أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فائز الحيدر - من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الثانية















المزيد.....

من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الثانية


فائز الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 2478 - 2008 / 11 / 27 - 05:27
المحور: سيرة ذاتية
    


أنطلقت المفرزة في مسيرتها المرهقة والشاقة قبل غروب الشمس بقليل من يوم 14 / أب / 1983 يقودها النصير ابو آذار والفقيد صوفي (1)...الطرق بين الجبال ضيقة جدا" ومتشابكة ولا تكفي لمسير اكثر من نصير وبعضها على حافة قطوع جبلية حادة وخطرة ، وبعد حوالي عشرة دقائق من السير توقفنا لدقائق قليلة ...

ـ رفاق أمامنا مسيرة طويلة وشاقة تستغرق يومين ، عليكم التقنين بشرب الماء ، لا تبذّروا أية قطرة ولو واحدة منه ، حاولوا تحمل العطش جهد الأمكان ، اشربوا الماء بغطاء الزمزمية فقط ان استطعتم . سنأخذ استراحة لدقائق بين كل عدة ساعات وحسب الظروف ، و بدأت المسيرة من جديد ، ساعات طويلة من السير المتواصل ، صعود جبال مرتفعة ونزول منحدرات خطرة وحادة ، بان على الجميع التعب الشديد وسط هذه الجبال الشاهقة والطبيعة الجرداء والخالية من كل مظاهر الحياة ، ووصل بنا الحال لدرجة لا نتمكن من مواصلة السير وحمل سلاحنا الشخصي وننتظر فرصة الأستراحة مهما كانت مدتها والتي عادة لا تتجاوز العشرين دقيقة كل عدة ساعات من السير في طبيعة جبلية وعرة ضيقة المسالك لم تطرقها أرجلنا سابقا" ، وأنا أسأل زوجتي النصيرة ام سوزان كيف نحتت أرجل البشر هذه الطرق الضيقة ، كيف استدل هؤلاء الأنصار العرب خاصة من معرفة هذه الجبال والنجوم والسير فيها على ضوء القمر ، حتما" انها الأرادة والعزيمة والأيمان .

في دقائق الأستراحة كنت ادخل وبعض الرفاق في نوم عميق ونحن نفترش العاقول والنباتات الصحراوية الجافة واضعين رؤوسنا فوق الصخور الحادة وكأنها فراش وثير مصنوع من ارقى انواع الحرير ، والجميع يسمع الشخيير الذي يصدر عن البعض مشكلا" سنفونيات ذات انغام متعاكسة مضحكة تخفف من تعبنا بعض الشئ ، وكالعادة يعلق دليلنا الفقيد صوفي ضاحكا" بأن طائرات الهليكوبتر بدأت بالتحرك . تحركنا من جديد ولساعات لا اذكر عددها من شدة الأعياء ووصلنا الى محطتنا المتفق عليها بين الصخور لقضاء ليلتنا فيها .

ـ رفاق سنقضي ليلتنا هنا حتى صباح غد ، كل منكم يرى المكان المناسب للنوم في هذه البقعة الضيقة ، لا تبتعدوا عن بعضكم ، يمنع التدخين ، يمنع نزع الأحذية ، نؤكد على التقنن بشرب الماء . السلاح بين أيديكم ونؤكد على الهدوء رجاء .

أنتهت ليلتنا الأولى بين الأدغال والأحجار الكبيرة على سفح هذا الجبل ولم نسمع خلالها غير أصوات الحيوانات البرية ، لم نفكر بتناول شيئا" حينها ، همنا الوحيد هو الراحة والنوم ، أستيقظ الجميع فجرا" مع النسيم الجبلي البارد أخذ البعض يغسل وجهه بما يتوفر لديه من ماء الزمزميات المتبقي غير مباليا" بالتوجيهات السابقة وللساعات القادمة ، واصلنا المسير الشاق ، وبمرور الساعات يهدنا التعب والعطش من جديد وكأننا وسط الصحراء وبدت أرجلنا لا تقوى على حملنا ، الدليلان أبو آذار وصوفي يكرران بأننا سنصل إلى الماء بعد نصف ساعة ( شمرة عصا كما يقول البدوي ) ، وتمر ساعات الطويلة ولم نسمع غير كلمة ( بعد شوية رفيق ) أو بعد اجتياز هذه القمة..الخ ، تحملوا لم يبق غير مشوار قصير ونحن على يقين ان كلامهم لرفع معنوياتنا وان الماء يبعد عنا مسيرة ساعات طويلة أخرى وليس أمامنا من حل غير التحمل ، وعندها يراودني قول الشاعر :

الى الماء يسعى من يغص بلقمة الى اين يسعى من يغص بماء ؟

الدليلان أبو آذار وصوفي يخففان غضب المتعبين بتأكيدهما بأننا سنصل الماء عن قريب ويرفعون معنوياتنا.. من جديد ويدركون متاعب الجميع ولهم تجربة طويلة في ذلك مع الأنصار ... بضع ساعات من المسير الشاق وصلنا إلى قمة أحد الجبال ، شاهدنا من هناك وفي الأفق أضواء مدينة ، أخبرنا أبو آذار بأنها مدينة زاخو العراقية وهي أول مدينة نشاهدها داخل الوطن .

هذا الخبر أعطى الجميع الأمل بالمواصلة بعد تلك المسيرة الطويلة التي لم نتصور أنها ستنتهي ، فمرافقينا كانوا يكررون وحفضوا عبارة ( بعد نصف ساعة سنصل إلى...) وتمر الساعات ولم نجد ما يوحي بالوصول . الآن فقط أصبح بمقدورنا أن نقول أننا وصلنا العراق ، ولقد أمدتنا اضواء مدينة زاخو بالقوة والمواصلة بنشاط أكبر ، فلا يهم الآن كم يوم يفصلنا عن مواقعنا ، واذا أستشهد احدنا فنحن الآن على الأقل في داخل الوطن ، ساعات من السير داخل الأراضي العراقية ولم نصل بعد ، وتصاعدت احتجاجات بعض المتعبين نحو أدلائنا ، ولكنهم عادوا إلى ذات العبارة التي سمعناها مرارا" وليس لديهم ما يقولونه . في هذه الأثناء أختفي الدليل صوفي وعاد بعد بضع دقائق وهو يحمل في حظنه شيئا" ما وبدا" يقدم لكل واحد منا حفنة من ثمار شجيرات برية بنفسجية اللون ذات طعم حلو لا نعرف اسمها وهو يقول بأن هذه الثمار تقلل من العطش وتمدنا بالطاقة .

بمرور الوقت أخذنا نشاهد بعض النباتات الخضراء ومن ثم بعض الشجيرات تزداد عددا" وأرتفاعا" كلما تقدمنا الى الأمام حتى بانت أشجار كبيرة على جانبي الطريق ولكن لا اثر للماء ، فوجود هذه الأشجار دليل على وجود الماء والحياة ولكن اين هو الماء ، استمر هذا الحال حتى مساء يوم 16 / آب / 1983 حيث وصلنا الى ضفاف نهر سريع الجريان وفي مكان ضيق جدا" وذو أنحدار شديد وخطر جدا" يسمى نهر ( الهيزل ) الذي يبعد 5 كم شمال غرب مدينة زاخو ويعتبر هذا النهر حدود العراق مع تركيا في بعض مناطقه ولا يتجاوز عرض هذا النهر عن خمسة عشر مترا" في مناطقه الضيقة لكنه شديد الأنحدار والخطورة ويقع في اسفل سفح جبل ( سر زيارات ) ذلك الجبل المشهور بأرتفاعه ووعورته . الجميع يركض فرحا" غير مباليا" بالتعليمات بأتجاه النهر ليروي عطشه منه وملء الزمزميات وغسل وجهه وشعره ، ونسمع من يعلق على ذلك ألم تسمعوا ان الماء على بعد نصف ساعة !!! ها قد وصلنا له .

الساعة الأن تجاوزت العاشرة ليلا" ، تقـرر قضاء الليل والمبيت وسـط اشجار الجوز والبلوط والصنوبر والسبندار(2) المتفرقة والمجاورة للنهر والتهيأ لعبور النهر صباح يوم غد ، الأرض رملية باردة ورطبة جدا" ، الجميع متعب ، تناولنا طعام العشاء وهو ما تبقى لدينا من الخبز الجاف ، البعض من الرفاق بدأ يعد الشاي في العلب الفارغة الصدأه والمتروكة وسط الأشجار منذ فترة طويلة ولمفارز أنصارية سابقة ، فعند التعب والأعياء تحس ان للشاي طعم آخر ويصبح فعلا" كما يقال خمرة الثوار .

تمر هذا اليوم ذكرى زواجنا وأحتفالنا بهذه المناسبة هو من نوع آخر وغير أعتيادي ، كانت أمنيتنا ان نقضي هذه الليلة في أحد المطاعم كالعادة أو ندعوا الأهل والأحبة لجلسة سمر ، نعيد ذكريات لقائنا الأول وخطوبتنا وزواجنا ونشجع العزاب من شباب العائلة بالأسراع بالزواج قبل ان يفوتهم القطار ، ولكن الأن اننا امام واقع آخر وحياة جديدة ، في رحلة للوطن لا نعلم هل سنحققها ام لا ؟ وكم ستطول ؟ وهل ستكتب لنا الحياة أم لا وهل سنكتب هذا الذكريات يوما ما ؟ وهل سنلتقي بالأحبة من جديد ، أسئلة عديدة أخرى تشغل بال كل واحد منا .

لا اعلم كيف علم الرفاق بهذه المناسبة ، وزعت الحراسات الليلية ، ساعة ونصف لكل نصير ، لم ندرج بهذه القائمة وكانت الهدية المقدمة لنا بهذه المناسبة هي أعفائنا من الحراسات لهذه الليلة ، انها هدية عظيمة لنا في هذا الوقت وتفوق اي هدية اخرى ، ساعة نوم أضافية لها اثر كبير لراحة المتعبين ، في فترة الراحة وقبل الخلود للنوم بدأ كل نصير يذكر ما يحلم به بعد سقوط النظام ذلك الحلم الذي تداوله الأنصار مرارا" حيث كنا نسمع ( أول عيد لراس السنة الميلادية بعد سـقوط الديكتاتورية ، سوف نلتقي عند الساعة الثانيـة عشـر تحت ( نصب الحرية في ساحة التحرير) كان هذا هو الحلم الذي يعبر به الأنصار الشيوعيين في السنة الجديدة
ومن الجانب الأخر تسمع تعليقا" مازحا" لنصير آخر ( والله راح تعمون على نصب الحرية ، هسة يسمع صدام ويشيل نصب الحرية من الساحة ) وهناك من يرد عليه ( حتى لو سواها المجرم ، نعيد بناء النصب من جديد ونلتقي تحته ، ليش احنه مو جزء من النصب ، لا والله ، نحن الجزء الأساسي منه) . و تسمع تعليق اخـــر ( احنه ما ألـنا علاقـة خمسة ، عشرة ، خمسين سنة وحتى لو قـرن ، هذا النظام هو ورأسه لازم نكسه إلى المزبلة ) .

افترشنا الأرض الرملية الرطبة وطرف البشتين( 3 ) يغطي وجوهنا من البعوض الذي لا يرحم ، ثم دخلنا في نوم عميق لغاية فجر اليوم التالي حيث استيقض الجميع على صوت الطائرات السمتية التي تحوم في المنطقة ، أحد الرفاق أخبرني انه في نوبة حراسته شاهد ثعبان اسود كبير يمر من فوقي الى الجهة الأخرى ولم يحاول ايقاضنا لعلمه ان الأفاعي السوداء غير سامة ولا ادري من اين جاء بهذه المعلومات وهو يؤشر على الأثر الذي تركته الأفعى على الرمال الرطبة بجوارنا .

اليوم 17 / آب / 1983 مهمتنا عبور نهر الهيزل الذي يحتاج الى مهارة وذكاء ، ليس هناك وسيلة معروفة لعبور النهر ، تعلم الأنصار وضع شجرة سبندارة ضخمة لا يتجاوز عرضها اكثر عن قدم واحد تربط الجانبين في أضيق منطقة والتي لا تقل عن عشرة أمتار ، عادة ما يخفي الأنصار هذه الشجرة في مكان آمن في الغابة ويستعملونها عدة مرات عند العبور لمفارز اخرى . يجب ان تكون السبندارة مستقرة تربط بين طرفي النهر رغم ميلانها بسبب ارتفاع الضفة الأخرى عن مستوى الضفة في جانبنا ، تعاون الجميع وبصعوبة على حمل السبندارة الى مكان العبور ، ان سقوط احدنا في النهر يعني الموت المحقق ، وسبق ان شهد هذا النهر قصة غرق احد الأنصار في صيف 1982 ، هو الشهيد جبرائيل رمو ( ابو سمرة ) حيث اسقطه البغل في مجراه السريع ، وباءت بالفشل كل محاولات انقاذه رغم اجادته للسباحة ، بعد جهود كبيرة وضعت الشجرة في المكان المناسب وتلسق عليها الرفاق الشباب في البداية وبهدوء الى الضفة الأخرى وأنفاسنا تتصاعد خوفا" من سقوط أحدهم في النهر ، بقيت انا والنصيرة ام سوزان آخر نصيرين ، ربط كل منا البشتين على الخصر وطرفه الأخر مسكه الرفاق بشدة تجنبا" للسقوط ، صوت الماء يصم الآذان في وسط النهر بسبب تياره السريع ، حاولت النصيرة ام سوزان في البداية وهي مرتبكة بعض الشئ ولغاية وسط السبندارة وبحركة لا أرادية منها ألتفتت نحوي تود الأطمئنان عليّ فأصيبت بفوهة بندقيتها في جبينها الأيمن واحدث ذلك جرحا" بدأ بالنزف مما زاد من أرتباكها أكثر ، الجميع يشجعها بعدم النظر الى الأسفل ، دقائق حرجة حتى تم العبور بسلام . بعض المفارز تفضل العبـور من أعرض نقطة في النهر وعلى كلك يصنع يدويا" بسبب ان جريان الماء فيها يكون أبطأ نسبيا" وعمق النهر يكون أقل ، مع الاستعانة بالبشتين والأحزمة والحبال الموجودة لكي يمسك بها الرفاق أثناء العبور.

بعد عبورنا لهذا النهر المخيف ومعالجة جرح النصيرة ام سوزان ملئ الجميع الزمزميات بالماء البارد من النهر وبدأت المسيرة العسيرة مرة اخرى من جديد لتسلق الجبل المجاور لنا والذي بدأ يرتفع تدريجيا" . انها بداية الجبلً الشاهق المسمى ( سر زيارات ) لم نشاهد او نسمع جبل مثله طيلة حياتنا حتى في الأفلام السينمائية ، صخور جرداء تنعدم فيه الحياة كليا" بمرور الوقت ، علينا الوصول الى قمته التي تبلغ 7000 ( سبعة آلاف ) قدم تقريبا" ومن ثم النزول من جهته الأخرى ، وفي قمته تلك قـَطع صخري مائل قليلا ً، وقد حفر الانسان منذ القدم مواضع قدم تشبه السلالم . ذلك المشهد الرهيب يصيبنا بالأحباط لعدم تصورنا اننا سنصل قمته عن قريب ، العشرات من القمم الكاذبة ، كلما وصلنا القمة ونعتقد لم يبقى لنا غير النزول من جهته الأخرى تظهر لنا قمة جديدة تحبط احلامنا ، طريق السير لا يتجاوز القدمين عرضا" في احسن الأحوال ، وعلى جانب الطريق الأيسر هاوية وادي سحيقة تقدر بآلاف الأقدام عمقا" ، وعلى قمة جبل ( سر زيارات ) يقف الأنسان حائرا ً وأية مجازفة أو خطأ أو فقدان توازن قد تعني السقوط والموت الأكيد وسبق ان سمعنا ان العديد من البغال قد انتحرت في هذا الطريق برمي نفسها بحمولتها في الوادي . ويقال ان الأخوة المسيحيين قد بنوا ديرا" في هذا الجبل في فترة الحكم العثماني للعراق هربا" من الأضطهاد ولكونع عصيا" ولا يمكن ان يتسلقه أحد .

لا يحيط بنا الأن غير الصخور البنية الجرداء الخالية من كل ما هو نباتي أخضر ، طرق جبلية وعـرة وضيقة جدا" ، حيوانات مفترسة سائبة وثعابين وعقارب وسط صخور هذه الجبال ، لا يوجد اثر لعيون الماء وسط هذه الجبال ، الماء في زمزميات جميع الرفاق يوشك على النفاذ وعلى الجميع التحمل حتى المحطة التالية حيث عين الماء والأستراحة ، الحرارة تزداد كلما أقتربنا من وسط النهار ، استراحتنا الرئيسية عادة ما تكون وقت الغذاء وعلى ما تبقى من الخبز الذي نحمله وزودنا به الرفاق في ( محطة أبو حربي ) مع قدح من الشاي الذي كنا نعمله في علب المعلبات الفارغة ، القمم الجبلية الكاذبة عديدة ، وبمرور الساعات يشعر الجميع بالأرهاق الشديد من جديد لدرجة يصبح سلاحنا عبئا" علينا ، تخلص البعض من كل ما هو غير ظروري لتخفيف الوزن في حقيبة الظهر وشرب البعض منا المياه القذرة من برك فضلات الحيوانات البرية الآسنة ، وفجأة صرخ أحد الأنصار محدثا" صدى كبير بين الصخور وألتفت الجميع بدون شعور نحو مصدر الصوت وتبين أنه النصيرعايـد (4) .

ـ أين الماء يا رفاق .. أين الماء يا رفيق أبو آذار .... لقد نفذ الماء منذ ساعلت وأنا مرهق ولا أستطيع المواصلة ؟

ـ عليك بالصبر يا رفيق فأمامنا مسافة لا تتعدى الساعتين لمحطتنا القادمة وهذه هي الحقيقة حيث عين الماء ويمكنك عندئذ ليس شرب الماء بل السباحة أذا أردت .

الأنسان يبكي ويتألم ، يحزن ، ويعطش ويخاف ، انها مشاعر أنسانية طبيعية ولا علاقة لها بالبطولة والنضال ، ان الأبطال يبكون كما في كل أساطير التأريخ ، لقد تعود الأنصار ان يسمعوا من الدليل ان عيون الماء على بعد ساعة أو ساعتين وكما يسميها البدوي ( شمرة عصا ) لرفع معنوياتهم ولكن الساعات تمر دون جدوى ... وعندها تنعدم الثقة بين الطرفين وتتوتر الأعصاب ولكن في الحالات الطبيعية تكون مثل هذه الأنفعالات مضحكة .

ـ هل لدى أي رفيق قليل من الماء ؟ ألا تسمعوني ؟ أنا لست مجنونا" أريد قليل من الماء .

لا أحد يجيب !!! ..... الكل متعب ويعاني من العطش والأعياء أيضا" ، الماء عماد الحياة وسط هذه الجبال الجرداء .. وكل نصير مشغول بنفسه وما يعانيه والمصير مجهول بالنسبة للجميع .

علامات الأعياء الشديد تظهر على الجميع ، النصير عايـد يسقط على الأرض مغشيا" عليه ، أسندت رأسه بين يدي بسرعة ، قطرات ماء من زمزمية النصيرة ام سوزان واستراحة لمدة خمسة دقائق تعيد الرفيق عايـد الى وعيه من جديد .

ـ شد حيلك يا رفيق عايد فأمامنا مسيرة ساعتين أخرى كما يقولون .

ـ لا تصدق ما يقولون يا رفيق ، لا أستطيع المواصلة أتركوني لوحدي سأواجه مصيري ، أتركوا سلاحي فقط وواصلوا مسيرتكم .

ـ كيف نتركك يا رفيق وأنت أصغر نصير بيننا ...عليك الصبر والمواصلة و مساعدتنا نحن الأكبر منك سنا" والمتعبين أيضا" ألا تستطيع السير ساعة أو ساعتين أخرى ؟

ـ اتوسل أليكم يا رفاق أتركوني فقدماي لا تساعداني على الوقوف ولا أستطيع السير لدقيقة واحدة .

وبأشارة مني تقدمت النصيرة أم سوزان لتساعدني ولترفع معنوياته قليلا" بعد أن يأس الأخرين من ذلك .

ـ أنك تعرف لا يمكننا أن نتركك لوحدك في هذا المجهول وسط الصخور والحيوانات المفترسة ، وأنت تعلم أن توقفنا عن المسير يضع حياة الجميع في خطر كبير وعلينا ان نصل الى محطتنا القادمة في الوقت المحدد ولا أعتقد أنك تود ان تضعنا في خطر ، ألم تقل لأبو سوزان عند عبور الحدود أنها البداية وأمامنا الكثير هل نسيت ذلك ؟ أبتسم عايـد ونهض بصعوبة وعلامات الخجل بانت على محياه وواصل السير بصعوبة ، طلبنا منه أن يكون في المقدمة وخلف الدليل وعيون الجميع متوجه نحوه وهم يتمايل فقد يعاود السقوط من جديد .

أستمر سيرنا لساعات قبل ان نصل الى محطة الأستراحة المقررة ليلا" وبدأنا نسمع عن بعد خرير المياه في النهر وسط هدوء الجبال المطبق ، علامات السرور تظهر على الوجوه وعندها علق أبو آذار ضاحكا" ...

ـ ألم اقل لكم اننا سنصل الماء بعد نصف ساعة ، واسرع في النزول على مؤخرته لشدة أنحدار الأرض نحو الوادي حيث النهر حاملا" الزمزميات معه ليجلب لنا الماء بعد دقائق ليروي عطشنا ، تناولنا كل ما تبقى من الأكل الذي نحمله معنا . وهنا بدأ احد الرفاق يدمدم وسط ابتسامة الجميع .

أبات مهموم وأصبح مستجد للهم ولا واحـد يزيد الكـدر والـهم
أنا بيدي لأسحن الزرنيخ والـهم ولا اكـولن اله بكلبي أذيـه !!

يتبع في الحلقة الثالثة

الهوامش :ــــــــــــــــــ

1 ـ صوفي ... ( الشهيد يوسف بايرام ) ... من أكراد تركيا ، عضو في حزب العمال الكردستاني التركي ، دليل عبور الأنصار ، قتل على يد القوات التركية بعد وقوعه في كمين في 22 آذار / 1987 .

2 ـ السبيندارة ..... هي شجرة القوغ أو الشجرة البيضاء بالكردية تستخدم للبناء لأستقامتها وصلابتها وتنبت عند عيون الماء .

3 ـ البشتين : قماش رقيق يبلغ طوله عدة أمتار وبألوان عديدة ، يلف على البطن وهو مكمل للزي الكردي .

4 ـ عايـد ... هوالفقيد عباس طالب كاظم من مواليد 1964 من عائلة مناضلة ، توفي في كانون الأول / 2004 في مدينة مالمو السويدية جراء سكتة قلبية وهو جالس امام الكمبيوتر يتحدث مع رفاقه الأنصار .



#فائز_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الأولى
- أحياء بغداد ومقاهيها الشعبية منبع الأدب والثقافة
- الصابئة المندائيون والأرهاب عبر التأريخ
- الصابئة المندائيون ، شعب أم أمة أم طائفة دينية ... الحلقة ال ...
- الصابئة المندائيون بين الهوية والمستقبل المجهول
- من الذاكرة ، طفولة وذكريات عن ثورة 14 تموز / 1958
- هل يتعرض الصابئة المندائيون لخطر الابادة الجماعية
- الصابئة المندائيون ، شعب أم أمة أم طائفة دينية .... من المسؤ ...
- المندائيون والعهد الحاص بحقوق الأقليات
- دماء وشهداء في ساحة السباع
- النخلة المقدسة بين التراث والدين
- شجرة الزيتون رمز السلام والحياة والخصوبة
- الجت غذاء للحيوان ودواء للأنسان
- في الذكرى الثالثة لرحيل قاسم عبد الأمير عجام
- في ذكرى وثبة كانون الثاني / 1948 الوثبة التي قبرت معاهدة بور ...
- المهرجان الدولي التاسع للطلبة والشباب / صوفيا ـ بلغاريا 1968
- 2-من الذاكرة / المهرجان الدولي التاسع للطلبة والشباب بلغاريا ...
- المهرجان الـدولي التـاسع للطلبة والشباب تحت شعار ( تضامن ، س ...
- على ضوء رسالة كفاح أسعد خضير


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فائز الحيدر - من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الثانية