أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - صومعة على حافة الطريق














المزيد.....

صومعة على حافة الطريق


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 2477 - 2008 / 11 / 26 - 04:07
المحور: الادب والفن
    


هل أشتاق إلى وطن سلخ أبناءه عند عتبات التاريخ؟ نسي حاضره وبدا المستقبل باهتاً، وأصبح الماضي هاجساً يؤرق عظام الذين صنعوا أركانه.
ما نزال نبحث عن ظلالنا وعن انعكاس الحياة في فضاء المرآة.
هل أشتاق إلى وطن لم يعد يتّسع لكلماتي؟ وبدا الحنين كلّ ما تبقى من وصال. كيف أستعيد تلك الذكرى الغارقة في قرن من الزمان مضى، وتركني تائها في حضرة يومي المتسارع. الآن أدركت كم أنا ضئيل، أمام ابتسامة طفل، لم يدع البراءة تهرب من محياه! الآن أدركت لماذا تسرع سيارة الإسعاف، حين تنقل مريض القلب إلى المشفى، ربما طابت له حالة الذهول، وأخذت الروح بالارتقاء إلى بارئها. ربما سئم العبث وهطول المطر، وتوالي الليل والنهار، والانحباس الحراري، وجموح النساء والوحدة القاتلة. دعوه يمضي حيث السكون والخلاص من عتمة النهار والضجيج الصامت المضني في الشوارع المكتظة بالحكايا. يا قلب، ربما ما زال في عضلتك بعض القوة فاخفق، حتى ننهي القصيدة، وينتهي العندليب من أغانيه، فالموال لا يحتمل مماطلة. دعه ينزف قافية أخرى، ربما انفجرت عيون المساء وشارفت على مقاربة نجمتين تلتقيان في اللامنتهي، حيث تقف بعض الملائكة عند حدود الوعي، رادعة كلّ من تسوّل له نفسه النفاذ إلى فتات الحقيقة.
هكذا، حملت وطني على قلادة ذهبية، وضعتها على صدر صغيرتي، وصرخت في وجه الدنيا: "هذه فلسطيني، أفهمها بطريقتي الخاصة. ولا أقدر على المتاجرة بمأساتي، يكفيني امتيازاً أني سرقت من جلادي أسطورة الضحية، وسوف يدرك يوما ما، وربما يكون الوقت قد فات عندها، بأن أظافري حادّة للغاية، وعظامي يصعب تحطيمها، رغم الاغتراب واجترار الأمطار، وحرارة مياه الدانوب المتدنية، وصعوبة الصعود إلى الألب وسقف الدنيا أصبح لا يعني سوى فضاءً مفضوحا، ومرتعا للصقور العابثة.
هكذا حملت وطني أنا المعارض لنهج الموت البطيء، ورهن حياتي بين يدي متسلط بالكاد يفك رموز الحياة. النار تشاط وترتفع حمى سعيرها، والاشتياق عصف بجوارحي. لماذا أطيل النظر في وجوه المارة أحياناً، هل يدركون بأن الشوارع والساحات والملاهي والمسرح والمقهى والثرثرة في أصول الليل لا تنتهي، تحوم الأصوات المتشابكة لتصبح غيمة واعدة.
قَبِلْتُ دموعك، قبّلت جبينك، أمسكت يدك الباردة، تحسست جيدك المتفجر رغبة ونشوة، مارست طقوس العشق مع طيفك، راقصتك، همست في أذنيك بعضا من أسراري، حملتك بين يدي كطفلة صغيرة .. قَبِلْتُ دموعك، قَبَلْتُ جبينك.
الآن أدركتِ حكايتي، وكأني ورقة مفتوحة بين يديك، من عادة النساء حرق الأوراق حين الضجر! حاذري يا امرأة، فأنا ما زلت عاشق، لم أنهِ الفصل الأخير من كتابي، ربما بقيت نقطة لم أكورها عند تخوم النهاية، والاشتياق اختزل ربيعي.
حاصرتني ثلوج ((الريلا)) قبل عقد من الزمان، كنت ثملا وكأني والربّ على موعد، وكانت الدببة تضرب على صدورها معلنة ملكيتها لكثبان التلوج العارمة. وانا مجرّد يفاعة تزحف في هذا الملكوت الأبيض. كلّ ما حولي أبيض، أبيض. حتى السماء خجلت من نصاعته، فابيضت عيونها وحاصرتني النجوم خجلة. يومها كدت أسقط فريسة بين مخالب دبّ صغير بحجم عربة، لكن دعاء أمي والكيروان والاشتياق والمسبحة وطعم الليمون في حديقتي الصغيرة، وقلادة الذهب – خارطة الوطن على صدر صغيرتي، والعنبر والمسك والصخب في سوق الحميدية، وشوارع القدس القديمة، وشارع المتنبي، والكرخ والرصافة، وشارع الرشيد، وخان الخليلي، والغورية، وحي السيدة زينب، والزقازيق، والكورنيش في بيروت، والجامع الحسيني والساحة الهاشمية وقصر الثقافة في رام الله ((محمود درويش)) وقريتي الراقدة بالقرب من سدرة المنتهى، وقلبي الذي ارتسم خطا بيانيا متعرجا. كل هذا سمّر الدب الصغير مكانه، قرأ في عيني حكاية حضارة تحارب النسيان، فمضى يبحث عن فريسة يسهل طحن عظامها، مضى بعيدا عن الهمّ الشرقي، كان يخشى أن تهاجمه كلّ هذه ذكرياتي دفعة واحدة.
قررت نصب صومعتي عند حافة الطريق، لكم أن تشتموني، ولكم أن تزوروني وحيداً في صومعتي. وسوف أقدم فنجان القهوة مطحونا بالهال وشيئا ن روحي. تعالوا إلى آخر ما تبقى لي في هذا الاغتراب، حفنة عشق وبعض الحلوى وأنا وأنت تجربة لم تكتمل ..




#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شتاء العمر وربيعك
- لن أكون رئيسا يوما ما
- أسفار
- هُنا بلْ هُناكْ
- شخصيّات عبر التاريخ (أندريه تاركوفسكي)
- إرهاصات فكريّة
- البحث عن دلال
- أعراس
- شخصيّات عبر التاريخ (بوريس باسترناك)
- بصحّة الرفيق ستالين
- في حضرة الشيطان
- أحياناً تنفلت اللحظة
- فضاء روحك
- أنشودة الشرق
- العسل ومعاني العدم
- ستّون عاماً وعام يا وطني نكبة
- طقوس الغرام
- علبة الكبريت
- شتاء الوطن
- مراكبي 3 - 4


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - صومعة على حافة الطريق