموسيقى العالميّة!؟
- تخطيط حضري وإقليمي ! ..لا تخصيص مبالغ وتوقيع مشاريع!
- آفاق الإشتراكيّة
- فنطازيا الغش!
- عودةٌ إلى الواقع الحضري والإقليمي!
- مجرد المساس بقدسيّة قوانين السوق لا يعني الإشتراكية!
- ماهي مؤشرات ومعالم تلاشي شبح الحرب الأهليّة؟!
- هل أن شعوبنا لا تقرأ.. حقاً؟
- خصخصة Χ عمعمة
- تحسين الأداء من أهم دعائم النزاهة ومواجهة الفساد!
- ثقافة الفساد
- أضواء على جوانب من الواقع الحضري والإقليمي العراقي
- قطعة أرض وبضعة آلاف بلوكة!؟هل هذاهو حل أزمة السكن؟
- هل هي مقبرة للمواهب فعلا؟!
- فضاءُ جهنَّم..!
- نداء لمنع توزيع الأراضي لأغراض السكن!
- هل أن ثورة تموز أسّست فعلاً لظاهرة الإنقلابات؟
- كان هناك أستاذٌ كبيرٌ وتُوفّي!


المزيد.....




- وزير المالية القطري يجتمع مع نائب وزير الخزانة الأمريكية
- هل تكسب روسيا الحرب الاقتصادية؟
- سيلوانوف: فكرة مصادرة الأصول الروسية تقوض النظام النقدي والم ...
- يونايتد إيرلاينز تلغي رحلات لتل أبيب حتى 2 مايو لدواع أمنية ...
- أسهم أوروبا تقلص خسائرها مع انحسار التوتر في الشرق الأوسط
- اللجنة التوجيهية لصندوق النقد تقر بخطر الصراعات على الاقتصاد ...
- الأناضول: استثمارات كبيرة بالسعودية بسبب النفط وتسهيلات الإق ...
- ارتفاع كبير في أسعار النفط والذهب عقب الهجوم على إيران
- صحيفة: إسرائيل جمعت أكثر من 3 مليارات دولار منذ بداية الحرب ...
- ماذا تتضمن المساعدات الأميركية الجديدة لإسرائيل وأوكرانيا؟


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سنان أحمد حقّي - هوامش على مقال إنصاف مناطق الجنوب