أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جمال محمد تقي - البصمة القاتلة !















المزيد.....


البصمة القاتلة !


جمال محمد تقي

الحوار المتمدن-العدد: 2469 - 2008 / 11 / 18 - 10:11
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


وكأن التاريخ يعيد نفسه عام 1924 أَحضر 63 من اعضاء المجلس التأسيسي العراقي المكون من 100 عضو بمساعدة الشرطة لاقرار معاهدة الانتداب البريطاني على العراق وبعد ضغوطات وتهديدات وحوافز وتعهد المندوب السامي البريطاني باجراء تعديلات ترضي المعارضين وبعد ان جرى كسب التاييد المشروط من حكومة عبد المحسن السعدون لتمرير المعاهدة جرى تمرير الاتفاقية وقتها ايضا بالاكثرية البسيطة !
الان ونحن في عام 2008 الوضع لا يختلف كثيرا عن حكاية تمرير معاهدة الانتداب البريطاني فالاتفاقية الامريكية العراقية المدلعة باسم اتفاقية الانسحاب الامريكي من العراق ، لها نفس اهداف قرينتها البريطانية وها هي الاجواء ذاتها ضغوط تهديدات اغراءات وعود بتعديلها ثم في اخر المطاف تمريرها في البرلمان بالاغلبية البسيطة للحاضرين اي باستخدام الحيلة لانتزاع بصمة البرلمان ، فيمكن وببساطة عرقلة حضور المعارضين لتكون الاغلبية الحاضرة من الموافقين ناهيك عن اصل الخرق الدستوري الذي يفترض موافقة اغلبية الثلثين من اعضاء البرلمان وليس من الحاضرين ، ولان الحكومة والسفارة الامريكية غير قادرة على توفير هذا الاستحقاق الدستوري فهي تلجأ الى اسلوب الحيلة لضمان تمرير الاتفاقية وهذا ماسيحصل بتواطأ وتوزيع ادوار متقن من المشهداني والطالباني والمالكي والبارزاني الى علاوي والحافظ وحميد موسى ومن لف لفهم !

حكاية اتفاق تحت التهديد ! :
تحولت اجواء الاستنفار والهمز واللمز السائدة في بغداد حول اشكاليات تمرير الاتفاقية الامنية بين امريكا والعراق الى حالة شبيهة باجواء حكاية موت معلن للكاتب العالمي غارسيا ماركيز ، فالكل يعرف انها اتفاقية غير متكافئة ، والكل يعرف ان امريكا عازمة على اجبار المتريثين والمترددين الذين هم في متناول يدها على الرضوخ في النهاية للتوقيت الامريكي في الموافقة عليها ، والكل يعرف ان هؤلاء يعرفون ذلك ايضا ويتناقلونه ، لكن الشيء المختلف في حكاية الاتفاقية هو بطلها ـ الشعب ـ الذي لن يموت بنهايتها ، والكل لا يعرف تحديدا النتائج التي ستحصل بعد تمرير تلك الاتفاقية المنبوذة من قبل كل احرار العراق !

الاتفاقية تختزل في طياتها كل امتدادات الاحتلال واهدافه البعيدة والقريبة وهي تؤبده وتجعله معرقا دون الحاجة لاستشارة او مراجعة اومتابعة اي من المراجع دولية كانت او اقليمية او محلية الى اذا ارادت امريكا وحدها ذلك ، ويبدو ان امريكا لم تصدق كذبتها بدليل انها لا تتعامل مع حكومة العراق الا على اساس انها مجرد صنيعة عليها تنفيذ ما يطلب منها ولا تسعفها سيناريوهات الانتخابات والسيادة المستعادة لانها هي ايضا منحة امريكية ، اي ليس مسموحا للحكومة العراقية وليس امامها الا الموافقة على الاتفاقية ودون ابطاء !
لقد احرجت امريكا صنائعها ومن يسير بركابهم بل احرجت حتى نفسها لانها اضطرت للتعامل مع من يفترض بهم حلفاء واصدقاء بطريقة لا صلة لها بالسيادة والاستقلال او الاحترام ، انها طريقة التهديد والوعيد واستخدام القوة والابتزاز والضغوط حتى التلويح بالقتل ، امريكا تعاملت ما الامر كاستحقاق تتويجي بدونه سوف تكون قد اخفقت في تحقيق الحد الادنى من اهدافها المرسومة من وراء احتلال العراق وترتيب اوضاعه بما يلائمها لاحقا ، بعد ان كلفتها تلك الحرب غاليا ـ 5 الالف قتيل و30 الف جريح ومعوق واكثر من 700 مليار دولار اضافة للخسارة السياسية والمعنوية الهائلة ـ فكيف تخرج من هذا المولد بخفي حنين ؟ عليه كشرت امريكا عن انيابها ودون لف اودوران ، صرخت بوجه المترددين من الصنائع ، اما الاتفاقية او الطوفان !

الكرة الان بملعب اطراف العملية السياسية وحكومتها الائتلافية وبرلمانها الذي برهن اكثر من مرة على انه حالة شاذة من التحاصص والانقسام ، هؤلاء جمعيا يخشون ولاسباب عديدة من انكشاف ظهورهم امام القوى الشعبية المناهضة للاحتلال لان تمرير المعاهدة سيكون دافع جديد لاصطفافات وطنية شاملة تصعد من المجابهة مع الامريكان ومن يتفق معه ، لاسيما وان حظوظ اوباما قد تصاعدت واحتمالات فوزه باتت كبيرة جدا وهو الداعي للانسحاب من العراق ، الى جانب الموقف الايراني الذي يدفع باتباعه من المتنفذين بالعملية السياسية لعرقلة تمريرها ، ومع هذا كله فان تمريرها من قبل الحكومة لا يعني ضمانة تمريرها في البرلمان الذي قد يفاجأ الجميع بموقف مختلف ، فالتوازنات فيه لم تعد مستقرة ، واكبر مثال عملي على ذلك ما حصل في عملية التصويت على قانون انتخابات المحافظات وتحديدا الفقرة المتعلقة بكركوك ، حيث كانت الكتل الكبيرة فية ـ الائتلاف والكردستاني والاسلامي ـ قد اتفقت على عدم تمريره بالصيغة التي لا يرغب بها التحالف الكردستاني ولكن اثناء التصويت ظهر الامر وكانه تمردا على توصيات قادة الكتل فالصيغة قد تم التصويت عليها بالايجاب وتحديدا بعد ان توحدت اصوات الصدريين ، والفضيلة ، والوطنية العراقية ، والكتلة العربية ، والجبهة التركمانية ، وجبهة الحوار مع اصوات من الائتلاف والاسلامي لتشكل تكتل موسمي اطلق عليه تسمية جماعة 22 تموز !



من المسلمات ان لا يعقد لزواج ما دون قبول من الطرفين ، ومن البديهي ايضا ان لا يكون هناك اتفاق ما دون وفاق بين الاطراف المعنية ، الا اذا تم التحايل على مباديء القبول او الوفاق بالضغط او التهديد او بتزييف ارادة طرف من الاطراف ، وهذا هو بالضبط مايحصل اليوم في العراق ، فالشعب العراقي يعتبر الاتفاقية الامريكية مفروضة عليه لان الامريكي يحتل البلاد ويكره اهلها على تبعيته ، والشعب يدرك ايضا ان كل الترتيبات السياسية والقانونية التي شرعها المحتل او التي قامت بالاستناد لوجوده المباشر لا تعبر باي حال من الاحوال عن الارادته الحرة لان هذه الارادة محتلة وناقصة السيادة ، وان حدث وانحازت بعض الواجهات العراقية المتعاونة مع المحتلين لارادة شعبها وتبنت طروحات قواه المقاومة فانها حتما ستلاقي الترحاب والعرفان من الشعب وقواه الوطنية التي ستنتصر حتما ، اما محاولات ذر الرماد في العيون التي يمارسها محترفو اللعب على الحبال للظهور بمظهر الحريص على مقدرات العراق واهله وهم في النهاية لا يخدمون الا تطلعات الطامعين في العراق من محتلين امريكان او ايرانيين فهي لن تنطلي على شعب مجرب وخبير كشعبنا وحتما ستنكشف الاعيبهم طال الزمان ام قصر !
ان التدقيق بكامل بنود الاتفاقية المعلنة والتي نشرتها الصحف الرسمية في العراق وتحديدا الامنية منها والاقتصادية يجعل اي وطني عراقي يضع الف علامة استفهام حولها خاصة ببندها القائل بتنظيم التواجد العسكري الامريكي بقواعد ثابتة يمكن مراجعة التمديد لتواجدها باتفاق الطرفين ، اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الطريقة الامريكية ذاتها التي تستخدم حاليا لتمرير الاتفاقية يمكن ان تستخدم ثانية وبسهولة اكثر لاعادة تمديد بقاء القواعد الامريكية الثابتة والبعيدة عن المدن في العراق ! اما اعطاء الافضلية في العقود النفطية ومشاريع الاعمار والتسليح فهي تحصيل حاصل مبثوث في التفسيرات المتباينة للمفردات والجمل المستخدمة في نصوص الاتفاقية ، اضافة الى حصانة الجنود الامريكان والمدنيين القائمين على خدمتهم من اي ملاحقة قانونية عراقية في حالة ارتكابهم مخالفات خارج نطاق مهماتهم في القواعد الثابتة ، ، ناهيك عن وجود ملاحق سرية غير معلنة !
اكثر من خمس سنوات مضت على الاحتلال وكانت تجربة اقسى من القاسية بكل المعايير الانسانية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والامنية ، فيها تنصل الامريكان عن وعود والتزامات قطعوها على انفسهم امام الاعلام وامام مجلس الامن وامام العهد الدولي في تنمية القدرات الذاتية للجيش العراقي والاجهزة الامنية لتكون قادرة على القيام بدورها ، الواقع يقول انه لم يحدث اي تقدم حقيقي في هذا المجال ، وعود اعادة اعمار العراق بمساهمة امريكية فاعلة ماديا وتقنيا وتنفيذيا ، واقع الحال يشهد على التنصل دائما ، بعد كل هذا من الضامن لتنفيذ اي اتفاق او تعهد امريكي في العراق ؟
الشيء المضمون الوحيد هو التواجد الامريكي ذاته ، وايضا التكريس المتعمد للضعف النوعي للقوات المسلحة لعراقية ، اضافة الى تخصيب تعددية مراكز القوى طائفيا وعرقيا لضربها ببعضها وقت الحاجة !
من يصدق بعد كل هذا الذي جرى ان هناك مصلحة عراقية في عقد تلك الاتفاقية التي ليس لها ضامن سوى امريكا ذاتها ؟ ؟

عذر الاتفاقية الامريكية العراقية يفضح ذنبها ! :

لقد فضح مسعود البرزاني حقيقة دوافع الاصرار الامريكي على تمرير الاتفاقية الاستراتيجية مع العراق عندما ذهب الى واشنطن واعلن من هناك استعداد " دولة كردستان " لاستقبال القواعد العسكرية الامريكية الدائمة ودون قيود او شروط مزايدا على اقرانه في بغداد ومداعبا الرغبة الامريكية في التحكم بنفط العراق عندما اكد على الاهمية التاريخية لعقد الاتفاقية بالتزامن مع اقرار قانونن النفط والغاز الجديد ، اي ان الاتفاقية هي جسر سالك نحو القواعد الدائمة وبالتالي فهي جسر مزدوج للسيطرة العسكرية والنفطية !
مسخرة التعذر بالبند السابع الذي فرضته امريكا ذاتها كسوط مسلط على سيادة الدولة العراقية منذ بداية حرب الخليج الثانية يحاولون اجترارها واستخدامها مجددا كوسيلة ابتزاز لتمرير اتفاقية وصايتها على العراق متناسين ان قرارات مجلس الامن ذاتها التي وصفت الحرب الامريكية ونتائجها على العراق بالاحتلال هي ذاتها من ابطل ونسخ كل القرارات التي سبقته ومنها ما يتعلق بالبند السابع الذي اجاز استخدام القوة لتنفيذ قرارات المجلس بخصوص الكويت حيث تم تنفيذ هذا القرار ومتعلقاته فعليا ، وبعد الذي جرى من غزو واحتلال امريكي غير مبرر من المجلس صاحب السلطة على البند السابع واصبح العراق قانونيا وعمليا ومنطقيا خارج نطاق هذا البند ، فلم يعد العراق مهددا للامن والسلم الدوليين بل ان سلمه وامنه مهددان بالاحتلال الامريكي ، وهذه هي الترجمة المنطقية لقرار مجلس الامن باعتبار القوات الاجنبية فيه هي قوات احتلال ، وعليه تم رفع كامل العقوبات الشاملة التي كانت قد فرضت على العراق ، وعليه ايضا جرى اتفاق اعضاء مجلس الامن على جملة من القرارات والتوصيات تصب باتجاه ازالة الاحتلال الاجنبي ونقل السيادة الى الشعب العراقي ، ومن ضمن تلك القرارات اجراء انتخابات حرة ونزيهة ومستقلة لحكومة عراقية انتقالية يكون من حقها تقديم طلب رسمي الى مجلس الامن لمطالبة القوات الاجنبية المحتلة بالخروج من العراق او التمديد لبقاؤها وجرى الاتفاق على ان تكون المراجعة نصف سنوية ، معنى هذا ان مجلس الامن لم يضع شروطا ليكون العراق سيدا على ارضه وثرواته وقراراته سوى طلبه بالتمديد او ابقاء القوات الاجنبية فيه وبهذا المعنى فان المجلس ونتيجة لمعارضته للتمادي الامريكي في موضوعة الحرب على العراق قد منح الحكومية العراقية امكانية مشروعة لاتخاذ قرار يساعدها على التمتع الفعلي بالسيادة ان ارادت ، ومعنى هذا ان مجلس الامن هو من سيكون ملزما امام العراق بتنفيذ طلبه وليس العكس ، انها هرطقة فجة ان يدعي المدعون والمتحججون بان العراق مازال يخضع لقرارات مجلس الامن لما قبل احتلاله ؟
نقول لامثال هؤلاء المضللين انه لو طلبت الحكومة العراقية من مجلس الامن خروج القوات الاجنبية فان المجلس ساعتها سيطالب هذه الدول بالخروج من العراق دون قيد او شرط ، وان رفضت فسيكون للمجلس وضع هذه الدول تحت مقتضيات البند السابع وليس العراق !
اما ما معنى ان تطلب الحكومة العراقية من مجلس الامن اخراج تلك القوات او التمديد لبقاؤها ولا تطلب ذلك مباشرة من هذه الدول مباشرة ؟ فهو دليل اخر على ان مجلس الامن بقراره هذا ما زال يتعامل مع هذه القوات كقوات احتلال رغم تغيير تسميتها الناتج عن ثقل هذه الدول داخله وهو بذات الوقت يحاول مساعدة الشعب العراقي في بلورة خياره السيادي والذي خذل نتيجة عجز المجلس ذاته على منع الغزو او معاقبة القائمين عليه !
المسخرة ان المحتلين وواجهاتهم العراقية الممثلة بالحكومات الاربعة المتتالية ، راحت تطالب مجلس الامن بالتمديد لبقاء تلك القوات ، والان وبعد ان شعر المحتلون ان الامر لا يمكن ان يستمر على هذا النحوفوصاية المجلس على استمرار تواجد القوات الغازية من عدمه لا يشكل ضمانة للتفرد الامريكي بالقرار العراقي خاصة وان المزاج الشعبي في العراق ضد هذا التواجد شكلا ومضمونا وقد يغري بعض المتعاونين لتاخاذ مواقف ربما تسبب حرجا للسياسة الامريكية في العراق وربما يساهم ذلك بتصاعد اعمال المقاومة لتصل لثورة شعبية عارمة غير متوقعة !
العذر الثاني الذي يسوقه اذناب المحتلين وحكومتهم هو الخشية من الانتقام الامريكي اذا لم تمرر الحكومة العراقية تلك الاتفاقية ، وخاصة في المجال الاقتصادي فاموال العراق مكدسة في الحسابات الامريكية وتصل الى اكثر من 70 مليار دولار ، ويمكن لامريكا وبسهولة تجميد الاموال العراقية لديها وباي سبب مختلق او ملفقة ولا يستطيع احدا منعها من ذلك !
ان اكثر من روج لهذه الحجة هو جلال الطالباني وهوشيار زيباري وهما لا يتحرجان من اعلان تأيدهما المطلق للاتفاقية ، حتى ان جلال الطالباني اخذ يزايد على اقرانه باستعداده للموافقة على بناء اي عدد مطلوب من القواعد العسكرية الامريكية في منطقة سوران شمال العراق حيث نفوذ حزبه ، نقول اذا كانت الاتفاقية لا تمس السيادة العراقية ، واذا كان توقيعها لمصلحة العراق وحكامه يقرون بهذه المصلحة ، اذن لماذا تهدد امريكا الجانب العراقي وتتوعد العراق في حالة عدم تمريرها ؟ واذا كانت الحكومة العراقية ذات سيادة حقيقية فلماذا تقبل بالابتزاز الامريكي الذي لا يراعي غير المصلحة الامريكية ؟
اننا لسنا بحاجة للبرهنة على اكاذيب امريكا في العراق فهي اكثر من نار على علم ، قبل غزوالعراق واحتلاله وبعد ذلك وحتى الان ، دعك من اكاذيب سلاح الدمار الشامل ، وصلات العراق بالقاعدة ، ونشر الديمقراطية وحقوق الانسان في الشرق الاوسط والعالم ، وناهيك عن نقل السيادة للعراقيين ، وخطة مارشال لاعادة بناء العراق الذي عملت هي ذاتها على تخريبه وبشكل مباشر منذ عام 1990 وحتى الان ، حيث تبجحت بانها قادمة للعراق وفي جعبتها نوايا صادقة لتخصيصات فلكية لاعادة بناء البنية التحتية العراقية ـ كهرباء وماء ومجاري وطرق وجسور وشبكة اتصالات وبناء وتدريب وتسليح جيش عراقي جديد قادر على مواجهة التحديات التي تترتب على الانسحاب الامريكي الذي لن يكون بعيدا !!
لوتناسينا كل هذا فاننا لا نستطيع ان ننسى كذبتها التي لم يصدقها احد ، حتى اكثر المتعاونين معها من العراقيين رغم ان من مستلزمات تعاونهم هو ضرورة تصديق ما يعلنه الامريكان بدون مواربة او تشكيك والا فسيكونون من المغضوب عليهم ، فالحكومة التي لا تطلب التمديد لبقاء القوات تسقط كسقط متاع ، وحاليا فان الحكومة التي لا توقع الاتفاقية الطويلة والدائمة او القصيرة والمؤقتة سيكون نغروبونتي كفيل بتوضيح ما سيحل بها وهذا ما فعله بنجاح مؤكد !

ان تغيير عنوان الاتفاقية من طويلة الامد الى قصيرة اومن دائمة الى مؤقتة لا يعني شيئا حقيقيا مادمت الاتفاقية تحتوي فقرة ـ يمكن تمديد فترة العمل بالاتفاقية وبحسب الظروف الميدانية ـ فمطاطية الاتفاقية لا يصلبها شيء مادامت الحكومات المتعاقبة على العراق ومنذ احتلاله لا تحكم الا بما يحكم به المحتل ذاته ! عليه فاننا سوف لن نجد من يصدق ما يسمع من الامريكان وجوقتهم العراقية حول الاتفاقية ومقاصدها حتى من الامريكان واعوانهم العراقيين انفسهم رغم تظاهرهم بتصديق ما يعلنون !

في هذه الاتفاقية ستكون امريكا هي الخصم والحكم ، هي من سيترجمها وبنسخة واحدة لا تقبل التأويل واذا اراد الطرف الضعيف فيها ـ العراق ـ الشكوى من تفسيرات محرجة لبنودها فانه سوف لا يجد غير الله يشتكي له على اعتبار ان الشكوى لغير الله مذلة !
السفارة الامريكية في بغداد والمتعاونين معها يجتهدون لتبرير الرفض العارم المتلازم مع التشكيك الشعبي المعتاد بالنوايا الامريكية حول عموم السياسة الامريكية في العراق بما فيها الاتفاقية المزمع المصادقة عليها قبل موعد الانتخابات الرئاسية الامريكية ولم يدلهم عقلهم الاحتلالي الا على شماعة ايران ، فاخذوا ينكرون على شعب العراق رفضه ويرحلوه الى الجارة المتصيدة بالماء العكر ، لكن حتى هذه الكذبة لم تكن بمستوى التصديق رغم وجاهتها الظاهرة ، فلو كانت ايران هي من يريد عرقلة التوقيع على هذه الاتفاقية فلماذا تدع اتباعها في حزبي ـ الحكيم والمالكي ـ يوقعون على المباديء الداعية لها ؟ ثم ماعلاقة ايران بالقوى الوطنية العراقية الاصيلة والمضطهدة من قبل احزاب ايران وامريكا معا ، سنية كانت ام شيعية ، وما علاقتها بالنفس الشعبي العراقي الحاقد اصلا على نهج السياسة الامريكية ازاء العراق ومنذ ايام الحصار الغاشم الذي قتل اكثر من مليون عراقي ؟

اعذار الاتفاقية القبيحة تصرخ بالفضيحة التي لن يفارقها ذنب القبح بالمطلق ، ومهما تجملت !

جلاء القوات الامريكية من العراق مقدمة ضرورية لاعادة استقراره ! :

اذا اتفقنا ان التحاصصات الطائفية والقومية هي واحدة من اسباب انعدام الامن والاستقرار والتقدم في العراق ، واذا اتفقنا بان الدستور هومشكلة بحد ذاته وليس حل ، واذا اتفقنا ان القوة النوعية للجيش العراقي الاصيل والاجهزة الامنية هي واحدة من ضمانات استقرار العراق وردع القوى الطامعة فيه ، واذا اتفقنا بان السيادة الكاملة على ارض وسماء ومياه وحدود وثروات العراق تتطلب تحرر القرار العراقي من اية مؤثرات خارجية ، واذا اتفقنا ان اي نهضة اقتصادية وخدمية وتعليمية وصحية حقيقية في العراق لا يمكن لها ان تقوم الا اذا حررت ثرواتنا الوطنية من التبعية والا اذا تكاملت القطاعات الانتاجية والخدمية بخطة استثنائية بعيدة المدى يكون القطاع العام عمودها الفقري ، والقطاعين الخاص والمختلط جناحان قويان لتحليق التنمية المستدامة حقا ، واذا اتفقنا بان المنظمات المتطرفة والارهابية تتخذ من الوجود الامريكي ذريعة لنشاطها في العراق ، فأننا سنتفق حتما على ان جلاء القوات الامريكية من العراق سيؤدي موضوعيا وتتابعيا لتعافي العراق واستقراره !
صحيح سنشهد فترة انتقالية فيها الكثير من المجابهات والتصادمات وتصاحبها عمليات واسعة من الكر والفر لكنها بالنتيجة ستكون مخاضا ضروريا للولادة الجديدة لعراق موحد قوي بنظام مركزي ديمقراطي برلماني ، تكون للمحافظات فيه ادارت منتخبة للحكم المحلي ، نظام يقوم على الشرعية الانتخابية والتعددية الحزبية ، نظام تكون فية المؤسسة العسكرية مؤسسة في خدمة الشعب وحمايته ولا دخل لها بالحياة السياسية ضامنة لكل الاطراف دون ان تكون طرفا ، اي ان العراق الجديد يفصل بين الجيش والسياسة كفصله بين الدين والسياسة ، نظام للسلطة القضائية فيه الكلمة العليا !

صحيح ان ايران وتماديها قد يعرقل هذا التوجه بل انها ستحاول التأثير عليه وتحويره ، لكنها ستكون ايضا غير قادرة على تبرير سلوكها هذا بل انه سيكون عبئا عليها وسيكون محرجا لها لانه سيعري اهدافها وشعاراتها وسيتقابل وجها لوجه مع التحدي الوطني العراقي تحدي البناء والاستقرار والرغبة في لملمة الجراح ، واعتقد هنا ان الوجود الامريكي كان سببا مباشرا لحصول تغلغلين خارجيين كبيرين في العراق اولهما ايراني وثانيهما لتنظيم القاعدة ، ولا يغيب عن الذاكرة ان بوش ذاته كان قد اعلن مرارا وتكرارا انه يريد تجميع قوى "الارهاب" لمقاتلتها في العراق، اما عن ايران فان الاجراءات العملية والميدانية الامريكية قد اتاحت وبصورة متعمدة للايرانيين التغلغل في الجانب العراقي ـ حل الجيش وحرس الحدود ، التغاضي عن التسرب الايراني الواضح ، التساهل مع القوى التي تربطها بايران روابط عضوية ـ وعليه اعتقد ان غياب الدور الامريكي سيجعل القوى العراقية اكثر واقعية في تعاملها مع بعضها ، لاسيما وان تجربة الاحتلال قد كشفت معادن القوى المتسترة بالدين والمذهب والعرق ، والتي حاولت بتحاصصها الطائفي والقومي خداع الاهالي برفع الحيف والمظلوميات !

اما على الصعيد العربي فان الجلاء الامريكي سيكون عاملا ايجابيا يرفع الحرج عن الانظمة العربية ويعيد للعلاقات حرارتها وانسيابيتها وايضا سيحرص جيران العراق منهم على طي صفحة الماضي ومتعلقاته وفتح صفحة جديدة ليس فيها نوازع الاستقواء والاحتماء بقوى خارجية غاشمة !
اعتقد ان مجلس الامن وعموم اركان المجتمع الدولي قد خبروا عدم مصداقية امريكا في كل دعاويها حول العراق قبل الغزو وبعده ، فلا البند السابع ساري المفعول لانه قد استنفذ ، ولا من حق امريكا او غيرها التلاعب بارصدة العراق ، لاسيما وان الحصار الدولي قد تم رفعه ، والديون والتعويضات يمكن التفاهم مع مستحقيها وجدولتها ثنائيا بحيث لايكون العراق قد تخلى عن التزاماته الدولية !

العراق المحرر يعمل وبكل الوسائل المشروعة على استجابة امريكا لاقامة علاقات طبيعية تضمن الاحترام المتبادل لمصالح الطرفين وتضمن فكاكا سلسا بينهما ، بعد ان تنفذ هي ما عليها من استحقاقات موجبة كالمساهمة بصندوق اعمار العراق ، اضافة لتقديمها التعويضات الازمة عن الاضرار البيئية والخسائر البشرية الجسيمة التي سببتها ، وتقديم الاعتذار للشعب العراقي عن المآسي التي حلت به نتيجة حربها واحتلالها له !
وكأن التاريخ يعيد نفسه ! :



#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتراق الكبير
- انتخابات الدولة الفاسدة اعادة لانتاجها!
- هل تكون الازمة الاخيرة محفز جديد للتعددية القطبية ؟
- جلاء القوات الامريكية من العراق مقدمة ضرورية لاعادة استقراره ...
- عذر الاتفاقية الامريكية العراقية يفضح ذنبها !
- انصار امريكا في العراق والاقنعة الساقطة !
- نوبة الايدز المالي تعصف بأمريكا !
- أمريكا وهاجس الخوف من مفاجئات العراق !
- الكوليرا لاتدخل المنطقة الخضراء !
- عندما لا يكون الشيوعي خائنا لقضيته!
- الثورة التي علمت العالم ما لايعلم !
- اسألوا الشعب ماذا يريد
- 11 سبتمبر حلقة من سلسلة حرب النجوم !
- لا تنتظروا المهدي فهو لن يأتي !
- ليس امام أوباما الا العراق !
- - موتكم علينا - !
- كل عام والبارزاني رئيس!
- الراية الحمراء فنار لتحقيق الحلم الاخضر!
- طلقة في سوق الصفارين !
- ازهار الشر الديمقراطي في عراق اليوم !


المزيد.....




- فيديو يُظهر ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت ...
- شاهد كيف علق وزير خارجية أمريكا على الهجوم الإسرائيلي داخل إ ...
- شرطة باريس: رجل يحمل قنبلة يدوية أو سترة ناسفة يدخل القنصلية ...
- وزراء خارجية G7 يزعمون بعدم تورط أوكرانيا في هجوم كروكوس الإ ...
- بركان إندونيسيا يتسبب بحمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان
- تاركًا خلفه القصور الملكية .. الأمير هاري أصبح الآن رسميًا م ...
- دراسة حديثة: لون العينين يكشف خفايا من شخصية الإنسان!
- مجموعة السبع تعارض-عملية عسكرية واسعة النطاق- في رفح
- روسيا.. ابتكار طلاء مقاوم للكائنات البحرية على جسم السفينة
- الولايات المتحدة.. استنساخ حيوانين مهددين بالانقراض باستخدام ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جمال محمد تقي - البصمة القاتلة !