أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الشريفي - للنبّيذ أوان..















المزيد.....

للنبّيذ أوان..


كريم الشريفي

الحوار المتمدن-العدد: 2479 - 2008 / 11 / 28 - 03:22
المحور: الادب والفن
    



يجلس متسمراً كأنه تمثالاً من البرونز في الصف الثاني من قاعة المحاضرات ، يتلقى علوماً لصنعة يبغي ، وحرفةً يريد، ومهارةً يكتسب وقدرة يروم ليضيف له شيئاً جديد. حاضر المكان جسدياً ، غائباً عنه ذهنياً .. غارق في عوالم لاتنتمي للحظة. مسترسلاً في التاريخ واغلبه في الماضي يصوغ منلوجات ، وحوارات عقيمة ... يتأفف على احداث ، كان يتمنى أن لاتقع ... يدرك تماماً إنه لا يستطيع ليّ حلقات التاريخ ليبّدل الأحداث ويغيرها كما يشتهي .. يتكرر هذا المشهد كثيراً له. فجأةً تتلاشى هذه الرتابة على وقع خطوات السيدة (بيركو) الأستاذه لأحدى المواد الدراسية ..تدخل القاعة منسجمة وقورة ، تسير بثقة مبالغ فيها رغم رصانتها. تتجاهل العوالم التي حولها ، أحياناً تتعمد هذا التجاهل ..ترتدي ملابس في الغالب انقية ونظيفة ، وكأنها مُعدة بأتقان للأرتداء ، رغم الألوان الداكنة التي تتعب النظر إليها .. انها دكنة باهتة ، خاملة ، راكدة لا توحي على ذوق جدير كألوان .. تخفي هذه الألوان المّملة لرؤيتها شخصية غريبة الطباع ،غرائبية السلوك انها تناقضات للأضداد مضطربة ..سلوكها تتعمده بأن يكون جافاً ورسمياً ومقرفاً حتى مع الزملاء . يجلس التلميذ ببؤس وقرف لسماع خمسون دقيقة عن الأرقام ، والمعادلات ،والأحصاءات التي تتلوها السيدة (بيركو). لايلوي مظهرها عن التفاتة واحدة فضلا عن اهتمام .. لانها فاقدة لما يثير الغريزة ، وما يستنهض همةً لشهوة ، بل حتى لومضة نزوة عابرة، او تحفيز لرغبة على استقدام أي تفكير ذكوري أو غريزة ذكورية ..لا احد يلتفت لها .الجميع يتجاهل الأقتراب منها ويؤثرون الأبتعاد عنها كونها كائن بلا حيوية فضلا عن افتقارها الى أي ومضة فيها انوثها .. لكنها على درجة عالية من الحرفية والمهنية ، انها تجيد حرفتها بفرادة واقتدار مهني يدلل على تجربة عمل طويلة وناجحة. تضع نظارات سميكة على عينيها المختفيتان الصغيرتان .. توحي لأول وهلة على انها قارئة لينابيع المعرفة الأنسانية لذلك وهن بصرها وتراجع نظرها من شدة القراءة . انها في اواسط العقد الرابع من العمر تخشى ان تكون السنوات القادمة سنوات حسم للعد التنازلي لبداية اليأس والقنوط والأحباط الذي يصيب النساء اذا ما تخطنّ العقد الخامس وبيركو على عتبة الخمسين ، انها لا تريد اضمحلال نضّارتها ، وخفوت ألقها الذي سيتبدد اضوائه بعد حين. بالكاد تبتسم وان فعلت فأن ابتسامتها صفراء استخفافاُ واستصغاراُ بالموضوع أو المتحدث به.لانها مغرورة بشكل اجوف وهذا الغرور يغطي احزان ،وآلام ، ومكابدات عاشتها .. ربما بسبب دمامة خلقتها ، او حدث في طفولتها .. لا تسمح لأي واحد بالأقتراب من عوالمها الذهنية أو النفسية . هناك من يشفق عليها من الطلبة يحاول التماس الخطوة الأولى لهذه الأنسانة لكي يقلل من هذا الحاجز الذي يفصلها عن الأخرين . هي مغامرة اكتشاف .. اقترب التلميذ الغائب مكاناً ليبدأ حديثا جاداً ، وموضوعاً رسميا مشفقاً عليها ليعبر عن اهتمام بها اضافة الى دافع الفضول..بدأ الحديث مهذباً بأسئلة اراد ان يفكك هذه الشخصية المتعالية ليعرف عن حق هذه صفاتها ام الأخرين يضعون حاجزاً معها عن عمد؟ حاولت ان تمنعه لكن لم تقاوم طويلاً ..تجاهلت الأمر بدايةً لكن التلميذ اصرّ على تعرية هذا الكائن ، ليفضح هذا التكبر الزائف والتعالي المصطنع شعرت الأستاذة انها مجبرة بل مكرهة على أجوبة الأسئلة ..أنك رائعة وناحجة مهنيا و... التلميذ سألها .. ان درعها النفسي تصدع بسرعة البرق ، معبراُ عن سّد وهمي. بدأ ينهار هذا الدرع .تبادلا الحديث وذهبا كلاهما الى عالمه. لكن عرفت تماماً ان هناك من يهتم بها على نحو ما ! اذن كان هذا التجّبر والتعالي عار ِ عن الصحة ومقصود توصل التلميذ الى هذه القناعة بسهولة. الكل على أبواب العطلة الصيفية، بالغالب ادارة الجامعة تقوم بترتيب سفرة ترويحية للطلبة ومن يأتي معهم من الأساتذة او الأداريين . الأماكن المحتملة هي أما سفرة بحرية بالباخرة، او اقامة في معسكر سياحي، لكن تقرر أن تكون سفرة بحرية لانها مغرية للطلبة على سطح الباخرة.جاءت (بيركو) تتلوى ،وتترنح على السلم المؤدي الى باب الدخول الرئيسية للباخرة بعد ان تجمعوا الطلبة على سطح الباخرة ..ترتدي ـ بنطاال جينس ـ وقيص أبيض يبان منه خيوط سوداء لحمالة صدرها . تسريحة شعرها مرتب الى حفلة من حفلات (البيتلز) التي كانت متأثرة بها ايام الشباب.جاءت تنشد المتعة بالمشاركة بهذه الرحلة البحرية .أو ربما بسبب آخر.ان وقارها المعهود تشظى بسرعة بأرتدائها ـ شلوار الجينس ـ أو ربما تريد الأيحاء بأنها لازالت صبية تبحث عن مغامرة عاطفية ولو عابرة. دخلت قمرتها وتوزع الطلبة على الكابينات داخل الباخرة . الباخرة محبّبة للسفر لانها عبارة عن مدينة صغيرة فيها كل أسباب المتعة من مطاعم ، اسواق تبضع، مراقص، حانات خمر، ومسرح للعروض الترفيهية . معظم المسافرين يتأهبون للأحتفاال عندما تُبحر الباخرة في عرض البحر لتمضّية االليل برقصة ،أو لقاء غرامي او تعارف عابر او صفقة تجارية كل الأحتمالات واردة في عالم الباخرة .قبل منتصف الليل بقليل توجهت الجموع الى اكبر صالة للموسيقى والمتعة مثلما يتوحه الثوار الى معاقل المقاومة آبان النضال الثوري للدفاع في الأغلب عن عقائدهم وليس عن اوطانهم. بعد صعوبة من زحام الممر المؤدي الى المقاعد القريبة من خشبة الأستعراض ، حيث الكل يتمايل بغبطة، الأجساد تترنح وتّتلوى على انغام الموسيقى في بداية طربها .. الموسيقى مدويّة في سكون الموج ، والصخب يخترق هدوء البحر ..وجدت (بيركو) مكانا لتجلس فيه بالقرب من التلميذ بلا تحفظ . تلميذي البار قالتها بأعجاب لا يخطئه العقل .. دعنا نكمل ما بدأنا من حديث ..أعتقد المكان هنا لايتناسب مع أحاديث جديّة سيدتي التلميذ قال ! قالت فقط اريد ان اعرف أنتم الرجال تستكثرون عليكم فضول المرأة الذكية وتنهارون في أول منعطف من استعراض ذكائها عليكم ؟ أدرك التلميذ ان قدح النبيذ الثاني الذي تناولته المدرسة سيكون مفتاح للدخول الى سريرتها وهذه فرصة لفك هذا اللغّز الذي يراه يوميا .. كل الذي لاحظه التلميذ إن (بيركو) بدأت تثير البعد الأنفعالي الذي طغى عليها بعد قدحين من النبيذ. تريد ان تتوصل الى الرضا الجسدي والنفسي بالتعبير الشفوي لخلجاتها والتأكيد بأن غرورها مبّرر وكبريائها مشفوع لانها ذكية ومن التلميذ تحديداً.استرك التلميذ ان العاطفة الجياشة والرغبات المكبوتة والأماني الغير محققة ، لا يستطيع العقل التحكم بها وقمعها لانها وحشية لا تعرف القيود خصوصاً بعد عدد من اقداح النبيذ.سيدتي يعتمد شكل وحجم الأستكثار الذي ذكرتيه ؟ انا لا ارى استكثار علي لانك انتزعتي تأكيد ذكائك مني! ..لا ..لا.. أنا لا اقصد أنت تحديداً لكن الآخرين ! انا أراك إمرأة رائعة وجميلة ؟ صحيح ..؟ ما وجه الغرابة بذلك ..؟ لم اسمع شخص اثنى علي مثلما فعلت أنت ! لا أحد قال لي انت جميلة ! لكن اريد أن اسألك .. هل انا قبيحة .. أرجوك ان تخبرني بصدق؟ انه فخ ليس سؤال ..استدرك مجاملاً ..لاتوجد امرأة قبيحة ..كل النساء جميلات! لا..لا .. هذه مجاملة .. ابتعد عنها ارجوك؟ أنت ذكية ومتعلمة ومهنية ... بحق السماء اترك هذا الثناء. سؤالي واضح ولايحتاج الى مواربة أو مدارات ..هل أنا قبيحة ؟ من قال لك هذا ؟ طيب لماذا الرجاال لايتكلفون حتى بنظرة شاردة علي؟ سيدتي علي ان أكون منصف وأقول لك شيئ ...نعم ..نعم اني استمع إليك ..أنت تتصرفين بجبروت وعظمة وتتصنعين في كثير من الأحيان تعالي فيه افراط مقصود ، موحيةً للأخرين بأنك الأفضل وأعتقد هذه طريقة تُنفر الرجال منك وبالتالي يتجاهلونك! لكن انا لا اعتقد ذلك ..الرجاال لايحبون المرأة المتجبّرة ، المتكبرة، والذكية أيضاً ! لماذا ؟ لان الرجل يشعر بهيمنته الذكورية منذ الصراع الأول بالبشرية عندما انتزع الرجل السلطة من الأنثى لذلك لا يريد ان يُفّرط بها ثانية ولا يريد ان يقّر هيمنتها وسيطرتها وسلطتها مرة اخرى ! مثلما توقعت ..أنك الرجل الوحيد الذي يستطيع ان يفهمني ...وارتمت على صدر التلميذ باكيةً ...أشفق عليها وداعبها مواسياً . سيدتي اتمنى من الأعماق ان تجدين من يُبدد عليك وحشة الوحدة، ويحررك من عوالم الوهم .. لا سيما وأنها على ابواب العقد الخامس. استأذن التلميذ ليلتحق بزميل له الى مكان آخر . أرجوك ان تبقى هنا ... اعتذر.. سيدتي لان زميلي ينتظر. علي المغادرة .. لا اريد ان افرض نفسي عليك .. الكرامة ، الكبرياء، عزت النفس ...اشياء وهمية ليس لها قيمة في هذا المشهد قالت بيركو.. ردّد عليها بزحمة الأصوات .. سيدتي اتمنى لك حظأ سعيداً ووقتاً جميلاً وغادرها ... عيونها الصغيرة من خلف النظارات تتوسل ذليلةً ...لكن التلميذ كان نجيباً لا ينشد إلا مايجهله الآخرين.
كريم الشريفي
فنلندا 2008



#كريم_الشريفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شجن الأثير


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الشريفي - للنبّيذ أوان..