أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - محمد شرينة - علاقة الخوف الديني و الجنسي بالعنف















المزيد.....

علاقة الخوف الديني و الجنسي بالعنف


محمد شرينة

الحوار المتمدن-العدد: 2472 - 2008 / 11 / 21 - 09:32
المحور: ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
    


بدأت المشكلة قديما جدا مع سيطرت المسيحية التقليدية ثم تعززت مع انتشار الإسلام ، و من الجلي أن الغرب مر بمرحلة من الشلل الفكري و الأزمة الوجودية منذ انتشار المسيحية حتى العصور الحديثة التي لم تكن لتبدأ لولا التحرر من الفكر الديني التقليدي .
لن أنسى هذه العبارة التي قرأتها منذ زمن طويل في (شرح السنوسي) و هو كتاب توحيد ( في المصطلح علم التوحيد هو الذي يبحث في العقيدة ) فعند شرحه لعقيدة الأشاعرة ( عقيدة معظم المسلمين السنة ) يقول المؤلف بصراحة ما معناه أن الله هو خالق البشر و خالق أعمالهم و أنه يهدي من يشاء و يضل من يشاء دون أي اعتبار و الأدهى من ذلك إن الله يمكن أن يُعذب المحسن و يُنعم المسيء و ذلك لا يغير من كون الله عادلا و متصفا بكل صفاته الحميدة.
مثل هذه العقيدة القمعية في الواقع تجعل الإنسان يعيش برعب مستمر ( و لقد مررت بهذه التجربة زمنا طويلا) كما أنها تزرع في أعمق نقطة من و عيه و إدراكه ؛ شعورا طاغيا بالتفاهة و التهديد لا يلبث أن يملأ عقل الإنسان و قلبه ، بالطبع المطلوب من الإنسان في هذه الحالة هو الخوف الدائم و الترقب المستمر فحسن الخاتمة الذي لا يمكن للمرء أن يضمنه حتى الساعة الأخيرة من حياته قد يختل في أي لحظة دافعا بكل عمله الصالح إلى الجحيم ، و بالتالي فهو باستمرار بأمس الحاجة إلى المسامحة و إلى طلبها حتى و إن لم يقترف ذنبا .
إن أحد آليات الدفاع السيكولوجية لدى الإنسان: أنه يكون عنيفا أكثر كلما كان مهددا أكثر ، فهل هناك تهديد أشد من الخوف الباقي حتى انتهاء الحياة من سوء الخاتمة و ضياع جميع الأعمال الصالحة و الانتهاء إلى جهنم ، دون القدرة على فعل شيء حيال ذلك .
الحالة السابقة المستمرة مدى الحياة تجعل الإنسان ميالا إلى العنف بشكل كبير و لما كان هذا العنف يحتاج إلى تنفيس حتى لا يدمر صاحبه ، فان المتنفس الوحيد له هو الأسرة و خاصة المرأة و التي هي في نفس الوقت السبب الرئيسي لشقاء الإنسان و تعرضه لهذه التجربة القاسية في الحياة الدنيا (من المنظور الديني التقليدي ) فهي التي أخرجت أبانا آدم من الجنة و لم تنتهي القصة هنا فهي التي تغوينا ( للعلاقات المحرمة) و حتى في العلاقة الشرعية (الزواج ) فهي تدفعنا إلى طلب المزيد من المال الذي قد يوقعنا في المال الحرام و تلهينا عن الله و مصائب أخرى كثيرة لا يمكن حصرها.
ما من شك أن مثل هذه النظرة السابقة تدفع العلاقة بين الرجل و المرأة أو إذا شئت بين الذكر و الأنثى إلى توتر تنهار معه تماما كل مشاعر الحب و الإلفة و المودة المطلوبة من هذه العلاقة .
إن المتنفس الوحيد لجميع مشاعر الرغبة و الخوف و الاضطراب لدى الناس العاديين الذين يشكلون غالبية المجتمع الساحقة هي العلاقة الجنسية ، فما كان البشر قادرين أبدا على تحمل ضغوط الحياة المدنية التي اخترعوها و ينفردون بها عن سائر الحيوانات لولا هذه الحميمية و السكينة و المودة و الحب و التنفيس ، الذي يحصلون عليه من العلا قات الجنسية الحقيقية ، التي تعني الاتصال الجسدي و النفسي و الروحي و العقلي ، و لكن في ظل مثل هذه العلاقة شديدة التوتر بين الجنسين لا يمكن للعلاقة الجنسية أن تؤدي هذا الدور .
و هكذا بدلا من أن تؤدي العلاقة بين الجنسين دورها في تخفيف و طأت الحياة تتحول بدورها إلى عامل توتير كبير للحياة المتوترة أصلا و من ثم يلعب الإحباطين: الديني (التفاهة و الخوف والشك المستمر تجاه العلاقة بالمقدس ) و الجنسي ( التفاهة و الخوف والشك المستمر تجاه العلاقة بالجنس الآخر ) دورين يعزز كل منهما الآخر و يقويه كحالة مريض القلب المصاب بالداء السكري.
ماذا يبقى أمام الإنسان ليحافظ على تماسكه النفسي بعد أن فقد تماما اتزانه النفسي ؟
أمران لا ثالث لهما :
الأول الذل و تحقير النفس و التعود على الاستكانة و تمجيدها .
الثاني تصدير العنف و الخوف و الشك الداخلي ، إلى من يقدر على تصديره إليه(فرديا و جماعيا) فهو يُصدر فرديا بشكل رئيسي إلى العائلة خاصة الشريكة ، و يُصدر جماعيا إلى المخالف في الرأي( أتباع الأديان و المذاهب الأخرى) .
بالطبع من الممكن الجمع بين الوسيلتين السابقتين بل هذا ما يحصل ، فالإنسان غير قادر أبدا على الاستكانة المطلقة و فقدان التقدير للذات بشكل كامل ، لذلك ما يحصل هنا أن المقهور الخائف و خاصة الرجل الذي هو تقريبا الفاعل الوحيد في مثل هذه المجتمعات يعتبر نفسه تافها و مهددا باستمرار تجاه المقدس كما أن عنده شك مستمر به ( بطريقة معاملة المقدس له و ليس بوجود المقدس ) و بالتالي ينظر إلى المرأة على أنها تافهة و يسلط عليها تهديدا و شكا مستمرا.
كل من العاملين السابقين يعود و يغذي الآخر و يعززه بشكل ارتدادي تبادلي ، و بدون كسر حلقة الخوف و الشك و الشعور بالتفاهة وعدم الأمان هذه لا يمكن تحقيق أي تقدم حقيقي نحو مجتمع حي و منتج و برأيي تبدأ العملية بتحرير المرأة من عبوديتها التي بدورها تحرر الرجل من استسلامه.
إن تغيير العقيدة شديد الصعوبة كما أن تغيير علاقة المرأة بالرجل سيؤدي تلقائيا إلى تصحيح العلاقة مع المقدس .
بل لعل العلاقة المختلة مع الجنس الآخر هي التي أدت إلى اختلال العلاقة مع المقدس ، فالأولى واقعية فعلية و الثانية افتراضية تخيلية .
إذا لم يكن المرء راغبا أو قادرا على أن يكون ماديا بحتا منكرا للدين بكل أشكاله ، حيث يشعر الكثير من الناس إلى حاجة عميقة للتدين و العلاقة بالمقدس و أنا أعتقد أن هذا شعور فطري ، لم يكن الحل إطلاقا التدين الذي يجعل الإنسان تافها و شريرا ، التدين الذي يدمر الإنسان من أجل الله ، التدين الذي يظهر المرأة خصما و عدوا للرجل و يظهر الله على أنه خصم و عدو للبشر .
ببساطة مثل هذا التدين ينبع من فكرة عميقة جدا مؤداها أن الآلهة تخاف من البشر ، هذه الفكرة بدورها تنبع من الشعور بالنقص و الخوف الذي لازم الكهنة و رجال الدين طوال تاريخهم من رجال الدنيا و أقصد بالأخيرين الناس العاديين الناجحين في حياتهم ( وهذا شعور أيضا عرفته ردحا طويلا من الزمن ) .
الناس العاديين الناجحين في حياتهم غالبا لا يكترثون لأقوال الكهنة و رجال الدين بل حتى لا يصدقونهم و لا يحترمونهم و قد يضطهدوهم ، و بالتالي عكس رجال الدين هذا التحدي و التهديد الذي يشكله رجال الدنيا لهم على الله فأظهروا الحياة العادية للناس و كأنها تهديدا لله مع أنها ليست كذلك أبدا ، بل هي تهديد للكهنة و السدنة و رجال الدين و لذلك كلما واجهت رجل دين يمتلك قدر أكبر من الثقة بنفسه وجدته أقل عدوانية تجاه الحياة الدنيا و رجالها .
الإيمان المبني على حب المقدس لا الخوف منه برأيي يقدم حلا مثاليا لمعضلة التدين و العلاقة بالمقدس ، انه لا يقدم فقط حلا بل يُعطي إضافة هامة على الشعور الديني فيجعله رقيقا رائعا جميلا راقيا فياضا مصبوغا بالحب و الرحمة و التسامح ، التسامح مع الذات أولا و مع الجنس الآخر ثانيا ثم مع الآخر المختلف .
مثل هذا التدين كان هو الطريقة الأساسية للعلاقة بين الإنسان و المقدس قبل انتشار الأديان الكبرى الرئيسية كالإسلام و المسيحية و هو لم يختف أبدا بانتشارها ، و إن كان تنحى و ترك الساحة الرئيسية للتيارات الرئيسية في المسيحية و الإسلام التقليديين ، لقد كان دائما موجودا في الكثير من المذاهب المسيحية و الإسلامية و التي يسمى الكثير منها في الأدبيات الإسلامية التقليدية بالفرق الباطنية .

مثل هذا الإيمان موجود في الكثير من أفكار المتصوفة و ما أقصده هنا بالمتصوفة و بالتصوف ليس خرافات معينة و لا طقوس محددة ( مع أنني لست ضد الطقوس بل أعترف بدورها الهام إذا أُجيد استخدامها) بل أقصد ذلك الشعور الإيماني المحب الفياض و ذلك التدين الذي يركز على اللب لا على القشور ، على الجوهر لا على المظهر .
عند الحديث عن التصوف يذهب تفكير كثير من الناس إلى طريقة لا مبالية ، اتكالية ، انعزالية وعدمية في الحياة ، طريقة تعتمد على الأوهام و الأماني و تدعو إلى التواكل و الاستسلام ؛ طريقة تمعن في احتقار الذات و تدعو إلى تعذيبها ، هذه الطريقة موجودة فعلا و لكنني أتحدث عن شيء آخر موجود هو الثاني أيضا ، طريقة اختبرتها من الداخل و اعرفها جيدا تقوم على العمل و الجد والدأب والإخلاص من الناحية العملية و على الإبداع و التطور و الاستشراف من الناحية العلمية و على الحب والثقة و التسامح و الاعتزاز بالنفس من الناحية الأخلاقية و من الناحية الإيمانية تنبني على الثقة بالله و حبه من خلال احترام و حب الذات البشرية .
انتشار الأديان الشمولية الكبرى خاصة الإسلام و المسيحية كان دون أدنى شك السبب الرئيسي في تعطيل حركة الفكر و التقدم الحضاري للبشرية لمدة زادت عن الألف عام و لم ينجز الغرب أي تقدم حتى تحرر من قيود المسيحية التقليدية و لن يحقق المسلمون شيئا دون أن يفعلوا الشيء ذاته ، فهل يفعلون ذلك ؟ و متى ؟



#محمد_شرينة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النار التي تنضج الطعام ولا تحرق، الثقافة غير قابلة للتجزيء
- هل المواطن العربي العادي غائب فعلا؟
- الحرية والعمل
- زيارة شيطان
- تأملات في الماركسية
- الحجاب الخارق
- ها قد ظلل العالم الحائر المساء
- النوم ليلة العطلة
- لماذا يتشبث الناس بالأيديولوجية؟
- مدينتي الغافية
- الحرية و المطر
- لماذا لم تحقق العلمانية العربية الحديثة أهدافها حتى الآن
- الأديان الشمولية و تأليه الإنسان – النبي
- أيديولوجيا و حتمية


المزيد.....




- “مشروع نور”.. النظام الإيراني يجدد حملات القمع الذكورية
- وناسه رجعت من تاني.. تردد قناة وناسه الجديد 2024 بجودة عالية ...
- الاحتلال يعتقل النسوية والأكاديمية الفلسطينية نادرة شلهوب كي ...
- ريموند دو لاروش امرأة حطمت الحواجز في عالم الطيران
- انضموا لمريم في رحلتها لاكتشاف المتعة، شوفوا الفيديو كامل عل ...
- حوار مع الرفيق أنور ياسين مسؤول ملف الأسرى باللجنة المركزية ...
- ملكة جمال الذكاء الاصطناعي…أول مسابقة للجمال من صنع الكمبيوت ...
- شرطة الأخلاق الإيرانية تشن حملة على انتهاكات الحجاب عبر البل ...
- رحلة مريم مع المتعة
- تسع عشرة امرأة.. مراجعة لرواية سمر يزبك


المزيد.....

- جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي / الصديق كبوري
- إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل / إيمان كاسي موسى
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- الناجيات باجنحة منكسرة / خالد تعلو القائدي
- بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê / ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
- كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي / محمد الحنفي
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر / فتحى سيد فرج
- المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟ / مريم نجمه
- مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد ... / محمد الإحسايني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - محمد شرينة - علاقة الخوف الديني و الجنسي بالعنف