أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - شيوعيون شلحوا الشيوعية















المزيد.....


شيوعيون شلحوا الشيوعية


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 2475 - 2008 / 11 / 24 - 09:30
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


بعد أن خبا توقّد الثورة الإشتراكية العالمية منذ نهاية الخمسينيات وانتهى الأمر إلى انهيار المشروع اللينيني من أساسه، عمّ في أوساط شيوعيي الأممية الثالثة بعدئذٍ شلح الشيوعية، باستثناء الذين توقفوا ليستجلوا أمر الإنهيار دون أن يشلحوا أو كيلا يشلحوا . لقد جرى الشلح بصورة عامة نتيجة العجز الكلي عن التفسير الحقيقي للانهيار، وجاء على ثلاثة أشكال، نوجزها في التالي ..

(1)
شيوعيو البلدان الرأسمالية سابقاً : كان هؤلاء من أنقى الشيوعيين لأنهم تعمدوا في معارك الصراع الطبقي المتفجر . رغم ذلك فقد شلحوا الشيوعية قبل غيرهم وقبل انهيار المشروع اللينيني . ولستر عار شلح الشيوعية في تلك البلدان وخاصة في إيطاليا وفرنسا كان أن وصف الشلح ب " الشيوعية الأوروبية " وهي القراءة غير اللينينية لماركس . التفسير الوحيد لما يسمى تزويراً وستراً للعار بالشيوعية الأوروبية، بالإضافة إلى تراجع الثورة في مركزها موسكو، هو الهزيمة الكبرى التي لحقت بنظام الإنتاج الرأسمالي وبالطبقة الرأسمالية، العدو المباشر الأكبر للبروليتاريا، بفعل الأزمة الرأسمالية الأخيرة القاضية 1971 ـ 1975 . لم يدرك عمال أوروبا أن عدوهم الطبقي الكلاسيكي قد تلاشى تاريخياً في ساحة المعركة ليحل مكانه عدو أقوى حيلة وأكثر حقداً من الطبقة الرأسمالية هو الطبقة الوسطى . فلئن كانت الطبقة الرأسمالية تختلس عنوة 20% من إنتاج العمال فإن الطبقة الوسطى تختلس خداعاً أكثر من نصف إنتاج العمال وقد يصل ما تختلسه إلى 80% بدعوى أن الطبقة الوسطى تنتج المعرفة، وأن المعرفة هي الجهد العقلي الذي أخذ يكون المعامل الأول في الإنتاج وفي قيمة الإنتاج، وبادعاء أن أثرة في الإنتاج من حيث الكم والنوع يساوي أكثر من أربعة أضعاف أثر الجهد العضلي، أي قوى العمل في الطبقة العاملة . الطبقة العاملة وقياداتها الشيوعية لم تدرك وما زالت لا تدرك أنها أخذت تواجه عدواً جديداً ذا طبيعة مختلفة وأسلحة مختلفة لا توازيها أسلحة الطبقة العاملة القديمة . ما كان كل هذا الإنعطاف والانزلاق خارج مسار التاريخ ليكون بالطبع لولا التراجع الكبير لقوى الثورة الإشتراكية العالمية منذ أن استولى خروشتشوف وعصابته على قيادة الحزب الشيوعي في مركز الثورة، موسكو، في العام 1954 وقد افتقد اليقظة اللينينية والوعي الماركسي الطبقي عجائز البلاشفة في قيادة الحزب من أمثال مولوتوف ومالنكوف وفورشيلوف وكاغانوفتش وبولغانين وشبيلوف. اجتمعت الظروف من مختلف الإتجاهات فعملت على أن يفقد عمال أوروبا الغربية المسار اللينيني للثورة الإشتراكية الذي كان ستالين قد ناضل حتى مماته نضالاً مجيداً للحفاظ عليه . ومن الطبيعي أن تكون نتيجة ذلك تفكك الأحزاب الشيوعية الأوروبية وخاصة في إيطاليا وفرنسا إذ لم يعد ما يغري في اقتفاء أثر خروشتشوف وقد ارتد على الماركسية اللينينية وأخذ مستوى حياة السوفياتيين يتراجع بدل أن يتقدم كما قضت الخطة الخماسية 1952 ـ 1957، وانتقل القرار الوطني من قيادة الحزب إلى قيادة العسكر وتوطدّ ذلك بالانقلاب شبه العسكري الذي قام به المارشال جوكوف من أجل تثبيت خروشتشوف في القيادة بعد أن قرر المكتب السياسي تنحيته في يونيو حزيران 1959 ونجح الإنقلابيون في طرد جميع البلاشفة من المكتب السياسي بداية ثم من الحزب بعدئذٍ . النشاطات التي قام بها المرتد خروشتشوف مدعوماً من الطغم العسكرية منذ رحيل ستالين في مارس 1953 وحتى قيامه بانقلاب شبه عسكري في يونيو 1959 عملت على تحويل دكتاتورية البروليتاريا إلى دكتاتورية الطبقة الوسطى ولذلك هاجم الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي (!) في مؤتمر الحزب الاستثنائي في يناير 1959 دكتاتورية البروليتاريا وطالب باستبدالها بدولة هجين سماها " دولة الشعب كله " وهو ما يعني مباشرة أن الطبقة صاحبة السلطة في المجتمع لم تعد البروليتاريا بل الطبقة الوسطى وقادتها الطغم العسكرية وخروشتشوف . الانقلاب في موسكو انعكس في انقلابات مماثلة في أوروبا الغربية وخاصة في فرنسا وايطاليا، وفيهما أكبر حزبين شيوعيين، وظهر ما سمي بالشيوعية الأوروبية التي تحت رايتها شلح شيوعيو أوروبا الغربية الشيوعية .

(2)
شيوعيو العالم الثالث : نمط الإنتاج في محيط الرأسمالية، العالم الثالث، لم يرسم خطاً عريضاً فاصلاً بين عمال الصناعات الإستخراجية والعمال بالقطعة من جهة والطبقة البورجوازية الوضيعة المتخصصة بالإنتاج الفردي للخدمات من جهة أخرى . لذلك لم يكن هناك أية فروق في الأصول الطبقية بين كوادر الأحزاب الشيوعية والأحزاب القومية والوطنية . الترتيب الطبقي في مختلف الأحزاب الشيوعية والوطنية والقومية في بلدان العالم الثالث متطابق تقريباً . وعليه يمكن القول بأن الكوادر المتقدمة في الأحزاب الشيوعية في تلك البلدان هي أصلاً من طبقة البورجوازية الوضيعة . وما يتوجب التأكيد عليه في هذا المقام هو أنه من التقاليد الراسخة لدى البورجوازية الوضيعة التضحية بكل شيء على مذبح المصالح الذاتية . خصوصية البلدان المحيطية للرأسمالية الدولية هي أن الطبقات المختلفة في هذه البلدان كانت قد دخلت في تآلف طبقي واحد أخذ على عاتقه التحرير الوطني، وفك الروابط مع مراكز الرأسمالية، وبناء اقتصاد وطني مستقل، وانتهاج الحكم الديموقراطي الليبرالي . وعليه كان من الطبيعي أن يتجمد الصراع الطبقي حتى تحقيق مثل تلك الأهداف . وطالما أن الأهداف لم تتحقق نهائياً، بفعل تراجع الثورة في مركزها موسكو وهي الأساس الذي قامت عليه ثورة التحرر الوطني، فإن الأحزاب الشيوعية في بلدان العالم الثالث، مثل بلداننا العربية، لم تتعرف إطلاقاً على الصراع الطبقي بأي عنفوان له ولم تمارس مزاياه وهو ما يعني أن شيوعي الدول التي استقلت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ظلوا شيوعيين بالعقيدة فقط دون أن تتعمد شيوعيتهم في لهيب الصراع الطبقي خاصة وأن الطبقة الرأسمالية الكلاسيكية لم تكن قد تواجدت في مجتمعاتهم. أما الصراع ضد أشكال الإقطاع البدائية وقيم وثقافة الإقطاع الذي جرى في بعض بلدان العالم الثالث فإن مثل هذا الصراع يجري بين الإقطاعيين وكبار الفلاحين من جهة والطبقة البورجوازية من جهة أخرى ولذلك فهو لا يثمر ثقافة اشتراكية ولا يؤهل الذين يخوضونه لأن يكونوا شيوعيين حقيقيين . إن شيوعيي البلدان غير الرأسمالية هم شيوعيون بالعقيدة فقط ، بل إن عقيدتهم هي غالباً ما تكون ملوثة بالأفكار البورجوازية ويصعب أن تتطهر منها .
ما يثير السخرية والاستهجان في آن، هو أن هذه الأحزاب التي كوادرها المتقدمة هي أصلاً من البورجوازية الوضيعة تحولت بسرعة بدت غريبة إلى أحزاب وطنية حال انهيار الاتحاد السوفياتي مباشرة وهو ما يعني أن كل ما هو شيوعي تلاشى من مصفوفاتهم الفكرية ولم يتبقّ فيها غير الأفكار البورجوازية .
لذلك لم أفلت في كل مناسبة من السؤال الاستهجاني يوجهه إلي أحد الشيوعيين سابقاً، الوطنيين حالياً، بالقول .. ما فائدة النظرية إن لم تخدم الواقع ؟ وعندما أسأله عن الخدمة المطلوبة يقول دائما خدمة الجماهير العريضة من الشعب، من خلال تحسين أحوالها المعاشية . لم يدرك مثل هذا " الشيوعي " غير الماركسي أنه بمثل هذا المنطق قد عاد إلى أصوله البورجوازية الوضيعة، معادٍ للشيوعية دون أن يعي ! بل إنه لا يقبل أن يعي حيث يعتقد أن أهم قيمة في الماركسية هي خدمة الشعب . هكذا تربى في مدرسة حزبه الوطني " الشيوعي " . لم يع ِ، لا هو ولا حزبه، أن الماركسية لم تعنَ بالقيم ولم تحفل أو تحتفِ بأية قيمة، لا حب الأوطان، ولا حب الشعب، ولا حب الطبقة العاملة، ولا حب الشيوعية، ولا حتى الانتصار للشيوعية لو كانت الشيوعية مجرد خيار مستقبلي من بين خيارات أخرى. الماركسية علم يخضع لقوانينه مجرى التطور العام بأجناسه المادية والحيوانية والبشرية وقد رأى ماركس أن الشيوعية هي المستقبل المحتوم للبشرية . لم يتنبأ بها كما يسيء الاعتقاد بعضهم بل رآها عيانياً في نمط الإنتاج الرأسمالي .
الأحزاب الشيوعية في العالم الثالث، ومنها الأحزاب الشيوعية العربية، شلحت الشيوعية وارتدت رداء الوطنية وهو الدلالة القاطعة على أن هذه الأحزاب لم تكن يوماً أحزاباً شيوعية ؛ لو كانت شيوعية حقاً لما فعلت ذلك . كانت تنتصر لمشروع لينين في الثورة الإشتراكية وتعمل من وراء البورجوازيات الوطنية من أجل فك الروابط مع مراكز الرأسمالية العالمية، وهذا من أسس مشروع لينين، لكن ذلك لا يعني على الإطلاق أن هذه الأحزاب قد فكت نهائياً روابطها مع الطبقة البورجوازية وغدت شيوعية في الجوهر . لقد رأينا تهالك بنيتها في الثقافة الماركسية وانقلابها السريع لأحزاب بورجوازية بثقافة بورجوازية " وطنية " لا علاقة لها بالفكر الماركسي . تمسك هذه الأحزاب كوادرها القديمة اليوم من خلال تكريس الروح الوطنية فيها والتعبير عنها بأفكار مثالية فارغة لا علاقة لها بالواقع . فكرة التحرر والاستقلال لم يعد لها أي معنى بعد انهيار المعسكر الإشتراكي، أساس الثورة، بل لم يكن لها ترجمة حقيقية منذ أكثر من قرنين بعد أن وطد النظام الرأسمالي أركانه في العالم فكان أن غدا نظاماً عالمياً لا انفكاك منه قبل قيام الثورة الإشتراكية . أما أفكار الحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية فليت أحدهم يقول من سيترجم مثل هذه الأفكار المثالية على الأرض، هل هو البروليتاريا التي لا وجود لها في البلدان المحيطية ؟! أم البورجوازية الرثّة المفلسة ؟! أم الإكليروس الذين يمارئون في مثل هذا الإدعاء ؟!
من خلال انتصار البلاشفة في الثورة وتحطيم قوى الرجعية في روسيا وقوى البورجوازية التي تهورت بالانضمام إليها 1917 ـ 1921 وما تلا ذلك من نجاحات خلاقة على المستوى العالمي على الصعد المختلفة وقيام الإتحاد السوفياتي بسحق النازية والفاشية في كل القارة الأوروبية، من خلال كل ذلك استمدت الأحزاب الشيوعية في مختلف البلدان قوة سياسية لا يمكن تجاهلها، وتزايدت هذه القوى مع ارتفاع وتيرة ثورة التحرر الوطني في ظل حماية دولية من قبل المعسكر الإشتراكي بقيادة الإتحاد السوفياتي . حال انهيار المعسكر الاشتراكي فقدت الأحزاب الشيوعية مبرر وجودها وكانت قد قامت أساساً لتساهم في دفع مشروع لينين للثورة الإشتراكية نحو نهايته التي هي تفكيك النظام الرأسمالي العالمي والانتقال إلى عبور برزخ الاشتراكية نحو الشيوعية .
بعد حلم ليلة صيف أفاقت قيادات الأحزاب الشيوعية في العالم الثالث فإذ بحر الهجير يلفح وجوهها دون سقف يظللها وقد انهار المعسكر الاشتراكي وأقوى سقوفه، الإتحاد السوفياتي . وحين عزّ عليها أن تفقد القوى السياسية التي امتلكتها قبلئذٍ أخذت تبحث عن سقف آخر يظللها فتوهمت وأوهمت كوادرها أن سقف الوطنية والقومية ما زال صالحاً للإيواء ! تلك القيادات من الأصول البورجوازية الوضيعة لن تجرؤ على التوقف لبعض الوقت كيما تدرس أسباب انهيار المعسكر الإشتراكي فكما لو أنها أخذت على نفسها عهداً ألا تعود إلى النظير للمشروع اللينيني . بل منهم من يجأر بكل قحة أن الإشتراكية إنما هي العدالة الإجتماعية التي ظلت حلم البشرية منذ القدم . السادة قادة الأحزاب الشيوعية سابقاً ما عادوا يذكرون ماركس ولينين في دفاترهم اليومية وعوضاً عن ذلك أخذوا يبيعون الهيروين من ماركة الديموقراطية والعدالة الإجتماعية وتطوير الإقتصاد . كل هذا كذب وتزوير فلا الوضع الدولي ولا العلاقات الدولية ولا الواقع الطبقي يؤشر ولو من بعيد إلى تحقيق أي من هذه الشعارات المثالية الجوفاء .
نحن الشيوعيين نضّل بعيداً إذا لم نثبّت أنظارنا إلى نجم الشمال الراسخ، إلى ماركس وإنجلز. ماركس وإنجلز شكلا الأممية الأولى عام 1864 بهدف القيام بالثورة الإشتراكية العالمية التي أكدّا قيامها في مجرى تطور النظام الرأسمالي . بعد ثمان سنوات فقط تحقق الرجلان بعد انهيار كومونة باريس 1871 من أن قوى البروليتاريا في البلدان الرأسمالية المتقدمة لم تكن بالسوية المطلوبة للقيام بالثورة، فكان أن حلاّ الأممية الأولى في العام 1873 . ثم رحل ماركس عن هذا العالم بعد عشر سنوات 1883 دون أن يحاول مرة أخرى طرح أي مشروع للثورة الإشتراكية . فقط في العام 1889، أي بعد ست عشرة سنة حتى عاد إنجلز يفكر بمثل هذا المشروع وشكل في العام 1991 الأممية الثانية من أحزاب الإشتراكية الديموقراطية في أوروبا وهي أحزاب مستقلة تماماً في بلدانها .
الأحزاب الشيوعية العربية بوجه خاص لم تنتظر ستة عشر شهراً قبل أن تتحول إلى أحزاب وطنية وتتخلى نهائياً عن أي مشروع شيوعي . لم تستح ِ من أنها ما زالت تسمي نفسها أحزاباً شيوعية لكن بلا شيوعية !! ما يثير السخرية حقاً هو أن فلول هذه الأحزاب انقلبت سريعاً إلى أحزاب وطنية بعد أن ماتت الحركة الوطنية ولن تعود مرة أخرى في التاريخ . لم تتعظ هذه الأحزاب من قصة الملك العاري تماماً يستعرض شعبه على حصانه ! ثورة التحرر الوطني إنما هي في التحليل الأخير الامتداد الطبيعي للثورة الإشتراكية فيما وراء حدود البلدان الإشتراكية ، وافق الوطنيون على هذه الحقيقة أم لم يوافقوا، حيث أن التناقض بين العمال والرأسماليين يمتد فعله ليصبح بين قوى الرأسمالية الإمبريالية وشعوب البلدان المستعمرة والتابعة في محيط الرأسمالية .

(3)
اليسار الطفولي : من الذين توقفوا قبل أن يشلحوا الشيوعية هم من يمكن وصفهم باليسار الطفولي من مثل الحزب العمالي الشيوعي في العراق . أدرك هؤلاء أن انقلابهم إلى وطنيين لا يسمح لهم بالاحتفاظ بأي صفة شيوعية ولا باسم الحزب الشيوعي، ولعلهم أدركوا أيضاً، حسيّاً على الأقل، أن السياسات الوطنية فقدت كل معنى لها بعد انهيار المعسكر الإشتراكي ؛ لذلك رفضوا الانقلاب إلى وطنيين ورأوا أن من واجبهم قبل أي إعلان عن موقفهم الجديد أن يعللوا أسباب انهيار المعسكر الإشتراكي وإلا فالعامة لن تصدق أي نهج جديد ينتهجونه بعد أن رأوا إنكار العامة لوطنية الأحزاب الشيوعية الطارئة، الوطنية التي لا رابط لها مع المشروع اللينيني .

الأحزاب الشيوعية العربية انقلبت إلى أحزاب وطنية دون أن تجرؤ على إعلان أسباب انقلابها أو أسباب انهيار مشروع لينين الإشتراكي الشيوعي وبذلك تكون قد انفصلت عن تاريخها بل وتنكرت له . لم يعد لديها ما يربطها بالإرث الشيوعي، بماركس وإنجلز، بلينين أو ستالين . لقد تخلت نهائياً على الصعيد العملي عن مشروع ماركس لتتبنى بدلاً منه مشروعاً بورجوازياً بحكم طبيعته هو المشروع الوطني ؛ وتكذب هذه الأحزاب وهي تعلن أن الماركسية ما زالت مرجعيتها، فماركس لم يوص على الإطلاق بالانحراف إلى السياسات البورجوازية الوطنية بل أكد على أن البروليتاريا لا وطن لها .

مقابل ذلك ما زال اليساريون الطفوليون يؤكدون تمسكهم بماركس وإلى حد ما بلينين لكنهم بطفولية ساذجة، وليست بلا غباء، يفاخرون بانفصالهم عن المشروع اللينيني كما تطور في الإتحاد السوفياتي بزعم أبله وغبي يقول أن ستالين وجماعته القومية حولوا مشروع لينين الإشتراكي 1917 ـ 1924 إلى مشروع رأسمالي عبر بناء رأسمالية الدولة ! لعل انفصال هؤلاء الأغبياء عن الإرث الشيوعي أشد قطيعة من انفصال الأحزاب الشيوعية العربية التي انقلبت إلى أحزاب وطنية دون أن تطعن في الاشتراكية السوفياتية سوى بمقولة، ليست أقل غباء، وهي أن ستالين وجماعته كانوا من البيروقراطيين . لن نكون بلهاء لنصدق قادة الحزب العمالي الشيوعي وأتباعهم بأن ما كان في الإتحاد السوفياتي هو رأسمالية الدولة . التحدي الكبير أمام هؤلاء البلهاء الأغبياء أن يثبتوا ولو بدلالة هامشية واحدة على الأقل أن النظام السوفياتي كان رأسمالية الدولة . يزعم هؤلاء أن ستالين ورفاقه في القيادة بعد رحيل لينين كانوا جماعة قومية ! لتهافت مثل هذا الزعم الغريب نشير إلى القيادة المصغرة في الحزب بعد رحيل لينين وقد تشكلت من ستالين وهو ليس روسياً وتروتسكي وزينوفييف وكامينيف، وهؤلاء الثلاثة من اليهود، والروسي الوحيد غير اليهودي في مطبخ قرارات الحزب كان نيقولاي بوخارين . أبعد بوخارين في وقت مبكر (1931) ولم يبق في القيادة المصغرة تحديداً سوى ستالين واليهوديان زينوفييف وكامينيف ولا يمكن أن يخالج أياً من هؤلاء الثلاثة أي شعور قومي .

كنا قد كتبنا في 22 سبتمبر نفند مزاعم أحد القائلين برأسمالية الدولة السوفياتية وأشرنا إذّاك إلى غياب السوق غياباً تاماً في النظام السوفياتي وإلى أن الإنتاج السوفياتي بأكمله لم يكن إنتاجاً بضاعياً، لا يطرح في السوق وليس له قيمة سوقية . السوق والإنتاج البضاعي والقيمة السوقية هي جوهر النظام الرأسمالي وأساسه . كيف يُزعم برأسمالية الدولة التي كانت توفر كل الخدمات وبأعلى سوية مجاناً ؟ كيف يُزعم بالنزوع الرأسمالي لستالين ورفاقه في القيادة وقد أصروا على وقف العمل بالسياسة الإقتصادية الجديدة (NEP) في العام 1926 رغم المعارضة الشديدة من قبل بوخارين ورئيس مجلس الوزراء آنذاك أليكسي ريكوف، تلك السياسة التي كان لينين قد شرّعها في العام 1922 وتسمح بالإنتاج البضاعي والتبادل في السوق وبتجاور الإقتصاد الرأسمالي مع الإقتصاد الإشتراكي بمنافسة شديدة حذّر لينين بقوة من خطورتها ؟ تقوم رأسمالية الدولة عندما يعجز المجتمع عن بناء النظام الرأسمالي أما في الحالة السوفياتية فالدولة هي التي تمنع المجتمع عن بناء النظام الرأسمالي وليس العكس ! وما النزوع الرأسمالي في تحويل الزراعات الفردية إلى زراعات تعاونية وقد تحمل الحزب والدولة عبئاً مالياً ومعنوياً كبيرين في سبيل ذلك، وشن الإعلام الرأسمالي والبورجوازي حملة شعواء على ذلك لم تهدأ حتى اليوم ؟! ما النزوع الرأسمالي في النقاشات الحامية التي شغلت القيادة في الحزب والدولة لأشهر عديدة لدى الدخول في العام 1950/1951 في موضوع إلغاء طبقة الفلاحين في النظام السوفياتي ؟! ثم إذا ما كان النظام السوفياتي هو رأسمالية الدولة، فلماذا انهار إذاً ؟؟ هل انهارت رأسمالية الدولة لتقوم مكانها رأسمالية الأفراد ؟؟ وهل يقتضي مثل هذا الإنتقال انهياراً مثل الذي رأينا في الإتحاد السوفياتي ؟؟ بمثل هذه الأسئلة، التي لا يمتلك اليساريون الطفوليون إجابات عليها، فإننا ننحدر إلى دائرة حوار الأغبياء .
ما يثير السخرية حقاً وليس الدهشة فقط هو أن هؤلاء " الشيوعيين " يكشفون عن مراهقة عزّ نظيرها إذ يعلنون أنهم سيقيمون الشيوعية في بلد طرفي مثل العراق، في بلد اقتصاده ريعي مثل العراق، في بلد العمالة فيه تنحصر في الصناعات الإستخراجية أو العمل بالقطعة حيث ينتفي في الحالتين الإنتاج الشيوعي . لم يأتِ ماركس بالشيوعية من عنده ؛ لقد رآها بأم العين في الصناعات الرأسمالية الكبيرة حيث يشارك كل المجتمع في إنتاج السلع الرأسمالية ؛ إنها سلع شيوعية بالجوهر . ما كان ماركس ليقول بالشيوعية وهو لا يرى إلا الصناعات الصغيرة كالصناعات الحرفية والمانيفاكتورة أو الإنتاج الزراعي . حزب العمال الشيوعي ينادي بإقامة الشيوعية حيث لا يوجد أي حرف من حروف الشيوعية ! من سيصدق مثل هذه اليوطوبيا ؟ لن يصدقها أي ماركسي حقيقي ؛ لن يصدقها سوى الذين شلحوا الماركسية وشلحوا الشيوعية وركبوا حصانهم يستعرضون شعبهم وهم عراة تماماً لا تغطي عورتهم ورقة التين .

إزاء كل هؤلاء الشالحين يقوم التساؤل بإلحاح شديد .. من هو الشيوعي إذاً ؟؟ الشيوعي الحقيقي هو من يقوم بدراسة تقسيم العمل الدولي والمحلي وما يرتب من علاقات دولية، دراسة ماركسية مجردة من كل أدلجة مسبقة . وأن يعترف بالغياب التام لأي ثورة إشتراكية في الآفاق المحيطة إن وجد هذا هو الحال ـ وهو سيجد ـ ولعله يتجرأ حالتئذٍ في أن يخمّن الغيمة السوداء في الأفق التي تخفي وراءها الثورة الإشتراكية . على الشيوعيين الحقيقيين أن يحافظوا على هذا المسار حتى ينبلج الضياء من وراء الأفق البعيد ؛ اتحاد يؤمن تواصلاً شاملاً فيما بينهم جميعاً، دون انخراط في أية سياسات جزافية، سيساعد دون شك على تحديد الوجهة الصحيحة للمسار وتقصير زمانه .

فـؤاد النمـري
www.geocities.com/fuadnimri01



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعذر الرثاثة ولا نعذر التطفل!
- منتقدو الماركسية وكارهو الشيوعية
- حتى الشيوعيين من العربان لا يقرؤون
- الأزمة المالية الماثلة ليست أزمة الرأسمالية
- الدكتور سمير أمين يسارع فينزلق نحو المثالية والليبرالية
- أعداء الشيوعية يكرهون ستالين
- الانحطاط الفكري لدى شيوعيي انحطاط الإشتراكية
- القراءة اللينينية لتاريخ الحركة الشيوعية
- ماذا عن انهيار الإتحاد السوفياتي، مرة أخرى ؟
- ماذا عن أسباب انهيار الإتحاد السوفياتي العظيم ؟!
- ما الذي ينهار اليوم في أميركا ؟
- عجائز الشيوعية يخرفون أيضاً !
- ما بين الإشتراكية ورأسمالية الدولة
- عودٌ على بدءٍ مع حسقيل قوجمان
- الدين عقبة كبرى في وجه التقدم الإجتماعي
- شيوعيو الأطراف ليسوا ماركسيين وليسوا شيوعيين
- المسكونون بدحض الماركسية
- العدالة الإجتماعية والمساواة ليستا من مفردات الشيوعية
- كتابة تفتقد التوازن العقلي
- - النظام - العالمي الهجين القائم اليوم


المزيد.....




- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...
- طريق الشعب.. تحديات جمة.. والحل بالتخلي عن المحاصصة
- عز الدين أباسيدي// معركة الفلاحين -منطقة صفرو-الواثة: انقلاب ...
- النيجر: آلاف المتظاهرين يخرجون إلى شوارع نيامي للمطالبة برحي ...
- تيسير خالد : قرية المغير شاهد على وحشية وبربرية ميليشيات بن ...
- على طريقة البوعزيزي.. وفاة شاب تونسي في القيروان


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - شيوعيون شلحوا الشيوعية