أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - الحزب الشيوعي العراقي - بلاغ اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي















المزيد.....



بلاغ اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي


الحزب الشيوعي العراقي
(Iraqi Communist Party)


الحوار المتمدن-العدد: 2461 - 2008 / 11 / 10 - 09:13
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، يوم 17 تشرين الأول 2008، اجتماعها الاعتيادي الدوري.
صدر في وقت سابق بلاغ مختصر عن مداولاته، وفي أدناه البلاغ الكامل والخلاصات التي توصل إليها الاجتماع في شأن القضايا موضوع البحث.

بعد ما يزيد على خمس سنوات ونصف السنة من انهيار النظام الدكتاتوري، وانطلاق مرحلة الانتقال في اطار العملية السياسية نحو النظام الديمقراطي الاتحادي الجديد، تبقى بلادنا تسعى لاستكمال بناء الدولة المنشودة، والتقدم على طريق الإعمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويجري ذلك في ظل ظروف بالغة الصعوبة، تتداخل فيها مهمات التحرر الوطني الناجز مع عمليات تصفية مخلفات الدكتاتورية ومرتكزاتها، وبناء الدولة على اسس ديمقراطية اتحادية، واعادة هيكلة الاقتصاد العراقي.
وفي اطار هذه الظروف يحتدم الصراع ليس فقط على السلطة والثروة، بل ايضا على صياغة التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والادارية وغيرها، التي ترسم صورة عراق الغد، وتحدد ملامحه.
وتتداخل في هذا الصراع عوامل دولية واقليمية، تزيده اضطراما في الغالب، وتعقيدا وصعوبة في النهاية. لا سيما وان هناك اطرافا محلية لا تتعفف عن السعي للانتفاع من تلك العوامل، والاستقواء بها للاستحواذ على مزيد من الغنائم على حساب مصالح الشعب وحاجات البلاد، ولتأمين مواقع متنفذة في المستقبل كذلك.
وبرغم تعرج مسار العملية السياسية ، والتأزم الذي يطبع حركتها في احيان كثيرة، نتيجة التوتر الغالب في العلاقات بين اطراف الصراع من القوى السياسية من جانب، والتدخلات الخارجية في اوضاع البلاد الداخلية من ناحية ثانية ، وشدة معاناة الشعب من جانب ثالث، رغم ذلك تحقق غير قليل من المنجزات في مجرى العملية الانتقالية المستمرة، وفي العديد من الحقول والميادين.

بناء الدولة ومؤسساتها
ففي ميدان بناء الدولة تم اقرار الدستور، واقامة المؤسسات الدستورية مثل مجلس النواب ومجالس المحافظات والحكومة المنتخبة، وارساء الاساس التشريعي لقيام الاقاليم. كما تم اتخاذ العديد من التدابير في مجال القضاء، والاقدام على اجراءات عملية لاعادة بناء القوات المسلحة، واصدار تشريعات ترسي وتعزز البناء الديمقراطي، وبضمنها المتعلق بتنظيم عملية الانتخاب، وما يكفل تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة.
وعلى الصعيد الامني جرى حصر قوى الارهاب والميليشيات في معظم مناطق البلاد، وتوجيه ضربات شديدة الى قوى الجريمة المنظمة، والارتقاء نسبيا بعملية حماية الحدود ومواجهة اعمال التسلل وتهريب الاسلحة وغيرها. وارتباطا بهذا التطور امكن استلام الملفات الامنية في معظم محافظات البلاد، وتجري التهيئة لاستلامها في البقية منها خلال الفترة القريبة المقبلة.
وعلى صعيد المصالحة الوطنية وتأمين مستلزماتها، اطلق سراح الكثير من المعتقلين، واعيدت اعداد كبيرة من منتسبي الجيش السابق، وجرى تشريع قانون المساءلة والعدالة. كذلك امكن احتواء الصراع الطائفي، وتصفية العديد من مخلفات العهد الدكتاتوري، وتحقق الكثير على صعيد اعادة الحقوق المهدورة لضحاياه وتعويضهم. واسهم ذلك كله في تكوين الشروط والاجواء المواتية لعودة الوزراء المنسحبين، وتوسيع القاعدة السياسية للحكومة. فيما صارت وسائل الاعلام، التي ازدادت عددا بصورة لا سابق لها، تمارس عملها بحرية، رغم عدم وجود تشريعات ترسي حقوقها وواجباتها المنصوص عليها في الدستو، وتنظم العملية الاعلامية بصورة عامة، ورغم تعرض العاملين فيها الى القتل والترهيب والتهديد.
غير ان ثبات ذلك كله ورسوخه، يبقى مرتبطا بتحقيق المهمات الضرورية الاخرى على الصعد جميعا: السياسية المتعلقة باستكمال بناء الدولة الديمقراطية العصرية، دولة المؤسسات والقانون، وتصفية تركة الدكتاتورية، واستعادة السيادة والاستقلال الناجزين، وانجاز المهمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خاصة منها اللازمة لتخفيف وانهاء المعاناة المعيشية والخدمية والحياتية لملايين المواطنين العراقيين.
فبناء مؤسسات الدولة ما زال، على اهمية ما تحقق فيه فعلا، يعاني من اعتماد المحاصصة في الكثير من المفاصل، وما يترتب على ذلك من سوء ادارة وتوفير تربة خصبة لنمو الفساد وانتشاره. كما يعاني من توجيه المال العام احيانا لبناء تشكيلات وتكريس ممارسات لا تنسجم مع السعي المعلن لاقامة دولة القانون على وفق مبدأ المواطنة. هذا المبدأ الذي لا يمكن كذلك تصور بناء الدولة واجهزتها، وبضمنها القوات المسلحة، بنحو سليم، من دون اعتماده، وابقاء الدين في منأى عن التنافس الحزبي والصراع السياسي.
من ناحية اخرى تبقى مخلفات الصراع الطائفي، وبضمنها معضلة ملايين المهاجرين والمهجرين، تمارس تأثيراتها السلبية في حياة البلاد، وتكبح عودة الاوضاع الى حالها الطبيعي في الكثيرمن مناطق البلاد.
وهناك ايضا مسألة تنظيم العلاقة بين الحكومة الاتحادية وسلطات الاقليم والمحافظات، والتوزيع السليم للصلاحيات في ما بينها. وهذا يتطلب مواصلة وتعميق الحوار المتبادل حول القضايا الماثلة، والتوجه الجاد نحو حسم ما يتعلق بها في التعديلات الدستورية، وانجاز التشريعات الاساسية المعلقة مثل قانون النفط والغاز وقانون الموارد المالية وغيرهما، ونبذ التعصب القومي والمذهبي والمناطقي وما ينجم عنه من توترات ونزاعات.

حول استكمال السيادة
مع بدء المرحلة الفاصلة في المفاوضات العراقية - الامريكية حول ابرام الاتفاقية الامنية بين البلدين، التي تنظم الوجود الموقت للقوات الاجنبية في العراق بعد انتهاء ولاية الامم المتحدة، اخذت مسألة السيادة الكاملة تطرح نفسها بالحاح اكبر من اي وقت مضى. وتعني استعادة السيادة انهاء الوجود العسكري الاجنبي، واستعادة السيطرة على كامل التراب والاجواء والمياه الوطنية العراقية من ناحية، والغاء القرارات الدولية التي تقيد العراق وتفرض عليه الوصاية من ناحية اخرى، الى جانب العمل على تصفية تركة الاحتلال بجوانبها المختلفة.
ومن الواضح ان انجاز ذلك وفق جدول زمني يتم الاتفاق عليه، يستلزم توفير جملة شروط سياسية وعسكرية ومؤسسية، واخرى ذات طبيعة دولية.
على الصعيد السياسي يتوجب تأمين الاجواء الملائمة لقيام اوسع توافق ووحدة وطنيين،
وتأمين المشاركة الواسعة للقوى السياسية في المراحل المختلفة للعملية التفاوضية، وضمان شفافية العملية بما يؤمن دعم الرأي العام لجهود المفاوض العراقي.
ومن الناحية العسكرية يعني قطع شوط حاسم في بناء القوات المسلحة العراقية، بما يمكنها من استلام الملف الامني الداخلي بصورة كاملة، ورفع جهوزيتها عديدا وتدريبا وتجهيزا وتسليحا.
وعلى الصعيد المؤسسي تتوجب مواصلة العمل على اعادة بناء القوات المسلحة على اسس مهنية، وباعتماد مبدأ المواطنة والولاء للوطن الى جانب الكفاءة والنزاهة. كما ينبغي استكمال تحصين الاجهزة الامنية والعسكرية ازاء الاختراقات، وتطهيرها من العناصر المسيئة والفاسدة، واعادة تربية منتسبيها بروح احترام الدستور ومبادئه والمؤسسات الدستورية عامة، والحرص على النظام الديمقراطي وحمايته.
اما الشروط ذات الطبيعة الدولية فيتصدرها توظيف المواقف العربية والاقليمية والدولية، التي ترفض الوجود العسكري الاجنبي، لمصلحة مطالبنا الوطنية، والقيام بجهود سياسية ودبلوماسية مكثفة في اتجاه الدول الاعضاء في مجلس الامن بشكل خاص، للحصول على دعمها لمطلب اخراج العراق من الفصل السابع، ورفع القيود المفروضة عليه بموجب القرارات الدولية، بعد ان لم يعد يشكل تهديدا للسلم والامن الدوليين.
ومن الواضح ان مسألة استعادة السيادة كانت المحور الاساسي للمفاوضات الدائرة منذ شباط الماضي، والتي تمكن الجانب العراقي في مجراها من ادخال تعديلات هامة على المسودات الاولى. وفي مقدمة ذلك تثبيت مواعيد زمنية لسحب القوات من المدن اولا ثم من البلاد، واستبعاد وجود قواعد عسكرية دائمة على الاراضي العراقية، وتجديد التزام الولايات المتحدة بحماية الاموال العراقية في الخارج من مطالبات التعويض المزعوم ودعاوى الدائنين، واخضاع العمليات العسكرية وحركة القوات لموافقة الجانب العراقي، وتنظيم الولاية القضائية، وعدم جعل العراق منطلقاً لعمليات ضد دول الجوار، وغيرها.
الا ان ذلك كله، على اهميته، لا يضمن متطلبات السيادة الحقيقية، التي جرت الاشارة اليها. وهو ما يظهر جليا في النص الاخير لمسودة الاتفاقية، الذي لن يكون مقبولا ما لم تدخل عليه تعديلات اضافية، تؤكد بدون لبس التزام الجانب الامريكي بمواعيد الانسحاب المتفق عليها، وضمان ممارسة العراق بالشكل المناسب حقوقه السيادية في مراقبة حركة الاشخاص والسلع، وحقه في الولاية القضائية على منتسبي القوات والمتعاقدين، خارج المواقع المحددة لهم. اضافة الى حصر مساحات المنشآت والمواقع، المخصصة لاستخدام القوات خلال وجودها الموقت.
وان انجاز هذه التعديلات والتوصل الى اتفاقية تلبي المطالب العراقية في السيادة والاستقلال، مرهون بالتوصل الى تفاهم واسع ووحدة موقف للقوى السياسية العراقية، وبالمصادقة من جانب مجلس النواب، واعتماد مبدأ الشفافية الغائب للاسف في مجرى المفاوضات، وصولا الى تأمين القبول الشعبي الواسع والضروري. علماً أنه في حالة عدم توقيع اتفاقية قبل نهتية العام الحالي ، فلن يبقى سوى أن تطلب الحكومة العراقية تمديد بقاء القوات فترة محددة أخرى، وفقاً لقرارات مجلس الأمن السابقة. وهو ما سيبقي الأمور من حيث الصلاحيات المطلقة لسلطة الاحتلال، على ما هي عليه حالياً.
ان توفر هذه الشروط يعني تأمين المتطلبات الاساسية للاستقلال، الذي لن يكون كاملا وحقيقيا الا اذا توفرت ايضا مقومات تحديد الخيارات الاقتصادية والاجتماعية، ورسم السياسات بصورة مستقلة في المجالات كافة، وبضمنها ما يخص التصرف بثروات البلاد، ورسم سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية، وبناء قواتها المسلحة وغير ذلك.

طبيعة الصراع الراهن في البلد وآفاقه
يتمثل الواقع السياسي الراهن بعملية تحتدم حيناً وتخف حيناً آخر، وتدور من حيث الجوهر حول السلطة والهيمنة عليها والحصول على اكثر المكاسب من ثمارها. وهذه العملية التي تتخذ اشكالا متنوعة سلمية ولاسلمية، هي في الوقت نفسه عملية صراع من اجل رسم ملامح عراق المستقبل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية. كما ان العوامل الفاعلة فيها ليست الداخلية فقط، وانما تشتبك معها عناصر اقليمية ودولية، لتزيد الصراع استعاراً هنا وتباطؤاً هناك، وتركيزا على جانب في لحظة وعلى آخر في لحظة اخرى.
وما زالت حصيلة هذا الصراع تتفاعل من دون ان تأخذ صيغا محددة. وخلال ذلك تبدي اطراف عراقية استعدادا للاستقواء بجهات خارجية، بما يحقق لها المزيد من الغنائم، على حساب مصالح الشعب وحاجات البلاد .
وفي خضم الصراع انطلق حراك داخل الكتل السياسية المختلفة، افضى الى تشظٍ ّ فيها وبروز اسماء وعناوين سياسية جديدة، وهو ما يمكن ان يمهد لاصطفافات جديدة، لا تقوم على اساس الهويات الفرعية، بل على برامج ذات سمات سياسية – اقتصادية واجتماعية.
وما يميزهذا الحراك هو السعي الى تحسين وضع ودورالقوى والشخصيات الفاعلة فيه، على الصعيدين السياسي والمعنوي، وضمان حصولها على حصة اكبر من (الكعكة)، وحتى تفادي احتمالات تهميشها والغائها.
وتستثنى من ذلك حالات تقارب بين مجاميع متنوعة المشارب، بضمنها واجهات للبعثيين الصداميين تنشط بشكل علني ولا تتردد في اعلان هويتها. ويتميز التحرك السياسي لهذه المجاميع بمواقف مشتركة من قضايا محددة، مثل الموقف من حقوق الشعب الكردي، والموقف من الاقليات، ومن المادة 140، ومن قضية كركوك وزجها في الصراع حول قانون انتخاب مجالس المحافظات، والموقف من حصة الاقليم في الموازنة الاتحادية. ويحمل نشاط هذه القوى مخاطر على العملية السياسية وآفاقها، ينبغي الانتباه اليها.
وعلى خلفية فشل القوى المتنفذة في السلطة في السنوات الماضية، في ايجاد الحلول في المجال الاجتماعي، تنامت مشاعر عدم الرضا والاحتجاج في اوساط الشعب المختلفة، وخفت بريق المشاريع المعلنة للقوى المذكورة، وجاذبية طروحاتها السياسية والفكرية. الا ان حالة التذمر والسخط في صفوف المواطنين لم تتبلور وتبلغ حد القطيعة السياسية، وانما تجلت حتى الآن في موقف الانكفاء السلبي. وهو ما يبدو واضحا على سبيل المثال في الموقف من الانتخابات، حيث كثيرا ما يجري الحديث عن المقاطعة بدل التعامل الايجابي، المتمثل في دعم القوى التي اثبتت جديتها ونزاهتها، وطرحت حلولا واقعية وعملية للمشكلات الكبرى التي تواجه الشعب والوطن.
وبرز في المشهد السياسي كذلك دور العشائر، التي قدمت اسهاما ايجابيا في مواجهة قوى الارهاب واعادة الامن في مناطق عدة من البلاد، لكنها للاسف غدت موضع صراع بين قوى سياسية مختلفة، يحاول كل منها توظيفها لاغراض سياسية وانتخابية وغيرها.
وامام هذه اللوحة بعناصرها المتشابكة، وتعدد اللاعبين الداخليين والخارجيين، يبقى الوضع منذ انهيار النظام الدكتاتوري مفتوحا على احتمالات متباينة، وعلى امكانيات كامنة توفر فرص تقدم لا سابق لها امام التيار الوطني الديمقراطي المدني.

دور الحزب والمشروع الوطني الديمقراطي
يؤكد تعثر المشاريع السياسية القائمة على اعتماد الهويات الطائفية والأثنية، من جديد، اهمية وضرورة المشروع الوطني الديمقراطي وراهنيته. ويتضح في الممارسة العملية ومن خلال المتابعة اليومية، ان الكثير من مفردات الوثيقة الخاصة بذلك، التي قدمها حزبنا في مؤتمره السابع قبل سبع سنوات، وجددها في مؤتمره الثامن سنة 2007، قد وجد طريقه الى برامج وشعارات قوى اخرى، بما فيها اطراف اسلامية. والاهم من ذلك بروز حقيقة أن المشروع الوطني الديمقراطي، الذي يدعو الى بناء دولة القانون والمؤسسات الدستورية، واعتماد مبدأ المواطنة، ونبذ المحاصصة الطائفية، واعتبار الولاء للوطن اساس بناء القوات المسلحة، وحل الميليشيات، والعمل على استعادة السيادة الكاملة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحسين الحياة المعاشية للمواطنين، وضمان الحقوق والحريات الاساسية، هو الوحيد القادر على حل مشاكل البلاد المعقدة. وقد جاء الكثير من النجاحات المحرزة في مجرى العملية السياسية وبناء الدولة، منسجما مع مضمون هذا المشروع، والعكس بالعكس.
ومن هنا ضرورة العمل في كل المجالات والاتجاهات ترويجا للمشروع الوطني الديمقراطي، والسعي الحثيث لمراكمة العناصر الضرورية لتعديل تناسب القوى في المجتمع لمصلحة اعتماده وتنفيذه.

"مدنيون"
اسهم حزبنا في اطار توجهات المشروع الوطني الديمقراطي، بالتعاون مع الحزب الوطني الديمقراطي والحركة الاشتراكية العربية في اطلاق حركة " مدنيون". وتهدف الحركة الى العمل على اقامة الدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات، واعلاء شأن المواطنة العراقية.
ويتوجب القول ان الحركة ليست مجرد تحالف انتخابي وقتي، وانما هي مشروع مشترك مديد للقوى السياسية الديمقراطية، يجسد رؤيتها للعراق الجديد. وهي تشكل في الوقت نفسه اطارا مفتوحا لقطاعات شعبنا في سائر ارجاء الوطن، وهي تتطلع الى اعادة بناء الدولة على اسس ديمقراطية اتحادية ومدنية عصرية. كما تستجيب لمهمات تفعيل التيار الديمقراطي التي تطرح نفسها بإلحاح متزايد.

القوات المسلحة وإعادة بنائها
افضت عملية اعادة بناء القوات المسلحة في الظروف الجديدة الى نشوء وضع مغاير لما كان عليه الحال من جوانب عدة. وفيما يجري التأكيد على اعتماد معايير المهنية والاخلاص للوطن والدستور والنظام الديمقراطي في اعادة البناء هذه وفي تعزيز قدرات الجيش الجديد والقوى الامنية، تبرز الحاجة الى جهد دائب على صعيد التثقيف الوطني والديمقراطي لمنتسبيها، لا يقل عن مثيله الضروري على صعيد التأهيل والتجهيز والتسليح.
وتجدر الاشارة هنا الى ان عديد القوات المسلحة اليوم، يقرب من 350 الف جندي في الجيش، و450 الفا من رجال الشرطة، و90 الفا من قوات حماية المنشآت، و35 الفا من شرطة وزارة الكهرباء، ومثلهم من شرطة وزارة النفط.
وفي ما يتعلق بعملية اعادة الضباط السابقين ينبغي التشديد على ان ضرورتها كجزء من المصالحة الوطنية لا تنفي الحاجة الى تأسيسها على شروط ومعايير وضوابط واضحة، تفتح الطريق امام الاكفاء منهم والوطنيين المخلصين، وتستبعد من تلطخت ايديهم بدماء الشعب.
وتتزايد الحاجة الى المعايير والضوابط المذكورة في ضوء توجس البعض من تجدد النشاط السياسي السري والعلني لعناصر النظام السابق، وما يمكن ان ينطوي عليه من مخاطر على العملية السياسية والمؤسسات الديمقراطية. خاصة وان تطورات الفترة الاخيرة، وبضمنها المرتبطة بالتقاطعات حول قانون الانتخابات، والفتور في العلاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، حفزت النشاط المذكور ورفعت معنويات اصحابه.

انتخاب مجالس المحافظات والقانون الخاص به
عكست عملية تشريع القانون الجديد لانتخاب مجالس المحافظات عنف الصراع على المستوى المحلي، حول المصالح وتوزيع السلطة والثروة. كما جسدت تغير مواقف القوى المختلفة المنخرطة في هذا الصراع من اجراء الانتخابات، بعد تغير موازين القوى ميدانيا في اعقاب انحسار نفوذ الميليشيات.
وجرت جولات صعبة جديدة من النقاش بين الكتل السياسية، وصلت في بعض مراحلها الى تقاطع واحتقان في العلاقة بين الاطراف السياسية، الامر الذي ترك اثره على الوضع السياسي في البلاد، وشكل عنصر تهديد جدي للنجاحات الامنية المتحققة. ونجم الاحتقان عن الاثارة المفتعلة لمسألة كركوك عند مناقشة واقرار القانون، وتحويلها الى قضية خلاف رئيسية. وادى ذلك في النهاية الى عرقلة المصادقة على القانون، والى اعادة توتير الاوضاع السياسية بعد تحسن الاجواء الناجم عن عودة وزراء جبهة التوافق الى الحكومة.
وجاء تجاوز مبدأ التوافق عند اقرار المادة 24 من القانون في مجلس النواب يوم 22 تموز، تجاوزا للدستور ذاته، فيما شكلت المادة نفسها نفيا للمادة الدستورية 140 ، التي اقرها الشعب حين صوت في الاستفتاء على الدستور.
غير ان هدف التحرك المذكور بمجمله بدا اكبر بكثير، وكاد يبلغ حد اثارة ازمة على صعيد العلاقات بين القوميات، بعد اطفاء نار الصراع الطائفي، ويهيء لتخريب ما تم احرازه في سياق العملية السياسية. الا ان جهود الوساطة التي بذلتها الامم المتحدة وبعض الاطراف السياسية، افلحت في التوصل الى الصيغة النهائية المتوافق عليها، والتي اتاحت مصادقة مجلس النواب على القانون. وبذلك امكن نزع الفتيل الذي كان يمكن لبقائه ان يراكم عوامل ازمة سياسية كبيرة، نحن – بلدا وشعبا – في غنى عنها، وانفتح الطريق امام المباشرة بالتحضير لاجراء انتخاب مجالس جميع المحافظات، باستثناء محافظة كركوك ومحافظات اقليم كردستان.
وبذلك انتهت عملية تشريع القانون، بعد جهود طويلة ومضنية، الى اقراره بمادته الـ 24 التي تسببت في خلاف وانقسام عميقين في مجلس النواب، مما اضطر مجلس رئاسة الجمهورية الى نقض القانون واعادته الى المجلس.
وينبغي التنويه بما حققه مجلس النواب في جلسة 24 ايلول، حين عدل الفقرة الخاصة بحصة المرأة في انتخابات المجالس، وبما يضمن حصولها على نسبة 25% من المقاعد. وحملت الصيغة النهائية للقانون تعديلات هامة اخرى، هي المتعلقة بالتعامل مع مسألة الرموز الدينية ودور العبادة ومؤسسات الدولة، بما يضمن احترام خصوصياتها وحيادها وعدم زجها في التنافس الحزبي على المكاسب الانتخابية. هذا إضافة الى حقيقة ان القانون ينص اصلا على اعتماد القائمة المفتوحة آلية للانتخاب.
الا ان مجلس النواب لم يعالج بشكل سليم، في القانون المصادق عليه، مسألة تمثيل الاقليات القومية والدينية في مجالس المحافظات. كما ابقى اشغال المقاعد الشاغرة حكرا على الفائزين بالعدد الاكبر من المقاعد، بدل توزيعها على الكيانات ذات المتبقي الاعلى. ولم يفلح ايضا في معالجة مسألة خفض سن الترشيح لعضوية المجالس الى 25 سنة.
ومن جانب آخر، تتوجب الاشارة إلى أن غياب المرونة والواقعية السياسية لدى الاطراف ذات العلاقة، وترك العديد من القضايا في العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم تتراكم دون معالجة، ومنها مسألة الصلاحيات وقضايا النفط و البيشمركة، قد أسهم في تحفيز الحملة التي شهدها مجلس النواب ارتباطاً بإثارة قضية كركوك، والمناهضة في جوهرها للعملية السياسية.
وقد نبه حزبنا من جانبه الى هذه الحقائق وضرورة تجاوزها، وشدد على اهمية الترابط الوثيق بين القضية القومية وقضية الديمقراطية، والانطلاق في معالجة المعضلات القائمة من الحرص على ادامة العلاقات مع بقية اطراف العملية السياسية، باعتبار ان ذلك يصب في مصلحة الجميع ويشكل رادعا للمحاولات الهادفة الى تخريب العملية السياسية.
وفي السياق نفسه، دعا الحزب الى تطوير وتكثيف آليات التواصل والتشاور بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، كما دعا الطرف الكردستاني الى المزيد من المبادرة في اتجاه جماهير المواطنين والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني في عموم العراق، والوقوف الى جانب الديمقراطية ونشر الوعي الديمقراطي، ودعم مؤسسات الصداقة والاخوة العربية – الكردية.
تجدر الاشارة هنا ايضاً الى النظرة القاصرة من طرف بعض قوى الحكم الى المكونات الصغيرة والاقليات والى حقوقها الادارية والثقافية، والتي تلتقي في النهاية – رغم التناقض الظاهر – مع جهود الاطراف المعارضة للحكومة.

التطورات في كردستان العراق ومواقف الحزب الشيوعي الكوردستاني
تميزت الاوضاع في اقليم كردستان في الفترة الماضية بالمزيد من الاستقرار الامني، واستمرار النشاط العمراني، والاهتمام الخارجي بتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية مع الاقليم، وهو ما عكسه انعقاد العديد من المؤتمرات والمعارض والفعاليات الاخرى، الاقتصادية والثقافية وغيرها.
والى جانب ذلك استمرت معاناة قطاعات واسعة من الناس من الغلاء والبطالة الواسعة، خاصة في اوساط الشباب، ومن ازمة السكن، اضافة الى المشاكل الناجمة عن الجفاف وتدهور النشاط الانتاجي في الزراعة والمجالات الاخرى.
ومن ناحية اخرى يشغل اذهان الرأي العام في الاقليم عديد من القضايا السياسية الهامة، لا سيما العلاقة بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية، والتطورات المتعلقة بالمادة 140 من دستور جمهورية العراق، والاعتداءات التركية المتكررة على الاقليم، وغيرها.
ويشدد الحزب الشيوعي الكردستاني – العراق على معالجة المشكلات والخلافات الداخلية القائمة على اساس التفاهم والتوافق السياسي، وابداء المرونة والتمسك بالحوار بعيدا عن التلويح بالقوة والاجراءات العسكرية والامنية، واعتماد خطاب واقعي غير منفعل في مواجهة الحملة الشوفينية التي يشنها البعض ضد شعب الاقليم وحقوقه المشروعة. فضلا عن العمل على توحيد صفوف القوى السياسية الكردستانية والتعاون مع القوى الديمقراطية العراقية لبناء دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية، والسعي الى ان يشكل التحالف الكردستاني عامل توازن سياسي حقيقي في عملية بناء الدولة الجديدة.
وفي شأن المادة 140 يؤكد الشيوعيون الكردستانيون ان تطبيقها وحل المشاكل العالقة بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية مسألة دستورية داخلية، تحتاج الى تنسيق وتوافق سياسي، وان من الواجب ان يهتم الجانب الكردستاني بتهيئة الارضية المناسبة لتنفيذ المادة الى جانب الاستفادة من خبرة الامم المتحدة في الجوانب الفنية لتحريك تطبيق المادة والتعجيل في تنفيذها. على ان يتزامن ذلك مع تطمين مطالب المكونات القومية بضمان اسهامها في الادارة وفقا لمبدأ الكفاءة.
وتستقطب قضايا الجماهير وحاجاتها ومطالبها انتباها غير عادي، يتجلى في التركيز على الاهتمام بالخدمات الاساسية ، خاصة الكهرباء والصحة، وبمشاريع الاعمار، ووضع الخطط الاقتصادية للنهوض بالزراعة والنشاط الانتاجي عموما، وباعمار وتطوير البنى التحتية لاقتصاد الاقليم، وتنمية الموارد البشرية. الى جانب العمل على تحسين الوضع المعيشي للناس، واقرار القوانين التي تكفل حقوق العمال والفلاحين والنساء والشباب، وتلبية مطالب ذوي الدخل المحدود، ومحاربة الفساد.
ولا بد في الوقت ذاته من الاهتمام باشاعة الديمقراطية في الاقليم، وباعتماد الشفافية والعلانية في العمل الحكومي، واستحداث هيئة كردستانية للنزاهة، ووضع حد لمظاهر انتهاك حقوق المرأة واستمرار العنف ضدها.
ويرى الحزب الشيوعي الكردستاني ان شعب الاقليم يخوض اليوم نضالا مثابرا من اجل حقوقه المشروعة، وانه في ذلك لا يقف وحيدا، فالقوى الديمقراطية العراقية جميعا تقف الى جانبه، وبالتالي فان عليه التعامل معها بالشكل الذي يفعل تأثيرها على الحياة السياسية في البلاد.


التحديات الاقتصادية - الاجتماعية
لا تزال الرؤية الاستراتيجية الضرورية على صعيد الاقتصاد واعادة هيكلته غائبة، خاصة ما يتعلق بدور الدولة في الميدان الاقتصادي. وتستمر المغالاة في تأكيد مزايا السوق الحرة في اقتصاد البلاد، دون معاينة للواقع الملموس واستحقاقاته، الامر الذي يعيق عملية الاعمار واعادة بناء القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية، وكذلك الخدمية، وتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة. ونتيجة لذلك يتكرس الطابع الريعي للاقتصاد الوطني، ويزداد الاعتماد على العائدات النفطية، ويستمر العجز في استخدام قدرات البلاد البشرية والمادية، الامر الذي يتجلى خصوصا في بقاء معدلات البطالة عالية، وفي استمرار شلل وتوقف العديد من المنشآت الصناعية.
و برز ذلك كله اخيرا وبنحو صارخ، بالارتباط مع الازمة المالية العالمية، وما ادت اليه من انخفاض في اسعار النفط. وهو ما يفرض علينا اليوم – حسب تصريحات المسؤولين – مراجعة مشروع ميزانية الدولة للسنة القادمة، واتخاذ "تدابير مؤلمة" على حد قولهم.
وفي الوقت نفسه يستفحل الاستقطاب في توزيع الدخل والثروة بين المواطنين، بسبب الاختلال في نظامي الرواتب والاجور والتقاعد من جهة، وتنامي النشاطات الربحية المختلفة من دون ضوابط وقيود، واستشراء الفساد المالي والاداري بدرجة تكبح عملية الاعمار والبناء، والضعف الشديد لنظام الحماية الجتماعية. وينعكس ذلك كله في استمرار المعاناة اليومية لشرائح واسعة في المجتمع، على رغم التحسن الملموس في اوضاع العاملين في اجهزة الدولة المختلفة. وتشتد هذه المعاناة بفعل العجز الفادح في ميدان الخدمات، لا سيما الكهرباء والماء، وفي ميادين الصحة والتعليم، وفي توزيع مفردات الحصة التموينية.
وتواجه الدولة تحديا كبيرا في ما يخص الحفاظ على النسيج الاجتماعي العراقي، بتنوعه القومي
والديني، وايقاف النزيف المتمثل في هجرة الكثيرين من ابناء المكونات الصغيرة تحت وطأة الارهاب الذي تفاقم في السنوات الماضية، ومظاهر التعصب والتمييز التى مازالت ماثلة في حالات كثيرة. وازاء ذلك يتوجب اتخاذ اجراءات تضمن الحقوق القومية والادارية والثقافية للمكونات المذكورة، وتؤمن احترام معتقداتهم الدينية، وتوفير الحماية الواجبة لهم، وتمثيلهم في المجالس المنتخبة وغيرها، بما يحفز من هاجروا منهم على العودة الى الوطن.
وفي خصوص ما تحقق للمرأة ومشاركتها في الحياة السياسية ونشاط الدولة، لا سيما على صعيد البرلمان والمجالس التمثيلية الاخرى، فانه بحاجة الى التطوير والتفعيل، لا ان يبقي محصورا في الاطار الراهن من دون ان يمتد الى اجهزة الدولة التنفيذية، ومنها خاصة مواقع اتخاذ القرار على المستويات المختلفة، ولا الى اجهزة القضاء.
ويبدو حال الشباب اصعب كثيرا على سائر الصعد، خاصة معاناتهم البطالة على نطاق واسع، وعدم توفرهم على فرص عمل الا في التشكيلات العسكرية الرسمية وغير الرسمية وفي الاجهزة الامنية. ويتطلب الامر هنا ايلاء اهتمام خاص لتطوير برامج اقتصادية – اجتماعية لامتصاص البطالة في صفوفهم، وانماء قدراتهم، واشاعة الامل والثقة بالمستقبل في نفوسهم.
وتجدر الاشارة ايضا الى المصاعب التي يواجهونها في سعيهم للمشاركة في الحياة السياسية والعامة، الامر الذي يفرض اعادة النظر في السن القانوني للترشيح لعضوية المجالس التمثيلية، وتيسير وتشجيع تأسيس المنظمات والمنابر الشبابية المختلفة، الثقافية والرياضية والعلمية والتكنولوجية وغيرها.


الصراع حول تشكيل الملامح الاقتصادية والاجتماعية لعراق المستقبل
يشكل دور الدولة في الاقتصاد واحدا من محاور الصراع الاساسية في بلادنا اليوم. وفيما يشدد البعض على استبعاد اي دور للدولة في هذا الميدان، ويؤكد الاعتماد على السوق الحرة وحدها كمحرك ومنظم للعملية الاقتصادية، يقدم واقع الحياة اليومية في العراق، والتطورات الاقتصادية في العالم، والمواقف الجديدة لدول اقتصاد السوق، ادلة حية على عدم امكان التقدم الى الامام من دون دور (وتدخل) للدولة في الاقتصاد.
ولعل الخراب الذي حل بالانتاج الزراعي والصناعي في بلادنا، نتيجة اطلاق الاستيراد (بحرية كاملة) من دون قيود وضوابط واي تدخل من جانب الدولة، يشكل دليلا قاطعا على ما نقول.وارتباطا بهذا النهج ونتيجة لغياب اجراءات الحماية المناسبة من جانب الدولة، فان القطاع الخاص العراقي الذي يعاني الضعف تقليديا، خاصة في المجالات الانتاجية، مهدد عمليا بالانهيار وحتى الانقراض تحت وطأة المنافسة الخارجية الشديدة. ومن هنا فالسؤال في حالتنا العراقية اليوم هو: اي دور للدولة في الرأسمالية التي يجري بناؤها في بلادنا، وقبل ذلك : اي رأسمالية هذه التي يجري بناؤها اصلا؟
من الواضح اننا امام خريطة جديدة من علاقات القوى الطبقية والاجتماعية التي يجري الآن تشكيلها، حيث يسعى العديد من القوى الى دفع العراق سريعا على طريق اقتصاد السوق المنفلت عبر إزالة الضوابط وحجب الصلاحيات عن مؤسسات الدولة وفتح الاقتصاد العراقي على مصراعيه وتهيئة الأجواء للخصخصة الواسعة. والخلاصة أن هذه القوى تريد الانفتاح بلا حدود، وتسعى لتقليص نفوذ القطاع الحكومي، والحد من تدخل الدولة وإخراجها من الحقل الاقتصادي، والترويج لاقتصاد السوق باعتباره "الدواء الوحيد" لحل مشكلات الاقتصاد العراقي. علما ان الرهان على هذا الخيار – كما تظهر تجربة العديد من البلدان – لا يؤدي الا الى مفاقمة المشكلات الاقتصادية مثل البطالة، وتعميق التفاوت في توزيع الدخل والثروة، واضعاف قاعدة الاقتصاد الوطني وتردي البنى التحتية وزيادة الاعتماد على التمويل الخارجي، وما يترتب على ذلك كله من اتساع نطاق الفقر والتهميش الاجتماعي. ويلاحظ بالفعل نشوء وتبلور نمط جديد لتوزيع الدخل في العراق خلال السنوات الاخيرة، يفضي الى تباينات شديدة في مستوى معيشة الطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة. ومن هنا ضرورة التصدي لنهج الليبرالية المنفلتة، وبناء تحالفات سياسية وميدانية لابعاد شبح الرأسمالية المتوحشة.
وتسترعي الانتباه القضايا المطلبية الاقتصادية والصراع الدائر حولها (معركة زيادة الرواتب ضد القوى المؤيدة لتنفيذ شروط المؤسسات المالية الرأسمالية، لا سيما صندوق النقد الدولي، وقضايا الميزانية وتأمين البطاقة التموينية ومسألة قانون الاستثمار ودور العراقيين والشركات بموجبه) التي ستبرز في الفترة القادمة، ويجدر ان تكون عناوين لتحالفات سياسية تسعى الى توظيف الحركة المطلبية لتكون عونا للقوى السياسية الخيرة في الدولة والبرلمان والمجتمع.
ويدور جدل حول اتجاهات السياسة الاقتصادية، وسبل التصرف بالعوائد النفطية وتوزيعها بين الاستثمار والاستهلاك. كذلك حول اولويات السياسة النقدية وعدم انسجامها احيانا مع السياسة المالية، وحول الاحتياطي المالي الذي بلغ مستويات قياسية غير مبررة. ويتجلى عدم الانسجام بين السياستين النقدية والمالية، في تركيز الاولى على مكافحة التضخم، وادعائها النجاح في خفضه استنادا الى مؤشرات لا تعكس الحركة الفعلية للاسعار. فهي تشدد على العوامل النقدية المسببة للتضخم، وتهمل عناصر الاقتصاد الحقيقي، المتمثلة في ضعف الاستثمار، والاختلال في سوق السلع والخدمات، وتؤدي عمليا الى مفاقمتهما باعتماد مستويات عالية لاسعار الفائدة.
يضاف الى ذلك ضعف القدرة على تنفيذ خطط الانفاق في اطار الميزانية الاستثمارية، في الوقت الذي تتزايد فيه التخصيصات للاغراض التشغيلية. وهو ما يعكسه مشروع ميزانية 2009، التي تصل نسبة النفقات التشغيلية فيها الى اكثر من 76 في المئة، ومن المتوقع ان ترتفع بعد اعادة النظر في الميزانية ارتباطا بالازمة المالية الدولية وما ادت اليه من انخفاض اسعار النفط.
ويعكس ذلك كله غياب الاستراتيجية الاقتصادية واضحة المعالم والرؤية المتكاملة، وغلبة الارتجال والتعامل القائم على ردود الفعل، واستبعاد التخطيط والبرمجة كادوات اساسية في الادارة الاقتصادية.
وهو يرسخ حتى الآن الطابع الاحادي والريعي للاقتصاد العراقي. فيما يتوجب ان ترتبط الرغبة الموضوعية في التغلب على الازمة الراهنة وانعاش الاقتصاد الوطني، ببلورة استراتيجية تنموية وطنية، تأخذ في الاعتبار الحاجات الملموسة لمجتمعنا وبلادنا. استراتيجية تساهم في تحريك الدورة الاقتصادية وتنشيط القطاعات الانتاجية وفي مقدمتها الزراعة والصناعة التحويلية، وامتصاص البطالة وتامين سلة الغذاء للمواطن العراقي، وتضمن وجود قطاع دولة مؤثر.
وليس بمعزل عن ذلك يدور النقاش حول الآلية التي ينبغي ان تتم بها زيادة انتاج النفط، ونوعية العقود التي تبرم، وحول صيغ الاستثمار التي لا شك ان الامثل بينها هو الاستثمار الوطني المباشر، الذي يتوجب ان تنهض به شركة النفط الوطنية المزمع اعادة تشكيلها، والطاقات والقدرات العراقية قبل غيرها. الا ان الوضع الصعب الذي انتهت اليه الصناعة النفطية العراقية اليوم، سيفرض على الشركة الاستعانة بالدعم الخارجي في المجال التقني، وهو ما يتوجب ان يتم على اساس عقود خدمة. اما عقود المشاركة فيتعين استبعادها من حيث المبدأ بالنسبة الى الحقول المكتشفة، وحصر الاستعانة بها في الحقول الجديدة غير المستكشفة، الواقعة في رقاع يصعب التنقيب فيها وحيث ترتفع مخاطر الاستثمار، وعلى ان تخضع المتعلقة منها بالحقول الكبيرة الى ضوابط اخرى، في مقدمتها موافقة مجلس النواب.
ان مهمة النهوض بالاقتصاد الوطني وتعجيل عملية اعادة الاعمار، تتطلب استراتيجية واضحة الاهداف والاولويات، تحسن الجمع بين دوري الدولة والسوق في العملية الاقتصادية، وتمكن القطاع العام من النهوض بدوره التنموي، بعد اصلاحه وتخليصه من الروتين والبيروقراطية والفساد، وتعتمد الشفافية وتنشيط الاجهزة والجهات الرقابية، وبضمنها منظمات المجتمع المدني. ومن الملح في هذه المرحلة التركيز على اعادة تاهيل القطاعات المنتجة واعادة الحياة الاقتصدية السليمة، وتشريع القوانين والاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك، وتأمين الحماية والدعم الضروريين لنشاط القطاع الخاص وانتاجه الزراعي والصناعي.
وفي مجال الاستثمار واجتذاب رأس المال الاجنبي، الذي تحتاج البلاد الى اسهامه في عملية الاعمار واعادة البناء، يتوجب – بين امور اخرى – ضمان المصالح الوطنية والشفافية في مجرى عمليات التعاقد، وتأمين انسجامها مع اهداف وأولويات اللاستراتيجية الاقتصادية.

حول الأزمة المالية العالمية وتداعياتها
تعصف بالنظام الرأسمالي في الفترة الأخيرة أزمة اقتصادية ومالية، هي الاشد والاعمق منذ الركود الكبير أواخر عشرينيات القرن الماضي وأوائل ثلاثينياته. وتتجلى هذه الأزمة في افلاس عدد من كبريات المؤسسات المالية والمصرفية في الولايات المتحدة وأوروبا، وبحدوث اهتزاز خطير في المراكز المالية للمصارف وشركات الاستثمار والتأمين. وهو ما استدعى تدخلا مباشرا وغير مسبوق من قبل الدولة في عواصم البلدان الرأسمالية المتقدمة، اسنادا لمؤسساتها المالية وللحيلولة دون انهيارها، الذي من شأن تداعياته ان تخلق أزمة اقتصادية شاملة، تمتد الى ما يسمى بالاقتصاد الحقيقي، اي الى مجال انتاج السلع والخدمات وتوزيعها وتداولها. ازمة يتحمل وزرها الأكبر ملايين الشغيلة وعامة الشعب، وذلك سواء بتسريحهم من اعمالهم، او بفقدانهم الممتلكات الخاصة بسبب عدم قدرتهم على تسديد القروض والتوقف عن العمل في الكثير من ميادين النشاط الانتاجي والخدمي.
ومما يؤشر عمق الأزمة وخطورتها على النظام الرأسمالي، اضطرار زعماء نهج الليبرالية الجديدة الداعي إلى " تحرير " الأسواق وإقصاء الدولة عن الاقتصاد، إلى اقتراح خطط لـ "تأميم" المؤسسات المالية المأزومة، وزيادة "تدخل" الدولة في الشأن الاقتصادي.
فالأزمة تمثل تهديدا بالغ الخطورة للاقتصاد العالمي ككل، نتيجة الدور المتعاظم للرأسمال المالي، والتشابك المتنامي والاعتماد المتبادل بين اقتصادات الدول ارتباطاً باتساع عملية العولمة، وما يمكن أن يسببه الركود الاقتصادي من معاناة شديدة على الصعيدين الانساني والاجتماعي، ومن تداعيات محتملة على مختلف الصعد في البلدان المندمجة بالاقتصاد الرأسمالي المعولم. وهي من جانب آخر تعلن بصورة قاطعة فشل اطروحات الليبرالية الجديدة في اطلاق العنان لانفلات قوى السوق، والاعتماد المطلق على آلياتها لضبط حركة الأسواق وتوازنها.
وجاءت تصريحات بعض زعماء الدول الرأسمالية لتؤكد هذا الاستنتاج، حيث اعلنوا وجوب إجراء مراجعة كلية للنظام الرأسمالي، ولآليات عمله وضوابط حركة وتنظيم الأسواق، درءا لخطر رواج الأفكار والمشاريع المناهضة للرأسمالية والداعية لتجاوزها. وتتجلى الظاهرة الأساسية التي تقف وراء هذا الانهيار في نظام الائتمان في البلدان الرأسمالية، في ازدياد الفجوة بين وتيرة نمو حركة رؤوس الأموال والاقتصاد المالي من جهة، وحركة الاقتصاد الحقيقي من جهة ثانية، اي نمو انتاج السلع والخدمات وتبادلها.
وقد شهدت العقود الثلاثة الماضية، ارتباطاً بسياسات تحرير الأسواق من الضوابط المنظّمة لها، وخصوصاً الأسواق المالية، ، تنامياً متسارعاً لانتقال وتداول رؤوس الأموال والأوراق والسندات المالية وفي التوظيفات المالية، بحيث باتت قيمتها تساوي عدة أضعاف قيمة مبادلات السلع والخدمات. وقد ترتب على ذلك انفصام متزايد بين حركة ونمو المجالين: الاقتصاد المالي والاقتصاد الحقيقي، والهيمنة الشاملة للاقتصاد المالي والنقدي على النظام الاقتصادي العالمي، خاصة في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وخضوعه إلى منطق تحقيق أقصى الأرباح لحملة الأسهم والسندات، وغيرها من أدوات التوظيف المستحدثة، التي تشجع المضاربة الشديدة وتحمل مخاطر غير عقلانية.
وتعبر هذه الأزمة عن التناقضات الداخلية للرأسمالية المعولمة، وتكشف مجدداً عجز هذا النظام عن حل التناقضات المذكورة في إطاره، من جهة، ومحاولته انقاذ مؤسساته المالية المنهارة بما يحفظ مصالح الطغم المالية المتسببة في الأزمة، حتى عن طريق تحميل أعبائها لعموم المواطنين باستخدام أموال دافعي الضرائب.

وفي حين لا تزال الرأسمالية تمتلك من الثروات والأدوات ما قد يمكنها من احتواء الأزمة، بحيث لا تؤدي إلى انهيار النظام بأكمله، فان الأزمة ستفرض عليها طي صفحة الليبرالية الجديدة، ووضع ضوابط جديدة يفترض ان تحول دون انفلات حركة الأسواق المالية وتكرر انفجار أزمات مشابهة. وبذلك تكون الأزمة قد أعلنت نهاية أطروحات "نهاية التاريخ" و "أبدية النظام الرأسمالي" التي انتعشت بعد انهيار الأنظمة الاشتراكية في أوروبا، وهي تحفز عملية الانتقال الى عالم متعدد الأقطاب الاقتصادية. وهي بذلك تفتح افقاً جديداً لنضال القوى المناهضة للرأسمالية على الصعيد العالمي.
ان التداعيات التي أطلقتها هذه الأزمة ستشمل، بدرجات متفاوتة من الشدة، جميع مفاصل الاقتصاد العالمي. ومن المرجح أن تمس آثارها بلادنا بصورة مباشرة وغير مباشرة، من خلال تأثيراتها على أسعار الصرف والفائدة العالمية، وأسعار النفط والسلع والخدمات التي يتم استيرادها. ويلقي ذلك على القائمين على السياسة الاقتصادية في البلاد، سواء في الحكومة أو في البنك المركزي، مسؤولية توضيح هذه الآثار بصراحة وشفافية، واتخاذ التدابير اللازمة في مواجهة تأثيراتها السلبية على الاقتصاد الوطني. كذلك تؤكد الأزمة ودروسها ضرورة مراجعة سياستنا الاقتصادية والمالية كدولة، بما يحقق التوازن المناسب بين تدخل الدولة وحرية الأسواق، وذلك لتجنيب بلادنا سلبيات نهج التجريبية، والمواقف الايديولوجية المسبقة، التي تؤمن بالافضليات المطلقة للسوق، وتدعو إلى اطلاق الحرية الكاملة لحركته.




#الحزب_الشيوعي_العراقي (هاشتاغ)       Iraqi_Communist_Party#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلاغ عن الإجتماع الإعتيادي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العر ...
- المجد للأول من أيار ، عيد العمال العالمي!
- رسالة الرفيق فهد الى المرأة العراقية بمناسبة يوم النساء العا ...
- بلاغ عن إجتماع ل.م للحزب الشيوعي العراقي في 13 / 10 / 2007
- د. نزيهة الدليمي .. ذكراك ستبقى مضيئة !
- حول قرار مجلس الشيوخ الأمريكي - بناء الدولة وشكلها شأن عراقي ...
- المشروع الوطني الديمقراطي .... السبيل للخروج من الأزمة الراه ...
- رسالة الى الاحزاب الشقيقة والمنظمات والشخصيات الصديقة من الل ...
- برنامج الحزب الشيوعي العراقي - المؤتمر الوطني الثامن
- خيارنا الاشتراكي:دروس من بعض التجارب الاشتراكية
- النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي للمؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي العراقي
- عاش الاول من ايار المجيد، عيد العمال العالمي!
- كلمة اللجنة المركزية للحزب في الذكرى 73 على قاعة ملعب الشعب ...
- كارل ماركس في ذكرى وفاته
- وداعاً أيها الرفيق أبو بشرى
- تصريح الأعلام المركزي للحزب الشيوعي العراقي
- مقتطفات من مقابلة حول الوضع في العراق والسياسة الامريكية مع ...
- تصريح للاعلام المركزي للحزب الشيوعي العراقي حول جريمة مدينة ...
- تصريح الاعلام المركزي للحزب الشيوعي العراقي


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - الحزب الشيوعي العراقي - بلاغ اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي