أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - بعل الغجريّة..رواية(2)















المزيد.....



بعل الغجريّة..رواية(2)


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2470 - 2008 / 11 / 19 - 11:16
المحور: الادب والفن
    


وماثلة،تنمو ببطء في خفاء تام،رغبة تدوين ما يجري من وقائع على مسرح الزمن،يوماً بيوم،أحداث سياسية تتشابك،وقائع لا إنسانية تتشظى،أفق يغيم،أماني وأحلام تلهث وراء مستقبل يتوارى،قلت أدون ما أشاهد،ما أرى،ما أسمع،حقائق وقائع،مسموعات أحداث، أدون رؤيتي لما يجري مذ وعيت وهجست أن في الحياة عبث مقصود،يحاول إلغاء كمية الحقائق الثابتة،قلت أكتب تأويلات ألسنة ناس،بسطاء العيش،قليلوا العلم،تحكي ما تسمع،دون أن تتحرى عن صدق المرويات اللسانية،قلوبها عفوية لا تكذب ما تسمع،ناس تحب الكلام،مادام الكلام بدون ثمن،تجلس ساعات طويلة من أجل تبادل الكلام،كلام جاد وكلام هزل،منه ما هو مفيد،ومنه ما غايته قتل أمراض الزمن،السأم والكآبة،في المقاهي،في المنازل،في الشوارع،ناس تطلق عقيرة ألسنتها،في كل محفل،سواء يعنيهم أو لا يعنيهم مولد الحدث،مولد الحكاية،زمان وقوع الحدث،قائل الحكاية ،ناقلها،ناس تسمع وتفسر ألسنتها ما تسمع من أحداث،تشاع الحكايات،حكاية تتشظى إلى حكايات ،مصدرها واحد،ناقلها لسان واحد،ناشرها ألسنة،وكل فرد يروي الحكاية حسب مزاجه..!!
***
رغبة التدوين اليومي للوقائع قديمة،رغبة ولدت فجأة،مثلما باغتتني بعد سنوات نوم،أتت لحوحة لتأجيج أفران الذات ودلق الأسرار،جاءت في وقت ملائم،في زمن مناسب،يطيب للمرء هذه الأيام أن يلجأ إلى أغواره،لدلق أوراق ماضيه على طاولة عزلته،لغربلتها،من باب التنقيب البحثي عن سبب تدهور الحياة،أو يلجأ المرء إليه من أجل لمس مسحة سرور،بعدما تجلببت الأيام بوشاح الفوضى،وربما من أجل شم نفحة حياة،حياة حقيقية ولدت وإنطفأت في زمن ما..!!
***
عسر الحال،أجّل تفعيل الرغبة/رغبتي،تركها سابتة،تركها من غير إهمال،رغبة لم تنم،ظلّت يقظة،سراً تتفاعل،رويداً رويدا تنمو،تتحين الفرص،تسرق ما يتواجد من زاد،زاد ضحل،زاد غني،أينما تتوالد حكاية،أينما يحدث حدث،أينما يوجد(كتاب خطر)في متناول اليد،كتاب لا أشتريه طبعاً،من يد ليد،من مثقف مناهض لمثقف مناهض،ينتقل الكتاب المهرّب،إذ ليس بوسعي شراء ما أجد من كتب مرمية على أرصفة قذرة،تحفرها عيون الوشاة بحثاً عن أشياء لا تسر أو تقلق أمزجتهم،أو ناس تريد بيع مكتباتها سراً لمجابهة غول الجوع الزاحف،العيش أولى من شراء الكتب،البطن تصرخ والذاكرة تضج،أي الشرّين أهون،أي الندائين ينتصر،نداء البطن دائماً فعّال ومحقق لما يريد،كل كتاب يقع فريسة بين مخالب رغبتي ألتهمه،من الغلاف إلى الغلاف،أحفظ أسماء الشخصيّات،العناوين،كتاب أستعيره منمن صديق،كتاب مرمي في قمامة،كتاب منسي بين ركام حاجيات بيوت أصحاب التعليم،يرموه تحوطاً من مباغتات رجال تفتيش المنازل،كل كتاب أجده أقرأه مرة أو مرات حسب الظرف المتاح والمزاج الذي راح يزداد حيرته..!!
***
رغبة تدوين الحقائق،تفاعلت يوم وقفت أمام مكتبة(أبو كامل)،وقفت وأنا في التاسعة أو في العاشرة من عمري،طالب في المرحلة الإبتدائية،على ما أتذكر،حدث ذلك في عامي التاسع، فقير إبن فقير إلى نهاية الحياة،شجرة عائلية تجردت من البركات والحظوظ،مثمرة ومنتجة لكن لسلاسل لا تنتهي من فقراء ومساكين،وقفت بلباس بائس، بهيئة مزرية،بشعر غير ممشط، شعر(خنافس)موضة فوضوية داهمت البلدة وقطعت رزق الحلاّقين،شعور غابرة تتشكل كأعشاش لقالق فوق أجساد نحيلة،حين تهب ريح(تبهذل)العش المنتفخ،تنفشه كما ينفش قطيع غنم كومة تبن،أقف وكفي يرتفع وينزل،يرتفع سريعاً،ويهبط سريعاً،يرتفع لمسح(مخطان)أنفي،ينزل الكف اليمين ليمسح(المخطان)بالبنطلون العتيق،بنطلون الـ(لنكة)،بنطلون الـ(جارلس)،العالم من حوله/حولي يلهث،كل العالم يلهث،عالم البلدة،عالم العالم الواسع،الكل يلهث من أجل لقمة العيش،والصبي الواقف(أنا)لم يبال بما يجري من حوله،وقف يمتع نظره،وقف يؤسس كيانه،وقف مأخوذاً بما يرى،منجذباً إلى عالم ساحر،عالم الضوء والموسيقى والخلود..!!
وقفت أمام واجهة مكتبة(أبو كامل)،من وراء الزجاج السميك،الزجاج الذي يختلف عن زجاج اليوم،زجاج لا ينكسر،قوي وعنيد،زجاج اليوم هش،زجاج اليوم ينكسر،تراه زجاجاً بألوان شتى،ناصعة كماء الينابيع،لكنه هش،لمعانه كاذب،خادع للنظر،أو ربما عيون اليوم لا تشبه عيون الأمس،عيون الماضي تستلم إيعازاتها من البصيرة،والبصيرة لا تكذب،عيون اليوم تستلم إيعازاتها من الأمزجة،والأمزجة تتغير وتتبدل،لكل زمان مناخ يسود ويساوي حركة الأشياء،حركة الناس،حركة العالم،تأقلم روتيني متزن تلك هي فلسفة الزمن كما توصلت إليه..!!
***
وقفت ذات عصر،قدماي ساقتني،قدمان ينتعلان(صندل)إسفنج،الموديل الحديث الذي شاع وأحدث معارك بين الزوج والزوجة،بين الأب وأبناءه،ما أن هبط إلى سوق البلدة،رغب كل واحد أن ينتعل موديل(صندل)نزل إلى سوق البلدة،يخرج طقطقات جاذبة للنظر،أنا لبست(الصندل)ألإسفنجي،والدي جلبه لي من غير أن أطلبه أنا،أو تطلبه أمي كي تتباهى بين نساء المحلة،ترفع(خشمها)كونها أوّل أم يلبس إبنها(صندل إسفنج)أبو(الطقطقات)،لم أسأله عن سبب جلبه (الصندل)الحديث،هو جلبه في المساء عندما عاد من السوق،فرحت به،رفضت أن أجربه عندما وضعه تحت قدمي،إنحنى أمامي،وضع الـ(صندل) بعدما أخرجه من كيس ورقي،إنحنيت أنا،دمعتا عيناي،تحجر لساني،ضرب قلبي بعنف،رفعت الزوجين وأحتضنتهما،كمن إحتضن شهادة تفوق بعد يأس وفقدان رشد،ضحك والدي،ضحكت أمي،ضحكا معاً،ضحكا كثيراً،قال أبي:
ـ غداً تدوس بهما أوساخ الدنيا..!!
قالت أمي:
ـ إلبسه يا ولدي،جرب مقاسه وأرميه بباب الغرفة..!!
لم أفه بشيء،أنا ولد فرحان،شيء كبير يشغلني،شيء توالد في تلك اللحظة،تمنيت أن يهبط الصباح كي أمشي بهما في المحلة،في تلك الليلة وضعت الفردتين تحت سريري،كل لحظة أمد يدي كي أتحسسهما،خشيت أن(يتوسخ)أو يسرقه(الجن)،في الصباح بكرت الخروج،رحت أتباهى به أمام صبيان المحلة،ينادوني،يريدون مني أن أقف وأتقدم منهم،أمشي رافعاً أنفي،أرفض التوقف،أمشي وأعود،أصل إلى نهاية المحلة،وأعود من جديد لأذرع طول المحلة بـ(صندلي) الجديد،أحياناً أركض،أعمل من يدي(عصا قيادة)أخرج من فمي كومة رذاذ بصاق،مقلداً محرك مركبة،(طق طاق..طق..طاق..طق..طاق)عزف مريح يدفعني،عزف(صندل)سيشغل ناس المحلة بأسرها،ضحكات الصبيان تتعالى،بعضهم تحول ضحكاته إلى بكاء،سالت دموعه،لم يحتمل مشاهدة ولد يحتضن فرح العالم كله،يركض ويسابق الزمن،بعضهم دخل إلى البيت ليبكي أمام أمه وأبيه،طالباً(صندلاً)بأسرع وقت ممكن،بعدما ضاقت به الدنيا بما رحبت لأبن فقير إستولى على الفرح كله،أنا أواصل كوميديا السرور،أركض وأركض،تنتشيني نشوة عالمية،أركض وأسير في المحلة كلما أرى فتاة تخرج إلى الباب،أو صبي يخرج ليلعب أو يجلس بباب بيتهم، (طق..طاق..طق..طاق)أمشي والطقطقة وراءي تدفعني متباهياً..!!
***
أخذني سحر الطقطقة إلى السوق،خلت العالم سيترك مشاغلة وينشغل بإعجاب تام،سيصغي العالم لهذه الموسيقى الصادرة من(صندل)إسفنج ،أنا أوّل من لبسه في المحلة،أمشي وأتعثر،قدم يضرب قدم،عيون كثيرة ليس بوسع صبي صغير أن يتحمل ملاحقاتها الشرسة،ربما هي عيون غاضبة،ربما هي عيون شرسة،ربما هي عيون حاقدة،ربما هي عيون غيورة،مشيت ورأيت ما رأيت،عالم يتصادم،عالم يلهث يساراً وعالم يقاطعه يميناً،عالم واقف،عالم جالس،عالم يصرخ،عالم صامت،جذبتني واجهة زجاجية تبرز كتب زاهية الألوان،خجولاً،خائفاً من(أبو كامل)أن يضربني،تلمست طريقي بإستحياء،وقفت أتهجى أحرف عناوين برّاقة،(أبو كامل)وجدته من وراء الزجاج السميك،جالساً على كرسي أسود،وراء طاولة خشبية(صاج)،جالساً ينهمك بتصليح ساعة يدوية صغيرة،شاع في تلك الأيام(أبو كامل)له ولع وبراعة بتصليح وصيانة ساعات الناس العاطلة،ولعان مفيدان يمتلك(أبو كامل)،ولع الثقافة والتثقيف،ولع تصليح الساعات اليدوية،كلا الولعين يجلبان النقود في بلدة مهمة،كونها منتصف بلدات تنشغل ناسها بالزراعة أكثر مما تنشغل بفتح محال للبيع،بلدة..طريق حيوي يربط الشمال بالوسط،شمال حساس ووسط مهمل..!!
***
(أبو كامل)منهمك ـ لابساً نظرات تكبيرية ـ بتفريغ أحشاء ساعة صغيرة بين يديه،وجدتها فرصة آمنة للوقوف،كتب ذات أغلفة متينة،متراصة بشكل مغري،رفوف في الداخل،رفوف فوق رفوف،مثقلة بالكتب،تتراص الكتب بترتيب منظم،وخبرة خبير بشؤون المكتبات..!!
***
مكتبة(أبو كامل)..مكتبة وحيدة وفريدة زمانها،فريدة لأنها مذ تم غلقها من قبل سلطة حديدية تحكمت بالبلاد والعباد،جاءت وبثت رجال في كل مكان،رجال السلطة ظهروا في السوق،كظهور الجراد أوان نضج المزروعات،في الأزقة،أمام الساحات،في المقاهي،لا شغل لهم،ينظرون إلى الناس،ينظرون إلى أفواههم،يراقبون تجمعاتهم،الناس تنظر إليهم بريبة،الكبار يخشونهم،يبدون فروضات الإحترام لهم،يحيونهم بإحترام فائض عن اللزوم،يدفعون شاياتهم في المقهى،البقالون لا يأخذون منهم أسعار ما يشترون،يعطونهم الفواكه البرّاقة،يعطونهم طماطم حمراء،خيار غير ذابل،أصحاب المطاعم الشعبية يقدمون لهم كباب ممتاز،يقدمون لهم(عوازة)،خبز حار ولبن ثخين قبل أن يخالطوه الماء الواجب التخفيف،يقدمون خدمة ممتازة بلا فلوس طبعاً،أصحاب الأفران يعطونهم أقراص خبز نادرة،يعملون لهم أقراص خاصة،كبيرة وناضجة،يضعون على خبزهم (سمسم)،ناس بدأت تتهامس سراً،أنهم يكتبون ما يشاهدون،لهم قدرة ساحرة على تحويل نظرات وخلجات الوجوه إلى كلمات وجمل،الناس تتهامس فيما بينها،أنهم يدونون مصائر الناس لغاية ستظهر،ودائماً يكروون في حواراتهم الهمسية كلمة(بلا ضمير)..!!
***
رجال السلطة الجديدة،يلبسون(قاط)مقلّم،قاط(أبو السراوين)،يجلسون داخل المقاهي،يواصلون التحديق،متأملون من الدرجة الراقية،صامتون،كأنهم شعراء في لحظات إقتناص القصائد الهائمة،لا يرغبون الصداقات،الناس تخشاهم،شواربهم متهدلة،عيونهم عيون نسور جائعة،عيون صقور ضارية في لحظات قنص،من ينظر إليهم،سيقول رجال مهنتهم النظر،عيونهم بارزة،عيون لا ترمش،لا تخطئ،تقتنص الهمس من بعد عشرات الأمتار،تقتنصها وتكتبها في دواوين المصائر، والناس تمرر جمل همسية كلما يرونهم في مهمة نظر(لا يستحون)..!!
***
مذ تم إغلاق مكتبة(أبو كامل)المثقف الذوّاق،مصلّح ساعات الناس العاطلة،صاحب الحس الأدبي الرفيع والمرهف،يناقش في كل شيء،في الأمور الدنوية والآخروية،في سائر العلوم،الأدبية والعلمية،يعرف أصول العشائر ومعارك التاريخ،يعرف السياسة العالمية،مثقفون يذهبون ويجلسون معه في المكتبة،يتناقشون في ما هو ألذ وأشهى الأحاسيس،أقصد الثقافة الأدبية،صاحب الموهبتين،موهبة الكلام الثقافي الجميل وموهبة تصليح الساعات اليدوية والجيبية للناس،لم تفتح مكتبة بديلة لها،تذمر أصحاب التعليم المتوسط،المعلمون،المدرسون،تذمروا من تعطيل رغبتهم النبيلة،رغبة قراءة الكتب الأدبية،كتب يجلبه(أبو كامل)من مصادر خارجية..!!
***
حوّل(أبو كامل)مكتبته إلى دكان(كعك وحلويات)،وظلّت البلدة بلا مكتبة،بلا صحف(الراصد وطريق الشعب)،بلا مجلات(الشبكة والصياد والآداب والأقلام والثقافة)،سراً المثقفون تأففوا،قرأوا الواقع المحتل،الواقع المحتمل،كشفوا الحجاب عن قوادم الأيام،أيام آتية لا ريب،آتية سوداء،آتية تزحف،آتية بما ليس للعقل العادي أن يستوعبه،وحده(أبو كامل)أسر لزملائه يوم أغلقوا المكتبة:
ـ حين تندس كلاب السلطة بين الناس،ستحل لعنة كارثية على الحياة..!!
***
بلدة بلا مكتبة بلدة ستهيمن عليها أشرار،سيتدحرج العقل،سيهبط السلوك،سيتحرر الشر،سيعم الفساد،الفوضى،الجهل،ستغادر الطيور،ستذبل الزهور،سيفقد الماء طعمه،سيتبدل الكلام،كلام الناس البسطاء،كلامهم حريتهم،كلامهم فردوسهم الأرضي،سيصبح الكلام همساً،سيغدو التحاور بين الناس شجاراً،سيموت الأمل،ستورق أشجار الكآبة،ستولد أجيال كسالى،القمر لم يعد ينير كما ينير،البلدة ستسكنها أشباح مفزعة،أشباح تتجول في وضح النهار،تتجول في الليل،في النهار تنظر إلى أفواه الناس،تكتب الهمسات المنفلتة،تكتب ما(رغبت)الألسنة أن تتفوه بها،تكتب غايات العيون الناظرة،رسائل كلماتية واضحة التعبير،في الليل تقف وراء النوافذ ذات الدرف الكرتونية والأبواب،تلتقط كلام الناس،تقف حتى أوقات متأخرة،تكتب الضيج الحاصل بين الزوج والزوجة ،تضع الضجيج في دورق السياسة،تغربل الكلمات،تعيد ترتيب الجمل،هناك من يتآمر على السلطة،تكتب الحكاية،حكاية العائلة(الفلانية)زارت العائلة(العلانية)،عيون تراقب شبكات التلفاز،الويل لمن لم يثبت عمود شبكة تلفازه بالكونكريت المسلح،الريح لا تتوقف في البلدة،الريح تدوّر الشبكات التلفازية،تدورها كنواعير هوائية،إن حدث توقفت شبكة بإتجاه الشرق،(شرق الفتن والأوبئة،وتصدير السلع الثورية الجاهزة)،كما تفسر النظرية الجديدة وأدبيات السلطة،سيسحل صاحب البيت،ويتبعه ابنائه،إلى عالم النسيان،الآذان تتنصت إلى أجهزة المذياع،رجال السلطة يعرفون من لديه مذياع،جردوا في حملة كبيرة ما هو متواجد في كل بيت،داهموا البيوت من باب تسجيل نفوس الأفراد،جرد الممتلكات المبتذلة،الناس خافوا منهم،دلقوا ما عندهم أمام انظارهم ،عرفوا من لديه مذياع،وضعوا البيوت التي فيها أجهزة راديو تحت المراقبة الليلية،الويل لمن وضع المؤشر على إذاعات دول(الإستكبار العالمي)،رجال السلطة الجديدة،تبدو مثل أشباح غازية من كوكب ناري،عيونهم حمراء،خدودهم(متفحة) هياكلهم عملاقة،بإستثناء أنفار أقزام يصلحون لأعمال نادرة،يعملون في المقاهي والمطاعم وكراج نقل المسافرين،كوكلاء مخلصين وموالين حتى الرمق الأخير لهم..!!
مذ هبطت مواكب رجال السلطة الجديدة إلى الشوارع،رأت كبار الناس في البلدة،كهول لهم تجارب طويلة ومريرة في الحياة،أن الوافدين الجدد سيغرقون الناس في مستنقعات الفساد،سيقومون بتدمير الأذواق البشرية المتآلفة،سيطمرون البراءة،سينسفون فطرة البشر،سيعلنون الإقامة الإجبارية على أنبل خصلة إنسانية لدى الشرقيين(حب التجمعات)..!!
***
رؤى نضجت قبل الآوان،رؤى كبيرة تفاعلت،عقل طفل صغير،عقل صبي وقف أمام مكتبة(أبو كامل)ذات يوم لم يستوعب الرؤى الضاجة،عقل يريد أن يستوعب الكتب،ساقته الصدفة،ساقته طقطقات(صندل)إسفنج إشتراه والده من غير طلب رسمي أو(عركة بيتية)روتينية،بين أمه وأبيه ،مشى كي يجذب أنظار العالم،تدفعه رغبة داخلية،رغبة التباهي والتمظهر،وقف ناسياً (صندله)،ناسياً العزف الموسيقي من وراءه،وقف وأنشغل بشيء كبير تحرك في عقله،وقف يريد أن يعرف أسرار هذه الكتب الجميلة المتراصة،المنسقة،داخل معرض زجاجي،وفوق أرفف خشبية منتظمة واضحة الرؤية من وراء الزجاج السميك،في مكتبة،جلب صاحبها صاحب الذوق الرفيع نفائس الكتب،من دور نشر عربية وعالمية،عقل ولد صغير لم يبال بما يجري من تطورات حساسة من حوله،شيء كبير ينمو وينضج فيه،يسيره،يطيعه،يسهره،يطيره على عالم مجهول،جاذب،خلاّب،واسع لا ينتهي..!!
***
الآن وأنا بدأت أدوّن مقتطفات من أيامي،إستجابة لتلك الرغبة القديمة،رغبة ولدت في ساحة المدرسة،يوم(خميس)،يوم الإصطفاف،صفين صفين،في مربع ناقص ضلع،يبقى الضلع المبتور لمدير المدرسة ووراءه المعلمين الواقفين بـ(قوطهم)المكوية،في الوسط يرفرف العلم بعدما قامت جوقة كشافة بمراسيم رفعه،يرفرف العلم خفّاقاً،الكل يخضع لخشوع إجباري،خشوع مقدس،من يتحرك يجلد أمام أنظار المصطفين،يبدأ السيد المدير بإلقاء خطبته المكررة طيلة(خميسات)السنة الدراسية،بلبل حفظ اللحن الواجب التقديم،يتبع خطبته بسيل مواعظ تعليمية،يعيد رسم ملامح مستقبل زاهر أمام من يجتهد وينال المعالي،يحقن الرؤوس الصغيرة الحائرة بإرشادات تربوية لا تنتهي،من يحب أن يلقي قصيدة بين الجموع الواقفة بخشوع وإنضباط عال،يسجّل أسمه قبل يوم(الخميس)خميس الأعراس في البلدة،ربما كل العالم إتخذ من يوم(الخميس)زماناً شاغراً، يمكن للإنسان أن ينجرف مع الراقصين،يزيل أو يواصل تغذية العالم بالمرح والفرح،ولدت شرارة في الذات الطفولية،ولدت كالبرق في يوم غائم وعاصف،ولدت لحظة وقف معلم درس القراءة الجديد منتصف الصفوف الحائرة،وقف بقاطه المقلّم(أبو السراوين)،قرأ قصيدة:
(قف للمعلم وفيه التبجيلا ... كاد المعلم أن ـ (............) ـ رسولا)
***
العقل ظلّ يردد الكلمات المموسقة،يرددها،أغنية كاملة القيافة،لا تشبع منها الآذان،دفعتني الرغبة أن أتجول،أن أسهر،جرّبت أن أكتب قصيدة مجابهة،أكتب وأقرأ ما أكتب،خلت الذي كتبته يضاهي ما قرأه المعلم في يوم(الخميس)..
قف للتلميذ أمامه المستقبلا ... حين يكبر سيهز الجبلا
***
،شاهده صبي يجلس لصقي،شاهده ونقل الخبر إلى المعلم الجديد،تقدم مني المعلم وأخذ الورقة،أنا خائف،أرتجف،خلت إنني إرتكبت إثماً تربوياً عقابه ليس التوبيخ،بل ترقين القيد،والتشهير به يوم(الخميس)الذي سيأتي سريعاً،رمقت المعلم يقرأ ورقتي،يقرأ ويخالسني النظر،يقرأ ويهز رأسه،فجأة طلبني أن اتقدم منه،قلت هي ذي الصفعة التربوية القاسية إذاً،سيطلب عصانسيرسل تلميذ إلى الإدارة ليجلب عصا المدير الغليظة، سيقوم بحفلة تربوية،سيجلد كفيّ،متعثراً تقدمت منه،وقفت أرتجف،لساني جاف،قدماي لا تحملاني،وضع كفه على كتفي الناحل،كتفي اليسار..قال للتلاميذ:
ـ سيقرأ(بشّار)عليكم قصيدة جميلة كتبها..!!
أنا أقرأ،خلل أصاب العالم،لابد أن الثقافة العالمية تدحرجت إلى الهاوية،من انا لكي أقرأ،هو معلِّم نال شهادة تربوية يعرف كيف يكتب ويقرأ،بقيت واقفاً،عيناي لا تريان ما كتبت في الليل،يداي ترتجفان،سقطت الورقة من يدي،المعلم الجديد واقف يشجعني،(هيّا..هيّا يا بشّار)،التلاميذ صامتون،أنا واقف،فجأة دق الجرس،رنّ رنينه عالياً،وجدت نفسي أتحرر من محاكمة تاريخية،قال لي المعلم الجديد:
ـ لديك موهبة كبيرة يا(بشّار)إقرأ كتب شعرية كثيرة..!!
***
كل شيء تبدل،العالم صار أكثر إنفتاحاً،صرت أطارد الكلمات،أسهر في الليل،أكتب وأكتب،خلت ما أكتبه سيغير العالم،أشياء تنهض،تلهب الحماس،تدفع الجسد الصغير أن يتجول،أن يجعل العالم كله رهن تجوالاته،تغيرات ذاتية تتفاعل،ذاكرة تبحث عن سر هذا الأرق الفكري الممتع،اللذيذ المتواصل..!!
***
(مذكرات كاتب عرائض)..
قلت هو عنوان ملائم لما أريد أن أدونه،عنوان قديم،سكن العقل مذ وقفت في ذلك الزمن البعيد أمام مكتبة(أبو كامل) ورحت أتهجى أسماء لامعة،أسماء ناس كبار،بعضهم يبتسم،بعضهم غاضب،أتهجى عناوين تلك الكتب،عنوان صارخ،أوّل عنوان ولج العقل وسكن،(مذكرات ونستون تشرشل)،رأس يبتسم،رأس كبير بلا شعر،حرّك غيرة صبي فقير صغير،قاده(صندل)جديد ذات يوم ليقف أمام مكتبة(أبو كامل)..!!
***
رغبت أن أدون تحفة أدبية مدوية،تحفة تشغل العالم،تؤرخ نكبات بلدة عشقتها،أحببتها مذ ولدت فيها،ترعرعت فيها،عايشت ناسها،عرفت فقراءها،أغنياءها،كوارثها،طبيعة ناسها،قلت أستدرج أحداثها،وقائع يومية،مشاهد ورؤى،حكايات منقولة عبر أفواه ناسها،أفواه موثوقة أو مجرد حكايات عابرة تتناقلها الأفواه،تماشياً للوقت وجدل الفطرة البشرية..!!
***
بدأت الرغبة تلح،رغبة التفرغ لكتابة حلم طفولي ظلّ يؤرقني،كتابة مذكراتي،أكتبها على شكل فني جديد،قالب روائي يناسب ذوق المرحلة القادمة،متجاهلاً ذوق الراهن،قلت الناس منشغليين،ذاكراتهم(تعبانة)،أرواحهم مرعوبة،من يقرأ الكتب في زمان ينحر فيها البشر بلا سبب،وجدت الوقت ملائماً،الزمن يغلي،الخصومات لا تنتهي بين رجالات السياسة،ناس تتشرد،مثقفون يتوارون،كوارث بيئية تتلاحق،سماء لا تمطر،غبار يزحف لخنق الحياة،كل شيء نادر وجميل يتوارى بلمح البصر..!!
***
هيأت أقلام تفي بالغرض،وبند أوراق مخططة،الأوراق البييض أجدها لا تلائم ذوقي،أكره تعرج الحروف،احب الجمل الماشية على إيقاع ثابت،تمشي من غير تعرج أو إنحدار،قلت مهنة كتابة العرائض ما عادت تنفعني،الناس بدأت تكتب عرائضها بنفسها،جلوسي أمام إدارة البلدة جلوس محفوف بالموت،حوادث حدثت،ملثمون فخخوا أنفسهم وعملوا كوارث أودت بحياة ناس تتبضع ،ناس تجلس(على باب الله)تطلب أرزاقها،ناس مشت في لحظات الزوابع،وجدت أنفسها تسبح في الريح والنار،وجدت مهنتي القديمة(كتابة العرائض)لا تنفع،فأنا وحيد،شاب لم يجد من تناسبه لتكملة دينه،كل فتات تقدمت لها،رفضت الإقتران بي،فتيات وجدن التغيير الحاصل في العالم بأسره فردوسهن المفقود،تحررن من نير الماضي،من ألسنة أمهاتهن،من مخالب الغضب لآبائهن،كل شيء تغير،النظرات ترجلت من صهوة الماضي الغريق،القلوب ما عادت تنبض بالخشوع،الأيدي تهاوت من منازل القصاص،كل فتاة رغبت وصالها أبت،وجدت الزواج من بعد مدارسة ذاتية مهنة شاقة،مطلباً مكلفاً بالنسبة لشاب في ربيعه الثلاثين،شاب بلا شجرة عائلية تحفه بتبركات وتزكيات وتمنحه رتبة شرف بين الناس،تمنحه إحتراماً غير ذي جدوى بين العالم..!!
***
أسكن منزلاً طينياً،ميراث متواضع توارثته من أب بسيط يعمل حارس مدرسة،غير مدرستي،مات بظروف غامظة،وأم ماتت بعد موت الأب بخمسة أعوام،ماتت في حادث إصطدام سير،الأب أخذوه إلى حرب السنوات الثمانية،أخذوه ضمن قواطع الجيش الثالث،الجيش الذي صنعوه لحراسة المدن،طواحين الحرب الدائرة،عجنت الشباب وأحدثت نقصاً هائلاً في جنس الذكورة،بدأت الحرب تطلب وقودها،الجيش الثالث،جيش الفقراء والمساكين وأصحاب العاهات الجسمانية،جيش وجدته السلطة يسد نهم الحرب،من جهة،ومن جهة مهمة،أرادت السلطة الحفاظ على جيش منظم يحرسها تحسباً للطوارئ،وقتل رغبات الضباط الكبار في لعبة الإنقلابات العسكرية،لا سلطة في العالم الثالث تأتمن ضبّاط جيشها،هم العدو الأكبر لكل سلطة غير ديموقراطية،غير منتخبة،أبي المتواضع،المقطوع من شجرة عائلية عشوائية ستنتهي بي،الثمرة الأخيرة أنا،غير فاعلة،سيهدر رياح الزمن اللقاح ويذره في صحاري الوجود،لا أنثى في الجوار،أب مسكين يعمل حارساً في مدرسة غير مدرستي،ليس له سوى ولد واحد،وزوجة توقفت في أحشاءها أميبيا الولادات،أخذوا الأب،واتوا به(مقتولاً)..
قالوا لأمي:
ـ قتل سهواً..!!
زملاءه أسروا الخبر اليقين..
قالوا لأمي:
ـ خرج في الليل كي يفرغ أمعاءه،بعدما تلوى من ألم معوي،أصفر لونه،جراء تناوله لحم دجاج بائت،تسبب الدجاج في إسهال جماعي،أبوك أخذ إبريق الماء وسار مسافة،فجأة دوى طلق ناري،هرع افراد الجيش الثالث،جيش(أصحاب المهن الحرة)،وجدوه ممدداً،طلقة ثقبت رأسه..!!
جلبوه(قتيلاً)في يوم عصيب،بكت أمي وحثت تراب الزقاق على رأسها ،دخلت مجرى مياه المجاري،حائراً وقفت أبكي،لا أعرف لماذا أبكي،أنظر إلى أمي وهي تبكي وأشاركها البكاء،صاحب الطلقة القاتلة..
قالوا لنا:
ـ هو(فلان الفلاني)..!!
ليس كما جاء في مذكرة قائد الجيش الثالث(رصده قنّاص معادي وأرداه قتيلاً)..!!صاحب الطلقة التي أنهت علاقتي بأبي،هو(فلان الفلاني)رجل يسكن وراء زقاقنا،رجل لم يرتح له أبي المقتول،رجل ماكر،عرفت فيما بعد لم قتل أبي في جبهة الحرب،أمي قبل أن تموت موتها المروّع،قالت لي الحكاية..
قالت:
ـ أنا أعرف أن فلاناً قتل أبيك،لكن من يستطيع قول ذلك..!!
رغبت أن ألاحق الحكاية،قلت لها:
ـ لم لا يستطيع أحداً أن يقول أنه قتله..!!
قالت أمي:
ـ هو له منصب في الحكومة،الناس تخافه..!!
قلت لم قتله:
قالت أمي:
ـ أقولها صراحة لك،طلبني من أهلي زوجة ثانية له،أنا رفضت طلبه،وافقت على زواجي من أبيك المتواضع،لذلك إنتقم منه..!!
***
سراً لعنته،سراً تمنيت أن يقتل مثلما قتل أبي،تحقق رجائي،ربما براءة أبي ظلّت تلاحقه،ظلّ دمه يطارد قاتله،لم يمهله كثيراً،رصده في مكان ملائم،ضاع قاتل أبي،ضاع في هجوم كبير ولم يجدوا له أيما أثر،مات بلا قبر يزوره ذويه ويقرأوا عليه(الفاتحة)،حكمة الخالق،يمهل ولا يهمل،يقتص برحمته من المارقين،ويرد الدين ثميناً للصابرين والمظلومين والصادقين،أمي ماتت بعد موت أبي بخمس سنوات تقريباً،ذهبت لإستلام راتب أبي(الشهيد)،دائماً حين يأتي موعد إستلام الراتب أرافقها،فقط في يوم موتها،لم أرافقها،وجدتني عليلاً،رفضت أن أرافقها،هي أحاسيس بشرية صادقة،تلك التي تغير مجريات الأمور،رفضت أن أرافقها،لابد أن دافعاً فوق إرادتها أجبرها أن تمتنع من مرافقتي لها،حاولت كثيراً،بكيت،نهرتني جارة ذهبت أيضاً لتستلم راتب زوجها(الشهيد) كما دونوا في هويات الرواتب،في مركبة غاصة بالمسافرين،جلست أمي،فرحة بما إستلمت من راتب،ربما شغلت نفسها بي،فكرت أن تشتري لي ملابس جديدة،سائق المركبة تعجل الأمور،أراد أن يجتاز خط سكك الحديدية،قبل أن يوقف المركبة لوقت طويل،الشارع يتقاطع مع سكك الحديدية،تزامن وقت مرور القاطرة مع وصول المركبة الغاصة بزوجات الشهداء والأسرى والمفقودين،سائق المركبة تعجل الأمور،أراد أن يجتاز القاطرة،ضرب مقدمة القطار المركبة و(دعبلها)إلى مسافات،عجن ما فيها من مسافرين ومسافرات..!!
***
رغبة البحث عن زوجة،ظلّت تتعثر،زملاء يفاتحونني،يريدونني أن أكمل ديني،العيش وحيداً في أزمنة الفوضى ممل،لا شيء يقتل الهم سوى الأنثى،حكمة الفقراء والمساكين،الأغنياء يتخذون النساء حساء،يريدون أنواعاً من الحساء،كل ليلة حساء لا يشبه حساء الليلة المنصرمة،الأغنياء عندهم النساء وسيلة لهو وقتل المال،الفقراء هم سادة العالم،هم يعطون الحياة الدوافع المحركة،هم بناة الحضارات،الليل،ليل الفقير طويل،المرأة تجعل ليالي الفقراء ممرات سالكة إلى فراديس لا تنتهي،بعض زملائي حاول أن يسحل مهرة لتحتي،لم يجدوا من ترضى بكاتب عرائض يجلس صباحاً وحتى الساعة الثالثة من بعد الظهر،كل يوم إلاّ أيام الجمعة والعطل الرسمية،يجلس أمام مبنى البلدة،يجلس على كرسي بسيط،أمامه طاولة متنقلة،يجلس في إنتظار زبون له مشكلة عائلية،أو مشكلة تتعلق بالملكية،أو مشكلة فرز البطاقات التموينية،مشاكل الخصومات والطلاقات المتواصلة،متطلبات الزواج الروتينية،شراء البيوت،بناء البيوت،كاتب عرائض يعود في الأصيل مرهقاً،طاولته المتنقلة على رأسه،يحمل كرسيه بيمينه،وحقيبته الجلدية بشماله،كاتب عرائض ليس له أم أو أب،ليس له أخ أو أخت،لا خال ولا عم،لا خالة ولا عمّة،لا جد ولا جدّة،شاب يعتقد أن بساطة العيش هي مفتاح السعادة في أزمنة الفوضى،وهذه النظرية تخالف المفاهيم السائدة لدى بنات جيله،الباحثات عن التمظهر والتبختر أكثر مما يفكرن بمعنى الجوهري للزواج وفضائله الدنوية والآخروية،ينشغلن بالتحرر والإنغماس في اللهو والعبث أكثر مما يشغلن أنفسهن ببناء أسرة محكمة تجابه زمانها،شاب ينشد الخلوة أكثر مما يرافق الزملاء الواقفين في فسحات صغيرة تعيق حركة الناس داخل السوق،أو الجالسون في المقاهي،قهقهاتهم تزعج الناس،شاب يحب قراءة الكتب،أكثر مما يحب العلاقات الغامضة والهشة والنفعية،الزمن في المنظور العام يفرز أمراضه على كل شيء،الأزمنة المريضة،أجيالها دائخون،الأزمنة المتعافية،أجيالها لا معون،تلك هي الموازين الكونية لتراجيديا الوجود البشري،شاب متوحد،له مشاغله الخاصة،يسكن في بيت طين بائس،بيت توارثه من أب قتلوه وأم ماتت بحادث سير،تخرّج من(كلية الزراعة)،طرق أبواب الدوائر الزراعية بحثاً عن فرصة تعيين..قالوا له:
ـ الفلاّحون تركوا أراضيهم،من يزرع كي تشرف على زراعته..!!
***
داهمتني الرغبة،رغبة التفرغ لكتابة(مذكرات كاتب العرائض)،حوادث جمّة تحاصرني، قلق العقل القديم،عقل الطفولة القلقة،مراحل حياة حافلة بالمتغيرات السياسية والإجتماعية،عالم شعبي،عالم حافل بالتبدلات الإيدولوجية،تيار يزحف،يكتسح الزمن،يكنس السدود،يجرف الوجود كله،يؤسس سدود جديدة،سدود لا تستمر،تيارات مناوئة تتأهب للزحف،تلك هي أمراض العالم الثالث،العالم الذي يحتل نفسه بنفسه،العالم تبدل شكله الكوني،خرج من قوالبه الثورية والتجديدية،بات يمشي بلا معتقدات فكرية،بلا أهداف،بلا رؤى واضحة،عالمنا تغيرت متطلباته،تبدلت أفكاره،قوالب الأمس ما عادت تلائم أفكار اليوم،لا أحد يعرف لم هو يعيش،إنتهى زمن التخطيط والتنسيق، التخطيط الذاتي للوصول إلى الأهداف والغايات،التنسيق الإقليمي لمعالجة المشكلات الراهنة، والتحديّات المستقبلية..!!
***
لا أحد يريد الحلم الطفولي،الناس نست أنفسها،كل شيء تبدل،عالم يلهث لا يعرف لم هو يلهث،عالم يتقاتل من أجل إشباع الغريزة الغابية،تراى الناس تمشي وتقف،تتحرك الأيدي،تتحرك الشفاه،كل ماشي يسأل نفسه لم هو يمشي،لم خرج من البيت،من جديد يمشي في محاولة تذكر سبب خروجه..
ـ عالم سكران..!!
جملة سمعتها من شيخ كبير سقط جراء إصطدام رجل لاهث به..!!
***
تحاصرني أصوات،تضج في الذاكرة،تدفع الجسد أن يطارد النجوم،أن يتوه في(صفنات)لا تنتهي،قلق قديم يواصل ضرب الذاكرة،يضربه بعنف،العقل يذهب بعيداً في(صفناته)يجد نفسه تائهاُ في أثير ضاج،يبحث عن سيمياء العالم المخبول،يطارد الزمن المتذبذ،يفككه ، يطارد الومضات المختبئة،تتشكل دائرة معارف كبرى،بالونات أحداث تكبر وتكبر،تريد أن تنفلق..!!
***
رغبة الذات الجريحة،كوميديا الزمن المتسارع،الفراغ المهول،حرب الجسد ضد التقوقع والكسل،حرب الذاكرة لتأويل العالم المخبول المحتل..!!
***
تهيأت لكتابة(مذكرات كاتب العرائض)،شعرت بدبيب الخوف يسري في عروقي،فكرت ماذا أكتب،كيف أبدأ،الأزمنة في البلدة تلاحقت وتداخلت،أشياء مهولة حدثت في السابق ماعادت تشكل وجوداً لا معاً أمام الذي يحصل،الخطف العلني بغية الإبتزاز،الموت المدمر،بلدة محتلة،بلاد محتلة،عالم محتل،القلم يمشي،يتعثر في مشيته،يسكب بضع قطرات حبر،تتشكل كلمات وجمل،لا حرارة فيها،يدي تقذف القلم،أناملي تعجن الورقة،تمزقها،تسكنها سلة القمامة،من جديد يبدأ العقل يسبح في توهان بلا حدود،البدايات باهضة الثمن،تلك هي فلسفة الكتابة عبر العصور،البدايات مفتتح الأعمال الخالدة،البدايات مسالك وعرة،يمكنها أن تدمر الحلم والغاية،يمكنها أن تعبد مسالك سهلة لقولبة أحزان العالم في بوتقة صغيرة،بوتقة تنير أجيال تلو أجيال،تخبرهم أوضاع التاريخ الشامل لحركة البشر عبر محطات خالدة نافعة..!!
***
أيام مضت،وجدت رغبة العقل القديم هامدة،العقل الذي وقف أمام مكتبة(أبو كامل)في زمن قديم ورغب أن يجد إسمه بين تلك الأسماء الخالدة،رغب أن يضع كتاباً ذا تأثير واضح بين الكتب،في المعرض الزجاجي،أو على أرفف الكتب داخل المكتبة،كتاب مذكرات،مذكرات بلدة (جلبلاء)،قبل أن تتحول إلى(مذكرات كاتب العرائض)،قرأت بعض الكتب المتيسرة لدي،كتب لكتّاب محليين،كتب مستنسخة،رديئة الطباعة،كثيرة الأخطاء الإملائية،لا كتب تصل،المراقبة الشديدة على الكتب في المعابر الحدودية،في المطابع الأهلية،الخبراء يرفضون كل كتاب يجدوه ينافي الواقع،كل كتاب يقول الصدق،ماتت الثقافة،وهمد العقل أو تخثر بزاد رديء..قالوا:
ـ الكتب تخرب عقول الناس،تبعده عن صفاته الوطنية..!!
كلام المسؤولين يكررونها في التجمعات الشعبية الإسبوعية..!!
***
تبدل الزمن،تغيرت الأمور،عالم إنسحق،عالم جديد زحف،خرجت الناس إلى العالم الجديد،تحررت الألسن وراحت تطلق حممها المصادرة..
ـ إنفتحنا على العالم،سنستعيد عقولنا..!!
لهجت ألسنة الطبقات المتنورة،طبقات المثقفين..!!
تغير كل شيء،تغير المزاج،تغير الحب،تغير القلب،تغير الفكر،تغير لون الرغبة،طعم الماء،لون الطعام،ومازالت البلدة،بلدتنا(جلبلاء)بلا مكتبة..!!
***
ذات صبيحة وجدت نفسي مكرهاً على العودة لوظيفتي السابقة،كتابة العرائض،عرائض تختلف هذه المرة عن تلك العرائض التي مارست كتابتها لسنوات طويلة،وجدت الناس تندفع إلى باب بيتي،رجال كبار السن،عجائز،يطلبون تدوين ما يحكون لي،طاش خبر توزيع تعويضات مادية مغرية من لدن(سلطة الإختلاف)كما يحلو للناس وصفهم،تشمل من مسه الضر في السنوات السابقة،تلقفت القرار،قرار واضح وصريح صادر من الحكومة الجالسة داخل سور حصين في العاصمة،تعويض المتضررين والمهجرين والمفصولين من وظائفهم والسياسيين،مكرهاً وجدت نفسي أكتب حيواتهم،وجدتها ممارسة ميدانية للوقوف على آلام الناس،وممارسة حيوية لإستعادة تلك الرغبة الطفولية،رغبة الكتابة،في بيتي هذه المرة،هيأت غرفة لإستقبالهم،مع تقاطر الناس،وجدت ضوضاء يستفحل خارج البيت،حاولت إحتواء الموقف،قررت أن أعمل بنظام إجتماعي جديد،نظام ديموقراطي على حد زعم أحدهم،تسايراً مع الوضع المفتوح حسب مزاج كل فرد،عملت قائمة بتنظيم أسماءهم بالتسلسل العادل،كتبت سبع عرائض لناس أخذوها معهم،كتبت ست عرائض لناس ليس لديهم القدرة على مراجعة الدوائر المختصة،كونهم كبار السن،لا طاقة لهم على المراجعات الروتينية والوقوف في أبواب الدوائر،قلت لهم:
ـ سأكملها لكم وأرفعها أنا بالنيابة عنكم..!!
شكروني ومضوا..!!
بدأت الفوضى تعم في الباب،وجدت ناس صنعت من نفسها مراقبين،راحوا يسجلون أسماء طالبي العرائض،صياح يعلو،هرج دفع الجيران اللجوء إلى دوائر الشرطة،جاءت مفرزة لترتيب النظام،شعرت بغثيان وخوف،قلت مع نفسي أنا تخلصت من مكان دائم الحوادث،وجدت الحوادث تأتي إلى بيتي،لمت نفسي،قلت أنا السبب،فكرت أن أعود إلى مكاني أمام مبنى إدارة البلدة،دفعاً للشرور والمصائب،وجدت مكاني السابق مسوراً بالخرسانات الكونكريتية والأسلاك الشائكة،بعد سلسلة حوادث كارثية..!!
***
رجل طويل باغتني،رجل عملاق،سمعت عنه حكايات متناثرة،قيل أنه حمّال معروف،له جد شهير،لم أره من قبل،دخل حانياً رأسه،سلّم بأدب وطلب أن أصغي له،أكد أنه غير راغب بالتعويض،جاء من اجل حكاية كبيرة وطويلة،ذكر لمرات إنها إسطورة حقيقية،هي حكايته،طلب أن أكتبها في كتاب وانشرها على العالم..قلت له:
ـ تفضل بالجلوس..!!
رفض..قال:
ـ لا أحب الجلوس،أصحاب الحكايات الكبيرة لا يليق بهم الجلوس..!!
قلت له:
ـ لا يجب أن تطيل في حكايتك،أعطني موجزاً،خير الكلام ما قل ودل..!!
قال:
ـ خير الحكايات ما حفلت بالصدق وإن طالت..!!
قلت:
ـ الناس تتقاتل في الخارج من أجل الحصول على فرصة لكتابة حكاياتهم..!!
قال:
ـ حكايتي ليست حكاية تعويض،أنما جئت من أجل حكايتي فقط..!!
رفض أن يجلس،إنتبه لآلة التسجيل قربي..قال:
ـ إستعن بهذا الجهاز،وحده من يحافظ على ما أحكي،حكايتي لا أريد ضياع كلمة منها،إنها إسطورة،هي إسطورتي يا ولد يا كاتب..!!
قلت له:
ـ لا داعي للجهاز أنا أصغي وأنت إحكي،سأوجز حكايتك،سأجعلها مفيدة أكثر مما هي مملة..!!
قال:
ـ إيجاز العبارة سيخل بفصولها،سيدمر إيقاعها،سينسف أحداثها..!!
قلت له:
ـ لا تحيرني يا رجل،الناس بدأت تتعارك في الخارج..!!
قال:
ـ إنسان العالم المحتل لا شغل له،يهتم بإموره الشخصية أكثر مما يهتم بمجريات الأمور في بلاده،أنا جئت أهتم ببلادي،أهتم ببلدتي..!!
قلت له:
ـ تكلم ماذا تريد أن أكتب لك..!!
قال:
ـ شغّل آلة التسجيل وحده الصادق فيما يقول،سيقول ما أقوله بكامل التفاصيل،القلم يكذب دائماً،مهنة القلم نبيلة،لكن قلم اليوم منحرف..!!
قلت له:
ـ ليس لدي أشرطة فارغة..!!
أخرج من جيبه مذياع صغير،وضعه أمامي..قال:
ـ إستعن بأشرطتك القديمة،وليس لدي سوى هذا المذياع الصغير هدية لك،هو ثمين أنا أعتز به،سأهبه لك،مقابل نقل أمانتي للعالم..!!
قلت له:
ـ مادام المذياع عزيزاً لديك لن أأخذه،ثم أنا لا أتعب،الجهاز سيتعب..!!
قال:
ـ خذ المذياع،لست بحاجة إليه،أنا ذاهب في مهمة عسيرة،مهمة بلا عودة.
مهمة تاريخ،مهمة العالم الجديد..!!
إستغربت من كلامه،من إصراره،من سلاسة كلامه،رجل بهيكل كبير،يبدو أنه من عصر العمالقة،سمعت عنه في مناسبات متفاوتة،قيل حمّال مؤدب،وسمعت أنّه تزوج غجرية صغيرة هربت من أهلها،رغم الفوضى أمام بيتي،وجدته يستحق التقدير والإنتباه إلى حكايته..
قلت له:
ـ أنت مصر على عدم الإيجاز..!!
قال:
ـ أنا جئت لتكتب إسطورتي،أنا لم أجيء بحثاً عن وسخ الدنيا،أترك الناس في الخارج،أنا أدرى بهم،أنا عشت بينهم،لا أحد إكتوى بقدر ما إكتويت،نصف العالم الثالث يكذب،نصفه يأكل بالكذب،دعهم،انهم يلفقون الحكايات هدفهم المال،أنا لا أبحث عن مال أيها الولد الكاتب..!!
قلت له:
ـ مادام حكايتك طويلة،لم لم نوزعها على عدة جلسات..!!
قال:
ـ أنت تريد أن تؤخر العالم خطوة،قلت لك أنا في مهمة إسطورية،حكايتي لا مجال لتأخيرها،لم أقتحم عليك البيت،جئت حسب تسلسلي في الدخول..!!
قلت له:
ـ حسناً،غداً يبدأ حظر التجوال،الناس ستلازم مساكنها،تعال في الغد،غداً بإمكاني أن أصغي لك..!!
قال:
ـ أنت تريد أن تؤخر مهمتي الإستثنائية،أقول لك،أنا في رحلة تاريخية،ليس بوسعي أن أرجأ حكايتي،بعد ثلاثة ايام موعد إحتفالي الكوني..!!
وضعت شريطاً في آلة التسجيل،وجدته يقترب،طلب مني أن أقف،إستجبت لندائه،وقفت وأمرني أن أجلس على كرسي خشبي قديم،دنا مني،أومأ برأسه،شغلت له آلة التسجيل،جلس أمامي على الأرض،بدأ يقص حكايته..
فاتحاً فاه،مرتجفاً ناسياً العالم وما يجري في خارج غرفتي،مبحلقاً..تائهاً..رحت أصغي..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعل الغجريّة..رواية(1)
- حكاية عبّاس
- ثلاث قصص قصيرة
- السكن في البيت الأبيض
- ونثرنا ضمائرنا على الجدران//قصة قصيرة
- بجلطة شعريّة..مات بطل رواية(نافذة العنكبوت)
- الأتفاقية الأمنية بين مطرقة أمريكا وسندان الفوضى
- أنا كاتب تلك الفصة
- شيء ما يحدث
- لحظة فقد ذاكرته
- أنا كاتب تلك القصة
- في حدثين منفصلين
- حفيد العاشق محروس
- مضت ساعات الندم
- براءة اكتشاف..البرلمانيون لا يقرؤون
- صبر العراقي..أيّوبي
- الجنود لا يتحركون ليلاً
- هل قلت شعرا
- ولد روائياً
- ثغرها على منديل//قصة قصيرة//


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - بعل الغجريّة..رواية(2)