أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - المقاييس والأحكام اللغوية والفنية في القصة القصيرة العربية الجزء السادس















المزيد.....



المقاييس والأحكام اللغوية والفنية في القصة القصيرة العربية الجزء السادس


جعفر كمال
شاعر وقاص وناقد

(تôôèô‏ ؤôéôم)


الحوار المتمدن-العدد: 2476 - 2008 / 11 / 25 - 06:34
المحور: الادب والفن
    


يتناول: الأديب عبد الباقي شنان
إن علاقة الكاتب ببطله في هذا الجزء تتشكل عبر هذه المصطلحات، التي سوف نوليها اهتماماً كبيراً، بالشرح والتحليل في سياق دراستنا هذه وهي: التورية، والتوهم، واللغز. لكونها إحدى المنشطات البلاغية في أساسيات المكون الأدبي، التي تؤدي المعنى المقصود في التعبير عن الأحوال الحسية والنفسية، سواء أكان شعراً أو قصةً أم روايةً، فمنها تعددت الفنون الأدبية وتنوعت، كونها تقوم على أساس متناقضات الإدراك المعنوي، والرؤيا الانتقائية التي تقوم على المفاضلة، وترجيح هذه الرؤية على تلك، ونسمي هذا بالحس الجمالي، أو كما عبر عنه الناقد المصري د. محمد غنيمي هلال ب "الفن الجمالي". يستقي الأديب من إحساسه العاطفي خصائص المعاني الجديدة المبتكرة، ليرفد نصه بالمفاهيم المشخصة بين الرؤية والمدلول، ومن خلالها يطرح أفكاره في صور بارعة تتقن التشبيه الملمح له، واستعارة المعاني، أو الألفاظ ومطابقتها بالدلالة الفصيحة والصحيحة، لتنتج انعكاسَ وحي ملموس في الفكر، ومكثّفٍ بالرؤية الفنية وجودتها اللغوية، لمعرفة محصلة تهدف لترجمة مواقف وآراء سلبية أو إيجابية، تأتي بالعناصر الموحية التي ينهض عليها النص، فتأخذنا إلى لمع بلاغة فكرية، تجتهد فيها اليقظة الذهنية، ويتحد فيها عامل الحدث، مع تقنيات تتطلب مستوى عالياً من الثقافة والإطلاع والمعرفة، وهذه التقنيات لا تتساوى عند كل الأدباء بمستوى فني واحد، إنما تتميز بين هذا الكاتب وذاك، حتى الخيال عند الكاتب نفسه لا يخضع للتشابه بين هذا الإبداع وذاك، إنما هو كيل قد يفيض وقد ينتصف وقد يجف، وللذوق في صناعة الكتابة فرصته في التمييز أيضا فمنه الحسن ومنه الوحش، وهذه العلوم الفنية كلها تخضع لنظرية النسبة عند المبدع، لأن الكتابة الأدبية نسبية في جوهرها وسلمها الإبداعي، وهذا ما تم التعارف علية في الآداب العالمية، لذلك تجد لكل عصر أدبه المجدد وفنه وعلومه، كون الإبداع ليس ثابتا عند المبدع، وليس متطابقا في كل النصوص عند الأديب الواحد، ومن هذا المشترك الأدبي تتحدد الذائقة الصوتية الداخلية في صناعة النص، من خلال محاكاة الخيال والعاطفة للصورة التي يتحسسها الكاتب، ويتفاعل معها بمشاعره وثقافته ولغته، التي تؤهله لهذه الصناعة الفنية، يقول القدماء: "وهكذا نشأ في تاريخ الأدب العربي فن عُرف باسم طبقات الشعراء.1" لأن مبدأ الإبداع الشخصي يقوم على الكيل الذاتي الذي تنضح به المعرفة خصوصيتها، كذلك حساسية الخيال العاطفي، كون النص مكتسباً بفعل مقدار هذا الوعي وتفاعلاته القيّمية، ومن هذا الاعتبار أتخذ النقاد تفضيل أديب على أديب آخر، من حيث المقاييس المختلفة التي تزن وتميز أنتاج الأديب، والأحكام التي تبين براعة الأساليب في المخاطبة، لهذا النمط اللغوي الذي تنشأ على أساسه المدركات الحسية للمعاني، فكانت أسماء كبيرة هنا وهناك تميزت بتوقدها الفكري، وهذا هو أحد أشكال التمييز الذي تفرد به الكاتب عبد الباقي شنان في كل كتاباته القصصية والروائية والبحثية، التي أسستها ثقافته المختارة الواسعة، والذي نحن بصدد تناوله في هذا الجزء.
تزامن الانسجام الخاص بين المؤلف وبطله في لقائهما الأول، والاختيار هو تميز هذه الشخصية عن الأخرى بعموم حالاتها التخصصية والعامة، إذ تجده يعير بطله اهْتماماً نفسياً في الغالب الأعم من حالاته، وذلك للنزعة السلوكية، ومدى انعكاسها على الجو المحيط بظروف البطل، لما يلحظه المتأمل من المظاهر والصور، كونها تفسر العواطف والانفعالات بين الفكر والمجتمع بجانب معين، ومن جانب آخر بين الفكر والشخصية ذاتها، التي تنتج جملة انعكاسات خارجية، للمواقف التي تتجلى فيها حقيقة العوامل النفسية والمادية، التي تتحكم في موقف الفرد من أهداف ونوايا وما يحيط به، وما يتوعده. ونحن أمام هذه القصة الموسومة "بالمقلوب2" للباحث والروائي والقاص العراقي المعروف عبد الباقي شنان، القائمة على قفزة المشخص لا المجرد حيث إن الإدراك الانفعالي يقوم على مهاتفة الأشياء كلٍ على حدة من حيث تفاعل الحواس، التي تتأثر تأثراً كبيراً بالعامل النفسي، الذي يستقيم فيه النص على اعتبار الحقيقة الراسخة في العقل الباطني وتعدد منابعه، تلك التي تؤدي بالمعنى إلى المبالغة المقبولة قسراً، والاكتفاء بالحدث الخارج عن الاستحكام وسيطرة الوعي دون عائق، وهذه العوامل كلها توزعت خارج وظيفة الصوت ووضعيته الدالة على الإيعاز والحركة والتصوير، كون بداية هذه القصة التي تشكلت على أساسها ظروف الحكاية، تعمل بشكل موضعي يحدده الزمان الانعكاسي في الرؤية الباطنية، خارج المكان والجهاز الصوتي، أي أن هذا الجانب من النص الذي تناوله القاص ينسجم مع ثنائية القانون المادي والمثالي، وكأنه إنتاج لعامل فلسفي ثالث نسميه الملائمة الرحمانية، التي تصنع مادة الرؤيا خارج العاملين البصري والصوتي، فالبطل يتفاعل معها وكأنها واقع قد حدث بالفعل، داخل دائرة النظرية التي تتحسسها عاطفته فيراها هو لا غيره، من نافذة تلاقح إحساساته الأميبية بالأحداث التي تميزها رؤاه الخاصة، دعونا نتتبع وحدة الصراع النفسي في حكم المتناقضات في الرؤيا الواحدة:
" أيها الكلب الخسيس تركتني لقمة سائغة للأنذال والذئاب.. أفعل أي شيء، إلا أنك غير قادر على الفعل، فيغمرك شعور بالإحباط والألم الداخلي، فتشعر وأنت حلمان بأن الذي يجري في أوردتك وشرايينك ليس بدم بل نيرانا لاهبةً."
في بعض النصوص المميزة منها، تكون المقدمة دالة على غزارة المضمون في نسقها ألتآلفي، ومعناه أن يشرع المؤلف تبسيط فنون الكلام بمدلوله اللغوي، وبرؤيته المتأملة لتنزيل الحكاية بأسلوب محبب، يجد القارئ ضالته التي تلائم مشاعره كونها تحقق مطلبه الخاص. يقول أرسطو طاليس في رؤيته العميقة عن بداية النص المميز والخالد: "هي إما كلية، وإما جزئية، واعني بالكلي ما قيل على كل الشيء أو لم يقل على واحد منه، والجزئي ما قيل على بعض الشيء، أو لم يقل على بعضه، أو لم يقل على كل الشيء.3" ما هو النبأ الذي يريد أن يوصلنا إليه أرسطو؟ عبر مخيلته الفلسفية للنص، هل يعني أن واسطة النبأ هو الصوت؟ بكل هذا التعدد المعرفي، وإذا كان هكذا فهل للدلالة سمة صوتية للشيء للكشف عن المعاني، كل هذا يتبين لنا في هذا الفن التصويري الانفعالي، الذي هو بالتأكيد خارج البصري المشخص في مفهوم الرحمة، والذي يرتكز على محاور تعلو وتهبط لتكشف لنا ردود الأفعال المتوترة في ميزة الصوت، والمشاعر الضحية المذعورة بتراجع الإنسانية، والهبوط في قاع القسوة الدائمة، لتضع تحت المجهر مخاطبة عجز العقل، التي يتعرض لها الإدراك وفهم المحتوى بصيغته الصوتية المادية، الذي هو موطن هذه الرؤية المحزنة في "اللوح المحفوظ" العقل، المكشوف على جدلية الأضداد في ظواهر الذات البشرية، وهو الصراع بين الشخصية والذات، أو ما يسمى بتأنيب الضمير عندما يقول البطل لنفسه: "أفعل أي شيء." وهنا يبدأ الكاتب بنسج أدواته الفنية وذلك في تحديد اتجاهات بطله وتميزه عن الواقعي اليومي، حين يضعه في مسار محوره الأميبي وشؤونه وتفاعلاته الكيفية، حتى تصبح هذه الحالة وسيلة لبسط الحقائق القادمة من العقل المجهول، الذي يتحسسه البطل الوهمي ويخافه، وبالتالي تكون منعكساً مفيداً ونافعاً في الكشف عن النواحي النفسية ومعالجتها من الأوهام الغير معقولة، وخاصة في لوم الذات لقلة فاعليتها، ولو استمعنا إلى رأي الشيخ الأمام عبد القاهر الجرجاني لتبين لنا: " يبيّن ذلك إنّا لو فرضنا أن تزول عن أوهامنا ونفوسنا صُوَرُ الأجسام من القرب والبعد وغيرهما من الأوصاف الخاصة بالأشياء المحسوسة لم يمكننا تخيّل شيء من تلك الأوصاف في الأشياء المعقولة.4 " وعلى هذا الأساس فقد أصبحت العلاقة بين المؤلف وبطله علاقة طبيب مختص، يستند إلى حقائق علميه يراها ويكلمها ويتفاعل معها، ومريض يتحلل مع حالاته النفسية المتوترة غير المستقرة، والتي تقوده في كثير من الأحيان إلى الميل عن الشيء بوجه، بدون قصد أو نية لها مبرراتها أو أهدافها الفاضلة أو القبيحة، وما أن يبدأ الطبيب في تشخيص الشك السببي المحمول من الماضي إلى حاضر الرؤية، يتضح الحال إن البطل يرى صور شخوص الماضي التي تتكرر أفعالها في مخيلته، فيكون منقادا إلى حقيقة تُعرف بالفطنة، يتحسسها في اللاوعي، ولا يتأثر بها في الوعي، وبذلك يحقق الراوي صراع المتناقضات في الشيء لبطله، من خلال قناعته بثقافته الخاصة التي تميزت له بفاعليتها عن غيره، فأنتجت أدبه الإنساني.
ومن خلال القوانين السرمدية التي يعيشها البطل الذاتي، تتراجع المكونات البشرية أمامه إلى خرافٍ ساذجةٍ بطقس تنحسر فيه رؤية الرفض والقبول، وهذا دليل معرفي، على أن البطل هو الآخر تراجع إلى مصاحبة غير واقعية، مع هذه المكونات غير البشرية، وهذه المصاحبة تشكلت من دون وعي البطل، لذلك لم تتحد منهجيا من خلال الملموس العام للانسجام الفكري، لهذا فهي تعلو وتهبط بمفهوم التنويه والدلالة على المعنى للمضمون الذي مازال أميبياً، وهكذا فالكلام الرشيق يؤسس قدرة هائلة للتوظيف الفني الأدبي، في هذه الصناعة القصصية المتميزة، وفي محبة نتابع قوله:
"وقد فوجئت لحظة صعودك حافلة نقل الركاب الحكومية، بأنك وسط كائنات غير آدمية تحتل مقاعد الحافلة."
في الرؤية الأولى: تجده حيناً ناقماً على الكائنات، وفي أحايين يصاحبها، ليكشف قلقها ونظراتها الحائرة المصبوبة علية، في معاني الكشف والمعالجة في مفهوم المفاجئة، ولكنه سرعان ما يتراجع، لأن كل ما يحيط به في الرؤية الثانية: يحاول أن يغور إلى أعماقه ليكشف سر الحقائق التي صنعت قدسية المعرفة عند هذا البطل، الذي لا يشبه الآخرين بالمواصفات الفكرية ذات المخزون الفلسفي، إذن نتابع هذه الشخصية المزدوجة التي أصبحت فيما بعد بالمقلوب في بنية صراعها خارج الوعي، وصيرورتها الذاتية، والمفترض الفلسفي أن لا يتحكم البطل بالتأثير والتأثير المتبادل من مبدأ مفهوم الإقناع الجبري للنفس، لأنه خارج الاستحكام النفسي للأشياء بصيرورته تلك، حيث يقول:
"وأحيانا تجد نفسك بين القبور، وفجأة وإذا بأبيك يخرج من قبره، وبيده مقشة والغضب يتطاير من عينيه.. يطاردك فتهرب والهلع يستولي على كيانك، إلا أنه يلحق بك فينهال عليك بالضرب المبرح، يضربك على ظهرك ومؤخرة رأسك، وأنت تركض هارباً أمامه".
في عبارة: "تجد نفسك بين القبور." المقصود هو الكلام النفسي للبطل الذي يحرك مشاعره بالتشبيه، مع أن النسبة الواقعية في التصوير والتصديق غير متلازمتين في تفسير الحدث ومعطيات أسبابه، لأنها خارج إدراك الوعي وعلمه بالشيء، وما تبقى لا يرقى إلى مستوى التفسير العقلاني، لأن الفرق ضاع بين العقل وطبيعة الأحداث المتراكمة، المتحركة بفعل الأقوال التالية: القبر/ المقشة/ الغضب/ الضرب/ اللحاق/ الهروب. هذه المعاني قد تؤدي الفعل الذي بنيت من اجله الأحادية الموغلة في التناقض الروحي في اللاوعي، لكنها غير متلائمة ومتجانسة مع الدلالية المقنعة لبيان مجمل الحقائق التي يجب أن تصاحب معانيها، كونها لا تفضي بالمراحل التفصيلية لنشوء الحدث إلى الوجود المادي، لذا فإن البطل بقيّ في مدار أنسنته المباحة، من هنا يبدأ الكاتب جدليته الفكرية التي أراد لها أن تتجاوز اللغة التقليدية في بناء النص القصصي، فوضع الحكاية بهذين المعنيين وهما العنصران المترابطان والمتناقضان بآن، وهذا إتمام حسنٌ في البناء وليس عيباً وهيّ:
أولها: الرؤية المثالية خارجة عن سيطرة الوعي، وهي وليدة متراكمات الوهم والخوف في البنية العاطفية المخزونة في "اللوح الباطني"،
وثانيها: الرؤية الواقعية المادية التي تتحكم في مسار العقل إلى: التشريع النظري ما بعد الحداثة في حرية الوعي المطلقة عند البطل الواقعي.
لقد أعطى الكاتب لبطله سمة ترابط الرؤية في مخزون العقل في الوعي وفي اللاوعي، أي الربط الذهني بين وظيفة الشيء وبراهينه الروحية، وانعكاسه بالصورة في اللاوعي الانهزامي "الأحلام"، ونرى هنا أن الكاتب وضع هذا الإحساس الدافئ الشفاف من بوح خزين مرجعيته اللغوية، وإظهار أحكامه البينية، متمكناً من التلازم العام بين اللغة "الصوت" والفكر "مخزون الأحداث"، فالفكر هنا يخفي الحجج وبراهينها كي لا تؤرق البطل في الواقع، فيجعله متزناً في تصرفاته العامة، ليظهر ذات الشيء بقسوة في اللاوعي "الحلم" فيؤرقه ويؤلمه، نتابع جمالية التورية في خطاب الذات وإنعكاسها على مألوف البطل وانسجامه مع قوانينه الخاصة، من حيث بلاغة المفاجئات التي يقودنا إليها الكاتب في قوله:
"صحيح أنهم أحيانا يبدون لك بصور بشرية، إلا أنهم سرعان ما يعودون إلى صورهم الحيوانية، وبالتحديد خرافاً، خرافاً كبيرة، بقرون طويلة وغليظة ومعقوفة وقد بدت لك بشعة المنظر، بأصواف طويلة وكثة وقذرة، وهي مبتلة بالبراز، تفوح منها روائح نتنة تزكم الأنوف، وعيون ليست كعيون الخراف، بل هي عيون ذئبية النظرات، وعدوانية ولئيمة، وقد وجدت نفسك مطوقا بتلك النظرات المخيفة والمقرفة والعدوانية، وكنت تشعر بها وهي تتوغل إلى أعماقك، فتهزك هزاً عنيفاً."
الألم/ الخوف/ الذوق/ الاشمئزاز/ العدوانية/ التعجب/ الاستفهام/ ووظيفة التمييز الفاصلة بين البشري والبهائم، هذه المعاني شكلت لغة التمييز بين الواقعي ألإحساسي بفعل الذات، وألا واقعي: الشيء خارج الذات، بمعنى الواقعي: أي المسيطر على المشخص من الأفعال. واللاواقعي: خارج سيطرة العقل على المحسوس والمنظور من الأشياء.
إذن هل للعقل الباطني وجودٌ موضوعيٌّ في لإنسان؟ ولكن إذا صح هذا، هل وجوده يتمثل بوجود الأشياء الطبيعية؟ عندما عبّرَ الفلاسفة عن "لإنسان بأنه وجود موضوعي"إذن لماذا العقل الباطني؟ وما هيّ مميزاته وردود أفعاله؟ لأن القاص في هذا النص أشار إلى علمٍ فاعلٍ للعقل، كما سماه القرآن "باللوح المحفوظ"، إشارة إلى الله، لأن الله هو العقل، وهو المتمثل بالصالح والشيطان، وقد عبر القرآن عن ذلك بقوله: "ليسَ كَمِثلهِ شَيء." الشورى 11- وهذا صحيح لا يوجد مثيل للعقل، وكما عبر الشاعر الخالد بدر شاكر السياب عن العقل بقوله: "إلهنا فينا." أي العقل هو الأحادي الذي يقود فهمنا للأشياء وقوانينها في التأثير والتأثير المتبادل بين حالتين في الشيء الواحد، وقول القرآن: " أنما إلهكم إله واحد. " الكهف 110. أي أن العقل واحد، ولكن بفلسفتين: الخير والشر، أي الثنائية المقدسة. والحق يقال أن الكاتب زاوج ما بين هذين المفهومين مزاوجة ناجحة، عندما عبر على أن الحقيقة فلسفة روحانية تعيش بالوهم والواقع، فلا صدقاً مطلقاً، ولا عدالة مطلقة، إنما الحقيقة في رؤية هذا النص هي الوهمية المقدسة، بقوله: "أنهم أحيانا يبدون لك بصور بشرية." وهذا شأن التورية للدلالة على أن المقدس الاختياري عند الإنسان هو الإيمان بالشيء مهما كان، فعبادة العرب للأصنام قبل الإسلام لا تعد باطلاً كما عبر عنها القرآن في سورة الإسراء 81: "وَقُل جاء الحقُّ وَزَهَقَ الباطلُ إن الباطلَ كانَ زهوقاً." إنما هو الإيمان بالشيء، وحرية الرأي والاختيار وإن كان متوارياً في قلة مفهوم الفلسفة غير الواضحة آنذاك في شبه الجزيرة العربية، مع أن وجود المشرع الفكري والإنساني كان متمثلاً بالكتب السماوية: التوراة، والإنجيل والزبور وغيرها، كان بإمكانها أن تمنح الناس المقدار الكافي من الوعي والمعرفة عن أحوال الحياة فيما هو ايجابي وسلبي بكل علوم الحياة، ولو أن أبناء تلك المناطق آمنوا بهذه الكتب، التي سميت فيما بعد بالمقدس، ومع مجيء القرآن أستطاع "الرسول" أن يقنع البعض من المقربين منه فآمنوا، ومن لم يؤمن فقد آمن مؤخراً بقوة السيف المتمثل باحتلال مكة، كون القرآن مثله مثل بقية الكتب السماوية وضعت تشريعا إنسانيا للبشرية، ونحو ذلك، وانسجاماً لما تقدم من بلاغة حققت مصير البطل في رؤى النوم "الأحلام" نجده في هذا المقطع قد دخل الوعي بصورته وصوته الحقيقيين يقول:
"أن الذي أثار استغرابك، هو أن غالبية ركاب الحافلة تسمرت عيونهم عليك بنظرات غريبة، خاصة النساء منهم، وقد لمست في بعض العيون شيئاً من العطف نحوك، بينما وجدت في عيون أخرى استغراب وتساؤل، في حين وجدت في عيون فئة ثالثة التطفل والفضول، بينما كانت فئة رابعة عيونها خجولة من أجلك، وكأنها تدرك حرج موقفك، ولكن على الرغم من اختلاف المعاني التي تحملها نحوك تلك العيون الشاحبة أو الملونة، فقد وجدتها تحمل مشاعر مسالمة وودية في أغلب الأحيان، ولكن رغم ذلك فقد أثارت فيك الاستغراب، وأربكتك أيما أرباك، لذلك توصلت في قرار نفسك إلى استنتاج مفاده: أن شيئاً ما فيك جعل ركاب الحافلة يخصونك بنظراتهم."
في هذه المرحلة يدخل الكاتب بطله وعيه الظاهر والمحسوس، بعد أن كان خارج الوعي الإدراكي "الحلم"، وما بينهما وجود مادي إنساني، فهي ليست تصورات لها علاقة بأمراض نفسية خبيثة، إنما البطل يتألم من معالجة حياتية معينة، يسلك منها دماثة في أحكامها، وسهولة في معانيها، ولغة دائرية في ألفاظها، والعيون هنا عيون الموجودات الحية التي تشير إلى هيئة البطل وبيانه، وارتباط سلوكه العام بالواقع الذي أثار الدهشة فيما ترى هذه العيون، ترى هل البطل يظهر تصرفاً ما ليخفي تصرفاً آخر أشد بأساً، لكن الحكمة البلاغية أن البطل كان مستغرباً من هذا الفعل الاستفهامي الذي وصله من ركاب الحافلة، باعتبار أن البطل خرج من دائرة الوهم، ودخل الواقع الحياتي وهو متأكد من هذا، وعليه أن يجيب على كل تساؤلات العيون، فالبطل في حيرة، شأن كل موقف فيه شرك أو شك، مع أن البطل في صورته وفكره كما تبين لنا في الحكاية أنه على خلق رزين ومتعلم، وهذا واضح في مدركاته الحسية المادية، إذن هو متواصل مع المعرفة، فليس في ذهنه أحداث حصلت لا يعرفها، لذا قال لنفسه من خلال حكمته المعهودة:
"أن شيئاً ما فيك جعل ركاب الحافلة يخصونك بنظراتهم."
هو مستغرب بلا شك، ولكن كيف يخرج من هذا الأزمة؟ هل يا ترى كان وجوده المادي في ذلك الصباح خارج الوعي كما حدث في ليلة البارحة في الحلم؟ أم أن وعيه الحضوري كان في حالة غياب جزئي؟ أم يا ترى هل يستطيع أن يحل ما خفيّ بين السطور؟ هذه الأسئلة وردت في إحساساته غير الملموسة في الوعي الإدراكي، لكنه حاول أن يستفهم شيئاً من هذا في قوله:
"فقد أثارت فيك الاستغراب، وأربكتك أيما أرباك!!".
هل هو الغيب الجزئي لشيء ما في العقل، ولكن كما هو معروف فالغيب الجزئي متحرك وغير ثابت، الغفلة مثلاً، أو الانشغال بحالة نفسية ما، وهذا هل ينطبق فعلاً على البطل في تلك الأحايين؟ ترى ما هو مفتاح الغيب وكيف سيجده؟ وفي أي عين من هذه العيون يحل أوهامه التي لا تهدأ؟ نتابع سيرا حركة الوهم إذن:
" وبما أنك تعجز عن تحديد الإجابة، تقرر فجأة أن لا تولي الأمر أهمية تذكر، فتدفع ببصرك خارج الحافلة الحكومية عبر فتحات النوافذ، وتشغل بالك في السيارات المارة، والبنايات الجاثمة بتثاقل."
إذن فالبطل لا يريد أن يجيب عن تساؤلات العيون، لأن وعيه في تلك الأثناء مستلب من كثرة تساؤلات العيون التي لم توحِ له بالتشخيص، لذا دفع بوجهه بعيدا خارج جو الحافلة، رغم الأجواء المتعبة في الشارع العربي، من ارتفاع أصوات مزامير السيارات مع أثر إزعاجها على المسافر، وهنا أنهى التصادم بين عينيه وعيون الركاب الشاخصة عليه بحيرتها وسخرية البعض منها، أما المعنى اللغوي في هذه العبارة، هو حضور المعرفة الناتج عن طريق استنتاج الحواس الفكرية، التي تميز البطل في ثقافته وبلاغته ونظريات علومه الأخرى، وكأنه يريد أن يؤكد لنا أن موت العرب الفكري يتحدد بتنظيرهم المثالي عن الأخلاق، وعزوفهم عن نظرية التطور الكيفي بمجمل الأساليب مهما تنوعت، ولذا فابتعاده عن التصادم الكلامي تعني أستذة في فهم الآخر، واستيعاب تفكيره، وهو تصرف حكيم في شخصيته التي يحاول جاهداً أن يصنعها بتميز عن مجمل المواقف السائدة في مجتمعه، ولكن الحيرة عنده لم تنته، فعامل البصر هو الوحيد الفاعل بحيرته، فليس للسمع بشيء، ولا حتى للإشارة بفعل معين يدله على التعجب الحاصل بشأنه، وهنا تشكلت عنده النتيجة الناقصة حين قال: "أنك تعجز عن تحديد الإجابة." وهي فلسفة اليأس إذ لم يضع إحساساته في نصابها الوظيفي لكي يستنتج عبر إدراك الحواس سر هذا التعجب الحاصل بدائرة شخصه. لنر الآن كيف استعمل الكاتب الوقت والصدفة ووظفهما لصالح نصه فأدى به إلى النجاح:
" في الطريق وأنت تمشي مسرعاً للوصول إلى عملك من منطقة "البحصة" إلى "ساحة عرنوص" كنت قد نسيت الأمر، وقد وصلت عملك قبل معظم زملائك، حيث لم تجد في مكتب المجلة سوى عاملة الخدمة."
تقودنا هذه القصة المتميزة من البداية حتى النهاية التي شكلها وعيّها الجمالي، والتي تصدر عن خلفية فلسفية أسست للنص مراحله الثلاث:
الحالة الأولى البطل في أللا وعي "الأحلام".
الحالة الثانية الوعي، ونسقه ألتنظيري، وهو أن الرؤية الكلامية تتحول إلى معاني في الذهن، فيجتهد الإنسان بتحليلها تحليلا قد يضيع رباط الجأش منه، وقد يصيب.
الحالة الثالثة الوعي الوظيفي، وهو نشاط فكري روتيني في الدماغ، قد يغيب منه قسم من النشاط الذهني.
فالبطل الآن هو في حالته الثالثة، كونه أخذ يتصرف بشكل طبيعي، أي أن التدبير الذاتي أصبح ينسجم مع الحالة اليومية الروتينية، عندما نسي الحالة الثانية "العيون"، التي كانت تدل على الدهشة من شيء عن شيء بعينه، ولكن الوقاية عند البطل من هذا الشيء معدومة تماماً، فحتى يطمئن تفكير البطل أدخله الكاتب في حالة العقل الوظيفي، حتى ينسى ويرتاح باله، ثم يهيئه إلى فك الرموز التي صاحبت صباح البطل، ويعيد أمامه مسلسل الأحداث من بدايتها، فيفاضل ويحلل الأشياء التي مرت به بعضها عن بعض، وكأنه يشاهد فلما قد تأثر به. في قوله:
" بعد دقائق تصل إلى المكتب إحدى منسقات الأرشيف، تحييك تحية الصباح بكلمات حلوة، تلاحظ أنها تنظر إليك باستغراب، وكأنها واحدة من ركاب الحافلة، ثم تبتسم مندهشة فتقول لك:
• هل أتيت من البيت إلى هنا وأنت ترتدي "كنزتك" بالمقلوب؟
ثم تغرق في ضحكة ودودة طويلة، وهي تشير بيدها إلى الكنزة ، تهزك ملاحظتها، تذكرك فوراً بركاب الحافلة الحكومية، تجيبها بصيغة السؤال، وأنت مستغرب ذلك:
- أرتدي كنزتي بالمقلوب؟ هل هذا معقول؟"
وهنا يرمي الكاتب إلى الواقعية والوضوح براهينه الخاتمة، وهو واعياً لأدائه وعياً دقيقاً، فيوظف بطله الذاتي بصنعة جينته ذاتها، ثم يحرص على النسق كما هو، وبعد ذلك يأتي التعبير اللغوي الذي يتطلب البلاغة اللفظية، وأحكام المعاني لتلائم أفكاره وأسلوب أحكامه، وهو أن يناط الشيء بالشيء، أي التلاقح المعنوي بين الكاتب وبطله بالإحساس العضوي للغة، فيحرر أسلوبه بالتدريج، حتى أصبح الأسلوب يرتقي إلى الدقة في التصوير، مستجيباً ببنيته للذوق الرفيع، وقد جاء النص للتنويه بأن العلاقات البشرية المتداخلة ما هي إلا وجود انفعالي، تحركها الحواس للدلالة الاصطلاحية في بناء القيم الذاتية وذبذباتها الموحية إلى التمييز العقلاني بين هذا من البشر وذاك، ولهذا أجتهد الكاتب في أن يجعل من البطل مرآته في طرق التفكير والتخيل، نلاحظ أن هذه الصيغ الأدبية المتناغمة في عناصر الأسلوب، إنما هي صيغ أسلوبية المثقف ذاته، حين اختار المعاني والأفكار والحقائق التي اعتبرها هامة وجديرة بموضوعه، ولها قوة التأثير والملائمة مع تفكير القارئ العام، الذي يريده الكاتب أن يكون مندهشاً ومنشدا لأسلوبه، فالتأثر به، وللأديب عبد الباقي شنان خاصية أخرى، فهو يلجأ إلى الواقع ويستخرج منه انفعاله وعاطفته، فيوسع دائرة الأفكار وينهل منها أشملها من أسباب القوة والجمال، ثم يضعها بقالبه الأدبي الخاص كما يشاء خياله ومزاجه وفلسفته اللفظية ومعانيها التي تحكم وحدة جمالية النص، لينتج أسلوباً مقنعاً خالصاً وبعيداً من التأثر بأساليب أخرى، أو كما سميت عند البعض "بالمدارس"، مع أني لا أتفق مع هذا التصنيف.
ولهذا فالحكاية أخذت تتضح شيئاً فشيئاً، بعد أن دخل الكاتب في التفاصيل التقنية، فالفرق أصبح واضحاً بعد أن كان البطل في حيرة من أمره، أصبح عليماً بحاله، بعد أن كشفت له موظفة الأرشيف، سر الدهشة التي علت وجوه ركاب الحافلة الحكومية، بقوله:
" هل أتيت من البيت إلى هنا وأنت ترتدي كنزتك بالمقلوب؟؟؟"
ارتسمت في باله تداعيات تلك العيون الحائرة، وملاحقة أخت جارته الصغيرة له، بينما هو كان يحث الخطى للابتعاد عنها، في قوله:
" إذن لهذا السبب كان ركاب الحافلة ينظرون إلي بشكل غريب، ولكنك لا تدرك أن جارتك السمراء ذات العينين الخضراوين والشعر الأسود أرسلت أختها الصغيرة بأثرك لتقول لك: "كنزتك بالمقلوب."
هي الخاتمة البليغة إذن "بالمقلوب"، فالحكاية حين تنظر إليها من حيث الدلالية الملخصة شكلاً تبدو للقارئ العادي بسيطة، لكنها للمتأمل تتضح بأنها حملت بين جوانحها أجنة لمضامين كبيرة، أضاءت بأفكارها الكبيرة بيان المعرفة وبلاغة القياسات الفكرية، وأحكامها المنظومة بالوعي، وحسن دماثة التعبير.


1- أنظر تاريخ الأدب العربي الجزء الأول.
2- أنظر مجلة النافذة العدد 1 .
3- أرسطو: كتاب قاطيغوريا
4- أنظر أسرار البلاغة. للشيخ الأمام عبد القاهر الجرجاني.



#جعفر_كمال (هاشتاغ)       تôôèô‏_ؤôéôم#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنومة
- المقاييس والأحكام اللغوية والفنية في القصة القصيرة العربية ا ...
- المنبوذ
- المقاييس والأحكام اللغوية والفنية في القصة القصيرة العربية ا ...
- لمّ
- عصا
- دراسة في قصة الرد للقاص محمود البياتي
- الجزء الثاني يتناول القاص محمود عبدالوهاب في القصة القصيرة
- المقاييس والأحكام اللغوية والفنية في القصة القصيرة العربية . ...
- قافية
- ليلة ما
- أصابعك
- دراسة نقدية تتناول: الشاعر الكبير عبدالكريم كاصد الجزء الثا ...
- دراسة نقدية تتناول: الشاعر الكبير عبد الكريم كاصد - الجزء ال ...
- الاستقلال النوعي في محاكاة الصورة والتشكيل


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - المقاييس والأحكام اللغوية والفنية في القصة القصيرة العربية الجزء السادس