أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جاسم الحلفي - عطش الفاو ما أغربه!














المزيد.....

عطش الفاو ما أغربه!


جاسم الحلفي

الحوار المتمدن-العدد: 2465 - 2008 / 11 / 14 - 08:20
المحور: حقوق الانسان
    


عندما تقترب من مدنية الفاو، الغافية على البحر في أقصى جنوب العراق، وتتحدث مع أهلها الطيبين، تتضح لك مفارقات كثيرة. الأولى هي اكتناز ارض الفاو للنقيضين: الملح والخصوبة. والثانية هي أن موقع الفاو الاستراتيجي جعل المدينة منفذا للخير على العراق، وممرا للغزاة أيضا. أما الثالثة فهي حجم الثروات الهائلة في باطن أرضها من النفط والغاز، في وقت تشكو المدينة البطالة والبؤس. وهناك مفارقات أخرى أكثر غرابة!.
لم تكن الفاو بابا للغزاة، بل الحاجز الأول أمام جيوش الاحتلال، فهي عصية على مطامعهم، رغم استباحتها مرات عديدة. وأهلها لم ييسروا مهمات الطامعين، وكانوا أول المتصدين للمحتلين البريطانيين عندما وطأت إقدامهم ارض الفاو الطاهرة في شتاء عام 1914 بهدف جعلها بوابة لاحتلال العراق.
ان موقع المدينة الاستراتجي أصبح وبالاً عليها بدلا من ان يكون مفتاح خير على أهلها. فتهجر وهجر أهلها خلال الحرب العراقية – الإيرانية، وأصبحت بعد ان احتلتها القوات الإيرانية عام 1986 لغاية تحريرها منها عام 1988 ساحة حرب محرقة.
وما كادت تستكمل عملية إعادة بناء بعض المباني عام 1989 وما لبث ان عاد إليها من تمكن من ذلك، حتى أصبحت مجددا مسرحا لصفحات حرب الخليج الثانية، كما شهدت معارك طاحنة في الأيام الأولى من اجتياح قوات الاحتلال الأمريكي للعراق في ربيع 2003.
تزداد المفارقات وتتفاقم التناقضات أمامك عندما لم تجد أثرا لغابات النخيل، التي حدثك الأهل والأصحاب عنها. فمن أصل 1280000 نخلة يوجد الآن منها 40000 نخلة فقط!. فقد سويت بالأرض غابات النخل العامرة وتحولت الى سواتر للحرب، وزرعت فيها الألغام بدلا من أشجار الحناء التي عرفت المنطقة زراعتها منذ القدم.
ولا يتسع المجال للحديث التفصيلي عن معاناة الناس هناك جرءا ما لحق المدينة من مصائب خلال الحروب المتعاقبة، وما رافقها من أعمال تهجير، وما لحق بسكان المدينة من مهانة وإذلال قاسي. فقد منع النظام المقبور مواطني ناحيتي الخليج والبحار من زيارة ناحيتيهما. وبالمقابل وزعت قطع الأراضي السكنية بعد إعادة أعمار المدينة عام 1989 وفق أولويات لا إنسانية، وكما حددتها ذهنية النظام المقبور. تبدأ بضحايا الفاو، والبصرة، والعراق، وأصدقاء الرئيس وتنتهي بأهالي الفاو من " الموالين للثورة "، ضمن تراتيبية عجيبة تستثني من ذلك كل من انتمى، في يوم من الأيام، الى الحزب الشيوعي وحزب الدعوة!
وإذ لم ينصف النظام السابق أهالي الفاو بعد طول معاناتهم، نجد ان الوضع الحالي لم يشجع ساكنيها على العودة إليها، حيث لم يعد سوى 30 ألف من أصل 120 ألف مواطن سكنوها آنذاك.
اما المفارقة الكبرى فهي شكوى الفاو من العطش. فلم يعد الأمر مقتصرا على الأرض وحاجتها للسقي، بعد كانت الأنهار فيها، حتى وقت قريب، تشكل خريطة صعبة التفاصيل، لكنها أصبحت اليوم صحراء بلا غابات نخيل ولا أشجار حنّاء إذ تحولت الى أحراش صحراوية موحشة، بل ان أهالي الفاو هم من يعاني من العطش.
ان مواطني الفاو لا يطالبون ان تصبح مدينتهم سياحية كما كانت، ولا يطالبون بتعويضات يستحقوها، ولا بإنصافهم في سكن لائق بعدما خربت بيوتهم، ولا يطالبون بالإكثار من زراعية النخيل فيها كي تعود بساتينها العامرة، بل يطرحون مطالب ممكنة وملحة. وبصرف النظر عن كل ما يقدم من ذرائع ومبررات للإهمال الذي تعرضت له المدينة خلال السنوات الماضية، فالمدينة لا تعذر من يعلق عدم اكتراثه بمطالب الناس على شماعة الوضع الأمني وصعوباته، فأهلها طيبون وبعيدون عن التعصب والتطرف والإرهاب والغلواء، فالمدينة ولحسن الحظ لم تعرف التفجير والتفخيخ.
ان ما يطالب به أهالي الفاو هو الماء ليس للأرض التي تشكو عطشها، بل للإنسان الذي لم يجد غير الماء مالحا يستحيل الغسل فيه فكيف يا ترى شربه؟
لم ولن تفارقني صرخة ذاك الشيخ الجليل من (رأس الفيشة)، الذي سحنت الشمس بشرته السمراء وهو يستغيث مطالبا بـ "تنكرين" من ماء الشرب يوميا لناحية الخليج!
يبدو ان الوضع في الفاو ليس استثناء، فهل هناك من يفكر بإعادة الأمل الى هذه المدينة، وما يماثلها؟



#جاسم_الحلفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زيارة الى بقايا الهور
- مراكز استطلاعات الرأي: إتاحة المعلومة ام تزييفها
- إسناد مؤسسات الدولة مسؤولية وطنية
- رُسل التسامح في محنتهم الأخيرة
- يمكن للتضامن تحريك المطالب العادلة
- مشروع -كامل- للدولة المدنية
- هل يحق الاقتراع لمن لم يراجع سجل الناخبين؟
- المؤسسة العسكرية والتزامها الدستوري
- الأزمة بين المركز والإقليم وآفاق الحل
- الديمقراطيون ومهمة اشراك المواطن في الانتخابات
- القوى الديمقراطية والاستحقاق الانتخابي
- اهمية تحسين الاقبال على سجل الناخبين
- سجل الناخبين: تأجيل ام تحديث آخر
- كي لا تصادر اصواتنا
- الدار قبل الجار
- الديمقراطيون و انتخابات مجالس المحافظات
- حين افتقدنا الزعيم
- قمة روما وأزمة الغذاء في العراق
- الانتخابات بين إقرار القانون وتحديد موعد إجراءها
- انصفوا اللاجئين العراقيين...واعينوهم


المزيد.....




- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جاسم الحلفي - عطش الفاو ما أغربه!