أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بلكميمي محمد - نظرية الديمقراطية المغربية -3-















المزيد.....


نظرية الديمقراطية المغربية -3-


بلكميمي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2466 - 2008 / 11 / 15 - 03:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


واصل الراحل عبد السلام المؤذن من زنزانته بالسجن المركزي بالقنيطرة ، اجتهاداته في تحليل الواقع المغربي لاكتشاف قوانينه المحركة من اجل انارة النضال الديمقراطي ، وقد ساهم ايضا باجتهادات بالغة الاهمية على عدالة وتقدمية الكفاح المغربي من اجل استرجاع الاقاليم الصحراوية .
المساهمة التي ننشرها بهذا المنبر هي من جريدة انوال 1988 والتي تناولت اهم قضايا النضال الشعبي المغربي ، وهي قضية الديمقراطية وتعرض فيها الى سبعة عناوين رئيسية 1- حقيقة المجتمع المدني المغربي . 2- حقيقة الدولة السياسية المغربية 3- جدلية الدولة والمجتمع . 4- الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة الواحدة .5- الشكل الديمقراطي لدولة الطبقة الواحدة .6- تناقضات ديمقراطية دولة الطبقة الواحدة .7- ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع .
الحلقات الاولى تتناول العناوين الثلاثة الاولى .
نشر الحوار المتمدن الحلقتين الاولى والثانية من هذه المساهمة « نظرية الديمقراطية المغربية» وفي الاعداد المقبلة من الحوار المتمدن هاهي الحلقة الثالثة عبر اجزاء وفقرات وهي الاخيرة .

6- تناقضات ديمقراطية دولة الطبقة الواحدة .
ان الديمقراطية الحالية هي ديمقراطية الطبقة الواحدة ، ولان هذه حقيقتها ، لذلك قامت اصلا على ترسانة ضخمة من القوانين المتنوعة ( ابتداءا من نظام التقطيعة للدائرة الانتخابية ، ومن السن القانوني للترشيح والتصويت ، ومن القوانين المنظمة للعملية الانتخابية ، الى نظام العمل داخل المؤسسة البرلمانية )..
وعلى الاجراءات الادارية السافرة ، بحيث يصبح في هذه الشروط ، من المستحيل على الطبقات الشعبية ايصال ممثليها الحقيقيين الى البرلمان ، وجعل منهم اغلبية برلمانية تمكنهم من تشكيل حكومة خاصة بهم.
بعبارة ان الديمقراطية الحالية هي ديمقراطية الوجود القانوني للحركة التقدمية ، وليست ديمقراطية الوصول القانوني الى الحكم من طرف تلك الحركة .
ان الخلط بين الوجود القانوني للاحزاب التقدمية ، والوصول القانوني الى الحكم من طرفها ، هو الذي سمح لدى البعض بظهور مفهوم « المسلسل الديمقراطي » الخاطئ .
ان هذا المفهوم يعتقد بامكانية التطور نحو الديمقراطية الحقيقية ، بواسطة التوسيع الكمي لمجالات الديمقراطية الحالية .. اذ حسب زعمه ان عملية الديمقراطية قد انطلقت ، والمطلوب هو الدفع بها الى شكلها الارقى . وهذا وهم ، لان الشكل الديمقراطي الحالي ، هو الشكل الارقى والنهائي المتكامل ، الممكن موضوعيا على قاعدة دولة كل طبقات المجتمع .
من هنا نصل الى جوهر القضية . ذلك ان التناقض بين الطرح الشعبي والطرح البورجوازي للمسالة الديمقراطية ، ليس فحسب تناقضا في التصورات السياسية ، بل وايضا واساسا تناقض في المواقع الطبقية .
فلنفرض جدلا ان البورجوازية التبعية ، قد قبلت بكل شروط الديمقراطية الحقيقية ماذا سيحدث حينئذ ؟ .
ستتمكن احزاب المعارضة الوطنية ، من تجاوز خلافاتها الحقيقية والغير حقيقية . وستتوحد حول برنامج وطني ديمقراطي مناقض لبرنامج البورجوازية التبعية . وستدخل حملة الانتخابات في جبهة موحدة تلغي كل نزعة تنافسية حزبية ، وستفوز بالاغلبية البرلمانية . وستشكل حكومة خاصة بها ، ثم اخيرا ستشرع في تطبيق برنامجها الوطني الديمقراطي بالكامل .
لكن تطبيق هذا البرنامج ، يعني القضاء على التبعية ، وبالتالي على البورجوازية التبعية نفسها .
من هنا يمكن ان نفهم لماذا البورجوازية التبعية ، تحارب بشراسة اية محاولة تريد الذهاب بالديمقراطية ابعد من شكلها الحالي .
واذن فان الموقع التبعي للبورجوازية المغربية ، هو العرقلة الحاسمة للتطور نحو الديمقراطية الحقيقية . ولذلك لايمكن الحديث بشكل جدي عن الديمقراطية ، بدون توفر شروط تجاوز تلك العرقلة .
لكن الحال ، وهذه نقطة حاسمة يجب الانتباه اليها ، هو ان المجتمع نفسه قد خلق موضوعيا شروطا تجاوز التبعية . ونحن اذا تاملنا المسالة بعمق ، فسوف نكتشف بان شعار الاختيار الديمقراطي الراديكالي ، الذي تبنته احزاب تقدمية ، لم ينبع بشكل مجرد من ادمغة مناضلين مجتهدين بالدرجة الاولى . بل هو ترجمة صادقة عكست مستوى تطور المجتمع المدني ، الذي اصبحت الديمقراطية بالنسبة اليه ، في هذه اللحظة التاريخية المحددة ، حاجة ضرورية موضوعيا .
بعبارة اخرى .. اننا لم نتوصل الى الوعي بضرورة الديمقراطية ، الا بعد ان تولى الواقع الموضوعي نفسه ايجاد شروط تحقيقها . فالبشرية ، كما قال ماركس بشكل مادي جدا ، لاتستطيع ان تطرح على نفسها سوى القضايا التي تقدر على حلها .
ان تجريد شعار الديمقراطية عن شروطه الاجتماعية التاريخية الملموسة ، قد ادى بالعديد من المناضلين والمثقفين ، الى السقوط في اخطاء مثالية . اذ بالنسبة لهؤلاء فان قضية الديمقراطية ليست قضية خاصة بالواقع المغربي الحالي ، ولدتها شروط تطوره الموضوعي الملموسة ، بل هي قضية عامة كانت تستجيب الى الواقع المغربي السابق ايضا . وفقط .. اننا « وعيناها الان ولم نعها سابقا » . وحينما نطرح السؤال : لماذا الوعي بها الان وليس امس ؟ . الجواب الله اعلم .
ان هذا الطرح ليس سوى اسقاطات مجردة مثالية لحاجة حقيقية خاصة بالوضع الحالي ، على الوضع السابق المختلف ، وفي الحقيقة ان شروط الديمقراطية كانت منعدمة في الشروط السابقة . فحتى لو فرضنا ان الاتجاه الراديكالي هو الذي انتصر على الاتجاه الاصلاحي ، فان ذلك لن يقود الى الديمقراطية كما نفهمها اليوم . وليس مرد هذا الى غياب الوعي بها ، وانما الى ضرورة الصراع الطبقي في شكله السابق . فكما ان البورجوازية الاصلاحية الصاعدة ، كانت بحاجة الى دولة مركزية استبدادية لقمع منافسيها الراديكاليين . كذلك فان البورجوازية الراديكالية الصاعدة ، ستكون بالضرورة بحاجة الى دولة مركزية استبدادية لقمع منافسيها الاصلاحيين ، في الوضع السابق لم يكن هناك خيار ثالث . ان لم تقمعهم قمعوك . مع ذلك يبقى هناك فرق جوهري بين القمع الاصلاحي والقمع الراديكالي . فالاول هو قمع لصالح الاقلية ، بينما الثاني لصالح الاغلبية.

عود على بدء . لماذا المجتمع المدني المغربي الحالي ، لم يكتف فحسب بجعل القضية الديمقراطية قضية راهنة من ناحية الوعي النظري بها ، بل وايضا لقد خلق في الوقت نفسه شروط تحقيقها السياسي ؟ .
هذا مانريد تحليله في الفقرة التالية : ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع .

7- ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع

لايمكن فهم واقع الراسمالية المغربية فهما علميا ، بدون التمييز بين لحظتين تاريخيتين مختلفتين نوعيا في سياق التطور ، لحظة بداية الصعود الراسمالي المغربي ، واللحظة الراهنة .
ان مايميز اللحظة الاولى هو التالي : كان النظام الراسمالي المغربي ، الخارج للتو من احشاء الراسمالية الكولونيالية ، مايزال وقتئذ ضعيفا ومحدودا ، لان النظام الماقبل راسمالي ، بنمطيه الاقطاعي والانتاج الصغير، كان لايزال يتمتع بقوة الانتشار .
اما مايميز اللحظة الراهنة فهو التالي : تعميم النظام الراسمالي ، وتهميش بقايا النظام الماقبل راسمالي المتمثل في الانتاج الفلاحي الصغير . في اللحظة السابقة كان النظام الراسمالي المغربي البدائي يعبر عن نفسه ويعكس واقعه التاريخي ، في الشكل التبعي للراسمال الامبريالي ، ولذلك كان النظام الراسمالي المغربي نظاما تبعيا .
اما في اللحظة الراهنة ماذا حدث ؟
لكي نتمثل ذلك بشكل ملموس ، يستحسن ان نستعين بالمثال التالي : لناخذ راس رجل كثيف الشعر ، ولنبدا في ازالة شعرة تلو الاخرى بشكل متواصل . وفي لحظة محددة من توالي العملية ، سنلاحظ فجاة ظهور صلعة محل الشعر . معنى هذا ان تحول الراس ، من حالة نوعية ( كثافة الشعر ) الى حالة نوعية اخرى نقيضة ( الصلعة) ، قد تم فقط ، بفعل عملية تدريجية كمية صرفة ، فالكم تحول الى كيف .
ان هذا هو بالضبط ماحدث بالنسبة للراسمالية المغربية . في اللحظة البدائية ، كان النظام الراسمالي المغربي نظاما تبعيا .
وهذا النظام التبعي ، انطلق في صيرورة من التطور التدريجي الكمي الصرف .ثم في لحظة معينة من التطور والانتشار والتعميم ، تحول فجاة الى نقيضه ، أي الى نظام راسمالي وطني ، نتيجة التعميم الحاصل داخل المجتمع المغربي .
لكن المفارقة ، وهذه نقطة حاسمة يجب الانتباه اليها ، هي انه رغم ان النظام الراسمال المغربي ، قد تحول من نظام تبعي الى نظام وطني الا انه لازال مع ذلك مستمرا في التعبير عن نفسه ، وعكس واقعه الجديد في الشكل التبعي القديم ، الذي ان كان فعلا ينسجم مع واقع الراسمالية المغربية في شكلها البدائي ، الاانه لم يعد كذلك بالنسبة الى شكلها المتطور الحالي .
من هنا هذا التناقض : انعدام التطابق ، بين نظام راسمالي مغربي اصبح طابعه طابعا وطنيا معمما ، وبين تعبيره الخارجي الذي احتفظ على شكله التبعي القديم .
ان هذا التناقض هو سبب الازمة الاقتصادية - الاجتماعية العميقة التي تنخر المجتمع المغربي ، وفي الوقت نفسه هو سبب الافق المسدود امام الانتقال بالديمقراطية المغربية الى شكلها الارقى .

واذن كيف يمكن حل هذا التناقض ؟

واذا نحن اردنا صياغة هذا السؤال صياغة طبقية ، فيمكن القول بان التناقض المذكور هو مابين : البورجوازية المغربية المرتبطة بالشكل الراسمالي التبعي . وبين الجماهير الشعبية التي لن تحقق مصالحها الملحة ، الا عن طريق القضاء على التبعية وتحرير الاقتصاد الوطني .
اننا اذن امام تناقض بين مصلحتين متعارضتين : مصلحة البورجوازية ومصلحة الطبقات الشعبية .
وفي الحقيقة اذا نحن بذلنا جهدا نظريا ، وحاولنا فهم ذلك التناقض بشكل ملموس انطلاقا من سياقه التاريخي الخاص نفسه ، وليس انطلاقا من بتره من ذلك السياق والنظر اليه بطريقة تاملية مجردة ، فاننا بالتاكيد سنتوصل الى طرح الاشكالية طرحا جدليا ، وستتوصل في نفس الوقت الى تحديد الحل الجدلي العلمي الملائم .
على هذا الاساس تصبح الاشكالية الحقيقية هي التالية :
كيف يمكن تحقيق مصلحة الطبقات الشعبية بدون ان يؤدي ذلك في نفس الوقت الى القضاء على مصلحة البورجوازية المغربية ؟ .. او بعبارة الجدل : كيف يمكن توحيد الضدين ؟
ان الحل النظري الوحيد الممكن عمليا لتلك الاشكالية هو التالي : القضاء التام على التبعية لتحرير الاقتصاد الوطني .. أي الانتقال بالراسمالية المغربية من شكلها التبعي الى شكلها التحرري الوطني .
ان الخلط بين الراسمالية المغربية وبين شكلها ، هو الذي قاد الكثير من الاقتصاديين والمناضلين ، الى السقوط في هذا الخطا النظري ، الذي يعتقد بان القضاء على التبعية يعني القضاء على الراسمالية السائدة في حد ذاتها ، وفي الحقيقة ان التبعية ليست سوى الشكل الذي تتقمصه الراسمالية المغربية في لحظة تاريخية معينة وبالتالي ليس هو شكلها الاوحد .فالراسمالية المغربية يمكن لها ان تتقمص شكل راسمالية الدولة التبعية ( كما حدث في اللحظة التاريخية التي اعقبت المرحلة الكولونيالية ). ويمكنها ان تتطور ، أي ان تتقمص شكل طبقة راسمالية قائمة الذات ( وهذا ما نشاهده اليوم من خلال تفكيك القطاع العام لصالح الراسمال الخاص ). ثم يمكن للراسمالية التبعية نفسها بشقيها معا ، الراسمال العام والخاص ، ان تتحول الى النقيض ، أي الى راسمالية وطنية متحررة من التبعية . وهذا بالضبط هو جوهر التناقض الذي يمزق حاليا المجتمع المغربي . اذ كما سبق الذكر ، ففي الوقت الذي اصبح فيه طابع النظام الراسمالي المغربي طابعا وطنيا تعميميا ، ظل مع ذلك يعبر عن نفسه ظاهريا في الشكل التبعي القديم ، و من هنا التناقض بين الشكل والجوهر ، ومن هنا ايضا الحاجة الى ضرورة احداث التطابق بين الاثنين عبر الانتقال بالراسمالية المغربية من شكلها التبعي القديم ، الى شكلها الوطني التحرري الجديد .
مااردنا التاكيد عليه مما سبق ، هو ان مسالة تحقيق مصالح الطبقات الشعبية بالكامل ( وليس بطريقة انتقائية )
لا يشترط تصفية الطبقة البورجوازية المغربية كطبقة في حد ذاتها ، بل تصفية شكلها التبعي ، أي تحوله الى نقيضه الوطني التحرري .
وفي الحقيقة ان جميع التناقضات الواقعية ، لا الوهمية ، يتم حلها جدليا بتلك الطريقة . أي ليس عن طريق التجاوز المطلق وانما عن طريق التجاوز النسبي الذي يتضمن عنصر المحافظة .
ولتوضيح تلك الفكرة البالغة الاهمية ، يتعين علينا الوقوف قليلا عند الامثلة التالية المقبلة .

مثال اول : في بداية ظهور الراسمالية الاوربية ، كان استغلال الراسمال لقوة العمل يتجسد في شكل فائض القيمة المطلق . وهذا يعني تمديد ساعات العمل ، الى اقصى حد يمكن ان يتحمله البشر . وفعلا وفي تلك الظروف ، كان يوم العمل ، سواء بالنسبة للرجال او النساء او الاطفال ، يتكون من 18 ساعة فما فوق .
ثم في لحظة تاريخية لاحقة ، اخذ حجم الطبقة العاملة ينمو، ووعيها يكبر ، ومقاومتها تشتد . الامر الذي مكنها من رفع مطلب : تخفيض يوم العمل الى 12 ساعة .
اننا اذن امام تناقض حاد ، من جهة ، ان مصلحة الراسمال تقتضي تمديد يوم العمل الى حد يفوق طاقة الاحتمال ، ومن جهة ثانية ، ان مصلحة العمال تقتضي تخفيضه الى حد مقبول .
كيف يمكن حل هذا التناقض الملموس بشكل ملموس ، لابشكل مجرد عن شروط سياقه التاريخية الواقعية ؟ .
الحل الجدلي الوحيد الممكن علميا هو التالي : الاستجابة التامة لمطلب العمال ( يوم عمل 12 ساعة ) ، وفي نفس الوقت الحفاظ الكامل على مصلحة الراسمال .
لكن هذا الحل مستحيل بدون تحويل فائض القيمة ، من شكل فائض القيمة المطلق الى نقيضه ، أي الى شكل فائض القيمة النسبي .
واذن فان فائض القيمة النسبي ، القائم على تطوير الانتاجية ( انتاج اكثر في وقت اقل ) ، قد ضمن الاطار لتوحيد مصلحتي الراسمال والعمل المتناقضين .
مثال ثان : عندما ظهر لاول مرة في التاريخ البشري ، التبادل التجاري ، كان ذلك يتم على النحو التالي : تبادل بضاعة باخرى ، ومعنى هذا ، ان هناك بضاعتين تلعبان دورين متعارضين : هناك البضاعة التي يراد بيعها ، وهناك في الطرف المقابل البضاعة الثانية التي تمثل قيمة الاولى .
في لحظة لاحقة من تطور التبادل البضائعي وتوسع دائرته ، لم تعد بضاعة واحدة تمثل قيمة البضاعة التي يراد بيعها ، بل اصبح ذلك الدور تقوم به بضائع شتى ، أي ان البضاعة الخاضعة للبيع يمكن ان تعبر عن قيمتها التبادلية ، في اشكال متعددة ومتنوعة من البضائع .
لكن التعبير عن قيمة بضاعة ما ، في اشكال متعددة من البضائع ، يحمل في طياته تناقضا حادا : فاذا كان فعلا لتلك البضاعة القدرة المبدئية على التعبير عن قيمتها التبادلية ، في عدد كبير من البضائع ، الاانه من الناحية العملية في لحظة التبادل المباشر ، لايتم التعبير عن القيمة الا في بضاعة واحدة ، حيث يتم بالتالي اقصاء كل البضائع الاخرى .
ان التناقض اذن هو التالي : من جهة ، ان البضاعة تعبر عن قيمتها التبادلية في عدد كثير من البضائع . ومن جهة ثانية فانها لاتعبر عنها الا في بضاعة واحدة .
كيف يمكن حل هذا التناقض الملموس ، بشكل ملموس ؟
الحل الوحيد الممكن جدليا ، هو الذي يستطيع توحيد الضدين . لكن ذلك مستحيلا بدون تحويل القيمة ، من شكل بضاعة عينية ملموسة ، الى شكلها النقيض المجرد . وهذا الشكل المجرد ، ليس شيئا اخر غير العملة النقدية .
في العملة النقدية يتحقق فعلا ، الجمع بين البضاعة الواحدة والعدد الكثير من البضائع .
وما قلناه في المثالين السابقين ، يمكن قوله في العديد من الامثلة الاخرى .لان الوجود كله مليء بالتناقضات الجدلية .
فلنعد اذن الى بورجوازيتنا المغربية .
ان التناقض الذي ينخر المجتمع المغربي هو ، كما سبق الذكر ، التالي : في اللحظة البدائية من صعود البورجوازية المغربية ، كان الشكل الراسمالي الذي عبرت من خلاله عن مصالحها الطبقية ، هو الشكل التبعي .
ثم في لحظة لاحقة من التطور التاريخي ، بعد تعميم النظام الراسمالي ، وتحويل المجتمع الماقبل المدني الى مجتمع مدني حديث ، ودمج كل الطبقات الاجتماعية فيه .. في هذه اللحظة بالذات ، بلغ الاستغلال الراسمالي اوجه ، مما انعكس في العديد من الامراض الاجتماعية ، ابرزها ظاهرة البطالة التي ضربت كالزلزال جيوشا كاملة من المواطنين .
واذن يمكن اعادة صياغة التناقض المذكور ، بشكل مكثف ، على النحو التالي : من جهة ، لايمكن للبورجوازية المغربية الحفاظ على مصالحها الا على اساس الاستغلال الراسمالي . ومن جهة ثانية ، لايمكن للطبقات الشعبية تحقيق مصالحها الا على اساس القضاء على الاستغلال الراسمالي .
هذا تناقض واقعي ملموس ، ولذلك لايمكن حله الا بشكل واقعي ملموس ايضا .
والحل الوحيد الممكن عمليا هو التالي : التحقيق الكامل لمصالح الطبقات الشعبية ، وفي نفس الوقت الحفاظ التام على مصالح البورجوازية المغربية .
وهذا يفتضي تحويل الاستغلال الراسمالي ، من شكله التبعي الى شكله النقيض ، أي الى استغلال راسمالي وطني مؤسس على تحرير الاقتصاد الوطني من الراسمال الامبريالي .
الخلاصة : ان مرحلة الراسمالية الوطنية ، الخارجة من احشاء مرحلة الراسمالية التبعية ، والتي ستلعب في البورجوازية المغربية الحالية دورا رئيسيا ، هي مرحلة ضرورية تاريخيا من اجل التاهب للقفز نحو النظام الاشتراكي الارقى .
اما القول باستحالتها كمرحلة مستقلة ، قائمة الذات ، منفصلة عن المرحلة التبعية السابقة عنها ، وعن المرحلة الاشتراكية اللاحقة لها .. فتلك خرافة لاعلاقة لها لابحركة التاريخ ولا بحركة الصراع الطبقي ، ولا بعلم الجدل .
نصل الان الى مناقشة المسالة من جوانب اخرى .

قلنا بان النظام الراسمالي المغربي ، الذي كان في مرحلة صعود البورجوازية نظاما تبعيا ، قد اصبح في المرحلة الحالية ، بحكم تعميمه على المجتمع المدني ، نظاما وطنيا وقلنا ان هذا الوضع المستجد قد خلق تناقضا بين الجوهر الوطني الجديد ، وبين استمرار الشكل التبعي القديم ، وقلنا ايضا بان حل التناقض المذكور ، يتطلب احداث التطابق المنشود بين الجوهر والشكل ، عبر الانتقال من الراسمالية التبعية الى الراسمالية الوطنية ، ثم قلنا اخيرا بان الراسمالية الوطنية المتحررة بين الراسمال الامبريالي ستضمن مصالح البورجوازية المغربية ولن تلغيها .
اذا كان كل هذا صحيحا ، فلماذا تفضل البورجوازية المغربية الهروب الى الامام ، عن طريق المزيد من تعميق اندماجها بالراسمال الامبريالي ، رغم ان هذا الطريق اصبج يضر بمصالحها الطبقية نفسها ؟

هناك سببان رئيسيان .
الاول : فكما ان الرجل الذي يحب امراة حبا قويا ، لايستطيع التمييز بين الحب والمراة المحبوبة ، وحيث تصبح المراة هي الحب ذاته ، وليست تجسيدا له في شخصها ، وبالتالي فان غيابها يعني بالنسبة اليه ، فناء الحب ونهاية العالم .
كذلك فان البورجوازية المغربية المتعلقة بحب التبعية الى حد الجنون ، لاتستطيع من تلقاء نفسها ان تتصور ، بان الراسمالية يمكن ان تتجسد في شكل اخر غير شكل التبعية ، من هنا فان غياب التبعية يعني بالنسبة اليها ، فناء الراسمالية في حد ذاتها ، ونهاية العالم .

الثاني : ضعف احزاب المعارضة التقدمية ، الناجم اساسا عن تشتتها . فالبرجوازية المغربية لايمكنها تغيير مواقفها عن طريق الاقناع السياسي ، بل فقط عن طريق الضغط الكثيف المستند الى صراع طبقي طويل ومرير ، قادر على تعبئة كتلة شعبية ضخمة في معمعانه .
تبقى مسالة حاسمة : بم نبدأ ؟ هل بحل المسالة السياسية ( تحقيق الديمقراطية الحقيقية ) ، ام بحل المسالة الاقتصادية – الاجتماعية ؟ .
رغم ان حل الثانية هو شرط ضروري نحو الحل النهائي للاولى ، الا انه مع ذلك لايمكن حل المسالة الاقتصادية نفسها الا بواسطة حل المسالة السياسية ، فالبداية تنطلق من السياسي لا من الاقتصادي .
لماذا ؟ .. لان البورجوازية لكي تحافظ على التبعية ، تلجا الى السلاح السياسي : منع الاحزاب التقدمية ، بوسائل شرعية وغير شرعية ، من الفوز في الانتخابات ، والحصول على الاغلبية البرلمانية ، وتشكيل حكومة خاصة ، وتطبيق البرنامج الوطني التحرري .
من هنا فان منطق الصراع يحتم على القوى التقدمية ، استعمال نفس السلاح السياسي ، لكن في الاتجاه النقيض أي فرض احترام القانون وتطوره ، والقبول بالانتخابات النزيهة ، من اجل تشكيل حكومة التحرر الوطني .
هذا هو السبب الذي يجعل الصراع يحتدم حول قضية الديمقراطية ، وفي ميدان المعركة من اجل الديمقراطية ، سيتحدد مستقبل المغرب في العقود المقبلة .





#بلكميمي_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية الديمقراطية المغربية : دولة كل طبقات المجتمع - تتمة -
- نظرية الديمقراطية المغربية: ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع ...
- نظرية الديمقراطية المغربية : ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع ...
- نظرية الديمقراطية المغربية :ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع
- نظرية الديمقراطية المغربية : تناقضات ديمقراطية دولة الطبقة ا ...
- نظرية الديمقراطية المغربية: تناقضات ديمقراطية دولة الطبقة ا ...
- نظرية الديمقراطية المغربية -2-
- نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الديمقراطي لدولة الطبقة ا ...
- نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الديمقراطي لدولة الطبقة ...
- نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة ا ...
- نظرية الديمقراطية المغربية :الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة ال ...
- نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة ...
- فكر وحوار : نظرية الديمقراطية المغربية
- فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية - 3-
- جدلية الدولة والمجتمع . تابع
- 3جدلية الدولة والمجتمع .
- حقيقة الدولة السياسية المغربية .
- نظرية الديمقراطية المغربية : حقيقة المجتمع المدني المغربي - ...
- فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية -2-
- نظرية الديمقراطية المغربية حقيقة المجتمع المدني المغربي


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بلكميمي محمد - نظرية الديمقراطية المغربية -3-