أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - آن الأوان لطي صفحة العنف السياسي















المزيد.....

آن الأوان لطي صفحة العنف السياسي


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 2462 - 2008 / 11 / 11 - 09:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد محاكمة طويلة، أصدرت محكمة الجنايات الأولى في دمشق، في 29 تشرين الأول الجاري، حكمها بالسجن سنتين ونصف على قادة المعارضة السورية المؤتلفة في إعلان دمشق، كما حكمت بحجرهم وتجريدهم مدنيا. لم يفاجيء مثل هذا الحكم أحدا في سورية، وربما في المنطقة والعالم. فقد اعتاد الرأي العام على مثل هذه الأحكام التي تصدر جميعا بذريعة إضعاف الشعور القومي ونقل معلومات كاذبة توهن نفسية الأمة في زمن الحرب. ومع ذلك، ليس من السهل فهم حكمة محكمة الجنايات السورية ولا المنطق الذي تحاول من خلاله هذه المحكمة أن تثبت أن نشر البيان أو حضور اجتماع يضعف لا محالة الشعور القومي. فدمشق تقود منذ سنوات مفاوضات مباشرة وعلنية، يصفها العديد من المسؤولين بأنها جدية ومهمة، مع إسرائيل، كما أن المحكمة لم تقدم أي قرينة تثبت هذه التهم التي صيغت أصلا بصورة لا تحتاج فيها إلى قرائن ولا إثبات، في الوقت الذي يصعب على إنسان أن يصدق فيه أن الاعتقالات الدورية للناشطين السياسيين والمدنيين، محاكمتهم وإيداعهم السجون لفترات طويلة وتجريدهم من حقوقهم المدنية، والحجر عليهم، هي أفضل وسيلة لتعزيز الشعور القومي العربي وإحباط خطط القوى الأجنبية ؟
ما يحصل بعد ثمانية سنوات ثمانية على استلام الرئيس بشار الأسد السلطة يطرح أسئلة عديدة حول مقدرة النظام البعثي على الخروج من منطق الحصار الذي لا يزال يعيش فيه منذ عقود طويلة ورغبته فعلا في تطبيع العلاقات مع الشعب الذي يتحكم به. ويكاد جمود النظام وعجزه عن القيام بمبادرة، مهما كانت بسيطة ومحدودة الآفاق، تجاه معارضة الداخل، بل تجاه الرأي العام السوري بأكمله، يتحول إلى مضرب المثل، ليس في المنطقة العربية فحسب وإنما في العالم أجمع. فما المانع لنظام يطرح نفسه كنظام قومي وشعبي، يسيطر من دون منافسة وبصورة مطلقة على كل مؤسسات الدولة والمجتمع معا، ويحتكر موارد العمل السياسي والمدني، من الاعتراف بمعارضة سياسية سلمية، والتحاور معها والقبول بحد أدنى من الحريات السياسية والمدنية؟ وما الذي يشعره بالخطر الوجودي من جراء نشر بيان أو حضور اجتماع، أو عقد ندوة أو إلقاء محاضرة حتى يورط نفسه في مثل هذه المواقف المضحكة والمؤلمة معا؟ ولماذا لا يمكن للسوريين أن ينعموا بحياة سياسية طبيعية تتنافس فيها القوى الحية والنخب الاجتماعية بصورة عادية، كما هو الحال في معظم بلاد العالم، على خدمة البلاد، في نطاق الشرعية الدستورية والشفافية والالتزام والمسؤولية؟ وإلى متى يمكن لنظام ولد من رحم انقلاب عسكري، أن يستمر في تخوين أي رأي مخالف حتى يبرر لنفسه البقاء في الحكم من دون قيود ولا حدود، ويجعل من حال الاستثناء والأحكام العرفية دستورا وحيدا للحياة السورية؟
ما يزيد من راهنية هذه الأسئلة وشرعيتها صدور حكم محكمة الجنايات السورية أيضا في هذا الوقت بالذات، أعني في فترة يبدو فيها النظام في أحسن حالاته وذروه قوته. فقد خرج منتصرا من المواجهة التي فرضتها عليه الولايات المتحدة، والعزلة التي أحاطته بها الدول الغربية والأمم المتحدة، بعد سنوات طويلة من المعاناة والشك والاضطراب. وقد أثمر هذا الانتصار تسجيل مكاسب فعلية في لبنان تجسدت في تأليف حكومة الوحدة الوطنية، وفي إطلاق المفاوضات السورية الاسرائيلية التي كانت شبه محرمه من قبل واشنطن، وفي استبعاد تهديدات وضغوطات المحكمة الدولية. وأسفر كل ذلك عن تكريس واضح لزعامة الرئيس الجديد الذي تعرض في بداية حكمه إلى الكثير من التشك بمقدرته على مواجهة تحديات المرحلة، بل باحتمال احتفاظه بالسلطة. وكان من المنتظر في هذه الظروف الذي استعاد فيها النظام ثقته بنفسه، واستقرت أوضاعه الداخلية والإقليمية، وأصبح محور اهتمام غربي متجدد، أن يزيد شعوره بالطمأنينة والأمن وأن يخفف من القيود القاسية المفروضة على الحياة السياسية والمدنية الخاضعة كليا لحاجات الأمن بأضيق معانيه البوليسية.
كان من المنطقي أن يستفيد الرئيس من هذه الفترة بالذات كي يطلق مبادرة داخلية، يمحو بها آثار السنوات الماضية، ويعيد التواصل مع الشعب والمجتمع، ويمهد الطريق نحو إصلاحات سياسية لا يزال الشعب السوري ينتظرها منذ عقود طويلة. وكان سيجني منها مكاسب سياسية وأمنية صافية. فليس من المعقول أن يفكر نظام سياسي بأن من الممكن ضمان الأمن والاستقرار إلى الأبد، اعتمادا على العنف وحده، وإقصاء الرأي الآخر وتخوينه وتجريمه. فالمجتمعات بحاجة أيضا للراحة والاستقرار حتى تتفرغ للعمل والإنتاج. والنظم يحاجة، كي تحظى بمعنى سياسي، إلى أن تتجاوز القوة المسلحة في تحقيق سيطرتها، وأن تبني لنفسها أساسا من الشرعية والصدقية السياسية، أي أن تكسب حدا أدنى من القبول المجتمعي والاتساق القانوني.
هل يرجع السبب في الخوف من أي خطوة في اتجاه المجتمع إلى سطوة مراكز القوى وشبكات المصالح، المتركزة في أجهزة الدولة أو أوساط الحكم القريبة والمقربة، التي ترفض أي تغيير أو تعديل في قواعد العمل الجارية، حتى لا تفقد مقدرتها على التصرف داخل الدولة والبلاد، وتجاه مواردهما، على أنها مزرعة شخصية خاصة، وغنيمة تاريخية؟ أم يرجع إلى شعور أصحاب السلطة بأن نظامهم على درجة من الهشاشة السياسية، أي من الفراغ الايديولوجي وفقدان الشرعية، بحيث يخشى فيه من أن يتحول أي انفتاح، مهما كان محدودا، على المجتمع والرأي العام، إلى مناسبة لانكشاف النظام وإبراز نقائصه البنيوية؟ أم يرجع إلى كليهما معا؟
ربما كان هذا هو الوضع بالفعل. فليس من السهل على أصحاب المصالح المكرسة منذ أكثر من أربعين عاما أن يتخلوا عن امتيازاتهم الاستثنائية واحتكارهم المطلق للثروة والسلطة، بإرادتهم الحرة. أما الفراغ السياسي والعقائدي فيكاد يكون شاملا. ففي ما عدا الرئيس الذي يحتل اليوم كل واجهة النظام، لا توجد هناك اليوم أي قوة، أو منظمة، أو هيئة رسمية أو شعبية، أو شخصية ذات صفة سياسية، تحظى باهتمام الرأي العام، أو تلهمه بفكرة أو باقتراح، أو تترك اثرا في مخيلته، لا داخل حزب البعث القائد، ولا بين صفوف الجبهة التقدمية التابعة، ولا عند الوزراء الموظفين، ولا بين النواب المعينين، ولا في وسط لإعلاميين الملتفين حول النظام. ولا يكاد احد يلتفت لأحد من هؤلاء أو يسمع صدى أقوالهم.
لكن، إذا كان هذا الوضع هو مصدر الخوف فأمام الرئيس خيارات أخرى أفضل بكثير. فلا تعالج مخاطر تفاقم النقمة الشعبية على الفساد بالتغطية على الواقع وإنزال العقوبات القاسية بكل من يجرؤ على التذكير به، وإنما بالتطبيق الأفضل للقانون وتطمين الناس على حقوقهم وأنفسهم. ولا يحارب الفراغ السياسي والعقائدي الناجم عن ترهل نخبة النظام وفساد معظمها بتفريغ المجتمع من أي فكرة أو إرادة حرة، وتحطيم قواه الذاتية، وتجريم فكرة المعارضة الديمقراطية نفسها، أي بالمزيد من الإقصاء وممارسة العنف، وإنما، بالعكس، بإحياء العملية السياسية، وتغيير أسلوب الحكم بحيث لا تكون العصا بديل المجاهدة السياسية اليومية لكسب الرأي العام والتفاعل معه. ولا شيء يساعد النظام على تجاوز الفراغ السياسي والايديولوجي الذي يتخبط فيه، أفضل من وجود معارضة سياسية شرعية، تطمئن جميع فئات السوريين على مصالحهم وحقوقهم، وتزيد ثقتهم بوطنهم وبالمستقبل، وتحث رجالات النظام على الاستيقاظ والتفكير والممارسة السياسية، بدل أن يبقوا كما هم الآن جثثا هامدة، مفروضة بقوة السلاح، لا يفيد منها المجتمع وإنما تشكل عالة عليه وكارثة على الدولة ومؤسساتها. وربما نجح النظام بذلك في تجديد بعض موارده السياسية، واستعادة بعض الشرعية والصدقية التين يفتقر إليهما بصورة مأساوية.
آن الأوان كي يدرك المسؤولون في دمشق أن العنف لا يمكن أن يشكل بديلا عن المبادرة السياسية.



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برهان غليون..... العرب يدفعون ثمن انبهارهم بالثروة النفطية
- عودة الديمقراطية الاشتراكية
- الأزمة المالية العالمية ونهاية الليبرالية
- في مديح التعددية الإتنية والدينية
- -الربيع العربي- على خطى نيكولا سركوزي في دمشق
- عطالة التاريخ
- زمن الفتنة
- إعادة اكتشاف المعرفة
- مصير الحلم الجمهوري
- السكون الذي يسبق العاصفة
- مبادرة قطرية خلاقة في لبنان
- الاتحاد المتوسطي، ورقة نعوة الوحدة العربية؟
- أزمة لبنان: خطايا الآخرين وأخطاؤنا
- في معنى المعارضة السياسية ووظيفتها
- العالم العربي في مهب الريح
- في أسباب تهافت ثقافتنا السياسية
- مشكلتا العرب: الديمقراطية والاتحاد
- القمم العربية جعجعة بلا طحن
- نفاق الغرب
- في جذور الثقافة السلبية


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - آن الأوان لطي صفحة العنف السياسي