أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - لكي لا تُهدر أموال الخمس!















المزيد.....

لكي لا تُهدر أموال الخمس!


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2464 - 2008 / 11 / 13 - 10:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حرصت كل المجتمعات على امتداد التاريخ على تطبيق فكرة العدالة الاجتماعية وعدم تركز الثروة سواء بفرض الضرائب أو من خلال إجراءات رقابية تمنع أي محاولة إثراء غير مشروع كأحد أدنى، وإلا فالباب مفتوح للثروة عند أكثر النظم الاقتصادية رجحانا، ولا يمكن ضمان الشرعية للإثراء إلا من خلال وسائل محددة من أهمها الرقابة والشفافية.

لقد شكلت هذه الغايات هاجسا أزليا للبشرية لازالت تناضل في سبيل تحقيقها، فليس عبثا أن تندلع الثورات من أجل رغيف فقط وليس من الغوغائية في شيء أن تعتلي أصوات شعب تندد بأي استئثار أو ظلم أو تمييز يسهل الإثراء الغير مشروع، حتى وإن تلبس بلباس ديني يحمل قدسيةً خاصةً أو حضورا طاغيا في متخيل ووجدان الشعب. وهو أبشع أصناف الإثراء الغير مشروع حتى لا أقول سرقة أو عمليات نصب تتكئ على الدين وتخون أبسط مبادئه وتعاليمه. التاريخ يحدثنا عن نماذج كثيرة استغلت الدين لتكديس الثروة، والإسلام ليس استثناءً، فمع أنه حاول بتشريع الزكاة والخمس وغيرها من الضرائب والفروض المالية الدينية أن يلجم ممارسات الاستئثار في مجتمع يجتاحه الفقر والجهل والأمية، إلا أنه وبعد مضي عقود قليلة فقط تحولت هذه التشريعات لوسائل تكرس الاستئثار والإثراء بدل أن تحد منه، فكل الذي حدث لا يتعدى تغييرا طفيفا في المواقع والطبقات! بل أكثر من ذلك، فهذه التشريعات كانت البذرة الأولى للشقاق والحرب الأهلية التي لونت أغلب صفحات التاريخ الإسلامي، لأن الإثراء السريع للقادة الأوائل جلب وراءه حرصا شديدا على النفوذ وتمسكا أكبر بالسلطة وهكذا كانت تلك الفروض المالية الدينية عاملا أساسيا في نشوب الحرب الأهلية، وبذلك تحولت هذه الفروض من عوامل قوة وتقدم ورخاء إلى عوامل ضعف وتراجع وتشتت وشقاق.

يحدث أحيانا أن يتحول الدين إلى آلية خداع وتضليل وذلك عندما تفقد الأمة روح المبادرة والتقصي والمسائلة، وعندما تفقد بوصلتها، وتضيع الأولويات، وتحرص حد الجنون على خلق أعداء وهميين، وتصبح غير قادرة على تحديد الأهداف والتحديات بما هي أمة مستلبة مسكونة بالوهم والتحليق في سماء الماضي. نعم يمكن لفريضة دينية كالخمس كان يفترض أن تكون حق مالي داعم للأمة أن تصبح آلية للاحتكار والإثراء الغير مشروع وبالتالي تصبح عامل ضعف وليس قوة.

لهذا يخطئ من يظن أن الأخماس دائما ما تشكل قوةً ومكسبا للطائفة "هل أجازف وأقول الشعب أو الأمة؟!" على الأقل بشكلها ونظامها الحالي الخالي من كل رقابة ومحاسبة والذي يتسم بفوضوية ليست جديرة بالقرن الواحد والعشرين، إلا إذا أختزل الشعب بكامله بطبقة محددة هي طبقة رجال الدين أو اعتبرنا الجدل والمزايدة الطائفية هي التحدي الذي يراهن عليه الشعب والأمة.

هل تفريخ الآلاف من المعممين الذين لا نعرف شيئا عن مستواهم العلمي ومكانتهم الروحية يعد مكسب وقوة للدين والمذهب؟ هل يعتبر بث الخطاب الوعظي والتبجيلي والديماغوجي في غالبه على شاشات التلفزة هو الشيء الذي تتوقف عليه نجاة الأمة وخلاص الشعب؟ هل نشر المذهب في أشد بقاع الأرض بؤسا وفاقة يعد انجازا ومكسبا نفاخر به الأمم والشعوب؟! ألأجل هذه الإنجازات الكرتونية شُرع الخمس؟ متى أصبح الخمس قوة أساسا باستثناء بعض اللحظات التاريخية التي كانت فيها هذه الأموال توظف لأجل غايات وأهداف مبررة ومفهومة جدا؟ إن الواقع التاريخي يثبت تزامن الانشقاقات الدينية مع تلك اللحظة التاريخية المحددة التي شهدت ارتخاء القبضة الحديدية للاستبداد ومن ثم تكدس أموال طائلة نتيجة ارتفاع فائض الأخماس، خاصة في القرن الثالث الميلادي الذي انبثقت فيه المذاهب والطوائف واتخذت فيه شكلها النهائي، وهي مذاهب كانت في الأصل مجرد انشقاقات دينية.

يحمل هذا الكلام إشارة ضمنية إلى اعتبار أن الخمس مجرد نظرية فقهية أختلف الفقهاء في تأصيلها وتحديدها وتفاصيلها، فهي ليست أصلا من أصول الشريعة ولا من بديهيات المذهب الشيعي. أما النظرية الشائعة للخمس عند أغلبية الشيعة والتي توسع موارد الخمس لتشمل كل المكاسب بعدما كانت منحصرة في غنائم الحرب فهي نظرية طارئة أوجدتها الظروف السياسية الضاغطة، بعبارة أخرى، ليس استخراج الخمس من فائض الأرباح إلا حكما ثانويا لجأ إليه علماء وأئمة أهل البيت المتأخرين كالإمام الكاظم والإمام الرضا بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية السيئة آنذاك، أما الأئمة الأوائل كالإمام علي وابنيه والسجاد وغيره فلم يفرضوا على شيعتهم استخراج الخمس من فائض مكاسبهم بل كانوا يتعاملون معه كما كان يتعامل معه النبي محمد والخلفاء من بعده، لكن السفراء وبعض الفقهاء لاحقا أخذوا يوسعون في نظرية الخمس إلى أن أصبحت أصلا من أصول الأمامية.

ويوجد من الفقهاء المعاصرين من يذهب هذا المذهب وهو اعتبار الخمس حكم مؤقت فرضه بعض الأئمة لأسباب خاصة ومؤقتة كالسيد محمود الهاشمي تلميذ السيد محمد باقر الصدر، لكن السؤال هو: هل يمكن أن تعمم هذه الفتوى وتنتشر؟ هل يمكن أن يتنازل رجال الدين عن مكتسباتهم المادية والاقتصادية ومكمن قوتهم لصالح الحقيقة الفقهية؟ يمكن أن نصوغ السؤال بشكل يتيح استكشاف دلالة أكثر جرأة، فهل كان لمحمود الهاشمي أن يتوصل لهذا الفرضية فيما لو لم يحتك بالمسؤولية المباشرة للدولة والتي تتطلب مفهوما وممارسة وطنية قد تتصادم مع إصرار المؤسسة الدينية على بناء إمبراطورية مالية تتعدى حدود الدولة؟!

يبدو هذا السؤال ملحا أكثر عند اشتداد التوتر الطائفي. ومع أن مسألة الخمس ليست موضوعا للخلاف المذهبي إلا أنه في ظل الشحن والغليان الطائفي تصبح أقل مقاربة نقدية لها بمثابة تهديد للنسيج المذهبي، وتصبح كل محاولة إصلاح بمثابة عمل مشبوه لعناصر دخيلة تشكل طابورا خامسا يعمل لصالح الغريم الطائفي، ثم تتردد مفردات تتمحور حول الفتنة والتآمر وما أشبه، إن هذا كله يجعل كل المحاولات الإصلاحية التي تستهدف الفكر الديني عديمة الجدوى لأنها تصب في خانة إضعاف الجبهة الطائفية، وهذا يعني ضرورة حلحلة العقد الطائفية حتى يتمكن الفكر الديني من إصلاح وترميم نفسه، وإلا فالنتيجة مزيدا من المزايدات والمناكفات الطائفية التي تستتبع بالضرورة جنوحا وتمسكا بالماضي.

إن الحماسة الطائفية تتجلى بوضوح في مسألة الخمس أكثر من أي شيء آخر وذلك لما تتسم به من قوة اقتصادية داعمة للتماسك المذهبي وللاعتقاد السائد بارتباط الخمس بالتشيع خاصة مع أن فريضة الخمس مسألة يجمع عليها كل المذاهب الإسلامية لورودها في النص القرآني والخلاف الوحيد ينحصر فقط في مسألة شموله للمكاسب أم اقتصارها على مغانم الحرب، فالشيعة يرون خمس المكاسب فيما يكتفي السنة بخمس المغانم، مما يعني أنها مسألة اجتهادية بحتة مفتوحة على كل الاحتمالات خاصة إذا علمنا مدى الاختلافات الفقهية بين فقهاء الشيعة حول كل أبعاد النظرية وتطبيقاتها، ويمكن القول أن الموقف الشيعي من الخمس ينقسم إلى ثلاثة تيارات فقهية:

3) التيار الأول لا يرى وجوب استخراج الخمس من فائض المكاسب وكل ما يراه هو أن الأئمة قد أمروا بذلك على وجه الاستحباب والجواز، ويعتقدون بسقوط الوجوب في عصر الغيبة، لكن يجب التنويه إلى أن هذا التيار تتبناه أقلية من المثقفين الذين يتسمون بالجدية في مقاربة التراث وتعريته، ولقد قام أحد الباحثين من البحرين الشقيقة بمعالجة موضوع الخمس تاريخيا وفقهيا وتوصل إلى نتائح جريئة جدا، أنقل لكم أهمها:

- إن أداء خمس المكاسب إلى الفقيه لا يستند إلى أي دليل ولا أصل له بتاتاً في أي مصدر من المصادر الحديثية الشيعية المعتمدة.

-إن كثيراً من النصوص الواردة عن الأئمة تسقط (الخمس) عن الشيعة وتبيحه لهم -خصوصاً- في زمن الغيبة.

-إن هذه النصوص تجعل حكم أداء الخمس للإمام ذاته وفي حالة حضوره الاستحباب أو التخيير بين الأداء وتركه وليس الوجوب.

-إن أحداً من علماء المذهب الأقدمين الذين عليهم قام المذهب وتكون، كالشيخ المفيد أو السيد المرتضى علم الهدى، أو شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي، وغيرهم لم يذكر قط مسألة إعطاء الخمس إلى الفقهاء، بل ربما لم تخطر لهم على بال.

-وفقا للنظرية الإمامية في توزيع مصاريف الخمس بين الإمام الفقراء والمساكين من( السادة !) فإن الشيخ الطوسي وفقا لهذا الباحث يرى أن سهم الإمام يعطى له ليفرقه بين الفقراء مما يعني إمكانية صرف موارد الخمس كلها على الفقراء والمساكين والمحتاجين.

- يذكر الكاتب عددا من الفقهاء المتقدمين الذين لا يرون وجوب "خمس المكاسب" أي النظرية الشائعة حاليا حول الخمس، منهم: العلامة أحمد الأردبيلي، الشيخ محمد حسن النجفي "صاحب الجواهر"، شيخ الطائفة الطوسي، وغيرهم، وأكتفي هنا بنقل كلام الشيخ الاردبيلي:" اعلم أن عموم الأخبار.. يدل على السقوط بالكلية في زمان الغيبة والحضور، بمعنى عدم الوجوب الحتمي... وهذه الأخبار هي التي دلت على السقوط حال الغيبة، وكون الإيصال مستحباً أي: زمن الحضور كما هو مذهب البعض مع ما مر من عدم تحقق الوجوب إلا قليلاً لعدم دليل قوي على الأرباح والمكاسب وعدم الغنيمة." (1)

2) التيار الثاني يعتبر مسألة إخراج الخمس مسألة حكومية بحته يفرضها الإمام بصفته الافتراضية كرئيس للدولة أي هي تندرج ضمن الأحكام الثانوية المتاحة للإمام والخاضعة لظرفية منصبه السياسي، ولم يكن هذا الموقف ليتشكل لولا حدوث تطور لافت على صعيد الفكر السياسي الشيعي، فهذه النظرية ولدت من رحم نظرية ولاية الفقيه أو شورى الفقهاء أو ولاية الأمة التي تمثل خطوة متقدمة في مسار الفكر السياسي الشيعي الذي كان يحظر المبادرة السياسية مهما كانت في عصر الغيبة، وهذا لا يعنى جمود الفكر الشيعي عند مسألة ولاية الفقيه، خاصة وأن فكرة ولاية الأمة التي قدمها الشيخ محمد مهدي شمس الدين تتوافق أكثر مع فكرة الديموقراطية المعاصرة والتي تمثل أفضل ما توصلت إليه البشرية في نظريات الحكم.

وفي هذا السياق يؤكد الأستاذ حيدر حب الله أن أستاذه السيد محمود الهاشمي تلميذ السيد محمد باقر الصدر "يذهب أو يميل على الأقل إلى فرضية أن خمس أرباح المكاسب حكم ولائي غير ثابت، بمعنى أنه ضريبة يجعلها حاكم المسلمين، وقد صادف أن جعلت خمسا، وربما يجعلها الحاكم اليوم من الخمس أو أكثر منه، تبعا لما يراه من المصلحة. إن هذه الفرضية حولت خمس أرباح المكاسب إلى حكم غير إلهي، أي أن المعصومين إنما فرضوه لمصالح تاريخية، وقد تتغير هذه المصالح التاريخية وقد تبقى.. وهذا تحول خطير جدا في مقولة فقهية شيعية من هذا النوع".(2)

وكان حيدر حب الله يذكر هذا المثال إلى جانب أمثلة أخرى لدى حديثه عن تاريخية النص الديني، السنة خاصة، وقد لاحظ غياب الحس التاريخي في النشاط الفقهي وهو ما يفسر شذوذ هذه الرأي وعدم تمكنه من اختراق السائد الفقهي في الوسط الديني.

3)أما التيار الثالث وهو السائد في الوسط الشيعي فيرى وجوب إخراج الخمس من المكاسب في عصر الحضور كما في عصر الغيبة، ورغم أن هذا الحكم مجرد نظرية اجتهادية قابلة للرد والنقد والتمحيص وهو ما يتأكد من وجود الاختلافات في تفاصيل المسألة وتطبيقاتها، فإن هيمنة هذا الرأي يستلزم في الحد الأدنى تحول راديكالي في مفهوم وصرف الخمس لكي يتمكن من تلبية تطلعات الواقع وتحدياته، فمصارف الخمس والتي تقدر بالملايين لازالت تهدر دون طائل، وفي أحسن الأحوال لم تتعدى معالجة الكوارث والأزمات، بدل أن تستوعب حاجات طموحة كالبناء والتقدم وتنمية القدرات البشرية.

يمكنني أن ألخص بعض المقترحات التي تتردد في الكواليس على النحو التالي:

- إذا كان لابد من الشفافية والمحاسبة الدقيقة في ظل الارتفاع الملحوظ في موارد الخمس فلابد من تشكيل لجان متخصصة تضطلع بتوزيع الخمس توزيعا عادلا في كل منطقة على أن لا يتسرب شيء من هذه الأموال للخارج، ولنا أن نتخذ من الجمعيات الخيرية نموذجا حيا يمكن التاسيس عليه، ولكن قد يعرقل هذه الخطوة ادعاء البعض وجوب تسليم الأخماس للوكيل الذي يقوم بدوره بتسليمها للمرجع، لكن هذا القول مجرد عن الحقيقة الفقهية: يقول السيد الخوئي في منهاج الصالحين: (يجوز استقلال المالك في توزيع النصف المذكور أي: النصف العائد لبني هاشم، والأحوط استحباباً الدفع إلى الحاكم الشرعي أو استئذانه في الدفع إلى المستحق. والنصف الراجع للإمام عليه السلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه، إما بالدفع إليه أو الاستئذان منه) (3) وهذا يعني أن في الحالتين يمكن التصرف بأموال الخمس سواء بإذن أو من دون إذن، فإذا شكك البعض حرصا على براءة الذمة فليطلب الإذن من الفقيه ولا أظن فقيها سيمانع في صرف مال الخمس في مشاريع تنموية وخيرية لابد وأن تنال رضا الإمام الغائب!!

ويقول السيد الحكيم في المستمسك: ( لم يتضح ما يدل على تعيين صرف سهمه في جهة معينة، يشكل التصرف فيه، إلا أن يحرز رضاه) هذا يعني عدم وجوب رفعه إلى الفقيه، فيكفي اشتراط احراز رضا الإمام، وهذا بالطبع يشمل جميع أعمال البر والخير بمفهومها النسبي المختلف من زمان إلى آخر. ثم يعلق الشيخ الفضلي قائلا: (من ذلك يظهر أن الأحوط إحراز رضاه في جواز التصرف، فإذا أحرز رضاه يصرفه في جهة معينة جاز للمالك تولي ذلك، بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي) (4)

- لا أعتقد أن من الواجب أن يقوم بمهام استخراج الأخماس رجل دين متفرغ لأن ذلك من شأنه أن يسهل الفساد والتجاوز، فالمتفرغ خاصة إذا لم يكن ميسورا ربما يخفق في التزام النزاهة، خاصة وأننا نعرف أن للمال بريق يغري الناظر إليه! لكن مع اختلاط العرف والعادة بالحكم الشرعي أصبح من الصعب تخطي رجل الدين كوكيل وكمسؤول عن الاستخراج والتوزيع! مع أننا نلاحظ نماذج كثيرة لوكلاء لا ينتسبون لفئة رجال الدين، أما إذا كان لابد من رجل دين فهل من الواجب أن يكون متفرغا؟ لماذا لا يجعل عمله في إدارة أموال الخمس عملا تطوعيا إلى جانب أي عمل آخر يعتاش به؟!

-يأمل الكثيرون في تأسيس مراكز أبحاث خاصة في المجال الديني، على أن لا تكون حكرا على رجال الدين، فالظاهرة الدينية تستدعي دراسات انثربولوجية واجتماعية ونفسية لكي تثري الفكر الديني وتعود على المجتمع بالتقدم والازدهار والنمو، وتتمكن في النهاية من إشاعة الحس النقدي والتفاعل والحراك الفكري والثقافي بين مختلف شرائح المجتمع.

- توسيع نطاق المستفيدين من أموال الخمس، إذا ما افترضنا إمكانية استخدامها لمعالجة قضايا الفقر والفاقة المنتشرين في مجتمعاتنا، فعوض أن تكون ذات خصوصية مذهبية لم لا تشمل كل فقير وكل محتاج مهما كان مذهبه، سنيا كان أم شيعيا، فالفقر لا مذهب له. أعتقد أن هذه الخطوة ستساهم في إضفاء جانب إنساني مشرق جدا على مفهوم الخمس برمته، وستساهم في تنوير هذا المفهوم وممارسته ليتسم بطابع وطني يتجاوز الذهنية الطائفية. أعتقد أن هذه الخطوة ستشكل مبادرة تستحق الإشادة لتخفيف حدة التوتر الطائفي، لذلك فهي تمثل مكسبا وقوة حقيقة لفريضة الخمس.

- ضرورة التأكيد على عدم إخراج أموال الخمس إلى الخارج أيا كانت الذريعة طالما هنالك من يستحق في الداخل ولو كان فقيرا واحدا، يقول السيد اليزدي في العروة: ( لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلد إلى غيره، إذا لم يوجد المستحق فيه) (5)

المفارقة المؤلمة أننا نسمع كثيرا عن مشاريع تدشن في الخارج بأموالنا ولكن لم نرى أياً من ذلك في هذه البلاد سوى بعض النتف والمحاولات اليتيمة كبناء مدارس دينية حوزوية أو ما أشبه. لماذا هذه العشوائية في التعاطي مع مقدرات مالية ضخمة كالتي توفرها ضريبة الخمس بحيث تُهدر وتُستنزف في الخارج أو يتقاسمها قلة من رجال الدين، ولنا أن نتخذ بعض المجتمعات الأخرى قدوة لنا في تعاطيها مع هذه المسألة، في لبنان جرى مؤخرا افتتاح مشروع ضخم هو مجمع الإمام الصادق في بيروت بتمويل من الحقوق الشرعية "الخمس" هذا فضلا عن المشاريع الأخرى التي تم إنجازها ورعايتها من قبل المرجعيات المحلية هناك كالمستشفيات ودور الأيتام والمشاريع السياحية وغيرها، أما في الكويت فقد اجتمعت كلمة الوكلاء هنالك على عدم إرسال أموال الخمس للخارج طالما بقيت معدة خاوية في الداخل.

- يلوح للكثيرين أن أي إصلاح جدي لهذه الثروة حتى يكون مجديا وجديا لابد أن تدعمه خطوة جادة نحو المرجعية المحلية، على الأقل لتخفيف حدة التشظي والتناحر بين التيارات الدينية المتمركزة حول المرجعيات الخارجية، شريطة أن تكون هذه المرجعية جادة تماما في إدارة الخمس إدارة حديثة وفقا لمناهج علم الإدارة والمحاسبة وما أشبه.

إن إشكالية الخمس ليست مسؤولية من يدفع أو من يستلم، كما يعبر بعض الذين أزعجتهم العريضة الأخيرة، بل يتحمل مسؤوليتها كل فاعل اجتماعي يهتم بالمصلحة العامة لكل المجتمع وليس فقط لفئة أو طبقة أو شريحة مهما كانت متعالية أو متشحة برداء النزاهة والصلاح.

هامش:
ـــــــــــــ

1) من دراسة بعنوان: الخمس بين الضريبة والفريضة.
2) نظرية السنة، حيدر حب الله. ص 537.
3) منهاج الصالحين، الخوئي، نقلا عن باحث بحريني.
4) المستمسك، الحكيم، نقلا عن مبادئ علم الفقه للفضلي.
5) العروة الوثقى، عن الدكتور الفضلي.



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاختلاط ضرورة حضارية 2-2
- كفوا عن الإتجار بالدين..يا رجال الدين
- الأزمة العالمية وشطحات الخطاب الديني
- الاختلاط ضرورة حضارية 1-2
- شاكر النابلسي و مغازلة الأصولية!
- خطوات على طريق الأنسنة 2-2
- خطوات على طريق الأنسنة 1-2
- يا صعاليك العالم اتحدوا !!
- توضيح حول تحريم السيستاني للمسلسلات التركية
- السيستاني والمسلسلات التركية
- لا تحجبوا أكسجين الوعي!
- مشاكسات على هامش الفقه!
- فقهاء ولكن..!
- إلى من يتغنى بالموت ليل نهار!
- لماذا كذب وليد جنبلاط؟
- آمنوا ولا تفكروا!
- حوار الأديان في السعودية.. هل هو اكذوبة أبريل؟!
- اشكاليات الحجاب في الخطاب الديني
- السعودية:المرأة و السيارة و جدل لا ينتهي
- طبروا كلكم إلا أنا!


المزيد.....




- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - لكي لا تُهدر أموال الخمس!