أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - بعل الغجريّة..رواية)8















المزيد.....



بعل الغجريّة..رواية)8


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2482 - 2008 / 12 / 1 - 07:01
المحور: الادب والفن
    



من مهجع لمهجع،من خربة إلى خربة تمضي سفينتنا،سفينة التماسك والوئام،سفينة الفرح في زمن ملغوم بالتحديات وتداخل المفاهيم،تيّارات سياسية تتوالد،تتوالد لشهر أو شهرين،تتوالد تلك التيّارات السياسية لتغدو أمساخ متناحرة،كل تيّار ينقسم إلى تيّارات،وكل تيّار منقسم من تيّار(أم)يتشظى إلى فروع،كل واحد يريد أن يفرض نفسه(الضرورة)،صاحب العقل المدبر والمفكر والربّان القائد لسفينة صغيرة تمشي بين كواسج لا ترحم،عالم يتحد،عالم يتجزأ،دول كبيرة تتحد تحسباً لمستقبل غامض،دول صغيرة تتفكك،كل سياسي يطمع أن يغدو رئيساً ولو لأيام،نحن نمشي لا نبالي بما يجري من تراشق كلام،خصومات تتبع خصومات،ربابنة يغادرون البلاد،ربابنة جدد يقودون السفن المتعثرة،(عشتار)تنمو،لم تعد المهن تجدي نفعاً،صار الناس ينقلون حاجياتهم بمركباتهم،كل واحد صار لديه مركبة،كل واحد لم يملك شروى نقير،صار يقود مركبة،ناس تقول(طلعت الخيسة)..!!لابد أن تعرف أيها الكاتب،يا كاتب أسطورتي،ما معنى كلمة(خيسة)،الناس تعني بتلك الكلمة السرقات،يوم السلب والنهب،يوم(الفرهود الوطني)،امرأة قالت لجارتها:
ـ ليت كل أربع سنوات يتم تغيير الحكومة..!!
المرأة الجارة تجاوب:
ـ لا..لا عيني لا،ماعدنا شغل وعمل،كل أربع سنوات نذهب لننتخب حراميّة..!!
المرأة الأولى تضرب على وجه المرأة الثانية..تصرخ فيها:
ـ (ولج صخام)لا..لا..حتى(نفرهد)المعسكر..!!
المرأة الثانية تضحك،تهز جسدها قبل راسها،تقول للمرأة الأولى:
ـ ومن يقول الأغراب يبنون معسكرات جديدة لنا..!!
صار النقود فلذة أكباد البشر،كل من سرق وباع أسلحة،صار يملك مركبة جميلة،شاع البخل وانتشرت ظاهرة السرقات ولم ينفع قانون بتر الأيدي الذي فرضه حاكمنا الجديد،راح الجوع بلا هوادة أو هوان يعصف ويقصف بالجميع،لا شغل،الشباب في الشوارع،الدوائر مفلولة،الرواتب تسرق في الطرق،صرنا من جديد بلا مأوى،وجدنا انفسنا في مركب الحرية،نتجول من جديد،لا سيطرات تفتيش،لا من يطلب هويتنا،لا من يوقفنا ويقول لنا:
ـ من أين تأتون وإلى أين تروحون..!!
***
لا يأكل الزميل(حمار)حين ينفد مخزون طعامنا،لا ينام حين ننام،ربما يئسه من الحياة لعدم وجود رفيقة،تؤنسه وتسقيه رحيق العواطف،وجدته على درجة عالية من الوعي،لم ينهق إلاّ بمواقيت،مع شروق الشمس يوقظنا،عند منتصف النهار يطلق بوق الغداء،وعند انتصاف الليل يخبر العالم بمقدم يوم جديد،(حمار)ذو طباع نادرة،ليس من مبالغة في ما أحكيه هكذا عايشته وعايشني،رفض وأمام شهود عيان أن يلوث شرفه يوم أدنوا بعض الصبيان منه(حمارة)تمتم في أذنها وجعلها تهرب،لا يأكل من نبات أحد حتى أوان جوعه،كسرة خبز وحفنة شعير كفاف يومه،لا يشرب من ماء(سيان)يفهم ما أقوله وتعلمت بوقت قصير ماذا يريد من خلال نظراته أو صمته الوديع..قالت لي (منار)ذات يوم:
ـ رأيته يلاحق فتاة سفور بنظرات دامعة..
تمتمت بخوف:
ـ ويحك..لا يسمعك أحد..سيسرقونه إن عرفوا بذلك..
قالت لي:
ـ ماذا تعني يا(نوار)..
قلت لها:
ـ يمكن أن يفخخوه ضد الأغراب..
قالت لي:
ـ ولكن لم يتصرف كما لو أنه إنسان..
قلت لها:
ـ أخشى أنه كذلك..
قالت لي:
ـ ماذا تقصد بـ(كذلك)..
همست في اذنها:
ـ ربما هو(مطلوب)كبير،تجسد حماراً كي ينجو من مخالب الأغراب..

همست هي أيضاً في أذني:
ـ لنراقبه..ربما هو واحد من ضمن قائمة المطلوبين إلى(عدالة)الغزاة..!!
***
الزميل(حمار)ظلّ كلما يرى فتاة يبتسم،ترتجف عروقه،تمر فتاة فوق العادة،ملابسها خفيفة،شعرها يسبح بفوضوية،فتاة متحررة مع تحرير البلاد،تمر وهي تراقص جسدها،تهز رأسها،تريد أن تجعل من شعرها،اجنحة تسبح في ريح معتدل،شباب يطلقون زمّارات مركباتهم،الفتاة تمشي،على(وحدة ونص)،الزميل(حمار)يراقب الفتاة الماشية بدلال مصطنع،يبتسم،في عينيه فرح كبير،عاشق للحرية،عاشق للتغيير،عاشق لكل ما يبهج النظر،هو الزميل(حمار)،أنظر إليه،خطّان من دموع شفافة ينهمران من موقيه،لا يخفى عليه نظراتنا،أنا و(منار)،يعلم بمراقبتنا له،تأكدت من هذا الموضوع،وجدته يهز رأسه ويغمزني على رجرجات الأرداف المتحررة والبطون الطالعة لجيل فتيات ظهرن عقب انهيار البلد،أسمال شفافة تدلق ألوان الجسد،أسمال غير معروفة من قبل وبطون تبرز علانية وأرداف راحت تقلد عارضات الأزياء،بعدما رفع كل بيت صحن كبير قالوا عنها:يجلب الدنيا إلى البيت..!! ،لقد سقط النقاب والحجاب وراحت الأمور تسوء والصفات تتعثر على إيقاعات الحياة المتلاحقة،لا أعرف كيف علم الأغراب بما يفعله الزميل(حمار)من أعاجيب تخالف جنسه،داهمتنا قوة ذات ليلة،وقفوا حولنا،وجدنا أنفسنا في كمين،رشاشاتهم تتجه إلينا،هبطت عيوننا من السماء الساكنة،نسينا كم من النجوم حسبنا،نجوم تلمع، نلاحقها ونضعها في جيب الخيال من فرط فرقعات أحشاءنا،والتنميل الضارب سوقنا،بعدما مشينا ثلثي نهار بحثاّ عن ملاذ آمن،وجدنا مساحة عشب يابس،خائرون جلسنا،جوع يهدنا،أخرجت(منار)حفنة تمر يابس،وقرصي خبز مجفف،توقفت أيدينا عن رفع التمر،توقفت أسنانا من الطحن،توقفت عيوننا من حساب النجوم.. همست(منار) :
ـ ألم أقل لك أنه ليس بحمار..
همست في أذنها:
ـ دعينا نعرف سبب قدومهم..
العزيز(حمار)يطمأنني بإيماءاته،أسكن خوفي عليه بل أراحني بلا ريب،نرتجف لا نلوي على شيء،سوى التخلص من الورطة القادمة،أبتسم أحدهم وأشار برأسه دلّ ذلك على لا عدوانيتهم،عادة مفتعلة سرعان ما تجلب الحقيقة إن جاءت النتائج المرجوة تخالف ما وضعوا في بالهم،تذكرت قول مكتوب على جدار[لا تصدقوا أبتسامة الغازي،وراءها دعوة لترك دينك]أخرج أحدهم علب طعام وادلقوا ما فيها أمام الزميل(حمار)رفض بإباء وكبرياء وشموخ أن يلوّث جسده،رغم يقيني بجوعه،ظلّ ينحت عينيه في،يقرأ ما في عيني من اجوبة،شعر بأن كرامته الحيوانية في خطر،قال لي(ملثم)قصير القامة بصوت مفتعل :
ـ مره أن يأكل..
قلت له:
ـ حماري عزيز لا يأكل طعام مستورد..
ترجم ما قلته وظلّ العسكري ناحتاً زرقة عينيه في وهو يهز رأسه..قال:
ـ هل تبيعه..
قلت بلا تردد:
ـ حماري يرفض مرافقة الغزاة..
قال الملثم:
ـ سيعطونك مبلغاً محترماً..
نهق الحمار وذرف رشقات من الدموع،تقدمت منه ورحت أداعب رأسه مطمئناً،عرف لحظتها أنني لم أخنه،تقدم منه العسكري،الضابط الذي قاد الوفد المفاوض إلينا،الضابط ربت على ظهره،ربت على ظهر الزميل(حمار) ،إرتجفت أوصال الزميل(حمار)،قبل يحرر غازاته الخانقة،تراجع الضابط بقفزات إلى الخلف، (ها..هاااااااااا..ها..هااااااااااا)قهقات علت،نظر إلينا،هز رأسه،تقدم من جديد إلى الزميل(حمار)،وقف أمامه، أحنى رأسه له،يا للهول،الأغراب ليس لديهم قيم حضارية،أنهم ينحنون أمام من يخدمهم،الأغراب الغزاة أقصد،قدّم الضابط عن طيب خاطر اعتذاره،ارتعشت أوصال الزميل(حمار)ثانية،رمقني بحسرة ورمقته بتشجيع،هدأ من روعه،عاد من جديد يغسلهم بنظراته..قلت للمترجم:
ـ حماري يرفض أن يمسه غريب..
ـ خذ(دفتراً)يا غفل..(قال الملثم)..
أجبته:
ـ سيضرب عن الطعام إن بعته،سيموت..
تقدم العزيز(حمار)مني وراح يهز رأسه،عرفت أنه غير راغب بتركي..قال الملثم :
ـ جئنا كي نوجه له بعض الأسئلة مقابل(عشرة أوراق)..
قلت له:
ـ ومن قال أنه ينطق..
أجاب واثقاً:
ـ لدينا معلومات كاملة عنه..
نشر العسكري حفنة صور أخرجها من حافظة أوراق بيده،وجوه بشرية متباينة،نسائية و رجالية،تكلم بلهجته قبل أن يترجم(الملثم)..ما قاله :
ـ هل رأيت هذه الوجوه..
ظلّ الزميل(حمار)صامداً يحدق في كأنه ينتظر مني إشارة..واصل (الملثم)..كلامه :
ـ أنت معهم إن لم تهز رأسك..
استدار ووجه ركلة خلفية قاضية،سقط(الملثم)مهشم الأنف..تلوى زاعقاً،أراد أن يخرج مسدسه من جرابه، أوقفه العسكري الغربي صارخاً..لملموا الصور من على الأرض وأومئوا لي خارجين بينما،ظلّ(الملثم)ماسكاً أنفه بمنديل دامي يتفرسني متوعداً،لا أعرف كيف رصد الزميل(حمار)تهديداته،تقدم منه وعالجه من الخلف برفسة ألقته على بطنه هذه المرة،ندت من الجنود الغزاةضحكة متوحدة طويلة،ضحكة لا تشبه ضحكاتنا ،ها.هاااااااا..ها..هاااااااااا)أخرج أحدهم كاميرا صغيرة من جيبه،راح يصوره راشقاً المكان بدفقات ضياء تنفلق ،وهو يصيح :
ـ كود..كود..أربانو..!!
صاروا داخل مدرعاتهم،سحبني الزميل(حمار)وهو يعض سروالي،وجدت(منار)واقفة مستغربة وهي تحتضن بخوف وهلع(عشتار)..همست:
ـ أخشى أن لا يصلوا إلى ما نعمل ليلاً تحت الفراش..
قالت:
ـ بدأت أخاف من هذا(الحمار)..
رمقها الزميل(حمار)،قبل أن يتقدم ويحشر رأسه بين ساقيها..قلت بإصرار:
ـ لن أتنازل عنه حتى لو اقتادوني جرّاً إلى(غونتااااانااااااامووووووووو)..!!
***
حماري له مواقف طريفة،قد يقذفني الناس بالجنون،لكن ما أقوله مشاع،كثير من الناس يعرفون تفاصيل غريبة عنه،كثيرون يتكلمون عنه في مجالسهم،يتندرون في لياليهم،صوّرته الصحف وكتبت عنه تحقيقات صحفيّة مصورة،حمار نادر،يكره بل يعالج كل مخطئ بركلة جارحة،يحرر(غازات)قاتلة بوجه من يروم إقلاقنا،أو من يلقي بذيء كلاما على مسامعنا،مقتنع بما يقدم إليه من طعام شريطة أن لا يقدم له طعام مستورد،يرفض التزاوج،حمار بلا رجولة شهوانية،رجولته في أعماله،في صفاته،فهو فوق العادة،(سوبر حمار)،خدماته خارقة على حد تعبير(منار)،يحب الأطفال،يراقب ألعابهم،وله نظرات غامضة نحو الفتيات الخارجات من جلدهن،فتيات آخر زمن،فتيات العالم المحتل،العالم الفاقد رشده،العالم الفرحان،العالم السكران،فتيات يشاهدن ما يجري من على فضائيات العالم،يرغبن أن يغدون مثلهن،يتحررن،كلما تمشي واحد متحررة،واحد لابسة بنطلون ضيق،لابسة نصف قميص ،بطنها يلمع،سرتها بارزة،الزميل(حمار)يحدق،يبتسم،ربما يقول:(هي..هي..هي..هي..هي..هي)، ربما يستهزأ،يستهزأ بلغته الحمارية،تلك ميزة نادرة،بوأته مرتبة مرموقة في ذاكرة ناس(جلبلاء)،ميزة ليس بوسعي تفسيرها..!!
***
مرة لمح طفلاً ـ على شارع بلدتنا الرئيس ـ يرمي أمه بالحجارة،يقف الصبي،يقعي،يتناول حجارة،يلقيها على أمه،أمه غير آبهة بما يفعل أمه،أمه تمشي،الولد يقف،يقعي،يحمل حجارة،يرميها،أمه تمشي،أمه رفضت أن تشتري له بندقية ميكانيكية ترمي كرات مطاطية صغيرة،يعرضها صاحب محل تجاري كبضاعة مستوردة جديدة غزت الأسواق وألهبت حماس الصبيان،تقدم حماري من الطفل،شاهد عيان أقسم أن حماري تمتم معه ببراءة حمارية غاية في الأدب،توقف الطفل عن بكاءه،مسح دموعه بكم دشداشته وركض نحو أمه،شجاعاً نشيطاً مبتسماً،قدّم اعتذاره من أمه الواقفة،،قبّل كفيها،وسار معها يداً بيد..!!
***
مرة ضاع الزميل(حمار)،سادنا الحزن والوجوم..قالت(منار) :
ـ ربما اعتقلوه..
قلت بحسرة:
ـ لن تسكت صحافة العالم المحتل عن فعلتهم إن فعلوا ذلك..
فقد العزيز ذل وهوان في بلد صار التطرف هويته العالمية،آه..بقينا نذرف دموع الفقد ليل نهار،(عشتار)تجلس أمام باب غرفتنا الطينية وهي تحدق إلى المدى المغبر،بعد ثلاثة أيام اندفعت(عشتار):
ـ تعااااااااالووووووووا..تعااااااااالووووووووا..(تركض وتصيح)..
أصوات تهدر وطلقات تشق عنان السماء..قالت (منار) :
ـ ربما وصل(دولة الرئيس الجديد)للبلدة..
قلت متيقناً:
ـ لا أظن بوسعه الخروج من ملاذه هذه الأيام لكثرة المفخخات..
قالت:
ـ ربما الناس فرحانة للطوبة..
قلت واثقاً:
ـ لا أظن هذا أيضاً،خسر فريقنا وخرج من التصفيات القارية..
قالت لي:
ـ قلبي يقول(الرئيس)الجديد جاء يستطلع أحوال المرحلين..
لم يستمر نقاشنا طويلاً،وجدناالزميل(حمار)يمشي وجنبه حمارة و(كرّتها)لمحت رجلاً يسرع ورائهم،من فوق البنايات الخاصة بوحدات الأغراب لمحت كاميرات ممتدة لتؤرخ الحدث(من كثب)يريدون تصوير ما سيجري،بين حمار ذكر وحمارة أنثى،تقدم الرجل وعانق الحيوانين اللذين يتبعان الزميل(حمار)..صحت :
ـ هلم يا رجل خبرنا ماذا يحصل..
صاح الرجل وهو يتقدم:
ـ لولا حمارك لماتت حمارتي كمداً..
قالت(منار)له:
ـ توقعنا(دولة السيد الرئيس)يزور(جلبلاء)..
هز الرجل يديه،قال متهكماً:
ـ يا رئيس يا بطيخ،ما زلتم في غيِّكم القديم يا ناس..
تقدم وحكى لنا ما جرى،فقدت حمارته إبنتها،ظلّ ينهق وهو يجوب المتاهات،سمع الزميل(حمار)صوتها الحزين وفهم مبتغيها،تركنا من غير إعلام ورافقها في رحلتها البحثية،بعد يومين وجدوه في بيت قصّاب يبغي ذبحه وبيعه بسبب مقدم(عيد الأضحى)وارتفاع اللحم في الأسواق،حالة شاعت ولوّثت أبدان الناس بفقدان الغيرة والصفات الإنسانية النبيلة،وقفنا نشهد ذلك الود الحيواني السمح،فطرة الوجود التي تفجرت،قبل أن تندلع نيران الضغائن والأطماع وتشرذم البشرية إلى أخوة أعداء،تحاور توافقي بين حيوانين منسجمين،راضيان بما خصهما الخالق من صفات،لا يعيران ما يجري من حولهما من هذيان وحمّى،حوار صامت،ممتع بين حيوانين كتبت الحياة عليهما الشقاء،إيماءات صريحة تعبر عن وجود مساحات حب صامدة لم تلوثها العولمة البشرية ولا التكنولوجيا والتقنيات الحديثة لترويض الشعوب والحيوانات،يمكنك أيها الكاتب،يمكنك أن تجد في العالم المحتل حالات نادرة،عفوية،تحافظ على الفطرة،خاطئ من يتصور أن العالم المحتل،تفقد فيها الموازين كلها،موازين الأخلاق تنشطر،تبقى الكفتان متعادلتان،كفة البقاء يساوي كفة السقوط،قل لي يا كاتب،ألم يعلموا الفئران اللعب بالكرة والكلاب مسابقات الجري وكل أعاجيب الزمان،الفيلة علموها اللعب بكرة القدم،القرود والنمور والأسود تعمل العجائب في ممالك السيرك،كلاب تصيد وتجلب الصيد لسادتها،تحاول الحمارة العطوفة أن تبقى أو تحاول أن تهب نفسها للزميل(حمار)راضية مرضية،ربما ظلّت تتوسل ـ أنا لك..أنا لك.. هيّا خذ راحتك ـ لابد أن شيئاً من هذا القبيل قد حدث بين الحيوانين،حيوانات العالم المحتل تكتسب أخلاقها من المحيط ،تعرف بغرائزها ما الذي يجري،تشم رائحة الخطر،الزميل(حمار)حافظ على شهامته،رافضاً تلويث نفسه رغم حلالية الغريزة وشرعية استباحتها بين الحيوانات خارج الكواليس أو على الهواء الطلق،رفض مقايضة أعماله بأي مكافئة مجزية حتى لو قبضة شعير،حسناً فعل،أسلفت لك كيف كاميرات الأغراب تربصت متأهبة،من فوق أسطح البنايات الأمنية،تمد أعناقها لتقتنص ما توقعت من مشاهد حيوانية،رغبوا تخليد مشاهد غرامية توقعوها،ما بين الزميل(حمار)والحمارة المرافقة له،أخذ الرجل حمارته وظلّ الصغير يتلفت صوب الزميل(حمار)وهو يتعثر بمشيته..!!
***
غدت حياتنا جميلة رغم حظر التجوال المتواصل والمعرقلات المتزايدة في حركة السير،رغم الجوع المتنامي والمصير المجهول ليس لنا فحسب بل للعالم المشغول بأسره من أجل قضيتنا،صار القتل لعبة يومية،اطفال يقتلون كباراً،أطفال يمشون وفي أنطقتهم مسدسات(غوبلزية)صار الزميل(حمار)من غير تشبيه طبعاً كلبنا الحارس المطيع الأمين،وقارئ مستقبل من نوع العارف والمفسر المقتدر،ولي دليلي الحاسم على ما أقول..!!
***
مرة..نمنا في العراء،ليلة تموزية غزت فيها أسراب بعوض مزقت أعصاب الناس بسبب انقطاع الكهرباء لأيام ثلاثة،احتمينا داخل(ناموسية)فوق العربة،وفي الصباح اكتشفنا أنفسنا داخل القاعة المهجورة،كيف أنهضنا وكيف ساقنا،ظلّت الفكرة تشغل ذهني لوقت طويل،لقد أتى الزميل(حمار)فعلاً ممتازاً قام بنقلنا بطريقته الخفية دون أن يوقظنا من النوم،عرفنا أن ما حدث أمراً جللاً،شاع خبر في المدينة أن رهط ذئاب تحوم حول البلدة، ناس أقسموا أنهم رأوا ذئاب ضارية تقترب من البلدة،تريد مداهمة الناس جرّاء الجوع،ناس قالت:طائرات اباشي هبطت في الجبال وانزلت قطعان من ذئاب جائعة..!!الناس واصلوا نقل الخبر،وجدوه خبراً معقولاً،بلاد ليس فيها سوى ذئاب بشرية،من أين جاءت الذئاب الحيوانية،تلك الذئاب هاجمت بضراوة البلدة في منتصف الليل،انتظرت قبل الهجوم إختفاء القمر،قتلت عدداً من الحيوانات السائبة،كل الكلاب المتواجدة في الأزقة،في الصباح وجدنا آثار أقدام ذئاب مطبوعة على مكان نومنا،ليس ذلك فحسب،بل قام الزميل(حمار)بإسناد باب القاعة بجسده،ربما ناضل نضالاً حمارياً،ظلّت الذئاب تجتهد وتناضل من جانبها نضالاً ذئبياً،صمد الزميل(حمار) وفرت الذئاب،أو تخلت عن فكرة النصر على شيء عنيد وصامد يحجب أو يعارض دخولها إلى قاعة مظلمة،قاعة تقذف إلى الليل شخير بشري مغري،قدمت له في ذلك الصباح قطعة حلوى،هز رأسه ورفض أن يأكلها،أشار نحو(عشتار)رفضت هي الأخرى بدورها أن تأكلها،تدخلت(منار)وحسمت القضية بعد أن قسّمت قطعة الحلوى إلى نصفين متساويين ورضيا بالحل العادل..العادل جداً،التوافقي بين إنسانة من العالم المحتل،وبين حيوان يسكن ذات العالم،أكتب هذا أيها الكاتب..!!
***
مرة..رغبنا أن نمشي في سوق البلدة،صدحت مكبرات صوتية،أصوات تنادي بالخروج إلى الشارع،تدعو الناس أن يتركوا اعمالهم،أن يغلقوا محالهم،توقف الزميل(حمار)ورفض أن يمشي،عرفت أنه أتخذ قراراً حاسماً،ولابد من موافقتنا على ما قرر،بدأت زمر صبيان تركض بإتجاه أصوات المكبرات،الحمار واقف،احاول إقناعه بالسير والخروج من الزحمة التي بدأت،الناس يتراكضون،بدأت الناس بغلق محالهم،استدار الزميل(حمار)وبدأ يدفعني مع الناس،الزميل(حمار)حين يتخذ قراره علينا ان نطيعه،بين راغب وغير راغب،وقفت أنظر إليه،فجأة إستفاقت البلدة لسيل رشقات بنادق،علت هتافات،بدأت البنادق تطلق من كل جهة،صارت البلدة في يوم حرب،بدأت جموع الناس تركض،تتدافع،رجل تعثر بخرسانة كونكريتية وسقط،قام ووضع يده على رأسه وهرول،اطفال يتراكضون،نساء يلهثن،أنا والزميل(حمار)لا نتحرك،هو رفض أن يتحرك،أحاول سحبه،يحاول أن يدفعني لأركض مع الراكضين بإتجاه رأس السوق،وقفنا لساعة كاملة،ساد الهدوء في البلدة،مركبات الشرطة بدأت تزعق،الناس تناثروا،بدأ الزميل(حمار)يمشي،أنظر إليه،في عينيه عتاب صريح،يستوضحه بطء سيره،وصلنا مأوانا،(منار)أستقبلتنا..قالت:
ـ لم تأخرت..
قلت لها:
ـ حضرة الزميل رفض السير..
قالت:
ـ خشيت عليكما من الذي حدث..
أجبتها:
ـ لا أعرف ما الذي حدث..
قالت لي:
ـ سمعت من النساء،(ثورة)ضد الحكومة..
أجبت مستغرباً:
ـ ثورة..
قالت لي:
ـ نساء يقلن،الناس هجمت على بناية البلدة،تريد أن تستولي على سلطة البلدة.
قلت مستغرباً:
ـ مهابيل..
قالت:
ـ كيف..
قلت:
ـ ألم يعلموا أن الغزاة في الجوار..
قالت:
ـ لا أعرف..
قلت لها:
ـ غداً سيغربلون المنازل،سيسحلون الناس إلى التعذيب..
شاعت الأخبار،أرهاط من الناس،تريد أن تغير السلطة الحاكمة في البلدة،حشدت الصبيان والنساء وهنّ تسترن في مكان أمين،الناس الأغبياء والفقراء والمساكين تناضل وتضحي وتأتي ناس تجلس على الكراسي من غير نضح عرق جبينها،تلك هي فلسفة الثورات التحررية في أصقاع العالم المحتل،بدأت العمليات الصغرى،العملية الأولية، شرارة اللعبة،رشقوا الشرطة بالحجارة،الصبيان كل صبي في جيوبه كميات كبيرة من الحجر،تقدمن النسوة واقتحمن بناية السلطة الإدارية،يتصايحن ويندفعن،الشرطة باغتوا الثوريون الجدد بسيل من رصاصات حيّة، أمطروا المتظاهرين برصاصات لم تخطأ،قتلوا كثيراً من الصبيان،وقليلاً من النساء،ناس قالت:الشرطة حصلت على معلومات حول الموضوع،تهيأت على أكمل وجه للحالة..!!ناس قالت:ناس معروفين ذهبوا إلى الغزاة وحصلوا الأذن بعمل مسيرة سلمية،من باب الديموقراطية وحرية الرأي وأحترام رأي المعارضة،كما تصرخ أفواه السادة المسؤولين في نداءاتهم المتكررة للم شمل الناس الخائفين على مستقبلهم المعيشي،مسيرة هدفها تحريك السلطة الحاكمة لتوفير الماء والكهرباء لهم،يطالبون فيها صحة ما تتفوه بها الفضائيات والصحف حول إلغاء نظام (الحصة التموينية)،الغزاة سمحوا لهم بالمسيرة،لكن(المسييريون)خططوا لفعل كبير وخطير،وضعوا رشاشات جاهزة لقذف حممها في لحظة حاسمة،وضعوها تحت عباءات نساء متحمسات أكثر من تحمس الرجال،خابت هجمتهم وفروا من حيث أتوا بعدما أخبر الغزاة شرطة ورجال حماية البلدة،أخبروهم بما سيجري وعلّموهم ما عليهم التحضير له،توقعوا غدر المحتشدين في المسيرة السلمية،الأغراب لا يثقون بأحد،هم غرباء والبلدة لم تصالحهم لمّا دخلوها من غير مقاومة،ناس قالت:لابد من وجود وشاة مندسين بين المتظاهرين..!!تم فرض حظر التجوال،تحول الليل إلى جحيم متوقع،مركبات تمرق متسارعة،بنادق تطلق رصاصاتها،لا أحد يدري ماذا يجري تحت جنح ظلام دامس،في الصباح تناقلت بعض الألسن،أخبار ما جرى في الليل،جاءوا مسلحين كالجراد،لا أحد يدري من أين جاءوا،ناس قالت الغرباء أو الأغراب كما يحلوا للبعض وصفهم لم يسمحوا للرجال المسلحين الزاحفين لدخول البلدة،خافوا من تحول القضية إلى تصفية حسابات مؤجلة،المسلحون تركوا مركباتهم في بوابة البلدة المنيعة، تسللوا ومشوا كثيراً وأجتازوا النهر من اماكن مؤهلة للعبور،داهموا بيوت المعارضة،بيوت رجال الحاكم القديم ،ناس تقول:لديهم أسماء كل من آذاهم..!!ناس منعت في السابق مرور مواد غذائية وصفائح بترول العبور عبر السيطرات التفتيشية إليهم،بعضهم فر،بعضهم قال:اين نروح..!!المسلحون نقلوا شبابهم ورجالهم إلى مكان مجهول،ساد الرعب في البلدة،لا احد يخرج خشية أعتقاله،قلت لـ(منار):
ـ الزميل أرادني أن اثور معهم..
رمقني الزميل بنظرة غاضبة،هز رأسه علامة النفي..
قالت(منار):
ـ ماذا فعل..
قلت لها:
ـ دفعني مع المندفعين..
ثانية نحت الزميل(حمار)عينيه في،تقدمت منه،عانقته،سحب نفسه،مشى إلى أمتار واقعى زعلاناً،تقدمنا منه،أنا و(منار)أقعت(منار)أمامه،ندم على فعله،قام ووقف بيننا،عاد ونام بالقرب منا،لم تفعل(منار)سوى قبلة سريعة طبعتها على غرّته،مختصر مفيد،حمار فوق العادة،ليس له شبيه،في تصرفاته،ناهيك في الليالي الصافية،يقعي أمامنا،يرفع عينيه،بفراسة يتأمل الفضاء،ليس ذلك فقط،فهو مغرم بمتابعة الكواكب السيّارة،أنبل ما رصدته فيه أنه يستدير كلما يمر الأغراب يعطيهم ظهره ويحرر ريحاً مصحوباً بفرقعة من دبره،أليس من حقي أن أخاف عليه،حمار نادر في زمن تكاثر فيه الحمير الناهقة من على منابر الزيف والدجل،ولم تعد الحمير بعدما صار لكل إنسان(منيفيست)مركبة مؤهلة للخدمة،قبل أن يتم وبواسطة الزميل(حمار)إلقاء القبض على ذلك الرجل الذي سرق(كرّة)الحمارة،رجل بلا ضمير،يسوق الحمير إلى منزله،ينحرها ليبيع لحم الحمير للناس والمطاعم،شاع الخبر في البلدة،(صاحب المطعم الشهير يذبح الحمير)بدأت أحشاء ناس تتقيأ ما أكلت من كباب طيب،كباب رخيص وطيب،إندفعت جموع بشرية،تهذي وهي تعتصر بطونها بإتجاه مشفى البلدة،لم يجد مدير المشفى سوى مادة غسل البطون الباقية في صيدلية المشفى،وجد الجموع في تكاثر،افرغ العبوات في خزانات المياه على سطح المشفى، دخل المصابون بداء التقيء و(لعبان النفس)إلى الردهات،ليس هناك أسرّة طبعاً،كل شيء سرق من قبل أبناء البلدة الحرامية،أولاد الكلاب التي سمحت لأبناها أن تسرق ممتلكات بلدها،طرح الأجساد الهاذية على الأرض، طرح قسماً منها في الغرف،طرح قسماً منها في الممرات،راح يدلق إلى الأفواه المفغورة جرعات من سائل غير مستساغ،بدأت الأحشاء تتفاعل طردياً مع السائل الأخضر،بدأت تدلق سوائل صفراء،قامت قيامة رائحة كريهة،كل مصاب ظلّ يتقيء مخاطاً أصفراً مصحوباً بدم،تحولت الردهات الست والممرات الخمس والغرف العشر إلى قيح متفاعل من سائل مخاطي راح يمشي كماء مجاري،بأتجاه الباب الرئيس،وقف المحتشدون أمام الباب،يحاولون أقناع رجال الشرطة للدخول،إنتبهوا لسائل أصفر يزحف،يزحف كسيل ماء جارف،بدأت رائحته غريبة،بدأت أفواه أخرى(تقوقع) (أويييييع..أويييييييع..قيييييع..قيييييع)هرب رجال الشرطة،ناس قالت:رموا أسلحتهم وهربوا..!!بدأت الجموع تتلوى،أرجلهم نابتة،سقطوا قبل أن يجرفهم السائل المخاطي الزاحف من أفواه أربعمئة فم لأجساد أكلت كباب طيب من لحم الحمير،كباب مطعم رجل بلا ضمير نحر كل الحمير السائبة،حمير العالم المحتل،كباب رخيص شجع الناس على أكله،واصلنا نحن أصحاب العربات نقل المقيئين إلى المشفى،ندفع ونقيئ،تلك الحادثة،يعرفها الناس،لا تتفوه بها،مجرد تلميحة واحدة لها،تبدأ الأحشاء بالتقلب والتقيء،الأمر الذي دعا برجال البلدية بحرق المشفى وبناء مشفى جديد في مكان آخر،تحول مكان المشفى القديم،إلى مقبرة حديثة،أهالي البلدة رفضوا دفن موتاهم فيها،من باب عدم طهارة المكان،القيء الذي سال من المشفى،زحف بعيداً،جاءت قوات المطافئ،إستعملت خراطيم المياه القوية،أختلط السائل الأصفر بالمياه، جاءت(بلدوزرات)عملت سواتر ترابية مستعجلة أمام سيل أصفر زحف بإتجاه البلدة،المشفى في مكان عالي، البلدة تحتها،توقف السيل،فتحوا مجرى أمامه،فتحوه بإتجاه نهر(دلبلاء)،الذي جف ماءه ما أن لامس جرفيه السائل المخاطي المقيت،تم سوق الرجل صانع الكباب من لحم الحمير إلى السجن،ناس قالت:تم تهريبه إلى الخارج بعدما دفع دفاتر..!!ناس قالت:الأغنياء لا سجون لهم،أطلقوا سراحه،لأن الحكومة مشغولة بالإرهاب ولا عليها بالكباب..!!الناس زحفت ليلاً ونسفت بيته الكبير،دوي هائل زلزل البلدة،في الصباح تناقلت الألسن الخبر، (بيت ذابح الحمير نسف)تم حرق مطعمه أيضاً،بعد ليلتين من نسف بيته،تسلل رغم حظر التجوال نفر من الشباب،كسروا الأقفال،وضعوا ديناميت(شكري)في المطعم،برق وميض خطف ابصار من رآه،لم يحدث مثله دوي،ناس تقول:الشباب دفعوا للحرّاس في السوق وعملوا عملتهم..!!بدا الكلام مقنعاً،إذ ليس بوسع شاب مهما أمتلك من جرأة أن يحرق مطعماً يحاذي بناية الشرطة في صدر البلدة،حدث ذلك أيها الكاتب بعد يومين من إطلاق النار في سماء البلدة يوم فرحنا بعودة الزميل(حمار)ترافقه حمارة و(كرّتها)على عكس ما تصورت(منار) مجيء(دولة الرئيس الجديد)لزيارة مدينتنا(جلبلاء)،دائماً أتحدث معه وهو يمنحني كامل وداعته،طلبت منه أن لا يبرز مفاتن عقله إلاّ باحتراس،أو يأتي بخارق عمل يجذب انتباه الناس،واثقاً يسمعني ويهز رأسه وهو موقن من قدراته العقلية وإمكانياته في النجاة أوان المواقف المحرجة،مختصر مفيد حمار واثق جداً من مستقبله،رغم ضبابية مستقبل العالم المحتل..!!
***
عشية ليلة الرحيل النهائي من خرائب بلدتنا(جلبلاء)،لم نرغب بالنوم،ليلة الرحيل تنتابنا هواجس،هي علامات فارقة،تغزونا لتسكننا،نشعر بهواجس الرحيل،نتحسس ببوادر تدفعنا ان نفتح عيوننا،نطرح اجسادنا على فراشنا البسيط،تنجذب أحاسيسنا إلى ما يجري في السماء من تبدلات في حركة المجرّات الكونية،سماء العالم المحتل لا تشبه سماء العالم المتحرر،سماءنا تبكي،بكاء بلا دموع،كابية هي سماءنا،نجومها لا تلمع،نجوم العالم المحتل،لا تشبه نجوم العالم المتحرر،نجومنا لا تشع بوضوح،كل شيء حزين،نتأمل الفضاء المزجج بمصابيح كالحة جرّاء توافد موجات دخان قيل أنها حرائق وصلت من منابع آبار النفط بعد سلسلة تفجيرات أوقفت الصادرات النفطية تماماً،ناس قالت:الأمريكان تدفع شباب متعاونيين معهم لحرق تلك الآبار،لأنها تضرب عصفورين بحجر،الحجر الأوّل رفع المنتجات النفطية ليساوي سعرها أسعار السوق في البورصات العالمية،الحجر الثاني،كي تجلب شركاتها من أوربا وأمريكا كي تعمل على إعمارها بعد أخمادها مقابل فلوسنا..!!ناس أضافت حجر آخر:الأمريكان لا يريدون البدء بتعمير البلاد في الوقت الحالي،كي يبقوا أطول فترة ممكنة،بقاءهم كما زعموا يتعلق بمسألة الإرهاب،السلام يعني عليهم المغادرة..!!ناس قالت:ناس لا يملكون نفط،لا يملكون غاز،لا يملكون كهرباء،أحدثوا ثقباً في إنابيب البترول ليأخذوا(جلكانات بترول)كي(يمشوا)بها إمورهم المعيشية..!!اقوال كثيرة تتناقلها الالسن يا ترى من أين يجلبونها،شيء لا يعنيني،تعلمت من الحياة أن اسمع وأمشي،لا أضيف شيئاً على ما أسمع من عبارات وكلام من أفواه الناس،ساد الفضاء جواً خانقاً،بدأنا نشعر بطعم النفوط المحروقة تزكم أنوفنا،وجدت الزميل(حمار)يحدق بنظرات مبهمة نحونا،قالت(منار) :
ـ طوينا آخر ورقة..
قلت لها:
ـ هذا ما يجول في ذهني الآن..
قالت بحسرة:
ـ غداً ننطلق..
أجبتها بحسرة مماثلة:
ـ هذا ما أريد البوح به..
ـ إلى الشمااااااااااااال..
اجبتها بآهة:
ـ هذا ما وضعته نصب عيني..
قالت لي:
ـ ألا يحزنك ترك بلدتك..
قبلتها،قبلة سريعة،أجبتها بحنو:
ـ أنت بلدتي يا(منار)..!!
نمنا قليلاً،دائماً يأتي النوم،يأتي بعدما يستوطننا القرار،أمد ذراعي اليمين،تضع(منار)رأسها على ذراعي اليمين،افرد ذراعي اليسار،تضع(عشتار)رأسها على ذراعي اليسار،تلتقي نظراتنا في أبعد نقطة،في أبعد نجمة تحاول خرق الحجاب الدخاني الحاجز لجمال السماء والمجرات الهادية،يهبط طائر الوسن،لا أعرف من أين يهبط وأين هو عشه،يهبط ويغلق الأجفان،نمنا نوماً لذيذاً،ومع الفجر نهضنا،أجسادنا مرتاحة رغم قلّة النوم،صلّيت لله،الذي وهبني(منار)ووهبني(عشتار)ووهبني الزميل(حمار)ونجاني من هطول الصواريخ القارية،الصواريخ التي عبرت المحيطات والقارات لجلب(النور)،صلّيت للذي وقّاني شرور الأشرار،وجعلني من أهل التواضع،لا يطمع في شيء فائض عن إحتياجاته،حمدته لأنه لم يجعلنِ من أهل الجشع وأهل الخطف،وجدت الدلوين مملوئين بالماء الحلو،ماء جلبته من مقطورة طويلة لمنظمة(إنسانية)تقوم بتوزيع الماء المعقم على الناس،ماء صافي،نقي لا أدري من أين يأتون به،المنظمة تقوم بتوزيع الماء على المناطق المنكوبة بعدما توقف زحف الماء إليهم جرّاء العبوات الناسفة،والحفر المتواصل لبناء بيوتات متجاوزة،وجدت(عشتار)فرحة،(منار)تترنم بصوت غجري عذب،شيء ما يسكننا،ودود وملهم،لملمنا متاعنا وبدأنا نشد الرحال،صوب(الشمااااااااال)كما يحلوا لـ(منار)لفظ الكلمة، مشينا برغبة جديدة،تاركين بلدة الحب والولادة،وعند الجسر الحديدي الذي يمتد على نهر(دلبلاء)أوقفنا رهط عسكر،فتشونا قبل أن يسمحوا لنا بالمرور،وصلنا المرتفع الذي يجثم كما يجثم(أبي الهول)على بوابة مدينة(طيبة)،مرتفع عملاق متوحد لا أحد يعرف كيف تناسق هذا المعلم الحجري الجاثم على بوابة البلدة،مرتفع عالي ليس من صنع البشر طبعاً،مرتفع ملتوي مع الشارع الرئيس،يحجب بجبروته بوابة المخابئ السرية للعتاد والأسلحة غير القانونية لجيش البلاد،وقفنا أسفل المرتفع،التفتنا،بدت البلدة متكاسلة تتصاعد ألسنة دخان من أماكن عدة،ألقينا نظرة الوداع الأخير ووارينا سنواتنا الثقيلة بحفنة دموع،دموع العالم المحتل،الدموع التي لا تنتهي،وبدأنا من جديد نفتح ورقة أخرى،ورقة جديدة من كتاب الرحيل..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعل الغجريّة..(رواية)7
- بعل الغجريّة(رواية)5
- بعل الغجريّة..(رواية)6
- بعل الغجريّة..(رواية)3
- بعل الغجريّة..رواية/4
- بعل الغجريّة..رواية(2)
- بعل الغجريّة..رواية(1)
- حكاية عبّاس
- ثلاث قصص قصيرة
- السكن في البيت الأبيض
- ونثرنا ضمائرنا على الجدران//قصة قصيرة
- بجلطة شعريّة..مات بطل رواية(نافذة العنكبوت)
- الأتفاقية الأمنية بين مطرقة أمريكا وسندان الفوضى
- أنا كاتب تلك الفصة
- شيء ما يحدث
- لحظة فقد ذاكرته
- أنا كاتب تلك القصة
- في حدثين منفصلين
- حفيد العاشق محروس
- مضت ساعات الندم


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - بعل الغجريّة..رواية)8