أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني والسياسي (17) ؟

سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 2476 - 2008 / 11 / 25 - 09:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

بالتأكيد أن الملك محمد السادس بقدر ما يحرص على اتخاذ مبادرات جريئة بهدف إرساء دولة الحق وأسس الديمقراطية مع مراعاة الشروط الموضوعية التي تقتضيها كل مبادرة ، كما هو الحال بالنسبة لمبادرة الجهوية التي جاء بها الخطاب الملكي في الذكرى 33 للمسيرة الخضراء ، فإنه ــ الملك ــ حريص كذلك على خلق وضمان توازن حقيقي بين القوى والأحزاب السياسية حتى لا يكون مصير المغرب مرهونا إلى إرادة طرف سياسي بعينه ، أيا كان ولاؤه اليوم للنظام . خصوصا وأن تجربة القصر أكدت أن الخطر يأتي أولا من الأطراف الموالية . لهذا ، ووعيا من الملك بالمخاطر التي يمكن أن تهدد استقرار النظام ووحدة المغرب إذا ما استند إلى طرف سياسي بعينه ، كان ضروريا وضع إستراتيجية واضحة المعالم ومحددة الأهداف ، وتقوم على دعامتين أساسيتين :
1 ـ الدعامة الأولى تقوية المؤسسات الدستورية ودعم السياسة التشاركية بهدف إشراك كل الفاعلين في بناء مغرب ديمقراطي قوي يضطلع الفاعلون والمواطنون بواجبهم الوطني في إدارة الشأن المحلي والعام بما يخلق التنمية المستدامة ويعزز الحكامة الجيدة . لهذا أعلن الملك في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء عن ورش من الإصلاحات بغاية (ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة، وتعزيز القرب من المواطن وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ). وفي هذا الإطار قرر الملك فتح صفحة جديدة في نهج ( الإصلاحات المتواصلة الشاملة التي نقودها، بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة، تشمل كل مناطق المملكة) . وباعتبار أن (مشروع الجهوية، إصلاح هيكلي عميق يقتضي جهدا جماعيا لبلورته وإنضاجه ) قرر الملك إشراك كل الفعاليات في بلورة تصور عام ( وإننا لحريصون على أن يتمخض التصور العام لهذا المشروع الكبير عن نقاش وطني واسع وبناء، تشارك فيه كل المؤسسات والسلطات المختصة والفعاليات التمثيلية والحزبية، الأكاديمية والجمعوية المؤهلة). بالتأكيد أن الملك على وعي تام بأن حماية النظام والدفاع عن المؤسسات الدستورية والمصالح العليا للوطن لم تعد قضايا منفصلة ، كما لم تعد من مسئوليات الملك/النظام وحده ؛ بل أصبحت موكولة أساسا إلى المؤسسات الدستورية وعموم الهيئات الحزبية والمدنية . لقد ولى زمن التصارع على الحكم بين النظام وبعض الأحزاب السياسية التي باتت شريكا في إدارة الشأن العام ، ومن ثم غدا استقرار النظام وقوة الدولة ووحدة المجتمع هدفا مركزيا تلتقي عنده إرادة الفاعلين السياسيين . فالجميع يركب نفس السفينة والجميع تعنيه سلامتها .
2 ـ الدعامة الثانية كسر الطوق الذي تسارع حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية في ضربه حول النظام عبر شتى المجالات : سياسية ، دينية ، جمعوية . أما بخصوص الجانب السياسي فإن الحزب يجعل من أهداف وجوده ومشاركته السياسية "الاشتغال على قضايا المرجعية والهوية " بما تعنيه من أسلمة القوانين وإلغاء كل ما يراه الحزب والحركة أنه "مناف" للشريعة كما يتصورانها . لهذا قرر الحزب في مؤتمره السادس أن يمارس الرقابة "الدينية" على الدولة ومؤسساتها ،ومن ثم على الحياة العامة من داخل المؤسسات المنتخبة وما تتيحه الآليات الديمقراطية . هكذا نقرأ في أطروحة المؤتمر ( على أن الاشتغال على قضايا المرجعية والهوية والقضايا الأخلاقية وجب أن يتم ضمن آليات الاشتغال وأدوات الخطاب السياسي أي باعتبارها من قضايا السياسات العمومية مما يقتضي التركيز على مقاربتها مقاربة قانونية وتشريعية ورقابية . فمقاربة الحزب لقضايا الهوية والأخلاق تتم بترجمتها إلى إجراءات عملية ومقترحات مفصلة مع آليات التنفيذ ، وهو ما يعني اقتراح سياسات عمومية في إطار برامج سياسية تطرح ديمقراطيا ضمن المؤسسات المنتخبة ذات الصلاحية ) . إن هذه الإستراتيجية التي يعتمدها حزب العدالة والتنمية تقتضي توظيف المؤسسات القانونية والتشريعية لتمرير توجهات حركة التوحيد والإصلاح "ديمقراطيا" . وبذلك تتكامل حلقات الطوق السياسي الذي يتولاه الحزب مع حلقات الطوق الدعوي/الديني الذي تتولاه الحركة . ولا شك أن تركيز الحركة على نشر تصريح أحد أعضائها تحت عنوان "هناك اعتداء شنيع على دور القران يجب مواجهته" بمناسبة انعقاد مجلس شوراها في دورته الثالثة فيه أكثر من دلالة ، إذ جاء في التصريح ما يلي ( هو مجلس يتميز بتعدد الزوايا والمقاربات في التعاطي مع هذه التحولات، وبالنسبة إلي، ففي الوقت الذي يركز فيه الإخوان على قضايا مثل منع الحجاب في بعض الإدارات، والفساد الأخلاقي، فإن مجلس الشورى، في نظري، هو محطة لمدارسة قضايا من زاوية حقوقية، مثل قضية الاعتداء الشنيع على دور القرآن الكريم، وهو محطة أيضا للدعوة إلى تحريك المساطر القانونية لوقف هذا الاعتداء الذي قامت به وزارة الداخلية، وأيضا لتحريك دعوى قضائية ضد المتطاولين على نظام الإرث) . ولعل القارئ الكريم يدرك وحدة المنطلق والهدف بين الحزب والحركة في سبيل إحكام الطوق والضغط على الدولة لمراجعة مواقفها واختياراتها التي تنسجم مع توجهات الحزب والحركة العقدية والمذهبية . للحديث بقية .

#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات