|
هل تقرأ القوى السياسية العراقية استراتيجية امريكا و نظرتها لمستقبل العراق؟
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2475 - 2008 / 11 / 24 - 09:29
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
لا مراء لاحد ان نصف ما تعلنه القوى اليسارية العالمية حول ما تفكر فيه امريكا في العراق و ما استراتيجيتها العامة النابعة من نظرتها الكلاسيكية للبلدان و ما تهمها هو من يكون في خدمتها و حامل لرايتها من كافة الجوانب في عملها السياسي الثقافي الفكري ، و هذا لا يعني اننا متاكدون من نجاحها لانها تواجه عوائق شتى و بكل المقاييس انها فشلت خلال هذه الفترة بعد اسقاطها الدكتاتور العراقي ، و ما اغرقتها في الوحل الاعمق هي الازمة الاقتصادية التي تواجهها بكل الوسائل و لم تنجح لحد اليوم في ايجاد الطريقة لتخفيف افرازاتها لحد اليوم. عندما خططت امريكا لتغيير الحكم في العراق ، كانت وراء قرارها مجموعة كبيرة من الاهداف و العوامل الهامة التي كانت تسهل لها الوصول الى ما كانت تنويه لو كانت تفلح فيما هي عازمة عليه في العراق و المنطقة ، و لكنها بعدما غُرز الشوك في قدميها غيرت منهجها المقرر و افكارها و اعادت النظر في العديد من الخطط و الاماني او على الاقل اجًلتها و التي لم تتمكن من تطبيقها لاسبابها المعلومة ، و من عاش في العراق هذه المدة يؤكد هذا القول ، و الارضية التي تلمسها لم تكن كما كانت تريد او تتوقع. نحن نتكلم من واقع مكشوف للجميع بكل مافيه من شعب و قوى سياسية و المستوى الثقافي و الاقتصادي و الحالة الاجتماعية ، وجاءت امريكا و عملت منذ السقوط و شرعت من منطق التفاوت و الاستقصاء من خلال استراتيجية الهيمنة و الاستيلاء وكانت تحمل شعارات خيالية لم تكن قادرة على تطبيقها و لم تحسن ترجمتها او الدفاع عنها، بل كانت هذه الشعارات من حيث النظرية جميلة و عند التطبيق بالاليات الامريكية لم تستنتج الا عكسها ، و العدة الفكرية التي اعتمدتها لم تكن تصلح رهانا لما اصرت عليها ، و شاهدنا ان حاملة الفكر و منظٍر الايديولوجية والفلسفة لم تتسم بالبراءة و الحياد كما ادعت و ان عقلها لم يخلو من الاوهام و الاهواء . و كل ما احس به الفرد قبل المجتمع ان صاحب الوصية لم يكن يجسد الفكر النقي و الوعي المتكامل بما موجود على الارض كما ادعت، و الضمير الحي الذي يحس باحقيته او العقل و الاستنارة او اية قيمة معتبرة في المعنى و الجوهر بالنسبة الى الناس و المجتمع كانت غائبة و لم تظهر للعيان، و كانت تعامل الاوصياء غير موفق حتى مع انفسهم على اساس نخبويتهم الثقافية و المدنية و الصفوة المختارة من اهل التقدم على الارض كما يدعون، و لم ينفذوا ادوارهم بصورة رسولية او نبوية كما اعلنوا بل تعاملوا اعتمادا على اساس بطولي و انقاذي ، و هذا ما انتج الاضداد على الارض لكونها اصطدمت مع الواقع المختلف جذريا معها و لم تحسب تلك الحسابات بشكل دقيق ، و على العكس تماما ازدادت التبعية لغيرها و ازداد التقاسم و توسعت هشاشة الوضع نتيجة القهر والتسلط او الحجب و المصادرة لكل ما ليس في مصلحتهم. بالغت امريكا في سياستها التعسفية عمليا ، فيما ادعت الالوهية و التجريد و التعالي على المعالي و القيم التي هي ممارسات بشرية دنيوية اومحدودة و عابرة ، و هذا ما ولًد التناقضات و الازدواجية و التخبط في القول و العمل ، و لم يعلم المواطن العراقي ما هو امامه الذي يدعي التقديس و الايمان او يتكلم باسم العقل و الانسان . وهذا ما اجبر المواطن يفكر وفق منطق المطابقة بين معاملة الافكار المسبقة المعروفة عن امريكا والمتعامل المرأي كنماذج تامة او قوالب محكمة ، و هذا يمكن اعتباره التضاد بين النظر و الواقع و القفز عن ما هو موجود على الارض، و اصبح المثقف النخبوي يسبح في دوامة التضادات و الازدواجية و الكيل بمكيالين ، و ما انتج مردودات عكسية ، و كل ما انتظره الشعب من عقلية الشراكة و المسؤولية شاهد على العكس ما تردده امريكا و هو الوصاية و المصادرة ، و بدلا من المساومة و المداولة و الاخذ و العطاء شاهد الافكار و المثالات المستوردة ، فيما احس بمنطق المطابقة و التطبيق لما هو معلب و لم يحس الخلق و التوليد ، اي في الشهور الاولى من حكم الامريكي المطلق طارت الاحلام الوردية و خيال معالم دنيا الحرية و الديموقراطية ، و هذه التطبيقات على الارض الواقع كشف للقاصي و الداني الاهداف الرئيسية والاستراتيجية التي تعمل عليها امريكا و ما الذي تريد الوصول اليه ، و هكذا لاقت الصعوبات و العوائق المنيعة مما اجبرتها على اعادة النظر في استراتيجيتها و اهدافها البعيدة المدى. اما القوى السياسية العراقية ، فهي تعاملت مع السياسة الامريكية وفق المصالح الذاتية الخاصة بعيدا عما احسه و لمسه المواطن و دخلت في المساومات و تعاملت مع الاحداث الكثيرة التي توالت و المتغيرات التي فرضت نفسها بسرعة قياسية بشكل اصبحت الفجوة كبيرة بينها و بين المواطن، و انقسمت الاحزاب على نفسها و تشكلت الكتل الطائفية و العرقية و الراديكالية الدينية و المذهبية ، و تعاملت امريكا مع المستجدات استنادا على الخطط البعيدة المدى و بتكتيكات يومية و تكيفت مع ما موجود على الارض ، و في المقابل وجدت لكل قوة او جهة اضدادها و تعاملت مع ما احست بان اية جهة تريد التسلط و السيطرة بشكل لم تجعلها تنفرد و هي التي سيطرت و لها اليد الطولى لحد اليوم ، و امتد نفوذها بشكل نهائي في الحكم ، و في المقابل حدثت انشقاقات لاضعاف ما حست انها تشكل خطرا على استراتيجيتها و بايدي امريكية خفية و بمساعدة موالين خفيين او علنيين و نجحت في اضعاف من ارادت و اظهرت القوى كافة امام الشعب بانها غير مجدية و غيرجديرة بالحكم و لا تعمل ما في خدمة الشعب ، و لكنها ابقت على خيط المعاوية دائما. اليوم بعدما وصلت الحال الى ما وصلت اليه و استقر الوضع على مجموعة من الكتل و اللاعب الكبير الاوحد هو هو ،و ينتظر الجميع ما يؤول اليه بعد الانتخابات المقبلة ، و حتمية تغيير الخارطة السياسية ستفرز ما تريده هي بلاشك، و هنا نتاكد بان الكتل كافة لا تعلم لحد اليوم ما استراتيجية امريكا المقبلة بعد مجيء اوباما و انها تتعامل مع الاحداث و ليس اعتمادا على اجنداتها ، الا انها تخطط هذه القوى و تحاول بكل ما لديها و بجهدها على احتدام الصراع من اجل اعلاء شانها و كلها على حساب الشعب تحت يافطات و شعارات براقة وما يسير العراق ورائها ليس للشعب فيه ناقة و لا جمل، و تعاملت به امريكا لفترة معينة و هوالاخذ بنظر الاعتبار ما موجود واقعا و ثقل كل كتلة لاغراض تكتيكية بحتة ، اما اليوم بعد الاستقرار النسبي في الوضع الاقتصادي و الامن لحدما ، سوف تاتي ما في مصلحة امريكا الاستراتيجية المستقبلية و ما خططت لها ، و انها تريد و تعمل كل ما بوسعها من اجل الوصول الى تلك الاهداف المؤجلة ان تمكنت، و لكن القوى السياسية ثابتة على افكارها التقليدية تجاه هذا الغول ، والحقيقة البائنة انها لا تهمها مصير الشعوب او مستقبل اجيالهم و انما المصالح الامريكية الاقتصادية السياسية فوق كل اعتبار ، و الهدف الاكبر هو بقائها مسيطرة على المنطقة لرعاية مصالحها و تهتم بتطبيق افكارها و ثقافتها من اجل بقائها و ترسيخ وجودها و اقصى ما تريدها في العراق هو بقائها موحدة و مسيطرة عليها من قبل من يواليها ، و لكن الكتل السياسية و انطلاقا من كينونتها و عواطفها و هي لا تنظر او تفكر فيما امريكا مهتمة به، و انما تتعامل القوى العراقية مع الوضع كالنعامة فيما راسها في الرمل و رياح المصالح الامريكية تجرف اضعف النعامات اولا ، وموازين القوى العالمية بعد اندحار سيطرة القطب الواحد و بروز الاقطاب المتعددة ستغير من اولوية و اهمية العراق لاي قطب ، و هذا امر اخر على امريكا النظر فيه مجبرا.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليس حجب وسائل الاعلام التقدمية دليل على خوف و تخلف السلطات؟
-
ما هي اهم معطيات مواقف روسيا حيال القضية الكوردية في المنطقة
...
-
ما اهم معطيات مواقف روسيا حيال القضية الكوردية في المنطقة؟ (
...
-
اي عراق تريده امريكا و اية سياسة امريكية يريدها العراق
-
جوهر الفلسفة اليسارية الحقيقية لا يتوافق مع الحرب و الارهاب
-
احساس بالمسؤولية تضمن نسبة جيدة من السعادة المشتركة للشعب
-
هل مستقبل و نوع الدولة العراقية معلوم لدينا ؟!
-
الايحاء بمجيء شبح الموت للسلطة العراقية عند استفحال كل ازمة
-
ماذا تجني الدولة الليبية من زيارة القذافي لمنطقة قوقاز
-
ادعاء وجود لامركزية دكتاتورية تبرير لتجسيد و ترسيخ المركزية
...
-
هل اوباما غورباتشوف امريكا القادم ام ...........؟
-
الواقع الاجتماعي المتخلف سبب لتفشي مايسمى بجرائم الشرف
-
الصمت الخانق للمثقفين المرتبطين بالقوى المحافظة في العراق اي
...
-
ضمان حرية الفرد نتاج النظام السياسي و الثقافي المترسخ في الب
...
-
نبحث عن اي نظام سياسي في العراق؟
-
قانون الاحوال الشخصية و حقوق المراة في كوردستان العراق
-
ضعف القوى اليسارية في الشرق الاوسط
-
ما بين الثقافة و السياسة في العراق
-
تهجير المسيحيين في هذا الوقت لمصلحة من؟
-
كان الدكتاتور عادلا في ظلمه لكوردستان و الاهوار معا
المزيد.....
-
مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق
...
-
فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم
...
-
مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره
...
-
السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية
...
-
جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
-
الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين
...
-
الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر
...
-
كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
-
الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
-
الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين
المزيد.....
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
-
الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل
...
/ بشير النجاب
المزيد.....
|