أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - بعل الغجريّة..(رواية)7















المزيد.....

بعل الغجريّة..(رواية)7


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2480 - 2008 / 11 / 29 - 14:04
المحور: الادب والفن
    


البنت عشتار
(منار)أسمتها،ومن فرحي وافقت دون أن أقترح أو يخطر ببالي اسماً أراه يلائم أسمي،كما هو شائع بين الشباب، يكنون أنفسهم بأسماء آباء لبنين أو بنات قبل زواجهم..قالت :
ـ زارتني خالتي(شبعاد)ليلة المخاض وهمست في أذني أسمها..
قلت لها:
ـ أسم متناسق جميل من ثغر عذب سلسبيل يتوافق مع أسمينا يا(منار)..
تلوت(منار)من ألم المخاض،تمددت جنبها،بكيت لتأوهاتها،خارج الغرفة،ظلام شاحب،ليل هادئ،يضحك القمر بما يخزن من نور،القمر الطالع،يرشق بنوره كتائب الظلام،قبل عشاءنا،لم تشعر(منار)بألم المخاض،تعشينا ثمرة بطيخ ورغيفين فقط جلبتهما من فرن فتح جديداً،فرن خبز أعلن صاحبه عبر قطع أقمشة علقها على جدران المنازل وعلى أعمدة كهربائية منزوعة السلاك[سيتم بعون الله توزيع الخبز على الناس مجاناً]فخ قديم،كل صاحب فرن،كل صاحب مطعم،في اليوم الأوّل لا يتقاضى الفلوس مقابل ما يقدم لناس تزحف كالجراد،تزحف لتحصل على شيء من غير مقابل،الكل يعاني من جوع طال عمره،وحرمان على ما يبدو لا نهاية له،صاحب المخبز يجاهد لعمل الخبز بصورة مرغوبة،أقراص فوق العادة،ممتازة الشوي،يسيل لعاب الواحد حين يلقي نظرة على أقراص خبز تخرج من فم تنور ملتهب،خبز يعصر عصافير البطن،يعملون في اليوم الأوّل وربما يمتد العمل لأيام أخر،يعملون أقراص خبز ممتازة،فخ يا كاتب،فخ متوارث،فخ لجذب الزبائن،يربطون الواحد معهم، سيجبرون شراء الخبز بصورة دائمة،بعدما بالتدريج المريح،نعم بالتدريج المريح،يهبط مستوى جودة أقراص الخبز،يقل الوزن،الدقيق من ممتاز،من دقيق أبيض،يسمّى طحين صفر،يتحول إلى طحين أسمر،رديء لا يصلح للأستهلاك البشري،دقيق(الحصة التموينية)،الناس تقول:خبزه عافية..!!الناس تقول:سنشتري منه،الخبز كبير وناضج..!!فخ منصوب لكسب الزبائن،تمر الأيام،الخبز يصغر في المخبز الجديد،الطعام يقل في المطعم الجديد، طالما شمّاعة الحصار قائمة،شمّاعة الهذيان البشري،شمّاعة الملف الأمني المتدهور،شمّاعة البطالة،شمّاعة رفع أسعار المنتجات النفطية،شمّاعة إلغاء العمل بـ(البطاقة التموينية)،كل شيء يتكأ على شمّاعة مقنعة،ذهبت إلى المخبز الجديد،قلت أحصل على أقراص خبز ناضج،اجلبها إلى(منار)،تركتها بين بين،حالتها الصحية في وضع قلق، ذهبت باكراً،وقفت مع المحتشدين،صاحب المخبز ظلّ ينظر إلينا،يدخل ويخرج،يلقي نظرة ويدخل،رجل قلق النظرات،له لحية غير مهذبة،لحية عشوائية،تختلف عن لحايا المتمسكين بحل الله والسنة الشريفة،لحيته،تشبه لحية المساجين،يتمنطق حزام جلد،على خاصرته النحيفة في جهة اليمين،حقيبة جلدية فيها هاتف جوّال،معتداً بنفسه،كل لحظة،يحرك الحزام المخوصر لخاصرته،يحضن حقيبة الهاتف الجوّال،يعصرها ويثبتها،يعمل مثل رجال الأمن الذين تواروا عن الأنظار،أولئك الرجال الذين يتجولون ببدلاتهم الزيتونية،يحركون مسدساتهم في السوق، كل عشر خطوات تمتد أيديهم لتحرك الجراب الحاضنة لمسدساتهم الأمنية،المتأهبة دوماً لرد الأعتبار للسلطة الغافية،مسدسات متهيأة لردع من تسول له نفسه تعكير الوضع العام،في الأزقة يتسكعون،يبحثون عن تجمعات شبابية،كل تجمع في ذهن(رجل أمن)محاولة إنقلاب،يقفون في زوايا،يتظاهرون بقراءة صحيفة البلاد الرسمية،في أذهانهم قلم الوشاية لا يخطأ الأسماء،يدون أقلامهم التلصصية أسماء التجمعات في كل مكان،في الليل تطرح أذهانهم تلك الأسماء على طاولة التعذيب،قبل أن تنطلق مركبات سريّة لنقل تلك الأسماء إلى غرف نزف الدم والألم،يتباهون بين الناس ببدلاتهم البرّاقة،بمسدساتهم الثقيلة،يحركون عجيزاتهم بحركة شهوانية،عجيزات تتحرك راقصة،ردف يصعد..ردف ينزل،ردفان مترادفان،يترادفان على الرقص،حركة مثيرة،غايتها تحريك المسدس النازل على مؤخراتهم،ناس تقول:رجال الأمن يتدربون كثيراً على هز الأرداف،واجب حيوي وسلطوي لأرهاب الناس..!!،ناس تقول ذلك كلما يخطر(رجل أمن)ببدلته الزيتونية المكويّة،بشعره المزيّت،يمشي وردفاه يترادفان،المسدس الأمني يصعد ينزل،الغلاء يصعد،الفقر يصعد،الهمة تنزل،الأخلاق تنزل،النذالة تصعد،عالم يصعد،عالم ينزل،الرجل صاحب الفرن،لم يحرّك عجيزته،يمد يده اليمنى،يمدها بين لحظة وأخرى،يحرك حقيبة الهاتف الجوّال بيده،واحد قال:يتباهى..!!قال ذلك وأنزل رأسه كي لا يوشي به واحد آخر،يقف،مرعبة هي عيناه،يده اليسار يفتل شاربه،شاربه قصير،شاربه ولحيته من عمر واحد،يلقي نظرة،يغسل وجوهنا ويدخل،صوت التنورين يلهب حماسنا للحصول على اقراص خبز مجانية،يخرج مرة أخرى،خروج ودخول،دخول وخروج، التنوران يرسلان رائحة خبز شهي،أسناننا(تجقجق)تطحن الرائحة الزاكمة،(جقجقجقجقجق)الرجل صاحب الفرن الجديد،يهز رأسه،لا يكلف نفسه على الكلام،يده اليمنى مشغولة بتعديل الحزام وحقيبة هاتفه الجوّال،يده اليسرى مشغولة بقياس طول شاربه،المحتشدون تذمروا من طول الوقوف،بعضهم قال:لن نغادر حتى لو وقفنا ليومٍ كامل..!!بعضهم صمت،انا قلت سأقف،اريد خبزاً حتى بفلوس،فتح صاحب الفرن الباب،خرج عاملان يحملان(طنجرتان)فيهما خبز حار،أولاد صغار هجموا على الطنجرتين،سقط البعض على البعض،صراخ وصياح،الأغنياء هجموا قبل أن يقوم صاحب الفرن بتوزيعه(العادل)كما صرّح لنا كلما خرج ليلقي نظرة علينا،أولاد الأغنياء منعوا أولاد الفقراء من الحصول على الخبز الحار،أنا مديت يدي من بين الحشد المتراكم بعضهم فوق بعض،فرحت(منار)حين رجعت،وأنا معي خبز حار،جلسنا وتعشينا عشاءنا البسيط،خبز وبطيخ، بطيخ أصفر شكله ناضج جوفه مثل صابونة،ولكي نستسيغ طعمه،رشّينا على البطيخ حفنات سكّر،بعدما تعشينا أستلقينا،أستلقت(منار)أستلقيت جنبها،منتصف الليل،ليلة الثامن من آب،بعد عام وأربعة أشهر من دخول الأغراب..قالت:
ـ بدأ يلح..
متلهفاً تلقفت من فمها الغجري،الخبر السعيد..قلت:
ـ سأخبر القابلة..
انطلقت صوب الزقاق الذي يلي متاريس العساكر،بعد تفتيش ونقاش حرروني،خرج طفل صغير لحظة طرقت الباب..قلت والفرح يرعشني:
ـ أريد أمك،أمك أريدها..
قال ضاحكاً:
ـ أمي متزوجة يا حمّال..(هاهاهاهاها)..
قلت له:
ـ ملعون أين أمك..
قال:
ـ ذهبت إلى دور التجّار..
عدت وكلّي قلق..قالت (منار) :
ـ كن فقط جنبي..!!
تمددت جنبها،مثلما عاهدتها بدأت أحرر صوتي بشيء من الخفوت،من نافذة غرفتنا وعبر قطعة الخام الساترة شيء ومض وساد السكون،توقفت الكلاب عن النباح وخرست الديوك عن الصياح،تناهى لسمعي صوت غريب،قمت واندفعت خارجاً،رأيت طيراً غريباً،طير أبيض يقف على حائط بيت متهدم،يطل بعنق طويل أبيض كالثلج،من عينيه تندلق حزم ضوء متلون،ظلّ يرمقني ويهز رأسه،طير لم أره من قبل،على ما أتذكر،أو هكذا رأيته،طير يمتلك أربعة أجنحة،رأسه على هيئة بشر،عدت وأخبرت(منار)..قالت :
ـ ربما طير سعد،أنه فأل خير يا(نوار)..
عباءة خادرة سقطت علينا وشعرنا بموجات نسيم دافئ ولاذع يكتسحنا،ولم نعد نعرف كيف النوم سرقنا،صرخة أنهضتنا،طفلة هادئة تمرح بيننا وجدنا،ليس من أثر لدماء أو بقايا أحشاء،لم يسدنا ذعر أو اندهاش،فرحة غمرتنا،ألبسناها ما أعدت(منار)من أقمطة ليوم الميلاد..قالت :
ـ لا أريد أن يعرف بشري ما الذي جرى..
الفرح يثقف الفقير،الفرح يجعله كبيراً،يعرف كيف يتكلم،لا يتجاوز حجمه،قلت لها:
ـ عشت وحيداً ولولاك لمضيت إلى قبري وحيداً أيضاً..
قالت وهي ترمقني بنظرات مغناجة:
ـ يا زوجي..أنا لي حظوظ مؤجلة،يسمونها(بخت)كتمت الأمر مع نفسي،خشيت من أفشاءها،حافظت عليها في خزائن صدري..
قلت والفرح يسكرني:
ـ لا أريد من هذه الدنيا سواك،وهذا المولود الجديد..
تأوهت(منار)،تأوه الثغر الصغير الجميل،الثغر الذي تبلل ورشق وجهي بأنفاس حارقة يوم البرق والرعد والمطر..قالت:
ـ وأنا كذلك يا(نوار)..
طفلة بدت من لحظة ولادتها،عجيبة،تصغي ساكنة،في خارج الغرفة،الليل يمشي بشيء من الوداعة رغم سكون المناخ،وقبل الفجر بقليل صدحت مكبرات الصوت لمئذنة الجامع الكبير،تسبيح يتناثر إلى أحشاء فجر جديد يتناهض..قالت منار :
ـ وراءك عمل..
قلت وأنا أشد على يديها:
ـ لن أدعك وحدك..
سحبت كفها اليمين من بين كفي،مسكت معصم يدي اليسار،تلاقت عيوننا وبعدها ثغرينا،وغشانا نوم أثير..!!
***
خلال اليومين قبل مغادرتنا تلك الغرفة،لم تبك الطفلة،تفتح عينين صافيتين،أسراب عصافير تهبط على قضبان النافذة،تهبط وتشدو،(عشتار)باسمة تنحت عينيها الوديعتين على ما يجري أمامها،شيء ما بدأ يشغلني بخصوص ما يحدث،حليب مدرار ينبع من ثديي(منار)،طفلة لا تكف عن البسمة،عصافير نست عالمها،حر توقف،جوع غادر،فرح يكبر،عالم يتغير،وعند الساعة الثامنة من يوم الوعد فاجأتني امرأة دميمة وسمينة..قالت:
ـ ليس الأمر بيدي،هو متهور وجلب لي مشاكل مع الناس..
قلت بأستغراب:
ـ من تعنين يا أمت الله..
قالت:
ـ ولدي الذي جاءك وهددك،ولدي الشرطي..
قلت:
ـ آه..قولي له يهيأ لنفسه كفن،سينحرونه كما ينحر الشاة..
صاحت :
ـ ليس الأمر بيدي يا أبا(عشتار)..
تجمد لساني وتوقفتا عيناي على لحظة ذهول..(أردفت)..
ـ لا تلومني..أنا أتألم لكما..
لم يعنيني كلامها،حط ذهني على كلمة(عشتار)من نثر أسمها وكيف..؟؟..قلت :
ـ لن ألومك يا عمّة،أبنك متهور،لا يشبع من جني قاذورات الدنيا..
من نثر أسم طفلتنا،لابد أنها تلصصت علينا،لابد أنها أصغت لكل شيء،شيء طبيعي في بلدتنا،نساء يقفن وراء الستائر ويلقين آذانهن إلى الجيران،يلتقطن حواراتهن،لابد المرأة السمينة جاءت ووقفت وراء الباب،وراء الجدران وعلمت ما يجري في تلك الغرفة التي هي بقايا(دورة مياه)متروكة،عدت وبدأنا الرحيل،وجدنا غرفة مستطيلة يجثم فيها هيكل جهاز توليد الطاقة الكهربائية،رآنا رجل ونادانا..صاح :
ـ أين تمضيان..؟؟
قلت:
ـ إلى نهاية العالم..
صاح:
ـ لدي أعمال وليس لدي من يحرس هذه الموّلدة الكهربائية..
رضينا أن نسكنها إلى حين،بدأت(عشتار)تحبو بوقت مبكر،تخرج إلى الفضاء المترامي،تجلس ومن حولها العصافير تترنم،وفي صبيحة اليوم السابع من نزولنا في تلك الغرفة،اندفعنا لصمت حدث،رأينا نفس الطائر يجثم بهيكله العملاق قرب طفلتنا(عشتار)زعقنا معاً،لقد ظنّنا أنه رافعها،الطائر ظلّ واجماً من فعلتنا،ورأيت بيد(عشتار)خرزة ملونة تتوهج تحت الشمس،هزّ الطائر رأسه وأرتفع إلى عنان السماء..صاحت (منار) :
ـ يا ويليييييييييي..
قلت لها:
ـ ما هذه يا(مناااااااااار)..
صاحت:
ـ هذه خرزة أمي(عشتار)فقدت يوم ضرب البرق بيتنا..
قلت لها:
ـ لنحتفظ بالسر يا(منار)..
قالت:
ـ ألم أقل لك لدي(بخت)كما قالت لي خالتي(شبعاد)..
قلت لها:
ـ ليكن حارسنا وواقينا من آفة هذا الزمن المريض..!!
***
(عشتار)بدأت تمشي،لم تكلفنا عناية مركزة،لم تكلفنا علاجات متواصلة،صارت رفيقة لكل طير يهبط قربها، العصافير تشدو من حولها،تنحت عينيها في جمال الكون من حولها،الكون الدائر،الكون اللاهث صوب المزالق أكثر مما هو لاهث صوب النور،جاءنا شاب طلب منّا إخلاء الغرفة،غادرناها على مضض،يوم باع الرجل الذي نادانا وأسكننا فيها مولدته العاطلة،من جديد أرسينا مرساة حياتنا وجذفنا بأذرع الحب قارب الفرح ووجدنا الرحيل سعادة،أن تمشي متنقلاً تشعر أنك السيد المطلق لهذه الأرض،كأنك ملك تسكن كل يوم في قصر منيف، أنك الفقير المنفي من الفردوس،فقير يبحث عن ظل يأويه،أشياءنا بسيطة،لا تثقل كاهلنا حين ننتقل من مكان لمكان،لا يهمنا لذعة جوع ولا برد شتاء أو حر صيف،صرنا نرى قوافل الأغراب تتوافد ومركباتهم الشبحية تتجول أينما نتواجد،صارت البلدة مأوى لغرباء يتقاطرون،يتجولون في السوق والأزقة،الناس تنظر إليهم من فوق منازلهم،نساء يخشين أن يظهرن وجوههن للغرباء،يقفن وراء ابواب منازلهن،يقذفن ببصاقهن للغرباء،ناس تقول:هؤلاء يهود آخر زمن..!!ناس تقول:حرام النظر إلى وجوههم..!!ناس تقول:سيهتكون أعراضنا..!!ناس تقول:لا يجوز السلام عليهم أو رد سلامهم..!!الغرباء يمشون،أرتال تتبع أرتال،يتقدم كل رتل شاب مترجم،في البدء لم يخفِ المترجمون وجوههم بلثام،عندما أستشرى الأنتقام منهم من قبل مجاميع مجهولة،أتخذت الجدران مناشير ممتازة لنقل رسائلهم وتحذيراتهم إلى الناس الذين باعوا أنفسهم إلى الأجنبي المحتل،يجبرونهم بترك العمل مع الشياطين واليهود،أنت تمشي،ناس تقف لقراءة الكتابات،[فلان خااااااااااائن مطلوووووووووب رأسه].. [الحكووووووومة غير(شرعيييييييية)لاتتعاملوا معها]..[على(........)أن يعلن توبته علناً في المسجد ويدفع كفارة(دفتر)ويصوم شهران،قبل أن يقطع رأسه]..تهز رأسك،جدران صقلها رجال البلدية،في حملة كبرى لتجميل البلدة،ناس قالت:سلطة الإحتلال جاءت بأكياس دولارات،المسؤولون(لطشوا)الدولارات،وصبغوا الجدران الممتدة على طول الشارع الرئيس،صبغوها بصبغ عادي،صبغ غير مستورد..!!كل شيء ممكن ووارد،وأنت تمشي،تحاول الوصول إلى السوق،تجد تجمعات شبابية،واقفون يقرأون[حكومة(......)حرامية].. [السلطة المحتلة سرقت أطنان من الزئبق الأحمر]..[تراث حضارتنا تباع في بورصات العالم]..[الجهاد..الجهاد..الجهااااااااااااااد أيها النااااااااااائمون]تحولت الجدران إلى مسرحٍ للرشق بالعبارات الهادئة قبل ان تغدو عبارات تهكمية ثم عبارات سب وقذف وشتم،[القائد الضرورة سيعود قريباً..الويل لمن أرتد]..[ياناس أمريكا ستنسحب كما أنسحبت عام 1991لا تورطوا أنفسكم ]..[لا ضروروة ولا عودة أنتم واهمون يا مهزومين]..[(.......)عز العرب].. [(.......)(طييييييـ......)العرب]كل صباح تخرج الناس،بعد ليل طويل حافل بالظلام وهجمات بعوض شرس غزت البلدة،ناس قالت:قوات الإحتلال رمت حاويات فيها بعوض مستورد..!!ناس قالت:يريدون نشر الملاريا حتى يجلبون لنا أدوية مقابل نفطنا..!!كل صباح تندفع كواكب شباب لا شغل لهم،يتوقفون أمام عبارات تهاجم الحكومة والسلطة المحتلة،تنقل الالسن تلك العبارات إلى البيوت،النساء متلهفات ينتظرن الحلوى اللسانية المنثورة على الجدران،يتلقفن ويتناولن العبارات بالضحك ناسيات ألم ما جرى وما هو متوقع سيجري من عواقب وخيمة،عبارات تجدها فوق الجدران،في اليوم اللاحق تجد تلك العبارات مشطوبة،فوقها عبارات مضادة، [وين(.......)وينة]..[لو بيهم خير يلاكونة]..انا لم اقف مع الواقفين،لم أجد في رغبة لأقف معهم وأقرأ ما هو مكتوب،ناس تمشي وتردد العبارات،أسمعها من السنتهم،زمن الحرية،كل واحد يطلق لسانه،يسب ويشتم،من غير عقاب أو حساب،غادرنا غرفة المولدة الكهربائية،وجدنا مكان بديل،غرفة مهملة،أعدنا لها الروح،قبل أن تداهمنا قوة محتلة،نزل شاب ملثم،تكلم بعبارات مخنوقة،عرفت ما قذف بوجهي قبل أن يرجع ويركب في مركبة غازية،قال:غداً سنأخذك إلى ـ غونتانامو ـ إذا وجدناك هنا..!!رحنا نتجول،بيت بلا مأوى،عائلة متنقلة،غرفتي الوحيدة خلتها ملكي الوحيد،هي كل ما تبقى لي من حطام الدنيا،غرفة مهملة،بعدما تجاوزت الناس على كل شبر أرض،وجدت غرفة منسية،دخلتها وقمت بتعميرها،سكنت فيها لسنوات قبل أن ألتقي(منار)تلك الغرفة،جاءني الشرطي الذي يحمل رشاشة وأجبرني على أخلاءها،قال لي هي ملك جده المهجر،يريدها،لا محيص،وجدت الرحيل أضعف الإيمان،تصور يا كاتب،بعد سنوات ياتي شاب بسلاح رشاش ويهددني،حالة أستشرت مع دخول الغرباء إلى البلاد،جاءت زمر تهدد الناس، تهدد بيوت تدعي أنها تعود لأجدادهم،الحاكم الذي فر من قصره الرئاسي،أخذها عنوة ووزعها على موالين لسلطته،وكلما نجد مأوى يحيطوننا ويجبروننا الرحيل،ذات يوم رأينا من بعيد نقاط تتحرك،خلناها بداية لرحيل جديد،قلت مع نفسي،أرتال غرباء جاءت تطردنا،لم نكد نسكن غرفة منسية،سوى خمس ليالٍ،غرفة مهملة، غرفة على شارع البلدة الوحيد قرب السوق،بنتها البلدية،بعدما صار الشباب يتبولون في الحديقة العامة، يتغوطون في الليل ويتبولون،نقل واشي الكلام للحاكم،زار الحاكم الحديقة العامة،يتبعه زمرته المسلحة،وجد المتنزه مزرعة للغائط،رائحة مقرفة للبول المتخثر،قرر الحاكم أن تبنى غرفة لدورة مياه صحية،فرصة جديدة لتجميع المال،سرعان ما تركتها دائرة البلدية بعدما تم إنتزاع بابها وزجاج نافذتها في الليل،وتفاجأت بوجود عبوة ناسفة تنتظر ضغطة زر،تم ترك الغرفة مأوى للكلاب في الليل وملاذاً للشباب حين تتدفق في مثاناتهم ما يحتسون من علب مشروبات غريبة،صارت ترص على إفريز الشوارع مع بداية دخول الأغراب إلى بلادنا،لاح الموكب الزاحف،رهط صبيان يقودون حماراً مستسلماً،صاحت فيهم(منار):
ـ ويحكم اتركوه يا صغار..
تقدمت منهم،رأيت الحمار يستنجد بعينين فيهما غموض..قلت لهم:
ـ اتركوه لنا يا أولاد..
قال ولد صغير:
ـ لقد رأيناه يهبط من السماء يا عم..
قال آخر :
ـ أنه يكذب،لقد رأيته يخرج من شق الأرض..
قلت لهم:
ـ سآخذ هذا الحمار منكم..
ـ لن نتركه..(قال أحدهم)..
ـ سنبيعه لك يا حمّال..(أجاب آخر)..
قلت لهم:
ـ حسناً خذوا،هذا كل ما عندي..
تلقف أحدهم ما أبرزت من أوراق نقدية واندفع راكضاً ووراءه هرول الآخرون،فرح الوافد الجديد إلى تركيبة عائلتنا،ظلّ يحك رأسه بي،فرحت(عشتار)وفرحت(منار)وصار لنا زميلاً وصاحب عون ومعروف،بعد خمسة شهور،أمرت الشرطة تحويل تلك الغرفة إلى نقطة تفتيش،جراء تفشي ظواهر مفسدة بين الناس،ناس تمرر العبوات الناسفة مقابل المال،ناس تخطف أطفال مقابل دفع فدية،من جديد رحنا نبحث عن خربة أخرى،لنطوي ورقة أخرى من سجلات زمان التغيير..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعل الغجريّة(رواية)5
- بعل الغجريّة..(رواية)6
- بعل الغجريّة..(رواية)3
- بعل الغجريّة..رواية/4
- بعل الغجريّة..رواية(2)
- بعل الغجريّة..رواية(1)
- حكاية عبّاس
- ثلاث قصص قصيرة
- السكن في البيت الأبيض
- ونثرنا ضمائرنا على الجدران//قصة قصيرة
- بجلطة شعريّة..مات بطل رواية(نافذة العنكبوت)
- الأتفاقية الأمنية بين مطرقة أمريكا وسندان الفوضى
- أنا كاتب تلك الفصة
- شيء ما يحدث
- لحظة فقد ذاكرته
- أنا كاتب تلك القصة
- في حدثين منفصلين
- حفيد العاشق محروس
- مضت ساعات الندم
- براءة اكتشاف..البرلمانيون لا يقرؤون


المزيد.....




- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - بعل الغجريّة..(رواية)7